المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4/ 5 - التفكير في الطرد: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

بعد هنري الرابع، ملك فرنسا) في حال ثورة المورسكيين، مقابل مساندتهم له إن غزا أراغون.

وفي سنة 1605 م، اكتشف ديوان التفتيش تخطيطًا لثورة المسلمين في مملكتي

بلنسية وأراغون القديمة، يتزامن مع إنزال فرنسي على سواحل مملكة بلنسية. واتفق سفراء المورسكيين على موعد الثورة مع بانيسو، سفير دوق دولا فورس، حاكم ولاية بيارن، لديهم. واكتشف الراهب بليدة المؤامرة فبلغ عنها. فقبضت الدولة على عدد كبير من زعماء المورسكيين الذين اتهمتهم بالتآمر، وأعدمتهم شنقًا. ثم أصدر نائب الملك على بلنسية الأمر بالقبض على كل مورسكي يحاول الخروج منها برًّا أو بحرًا.

وباختصار، يبدو أن الفرنسيين أرادوا استعمال المورسكيين لتخويف الإسبان، وخلق المشاكل لهم عند الضرورة، للحصول على مكاسب منهم بأرخص الأثمان. لذا لم يقدموا أية مساعدة عملية لمسلمي مملكة أراغون تساعدهم على الثورة.

وهكذا تبين للمورسكيين عدم جدية حلفائهم المحتملين، الواحد تلو الآخر، في إنقاذهم، وأنهم يستعملونهم لأغراضهم السياسية.

‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

وصلت الكنيسة والدولة في إسبانيا إلى اليأس التام من تنصير المسلمين، قبل أن ييأس الأندلسيون من تخليص أنفسهم من الاستعباد النصراني القشتالي الذي وقعوا فيه، ومن مساندة إخوانهم المسلمين من وراء البحار. فبعد إرغام الأندلسيين على التنصير، وحرق كتبهم، ومسخ ثقافتهم، ومصادرة أموالهم، واستعباد أبنائهم ونسائهم، وقتل رجالهم، وقمع ثوراتهم، ومتابعتهم لأتفه الأسباب، ومنعهم من لغتهم العربية وعاداتهم وأسمائهم، ومتابعة تشريدهم وتشتيتهم، وحرق زعمائهم، ثم خذلان الدول الإسلامية عبر البحار لهم، لم تصل الكنيسة الكاثوليكية ولا الدولة الإسبانية إلى النتيجة المبتغاة منهم. فانهزمت الكنيسة أمام تصميمهم على الثبات على الإسلام، وارتعبت الدولة منهم على ضعفهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس كلما اكتشفت أو تخيلت مؤامرة ضدها من طرفهم.

اطمأنت الدولة الإسبانية من وقوع ثورات جديدة في مملكة غرناطة بعد أن طردت عددًا كبيرًا من الغرناطيين سنة 1570 م وشتتتهم على أنحاء قشتالة، فوجهت اهتمامها إلى مسلمي مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، تهدد تجمعاتهم بالطرد

ص: 146

والتشتيت. وعندما رأى رجال الدولة والكنيسة، بعد بضع سنين من نفي الغرناطيين، أن ذلك النفي لم يؤد إلى نتيجة، بل ساعد المسلمين في مناطق أخرى على التشبث بالإسلام وقوى عزمهم على المقاومة، استنتجوا استحالة إخلاص الأندلسيين للنصرانية وأخذوا يفكرون في عدة اقتراحات لحل مشكلة المورسكيين حلاًّ جذريًّا. وانقسمت الاقتراحات إلى ثلاثة حلول: جمع المورسكيين في أحياء خاصة بهم؛ أو إفناؤهم جميعًا؛ أو طردهم خارج إسبانيا.

