المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

إلى أن قال:

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في القلب إسلام وإيمان

‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

ثبتت غرناطة ولم تنهزم تحت ضربات النصارى بسبب مساندة المغاربة مرة أخرى. وكان الوضع في المغرب قد تحسن والتفت الكلمة فيه حول الدولة المرينية.

وكان ابن الأحمر مؤسس الدولة النصرية قد أوصى قبل وفاته ولي عهده ومن أتى بعده بالتشبث بالمغاربة والتحالف معهم لضمان الوجود الإسلامي في الأندلس. كما استغاث بالسلطان أبي يوسف المريني لصد هجوم النصارى على الجزيرة الخضراء.

وجاء الإنجاد المغربي بعد وفاة ابن الأحمر وتولى ابنه أبو عبد الله محمد الفقيه سنة 671 هـ (1273 م) فخرج السلطان أبو يوسف المنصور من عاصمته فاس سنة 673 هـ وعبر إلى الأندلس في صفر سنة 674 هـ (يوليوز عام 1275 م) في جيش كثيف من المغاربة داعيًا إلى الجهاد لحماية الإسلام وأهله في الأندلس، وانضم إليه جيش الأندلسيين وعلى رأسه السلطان النصري. ووقع اللقاء بين الجيوش الإسلامية والنصرانية قرب أستجة بين إشبيلية وقرطبة في يوم 25 ربيع الأول سنة 674 هـ (9/ 9/ 1275 م) وكان الفوز فيه للمسلمين على النصارى الذين سقط رئيسهم"دون نونيو" ولحقت بهم خسائر فادحة. ثم رجع السلطان أبو يوسف إلى المغرب في أواخر رجب عام 674 هـ، بعد أن رفع معنويات الأندلسيين. ثم عاد السلطان أبو يوسف المريني مرة ثانية إلى الأندلس سنة 677 هـ وتوغل بجيشه في الأراضي التابعة للنصارى إلى ضواحي إشبيلية.

لكن سلطان الأندلس أوجس خيفة من المغاربة وحاول التحالف مع النصارى ضدهم، فسلم للقشتاليين الجزيرة الخضراء، فأرسل السلطان أبو يوسف المريني جيشًا بإمرة ابنه أبي يعقوب، عبر المضيق سنة 678 هـ وهزم النصارى وحرر الجزيرة الخضراء، ثم فكر في التحالف مع النصارى ضد الأندلسيين فنهاه والده السلطان، وعادت المياه إلى مجاريها. وفي صفر سنة 684 هـ عبر جيش مغربي المضيق للمرة الرابعة برئاسة السلطان أبي يوسف المنصور، وغزا مناطق النصارى من شريش إلى أحواز إشبيلية وحتى لبلة وأستجة. ونتج عن ذلك عقد هدنة مع النصارى. وتأسست في نفس الوقت مشيخة الغزاة في غرناطة برئاسة شيخ من بني مرين تنظم المتطوعين المغاربة الذين يدافعون عن أرض الأندلس. وقفل السلطان أبو يوسف راجعًا إلى

ص: 39

المغرب، لكن أصابه المرض ووافاه الأجل المحتوم في الجزيرة الخضراء، وخلفه على عرش المغرب ابنه السلطان أبو يعقوب. فتوثقت بينه وبين السلطان أبي عبد الله الفقيه العلاقات الطيبة والتحالف التام. ولما نكث النصارى بعهودهم وهاجموا الأراضي الإسلامية، قاد السلطان أبو يعقوب جيشًا عبر به المضيق سنة 690 هـ واقتحم أراضي النصارى إلى أحواز إشبيلية ثم عاد إلى المغرب أوائل سنة 691 هـ.

