الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلوب. ولم ينخفض على النصف سوى المرية، ورغم ذلك لم يصوت بـ "لا" فيها سوى 4 في المائة من مجموع الناخبين المسجلين فيها. ولذا عد الأندلسيون استفتاء 28/ 2/ 1980 م نصرًا تاريخيًّا للأندلس ووجودها.
ورغم محاولة الحكومة رفض نتيجة الاستفتاء بسبب تصويت المرية، اضطرت إلى قبوله لما كان لموقفها من غرابة، إذ من بين الذين أدلوا بأصواتهم في المرية صوت 82.5 في المائة بالموافقة على السؤال المطروح.
وبعد الاستفتاء، ابتدأ زعماء الأندلس في تخطيط نظم منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي ودستورها ونشيدها الوطني وعلمها، الخ
…
9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:
تكونت منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي من المقاطعات الثمانية التي شاركت في الاستفتاء وهي: ولبة وإشبيلية وقادس وقرطبة ومالقة وجيان وغرناطة والمرية.
واختيرت إشبيلية عاصمة لها، كما وافقت الحكومة الإسبانية على دستورها (بما في ذلك مدى حكمها الذاتي) ورموزها (الترس والعلم والنشيد الوطني) وحقوقها.
كان ترس الأندلس الرمزي الأول هو الذي وجد على باب قصبة قرطبة، والذي يعود تاريخه إلى عهد عبد الرحمن الناصر الأموي. ويمثل الترس المذكور مئذنة مسجد قرطبة الجامع تعلوها ثلاثة كويرات نحاسية، وتحيط بالمئذنة أسوار مدينة قرطبة وأربع نخلات، ويمر تحت الأسوار الوادي الكبير عليه جسر وبشاطئه ناعورة. يرمز هذا الترس إلى معاني الأندلس الأزلية، وقد أحياه القوميون الأندلسيون وجعلوه شعارًا للأندلس الحديثة، وزادوا عليه هذا البيت مكتوبًا باللغة العربية والحرف الكوفي:
قرطبة موطن الحرب والفرسان
…
ومورد الحكمة الصافي والعرفان
أما الترس الذي اتخذه الأندلسيون شعارًا للأندلس ذات الحكم الذاتي هو كذلك من ابتكار بلاس إنفانتي في مجلس رندة سنة 1918 م حيث قدمه بالعبارات التالية: "لكي نتفق على ترس للأندلس، نستلهم رموزه من ترس قادس، مولد شعبنا منذ أيام الطرطيسيين في السنين الغابرة؛ وهو يعبر عن مجهود انبعاث وطن على المستوى الثقافي. وتظهر في الترس صورة لهرقل شابًّا، رمز القوة الشابة الدائمة للعقل الذي يتحكم وينسق القوة المادية الحيوانية المتمثلة في أسدين (تحت قدم هرقل). ويكتب
على قدم الترس: "الأندلس لنفسها ولإسبانيا وللبشرية". وباللغة اللاتينية على رأس الترس (فوق ساريتين)"هرقل المؤسس الحاكم" التي تلخص ترس قادس".
نرى تركيز هذا الترس على تاريخ ما قبل إسلام الأندلس، وعلى مدينة قادس بالذات التي كانت مركز الانطلاقة للقومية الأندلسية في أوائل القرن التاسع عشر بعد الغزو النبليوني الفرنسي. ولقد وافق الأندلسيون المعاصرون على تبني هذا الترس بعد أن أجروا عليه تغييرات خفيفة في صورة هرقل.
أما العلم الأندلسي المعاصر فيعود إلى جذور إسلامية محضة، وهو مكون من ثلاثة هوامش أفقية متساوية، خضراء في الأعلى والأسفل وبيضاء في الوسط. وقد وافق عليه كذلك مجلس رندة سنة 1918 م.
ويرمز اللون الأخضر في العلم الأندلسي إلى الدولة الأموية في الأندلس التي كان علمها أخضر، بينما يرمز اللون الأبيض إلى الدولة الموحدية ذات العلم الأبيض. وبما أن الأمويين استعملوا العلم الأخضر منصوبًا على أعلى مئذنة الجامع الأعظم بقرطبة للدعوة إلى الصلاة، وأن الموحدين أدخلوا العلم الأبيض لتوحيد الأندلس بعد شتاتها إلى طوائف، اختار بلاس إنفانتي اللونين رمزًا للأندلس الجديدة: الأخضر رمزًا لدعوة الحوار والشورى، والأبيض رمزًا للائتلاف والوحدة والسلام. وبعبارة بلاس إنفانتي في خطاب ألقاه في قادس سنة 1936 م قبل استشهاده بقليل:"إن العلم الأندلسي الذي رفعناه هنا هذا المساء، رغم أنه رمز الأمل والسلام، لن يأتي لنا لا بالأمل ولا بالحرية اللتين نتطلع إليهما إلا إذا رفعناه عاليًا في قلوبنا".