أما الحل الأول، فقد اقترحه سنة 1582 م الراهب فرانسسكو دي رباس، إذ اقترح أن يخير المورسكيون بين النصرانية والإسلام. فالذين يختارون النصرانية والاندماج في المجتمع النصراني، تتابع حراستهم ومراقبتهم من طرف النصارى القدامى. والذين يختارون الإسلام، يجمعون في أحياء خاصة بهم، ويسمح لهم باتباع دينهم، وبهذا ينتهي الجدال حول عقيدتهم وغموض وضعيتهم. وتراقب الأحياء الإسلامية بعدد من الجنود النصارى يمولون من طرف المسلمين، ويكون قضاتهم من النصارى. وفي سنة 1588 م، أرسل ألونسو كوتييرس من إشبيلية اقتراحًا شبيهًا بالأول. فهو يقترح تجميع كل مائتي عائلة موريسكية في تجمع سكني خاص بها تحت مراقبة متواصلة لنصراني موثوق به. ولا يقومون بشيء من شعائرهم الدينية، ولا يتزوجون إلا بإذنه، وينزع منهم السلاح، وتضاعف عليهم الضرائب، ويؤخذ منهم خمس الميراث، ويعاقبون عقوبات شديدة في حالة المخالفة، تتراوح بين الاستعباد والمصادرة والأعمال الشاقة في السفن والمناجم، ويمنعون من التنقل دون علامة واضحة على وجوههم تبين أنهم مسلمين.

أما الحل الثاني، فقد اقترحه سنة 1573 م الراهب تريخوس الذي كان من أب نصراني وأم مورسكية، وحمته عائلة أمه من القتل إبان ثورة غرناطة الكبرى. وقد قدم خطة للقضاء على المورسكيين باختطاف كل الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم ست سنوات وتسليمهم للنصارى القدامى لتربيتهم على دين النصرانية، ومنعهم من الزواج حتى لا يتناسلوا، وبهذا ينقرضون مع الأيام. واقترح المطران ربيرا القضاء على المورسكيين بالاسترقاق، وأخذ كل سنة بضعة آلاف رجل منهم للعمل في السفن والمناجم حتى يتم إفناؤهم. واقترح بعض وزراء فليبي الثاني جمع كل المورسكيين وحملهم على السفن ثم إغراقهم في عرض البحر. واقترح مارتين دي سالبتيرة، أسقف سقوربة بمملكة بلنسية، إخصاء كل الذكور المورسكيين، كبارًا وصغارًا، وبهذا

ص: 147

ينقرضون بسرعة. واقترح ألونسو كوتييرس، السابق الذكر، نفس الحل، ولكن فقط لتحديد نسلهم، وليس للقضاء عليهم جميعًا. واقترح أحدهم قتل المورسكيين دفعة واحدة، أو قتل البالغين منهم واسترقاق الباقين وبيعهم. وفي سنة 1581 م اقترح بدرو بونسي دي ليون، الذي قضى عشرين عامًا في خدمة الملك، إرسال شباب المورسكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 40 سنة للعمل في السفن، وبإبعاد الشباب عن المجتمع المورسكي يقل نسلهم وينقرضون مع الوقت، لأن الذين تتجاوز أعمارهم الأربعين تكون خصوبتهم محدودة.

أما الحل الثالث، فهو الذي كان له أكثر المساندين من بين رجال الدولة والكنيسة. ابتدأت فكرته تتبلور منذ اجتماعات الأشبونة التي حضرها فليبي الثاني، ملك إسبانيا، لتنصيبه ملكًا على البرتغال كذلك بعد هزيمتها في وادي المخازن. ففي 4/ 12 / 1581 م كون الملك لجنة لدراسة وضع الدولة الداخلي والخارجي الناتج عن "الخطر المورسكي"، فدرست الحلول المقترحة. وعقدت اللجنة اجتماعين آخرين في 19/ 6 / 1582 م و 13/ 9 / 1582 م، توصلت فيهما إلى قرار توصية الملك بطرد جميع المورسكيين خارج إسبانيا. وقدمت اللجنة التوصية لمجلس الدولة (الكورتس) بتاريخ 19/ 9 / 1582 م. وتعاطف الملك مع هذه التوصية من أول وهلة إذ، منذ سبتمبر عام 1582 م، أخذ يتصل سرًّا بكبار نبلاء الإقطاع في مملكة بلنسية لإقناعهم

بفائدة إخراج المورسكيين.

وتدارس مجلس الدولة محاسن ومساوىء طرد المورسكيين. فرأى أعضاؤه أن معظم المساوىء اقتصادية بسبب انخفاض دخل الملك والنبلاء إذا طرد المورسكيون، وسياسية بسبب احتمال حدوث اضطرابات عند إخراجهم، ودينية بسبب خسارة أرواح المورسكيين نهائيًّا للدين النصراني، ورأى أعضاء المجلس أن كل هذه المساوىء لا تساوي المحاسن التي تترتب عن هذا الطرد، وهي أن يعم السلام البلاد وأن تتوحد دينيًّا. لذا أجمع رجال الكنيسة على الموافقة على الطرد، بما فيهم أسقف طليطلة وأسقف بلنسية وقضاة التفتيش بهما. واقترح أسقف سقوربة طردهم إلى جزيرة جرداء كالأرض الجديدة (التابعة لكندا اليوم) حتى لا يزيدوا من قوة المسلمين إذا طردوا إلى أرضهم.