وزاغ السلطان أبو عبد الله مرة ثانية وتحالف مع النصارى ضد المغاربة وسلم لهم مدينة طريف سنة 692 هـ (1292 م). لكنه أفاق من زلته وجاز إلى سلطان المغرب معتذرًا مستسمحًا، فصفا الجو من جديد. ثم تابع السلطان أبو عبد الله الجهاد بمفرده على رأس جيشه الأندلسي وضم أراضٍ وقلعًا ومدنًا كثيرة في منطقة جيان إلى الأراضي الإسلامية بين سنتي 695 و 699 هـ (1295 - 1299 م). وقبيل وفاته بدأ سياسة أندلسية جديدة بالتقارب مع مملكة أراغون النصرانية على حساب مملكة قشتالة. وهكذا وجدت مملكة غرناطة توازنها في تحالفها مع المغرب وأراغون قبالة قشتالة التي كانت تمثل الخطر النصراني عليها.

وتوفي السلطان أبو عبد الله الفقيه في شعبان سنة 701 هـ (1302 م) بعد حكم دام ثلاثين سنة عن عمر يناهز 68 عامًا. فخلفه ولده أبو عبد الله محمد المخلوع الذي كان ضريرًا، أديبًا وفقيهًا، لكن لم يكن رجل دولة. فغلب عليه وزيره، وساءت أمور الدولة الداخلية، كما ساءت علاقة مملكة غرناطة في أيامه مع المغرب. وتحالف المخلوع مع قشتالة ضد المغرب. فثار عليه أهل غرناطة سنة 708 هـ (1309 م) وخلعوه وبايعوا مكانه أخاه أبو الجيوش نصر. وكان هو كذلك أديبًا ولوعًا بالرياضة والفلك، لكنه لم يحسن تدبير الدولة. فتوالت الأزمات، وانتهز النصارى هذه الفرصة فغزوا أراضي المسلمين سنة 709 هـ (1309 م). فتحالفت قشتالة وأراغون، وحاول الأراغونيون احتلال المرية ففشلوا، لكن القشتاليين احتلوا الجزيرة الخضراء وجبل طارق. ولما وافق السلطان نصر على أداء الجزية لطاغية قشتالة، ثار أهل غرناطة عليه وخلعوه سنة 713 هـ (1314 م). وانقرض بذلك الملك من عقب مؤسس الدولة، وانتقل إلى عقب أخيه أبو الوليد إسماعيل بمبايعة السلطان أبو الوليد إسماعيل بن الرئيس أبو سعيد فرج بن أبي الوليد إسماعيل أخي أبي عبد الله محمد بن الأحمر.

امتاز عصر السلطان أبو الوليد إسماعيل بتوطيد الدولة الأندلسية واستقرار الأمور وإحياء عهد الجهاد وصفو العلاقات مع المغرب. وفي سنة 716 هـ هجم القشتاليون

ص: 40

على غرناطة وعانوا في أراضيها فسادًا، ثم هاجموا غرناطة سنة 718 هـ (1318 م)، فخرج لهم الجيش الأندلسي فهزموه. ثم عمد السلطان أبو الوليد إسماعيل على تحصين مدينة الجزيرة الخضراء. وفي سنة 721 هـ جدد معاهدة الصلح مع أراغون، ثم قام بغزو أراضي النصارى في منطقة جيان: بياسة سنة 724 هـ، ومرتش سنة 725 هـ. لكنه اغتيل بعد هذه الموقعة بقليل من طرف أحد الأمراء.

فخلفه ولده أبو عبد الله محمد. فساء السيرة، إذ نشب بينه وبين مشيخة الغزاة خلاف أدى إلى حروب داخلية استغلها القشتاليون لغزو أراضي المسلمين. فعبر السلطان أبو عبد الله البحر إلى المغرب سنة 732 هـ مستنجدًا بالسلطان أبي الحسن المريني. فاستجاب السلطان أبو الحسن وأرسل جيشًا بإمرة ابنه، وتعاون المغاربة والأندلسيون في تحرير جبل طارق من يد النصارى سنة 733 هـ (1333 م). ولكن السلطان أبو عبد الله اغتيل بعد هذا النصر من طرف مشيخة الغزاة قبل رجوعه إلى غرناطة.

