المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

يمكن إذًا تقدير مجموع من طرد من المسلمين من قشتالة القديمة والجديدة والمانشا بحوالي 50.000 شخص.

ويكون مجموع من طرد من مملكة قشتالة حوالي 132.000 مسلم، منهم 50.000 شخص من القشتالتين، و 52.000 شخص من الأندلس، و 22.000 شخص من مرسية، و 8.000 شخص من استرمادورا.

وبهذا يكون مجموع من طرد من المسلمين من إسبانيا في الحقبة بين سنتي 1609 م و 1614 م حوالي 327.000 شخص، منهم 195.000 شخص من مملكة أراغون، و 132.000 شخص من مملكة قشتالة. وقد اختلف المؤرخون في تقديراتهم للمسلمين المطرودين، فتفاوتت ما بين مائة ألف والمليون. لكن معظم من عايشوا الأحداث برهنوا على أن الإحصائيات أعطت أرقامًا تتراوح بين 270.000 و 340.000 مورسكي. وتعود صعوبة تقدير عدد المطرودين بالضبط إلى أسباب كثيرة، منها أن عددًا كبيرًا منهم طرد عدة مرات، ومنهم من عد من المطرودين دون أن يترك البلاد.

وسنقدر في الفصول التالية أعداد المورسكيين الذين بقوا في إسبانيا والذين عادوا بعد قرار الطرد.

وفي يوم 25/ 3 / 1611 م خرج الملك فليبي الثالث على رأس رجال الدولة، وفي أحسن أبهة، مرتديًا الألبسة البيضاء، وقام بمسيرة "شكر لله" على انتهاء عملية طرد المسلمين بسلام التي ابتدأها قبل سنتين.

‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

أخرجت الحكومة الإسبانية من أرضها في الفترة ما بين سنتي 1609 م و 1614 م حوالي 327.000 مسلم أندلسي ومدجن. استقر العدد الأكبر منهم في المغرب والجزائر وتونس. وانتقل آخرون إلى فرنسا، ومنها إلى البلاد الإسلامية.

كما انتقل البعض الآخر، إما مباشرة أو عبر فرنسا، إلى موانىء الدولة العثمانية.

أما المغرب، فيقدر عدد الأندلسيين الذين دخلوه في هذه الفترة ما بين 40.000 أندلسي في المصادر الإسبانية و 60.000 أندلسي في المصادر الأندلسية، والرقم الأعلى هو الأرجح. استقر حوالي 30.000 أندلسي (نصف الوافدين إلى المغرب) في المناطق الشمالية المجاورة لمضيق جبل طارق، إذ استوطن منهم حوالي 10.000 أندلسي بمدينة تطوان، وحوالي 20.000 أندلسي بمدن الشمال الأخرى، كشفشاون

ص: 177

والقصر الكبير، وقراه وباديته. واستقر حوالي 10.000 أندلسي آخرون على مصب وادي أبي رقراق، في سلا، وخاصة في مدينة الرباط التي عمروها بعد أن كانت خرابًا. واتجه حوالي 10.000 أندلسي آخرين إلى مدينة فاس، بينما توزع الباقون، أي حوالي 10.000 أندلسي، على مدن المغرب الأخرى، كمكناس ومراكش وآسفى ووجدة، وعلى موانئه وبواديه.

وكان انتقال الأندلسيين إلى المغرب عن طريق المراكز التي استعمرتها إسبانيا على شواطئه، كطنجة وسبتة، ومنها انتقلوا إلى المناطق الأخرى. ولقد قدم معظم الأندلسيين المهاجرين إلى المغرب من الأندلس والقشتالتين واسترمادورا، بينما قدم آخرون من مرسية وبلنسية وأراغون القديمة وقطلونية. واتجه معظم أهل القشتالتين واسترمادورا إلى مصب وادي أبي رقراق، خاصة الرباط حيث انتقل كل من أتى من فرنجوس بعد أن أراد مولاي زيدان استعمالهم في حروبه الصحراوية، وانتقل معظم الغرناطيين إلى فاس وشمال المغرب، بينما استقر أهل بلنسية ومرسية وأراغون القديمة وقطلونية في تطوان والرباط.