ويعود تاريخ العلم الأخضر والأبيض على شكله الحالي الذي استعاده بلاس إنفانتي ووافق عليه الشعب الأندلسي، وأصبح اليوم علم منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي إلى السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي الذي رفع مثل هذا العلم على مئذنة مسجد إشبيلية الأعظم في 18/ 7/ 1195 م بعد انتصاره على الجيوش النصرانية في معركة الأرك معلنًا بذلك انتصار الشعب الأندلسي (الأخضر) المسلم الموحد (الأبيض).
وبقي هذا العلم في مخيلة الأندلسيين، فرفعوه عاليًا في مقاومتهم المريرة لغزو غرناطة من طرف نصارى قشتالة حتى سقوطها سنة 1492 م. فكان هذا العلم، الأخضر والأبيض، علم السلطان أبي عبد الله عندما قبض عليه القشتاليون على أبواب
اليسانة. وقد غنم القشتاليون 22 علمًا من هذه الأعلام النصرية، بقي بعضها في المتاحف الإسبانية إلى يومنا هذا.
ولم يسقط العلم الأخضر والأبيض بسقوط غرناطة، بل ظل في قلوب الأندلسيين شعارًا لهم يخرجونه في ثوراتهم المتتالية. فقد ظهر هذا العلم مرة أخرى سنة 1641 م كعلم ثورة طاهر الحر ودوق مدينة شذونة، كما كان علم معظم الثورات الشعبية الأندلسية في القرن التاسع عشر الميلادي.
وهكذا نرى أن العلم الأندلسي المعاصر هو علم إسلامي محض، رجع فيه الأندلسيون المعاصرون باختياره إلى ينابيعهم الإسلامية وكل ما فيها من رموز عليا من الأخوة والمحبة والوحدة والإيمان بالله واحترام خلق الله ومحبتهم. وظل اللونان الأخضر والأبيض في المخيلة الأندلسية الجماعية محبوبين ممثلين النور والأمل.
أما النشيد الوطني الأندلسي فيعود اختياره كنشيد القومية الأندلسية إلى اجتماع رندة كذلك في يناير سنة 1918 م. وهو من تأليف بلاس إنفانتي موسيقى وكلمات، بالتعاون مع المعلم قشتيليو، مدير الجوق البلدي الإشبيلي حينذاك. أما الكلمات فهي عبارة عن أربع رباعيات باللغة القشتالية هذه ترجمتها:
الراية البيضاء والخضراء
…
تعود عبر قرون من الحرب
لتعلن السلام والأمن
…
تحت شمس أرضنا
أيها الأندلسيون قوموا
…
اطلبوا الأرض والحرية
ليكونا للأندلس الحرة
…
إسبانيا والبشرية
نحن الأندلسيون نريد
…
أن نعود كما كنا
رجال ضياء، الذين للعالم
…
أعطوا أرواح الرجال
أيها الأندلسيون قوموا
…
اطلبوا الأرض والحرية
ليكونا للأندلس الحرة
…
إسبانيا والبشرية
وقد اقتبس بلاس إنفانتي موسيقى النشيد الوطني الأندلسي من التقاليد الموسيقية الأندلسية المتوارثة منذ أيام المسلمين، والتي حافظت على بعضها موسيقى "الفلامنكو"، وهي عبارة عربية أصلها "فلاح منكوب"، وظل النشيد الوطني الأندلسي
فريدًا من نوعه من بين الأناشيد الوطنية لكونه ليس نشيدًا عسكريًّا بل يوحي بالحنين إلى الأصالة والسلام.
استوحى الأندلسيون دستورهم الحالي من المحاولات الحديثة للحصول على نظام خاص للأندلس يضمن لها الحكم الذاتي، أولها دستور أنتقيرة لسنة 1883 م الذي نصت فقرته الأولى على أن الأندلس أمة ذات سيادة وحكم ذاتي، تنظم نفسها في جمهورية ديموقراطية تمثيلية، لا تحصل على قوتها من أية سلطة خارجة عن المجموعات الكانتونية المستقلة التي تكونها حسب هذا الاتفاق.
وتوصل اجتماع قرطبة في 29 - 31/ 1 / 1933 م إلى تحرير دستور جديد للأندلس تسترجع به شخصيتها وتبني مستقبلها مع احترام خصوصيتها. وقد عالج دستور قرطبة قواعد التنظيم الجهوي في الأندلس وتمثيل المناطق ومسؤوليات الحكومة الأندلسية، وسلطات البلديات، وشروط الجنسية الأندلسية، والشؤون المالية. كما عالج الدستور الترتيبات التنفيذية والتشريعية والعدلية. وقرر الاجتماع عدم تغيير الدستور الأندلسي أو تبديله إلا بنفس الضمانات التي حرر بها.