فخلفه أخوه أبو الحجاج يوسف، وكان من أعظم ملوك بني نصر رغم حداثة سِنِّه (16 سنة عند بيعته). كان عالمًا شاعرًا بناءً، وقد اكتسب قصر الحمراء في أيامه كثيرًا من أبهته المعروفة به اليوم. فأبقى في تسيير أمور الدولة وزيره أبو النعيم رضوان. وكان من بين وزرائه الكاتب والشاعر أبو الحسن بن الجياب. ولما توفي ابن الجياب في الوباء الكبير سنة 749 هـ خلفه في الوزارة لسان الدين بن الخطيب.

ولمّا بويع السلطان أبو الحجاج يوسف اشتدت وطأة القشتاليين على أراضي المسلمين، فاستنجد بالسلطان أبي الحسن المريني الذي أرسل جيشًا بإمرة ابنه أبي مالك، فهزمه النصارى سنة 740 هـ (1339 م) وقتل أبو مالك. فعبر السلطان أبو الحسن بنفسه البحر إلى الأندلس، فهزمه النصارى شر هزيمة في موقعة نهر سلادو في جمادى الأولى سنة 741 هـ (30/ 10 / 1340 م)، ووقع معسكر سلطان المغرب في يد الأعداء وذبح أولاده، فارتد إلى المغرب. ورجع السلطان أبو الحجاج بفلول الجيش الأندلسي إلى غرناطة. وكانت موقعة نهر سلادو أقبح هزيمة للمسلمين لم يعبر بعدها المغاربة البحر قط، وبقي الدفاع على أرض الأندلس في يد الأندلسيين ومن انضم إليهم من المتطوعين المغاربة. وتابع القشتاليون ضغطهم على المسلمين، فاستولوا على قلعة يحصب سنة 742 هـ. واستمر أبو الحجاج يوسف يعالج أمور غرناطة في سلام وأمن إلى سنة 755 هـ (أكتوبر سنة 1354) حينما اغتاله مخبول بعد

ص: 41

يوم عيد الفطر في المسجد الأعظم دون سبب مفهوم، وعمره لم يتجاوز السابعة والثلاثين.

فخلفه في الملك ابنه أبو عبد الله محمد الغني بالله، وكان حدثًا فاستأثر بالحكم الحاجب رضوان، وكان من بين كتابه لسان الدين بن الخطيب الذي أرسله إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني فور توليه يستنصره على النصارى. وشغلت قشتالة بحوادثها الداخلية فأمنت غرناطة بعض الوقت. لكن ثورة داخلية قامت ضد السلطان أبي عبد الله محمد الغني بالله، فخلع ونصب محله أخوه أبو الوليد إسماعيل سنة 760 هـ فالتجأ السلطان المخلوع مع ابن الخطيب إلى فاس عند السلطان أبي سالم المريني. ثم قامت ثورة أخرى سنة 761 هـ في غرناطة وأطاحت بأبي الوليد إسماعيل فقتل ونصب محله أبو سعيد ألبرميخو (الأحمر) بن إسماعيل بن محمد بن الرئيس أبي سعيد فرج. فعمل الغني بالله على استعادة ملكه بمساعدة المغاربة، ففر أبو سعيد إلى قشتالة وبويع السلطان أبو عبد الله محمد الغني بالله من جديد سنة 763 هـ (1362 م)، والتحق به وزيره لسان الدين بن الخطيب. وأول ما عمله الغني بالله عند عودته لملكه إلغاء خطة مشيخة الغزاة من بني مرين، وصار أمر الغزاة والمتطوعة المجاهدين إلى السلطان مباشرة. وأمنت غرناطة لمدة وجيزة من شر قشتالة التي التهت بحروبها الداخلية. وفي سنة 773 هـ هاجر ابن الخطيب إلى المغرب عندما رأى أن الغني بالله تغير عنه، وأخذ مكانه في غرناطة تلميذه ابن زمرك. وقتل ابن الخطيب في فاس سنة 776 هـ في ظروف مأساوية. تابع الغني بالله الجهاد ضد قشتالة بعد هجومها على ضواحي مدينة رندة سنة 767 هـ. فغزا بين سنة 768 إلى 771 هـ (1370 م) مناطق جيان وإشبيلية وأطريرة. وركز الغني بالله فيما تبقى من حكمه على البناء والتصميم والتشييد. ووقع معاهدة سلام مع مملكة أراغون تعهدت فيها أراغون بالسماح بهجرة المدجنين الراغبين في ذلك إلى غرناطة. وكان عهد الغني بالله عهد تقدم في الآداب والعلوم إلى أن وافاه الأجل المحتوم سنة 793 هـ (1391 م).