وبقيت فكرة الطرد بين المد والجزر، وقد اقتنع بها الملك ولكن تهيب من تنفيذها خوفًا من معارضة نبلاء مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، أمثال ماركيز دانية،

ص: 148

وانتظارًا لتوفير المصاريف الهائلة الضرورية لمثل هذا الطرد الجماعي، وكذلك لعدم موافقة الأوضاع الدولية. وحاصر كبار الدولة الملك بالرسائل التي تحرضه على الإسراع بطرد المورسكيين، كالرسالة التي توصل بها من طليطلة سنة 1584 م التي يقترح فيها كاتبها على الملك إخراج المورسكيين من طليطلة لتحصينها وإحلال النصارى مكانهم.

ولما تيقن الملك فليبي الثاني أن معظم الأهالي النصارى يساندون فكرة طرد المورسكيين، وأن الكنيسة تكاد تكون مجمعة عليه، وأن من السادة من اقتنع به ومعظمهم لن يعارضه، أصدر أمرًا ملكيًّا بتاريخ 18/ 1 / 1585 م بطرد جميع المورسكيين في ظرف شهرين، والحكم بالإعدام شنقًا لكل متخلف منهم. واستثنى الأمر أطفال المسلمين من الطرد وقرر أخذهم من آبائهم وتسليمهم للكنيسة لتنشئهم على الدين النصراني. ورغم أن مجلس الدولة أوصى بتطبيق هذا الأمر في شتاء السنة نفسها، فقد تردد الملك في تنفيذه، وبقي الوضع معلقًا. وعادت الكنيسة إلى أمل

تنصير المورسكيين. ففي 17/ 9 / 1587 م أصدر مجلس الدولة بمجريط توصية بإجراء حملة تنصير جديدة بين المورسكيين، رغم عدم اقتناعه بجدواها. وظل الوضع هكذا إلى أن مات فليبي الثاني في سنة 1598 م.

وخلف فليبي الثاني على عرش إسبانيا ولده فليبي الثالث (1598 - 1621 م)،

الذي كان يختلف عن سلفه اختلافًا كبيرًا. فبينما كان فليبي الثاني قوي الشخصية، كامل الاستبداد، كان فليبي الثالث منعدم الشخصية، تام المسالمة، فأصبح ألعوبة في يد الرهبان، وتحت نفوذ وزيره، دوق دي ليرما. وكانت الملكة مرغريتة النمساوية من طينته، ضعفًا وتعصبًا. وعند تولية فليبي الثالث، دخلت إسبانيا مرحلة سلام في علاقاتها الدولية بعد أن عقدت معاهدة مع فرنسا سنة 1598 م. كما اقتنع حينذاك نبلاء مملكتي بلنسية وأراغون القديمة بإمكانية استبدال عمالهم المسلمين بمهاجرين نصارى من فرنسا.

وفي 30/ 1 / 1599 م عقد مجلس الدولة اجتماعًا بحث فيه موضوع طرد المورسكيين، وأوصى هذه المرة بطرد الرجال الذين تزيد أعمارهم عن الستين سنة، والنساء، إلى شمال إفريقيا. أما الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 60 سنة، فيحكم عليهم بالأشغال الشاقة فوق السفن مدى الحياة كعبيد، وبمصادرة جميع

ص: 149

أملاكهم، ويسلم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة للكنيسة لتنشئهم على الديانة النصرانية.

وفي 2/ 2 / 1599 م تقدم الوزير الدوق دي ليرما لمجلس الدولة بمشروع للخلاص من المورسكيين، قال فيه إن المورسكيين الآن مسلمون كما كانوا وسيظلون. وأوصى بإعدام كل من هم بين الخامسة عشرة والستين من العمر منهم، أو استعبادهم أو إرسالهم للعمل فوق السفن مع مصادرة أملاكهم. وأوصى الوزير بإرسال الرجال الذين جاوز عمرهم الستين، والنساء، إلى شمال إفريقيا، وتسليم الأطفال للكنيسة ليتعلموا الدين النصراني. وتابع مجلس الدولة دراسة الموضوع طوال سنة 1599 م في سرية تامة مخافة ثورة المورسكيين، واقترح تهيىء قوة عسكرية كبيرة للإشراف على الطرد، وإحصاء جميع المورسكيين الموجودين في ممالك إسبانيا.