أما الدستور الأندلسي الحالي، الذي يسمى بدستور قرمونة، فيعود تحريره إلى ديسمبر سنة 1978 م، حين اجتمع المجلس الأندلسي (الخونتا) برئاسة بلاسيدو فرناندس بياغاس، فوقع الحاضرون على "اتفاق حكم ذاتي" يتعهدون فيه على العمل لحصول الأندلس على أكبر قدر من الحكم الذاتي في أقصر مدة ممكنة. وفي 23/ 6 / 1979 م، وافق جمع الخونتا الأندلسية المنعقد في غرناطة بالإجماع على المطالبة بالحكم الذاتي عن طريق المادة 151 من الدستور الإسباني. وفي 15/ 8 / 1979 م، حرر "دستور الأندلس" في قرمونة بموافقة الأحزاب الحاضرة حينذاك: الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، واتحاد الوسط الديموقراطي، والحزب الشيوعي الإسباني، والحزب الاشتراكي الأندلسي (الحزب القومي الأندلسي فيما بعد).
ويمكن ترجمة أهم بنود دستور قرمونة الحالي في النقاط التالية: تلخص المواد 1 إلى 12 النقاط العامة للدستور، فتقول المادة الأولى إن "الشعب الأندلسي قرر تنظيم نفسه كجماعة ذات حكم ذاتي كتعبير عن هويته التاريخية والسياسية وإنجازًا كاملاً لحقه في حكم نفسه بنفسه، وذلك بموافقة الدستور (الاسباني) ومع هذا الدستور (الأندلسي) الذي هو القاعدة التشريعية لنظامه". وتنص المادة الثانية على أن الأندلس تتكون من جميع أراضي المقاطعات التالية: المرية وقادس وقرطبة وغرناطة
وولبة وجيان ومالقة وإشبيلية. وتنص المادة الثالثة على أن "الجماعة البلدية" هي القاعدة التنظيمية للمجتمع الأندلسي ولها شخصيتها القانونية المستقلة ووظائفها في إطار اختصاصاتها. وحددت المادة الرابعة دور المقاطعة وخصوصياتها، كما نصت المادة الخامسة على إمكان تجميع عدة "جماعات بلدية" متجاورة في "كور" ذات
مصالح مشتركة. وحددت المادة السادسة العلم الأندلسي، والسابعة عاصمة المنطقة الأندلسية، وحددت المادة الثامنة الجنسية الأندلسية، وحددت المواد التاسعة إلى الحادية عشرة حقوق الأفراد والمؤسسات و"الجماعات البلدية" في الأندلس، ونصت المادة الثانية عشرة على المبادىء العليا التي تنوي الوصول إليها منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي، منها التركيز على الأصالة الثقافية.
وبينت المواد 13 إلى 23 مسؤوليات "جماعة الأندلس ذات الحكم الذاتي" بما فيها تشجيع الثقافة الأندلسية في كل أشكالها ومظاهرها وتقويتها، والحفاظ على التراث التاريخي والفني والمعماري والآثاري والعلمي للشعب الأندلسي. وبينت المواد كذلك المسؤوليات الاقتصادية والتجارية والصحية والتدريبية، وفي مجالات الطاقة والمعادن والبنوك والشؤون الاجتماعية والزراعية والشرطة المحلية والأمن الداخلي.
وحددت المواد 24 إلى 45 التنظيم الإداري للجماعة ذات الحكم الذاتي، بما فيها "مجلس الممثلين" و"الحكومة المحلية"(خونتا) ورئيس محكمة الأندلس العليا.
وتطرقت المواد 46 إلى 53 بتفصيل إلى إدارة العدالة في الأندلس وتحديد طرق تكوين محكمة الأندلس العليا ورئيسها وحدود مسؤولياتها.
وتطرقت المواد 54 إلى 69 إلى الاقتصاد والمالية، بينما بينت المواد 70 إلى 72 العلاقة بين الأندلس والحكومة المركزية الإسبانية، والعلاقة بين الأندلس والمناطق ذات الحكم الذاتي الأخرى. وتطرقت المادتان 73 و 74 إلى الطرق القانونية لتعديل الدستور.
وهكذا، ولأول مرة بعد سقوط غرناطة وضياع استقلال ما تبقى من الأندلس، أصبح لأهل الأندلس صوت في شؤون بلادهم ورأي في تخطيط مصيرهم. ولم تعد الأندلس تعامل كمستعمرة تباع وتشترى لمصالح أوروبا العليا. ولكن هل مسحت آثار
الماضي القاسية بهذه السهولة؟ لقد حصلت الأندلس على حكمها الذاتي ولم يكن ذلك إلا بداية. فماذا عن شخصيتها القومية واستعادة هويتها وإعادة كرامة أهلها وإعادة