ولمّا توفي الغني بالله خلفه ولده أبو الحجاج يوسف، فاستبد بالأمر وزيره خالد وقتل أخوته، ثم سخط السلطان على وزيره فقتله وهادن قشتالة. وثار ولده محمد عليه ففشل. ورغم هذه الأحداث الداخلية المؤلمة قام المسلمون بالإغارة على النصارى في أحواز مرسية ولورقة كما صدوا بقوة هجومًا نصرانيًّا على مرج غرناطة.

وتوفي السلطان يوسف في أوائل سنة 797 هـ (1394 م).

ص: 42

وخلف يوسف ولده أبو عبد الله محمد، فسعى إلى مهادنة قشتالة. لكن سرعان ما نكث القشتاليون بالعهود وأغاروا على غرناطة، فصدهم المسلمون وأغار السلطان محمد على ولاية الغرب. ثم صارت الحرب بين القشتاليين والأندلسيين سجالاً إلى أن عقدت الهدنة في 6/ 10 / 1406 م لمدة عامين، فنكثت بعد شهور. ثم عقدت هدنة أخرى لمدة ثمانية أشهر سنة 811 هـ (1408 م)، توفي أثرها السلطان أبو عبد الله بعد عودته إلى غرناطة. وهكذا أصبحت الحرب بين غرناطة وقشتالة متواصلة بدون انقطاع، ودون مساندة من المغرب، وغرناطة تحاول الحفاظ على توازنها بالتعاهد مع أراغون، الدولة النصرانية في الجزيرة الإيبرية المنافسة لقشتالة. فعقد السلطان محمد معها معاهدة صداقة وتحالف لمدة خمس سنوات سنة 808 هـ (1405 م).

وخلف السلطان محمد بعد وفاته أخوه السلطان يوسف، فسعى إلى تجديد الهدنة مع قشتالة لمدة سنتين. لكن بعد انتهاء الهدنة ابتدأ القشتاليون الحرب بالهجوم على أنتقيرة فاحتلوها سنة 1412 م بعد حصار طويل، وعاث النصارى في أراضي المسلمين فسادًا. فسعى السلطان يوسف إلى الهدنة مرة أخرى مع قشتالة دون أن يسترجع أنتقيرة، فساد الوئام لمدة وجيزة بين قشتالة ومملكة غرناطة. وتوفي السلطان يوسف سنة 820 هـ (1417 م)، وكان سلطانًا عاقلاً فارسًا، سياسيًّا ماهرًا مخلصًا لأمته.