وفي عام 1599 م، اجتمع مجلس مملكة بلنسية الإقليمي بحضور أسقفها وأسقف إسبانيا، الكاردينال كاسبار دي قرطبة، وكبار رجال الكنيسة، ودرس مرة أخيرة طرق تنصير المورسكيين، وفي نفس السنة تزوج الملك فليبي الثالث بمرغرينة النمساوية عند صديقه دوق دانية، في مملكة بلنسية، حيث درس وضع المورسكيين عن كثب. وبعد زيارته، كتب رسالة بتاريخ 23/ 5 / 1599 م إلى الكاردينال خوان دي ربيرا، أسقف بلنسية، يأمره فيها بالعمل من جديد على تنصير المورسكيين، وتعيين قساوسة جدد، وتدريب الوعاظ، وطبع الكتب لتعليم العقيدة النصرانية، وتأسيس مدرسة للراهبات المورسكيات لتعملن في الأديرة وبيوت النصارى القدامى. وهذا الأمر يدل على أن الملك لم يكن حينذاك يفكر جديًّا في طرد المورسكيين. ولكن أسقف بلنسية كان يعتقد استحالة تنصير المورسكيين، ويساند قرار مجلس الدولة بتاريخ 30/ 1 / 1599 م بطردهم.

وفي 19/ 2 / 1600 م، درس مجلس مملكة بلنسية الإقليمي اقتراح أسقف إسبانيا، الكاردينال دي قرطبة، بإخراج مسلمي بلنسية وتوزيعهم على قشتالة، فنصحه ونصح الكاردينال دي ريبيرا بالاعتدال، وشدد على ضرورة الاكتفاء بطرد فقهاء الإسلام كلما اكتشفوا، واختصار مدة العفو التي صدرت من بابا روما من سنتين إلى سنة واحدة. ثم طلب المجلس من الكنيسة أن تعقد اجتماعًا على مستوى مملكة بلنسية لدراسة تنصير المورسكيين وإنشاء ميلشيات لقمع أي تمرد يصدر عنهم.

ص: 150

لكن الكاردينال دي ربيرا ظل يطالب الملك بطرد المورسكيين. فكتب في أواخر عام 1601 م رسالة إلى الملك يشكو فيها عنادهم وتماديهم في عدم الإخلاص للنصرانية، ويؤكد فيها خطرهم على الدين النصراني والدولة الإسبانية، إلى أن قال إنهم إن لم يطردوا "فسأرى في حياتي ضياع إسبانيا" ويصر في رسالة ثانية بتاريخ يناير 1602 م على ضرورة طردهم لأنهم "ملحدون عنيدون وأعداء للتاج الملكي".

وفي 3/ 1 / 1602 م، بعد فشل هجوم إسبانيا على الجزائر، عقد اجتماع لمجلس الدولة، حضره كبار رجالها، اقترح فيه أعضاؤه طرد جميع المورسكيين، ابتداءً من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، لعلاقاتهم السرية مع الفرنسيين، ووافق بعضهم على نقلهم إلى شمال إفريقيا شرط الاحتفاظ بأطفالهم. ورأى الوزير دي ليرما والكاردينال دي قرطبة أنه من الفظاعة طرد رجال نصروا إلى بلاد المسلمين وإجبارهم بذلك على الدخول في الإسلام، واقترحا أخذ رأي بابا روما في الموضوع، كما تخوفا من ثورة مسلحة. أما فليبي الثالث فقد أجاب على الاقتراح كتابة بقوله:"إذا أمكن طردهم بدون تأنيب الضمير فإني أعتقد أن ذلك هو الحل الأفضل".

وتتابعت الاجتماعات، وتشعبت الآراء. وفي سنة 1604 م، اجتمع مجلس الدولة ببلنسية بحضور الملك، وركز مرة أخرى على ضرورة تقوية مجهودات التنسيق. وفي مايو سنة 1606 م، أرسل بابا روما رسائل إلى أسقف بلنسية وغيره، يطلب فيها من رجال الكنيسة في مملكة بلنسية تدارس طرق تنصير المورسكيين تنصيرًا جديًّا. ولم تأخذ الأوضاع مجرى جديدًا إلا بدخول سنة 1608 م كما سنرى في الفصل القادم.

ص: 151