وخلف السلطان يوسف ابنه أبو عبد الله محمد الملقب بالأيسر، وكان سيىء الأخلاق متباعدًا عن شعبه يحكم عن طريق وزيره يوسف بن سراج. فساءت أحوال غرناطة واشتد سخط الشعب، وتكاثرت الثورات بتشجيع من قشتالة مما أدى إلى إضعاف الدولة الإسلامية والتعجيل بفنائها. وعندما زحف النصارى على وادي آش سنة 831 هـ (1428 م) وعاثوا فيها دون أن يردهم السلطان الأيسر ثار عليه الأهالي وخلعوه ونصبوا ابنه أبا عبد الله محمدًا الزغير، بينما فر الأيسر إلى تونس في أهله. ورغم خصائله لم يفلح الزغير في إخماد الدسائس المستمرة. فتحالف ضده يوسف ابن سراج وعمل، بالاتفاق مع طاغية قشتالة، على إرجاع السلطان الأيسر سنة 833 هـ (1430 م). فأعاد السلطان الأيسر بني سراج وحاول أن يهادن قشتالة، فشرطت شروطا مؤداها ضياع استقلال الأندلس، وعند رفضه أغارت قشتالة على غرناطة سنة 1431 م وعاثت فيها فسادًا. فزاد ذلك في الفتن الداخلية.

ص: 43

وفي سنة 835 هـ (1432 م) قامت قشتالة بمؤامرة للإطاحة بالسلطان الأيسر ووضع محله سلطانًا يوسف بن المول، وهو سبط السلطان أبي عبد الله محمد عم الأيسر، الذي وقع مع قشتالة معاهدة خضوع وولاء. فنجحت الثورة بمساندة قشتالة وأصبح ابن المول سلطانًا على غرناطة. لكنه توفي بعد ستة أشهر من توليه، فاتفق الجميع على رد الأمر للسلطان الأيسر. وقام الأيسر لقتال القشتاليين، فهزمهم غير ما مرة. وفشلت محاولة النصارى لأخذ جبل طارق سنة 840 هـ (1436 م). وهكذا كانت الحروب سجالاً بين غرناطة وقشتالة. فاستنجد السلطان الأيسر بمصر عندما اشتدت وطأة النصارى عليه ولم ينجده المغاربة لدخول الدولة المغربية مرحلة انحلال. فلم يفز من مصر بطائل.

وتتابعت الفتن إلى أن ثار أبو عبد الله محمد الأحنف بن نصر بن أبي عبد الله الغني بالله على السلطان سنة 845 هـ (1441 م) وخلعه وبويع محله. ولم تهدأ الفتن ببيعة الأحنف إذ كان بنو سراج يعارضونه ويساندون أبا الحجاج يوسف بن أحمد بن إسماعيل بن أبي الحجاج بن الغني بالله، فتغلب هذا الأخير على غرناطة بمساندة النصارى. ولكن لم يمكث شهورًا حتى استرجع الأحنف ملكه سنة 849 هـ (1446 م)، وانتقم من النصارى بغزوهم، وهزمهم عدة مرات خاصة سنة 852 هـ (1450 م). وتابع النصارى مساندتهم لأبي الحجاج يوسف، وبقي الأحنف سلطانًا إلى سنة 863 هـ (1458 م). ثم خلفه في الحكم الأمير سعد بن محمد بن أبي الحجاج يوسف بن الغني بالله، وبقي سلطانًا إلى سنة 867 هـ (1462 م). تم عزل وبويع من جديد أبو الحجاج يوسف بن أحمد بن إسماعيل وظل سلطانًا إلى سنة 868 هـ (1463 م) حيث بويع من جديد الأمير سعد.

وفي هذه السنين المضطربة المليئة فتنًا داخلية وتواطؤًا مع النصارى وحروبًا متواصلة معهم، استنزفت مملكة غرناطة قواها وضاعت منها قلاع ومدن متعددة. وكانت الضربة المؤلمة سقوط جبل طارق في يد النصارى سنة 867 هـ (1462 م)، فانقطع بذلك حبل النجاة مع المغرب.

وهكذا راجعنا باختصار تاريخ مملكة غرناطة ورأينا كيف أنها خرجت من ضعف إلى قوة، وصمدت أمام حرب صليبية متواصلة لمدة قرنين بفضل صمود الجبهة الداخلية ومساندة المغاربة وسياسة التوازن بين الدولتين النصرانيتين، أراغون وقشتالة. رأينا كيف ساءت أوضاع المملكة الإسلامية بسبب ضعف الجبهة الداخلية وكثرة الفتن

ص: 44