وعمل السلطان السعدي مولاي زيدان على تيسير استيطان المهاجرين الأندلسيين، إذ رأى فيهم عنصرًا مفيدًا للمغرب، لتعمير مدنه، وتحسين أوضاع بواديه، والاستفادة من رجالهم وخبراتهم في الجيش. وتدخل مولاي زيدان للدفاع عنهم ضد مناوئيهم داخل المغرب وخارجه. ففي المغرب، أذن لهم بالاستيطان حيثما شاؤوا وبإعادة تعمير مدينة الرباط، وقدم لهم التسهيلات اللازمة لذلك. وخارج المغرب، دافع على حقوقهم، وتابع المعتدين عليهم عند انتقالهم إليه. مثال ذلك السفارة التي أرسلها مولاي زيدان برئاسة الشهاب الحجري، أحد المهاجرين الأندلسيين، إلى باريز لأخذ حقوق الركاب الأندلسيين الذين اعتدى عليهم أصحاب السفن الفرنسيون، إذ "كان الأندلسيون يقطعون البحر في سفن النصارى بالكراء، ودخل كثير منهم في سفن من الإفرنج من أربع سفن، وبعث رجل أندلسي من بلاد فرنجة يطلب منهم وكالة ليطلب بالشرع عنهم ببلاد الفرنج، واتفق نظرهم أنهم يبعثون خمسة رجالاً من المنهوبين لهم، واحدًا من الأندلس الذين سبقوهم بالخروج، واتفقوا أني نمشي لهم، وأعطاني السلطان كتابه وركبنا البحر المحيط بمدينة آسفى".

ولم يستقبل الأندلسيون المهاجرون استقبالاً جيدًا من طرف الأهالي المغاربة إلا في مدينتي فاس وتطوان حيث كانت بهما جالية أندلسية قديمة كبيرة وذات نفوذ. أما

ص: 178

في مدن المغرب الأخرى، كسلا والقصر الكبير، وبواديه، فقد كان استقبالهم فيها فاترًا إن لم يكن سيئًا. وسبب ذلك أن معظم الأندلسيين الوافدين على المغرب في هذه الفترة كانت قد مرت عليهم أجيال من الاضطهاد النصراني جعلت جلهم يجهل اللغة العربية ولا يتكلم إلا الإسبانية، ويحمل أسماء إسبانية، ويتاثر بالعادات النصرانية، كما كانت معرفتهم بالتعاليم الإسلامية ضعيفة بالنسبة للمغاربة، حتى أن أعداءهم أصبحوا ينعتونهم بـ "نصارى قشتالة". وقد أدى هذا الوضع بالتجمعات الأندلسية الكبيرة، خاصة في تطوان والرباط، إلى الاستقلال عن الدولة المغربية لفترة، وتكوين جمهوريات اختصت بالجهاد البحري ضد الإسبان وغيرهم من النصارى في البحر الأبيض المتوسط (تطوان)، وفي المحيط الأطلسي (الرباط وسلا).

وبرز من بين الأندلسيين المهاجرين إلى المغرب في هذه الفترة شخصيات مهمة. منهم عدد كبير ممن عملوا في الترجمة والسفارة، كالشهاب أحمد بن قاسم الحجري الذي كان ترجمانًا وسفيرًا للسلطان مولاي زيدان، ويوسف بسكيانو، ومحمد بنيغش. ومنهم الأطباء، كأبي القاسم الوزير بن محمد الغساني، وأحمد بن معيوب، وغيرهم. ومنهم من برز في فنون أخرى. وأخذ الأندلسيون معهم إلى المغرب تقنيات متقدمة في الزراعة والهندسة والحرف أكدت التأثرات الأندلسية القديمة، وأثرت على الشخصية المغربية ومكوناتها الثقافية تأثيرًا دائمًا جعلت من المغرب الوارث المعاصر للحضارة الأندلسية الإسلامية.

أما الجزائر، فيقدر عدد من هاجر إليها في هذه الفترة من الأندلسيين بحوالي 65.000 أندلسي. استقر حوالي 25.000 أندلسي منهم في الجزائر العاصمة وحدها، وتوزع عدد منهم على المدن المجاورة لها، كالبليدة. ودخل حوالي 22.000 أندلسي الأراضي الجزائرية عبر ميناء وهران، الذي كان مستعمرة إسبانية حينذاك، فانتقلوا إلى المدن الجزائرية المجاورة، خاصة تلمسان ومستغانم. ويقدر بحوالي 18.000 أندلسي عدد الذين هاجروا إلى السواحل الجزائرية الأخرى، كبجاية وشرشال وبونة (عنابة) وغيرها. وقدم معظم الأندلسيين الذين توجهوا إلى الجزائر من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، وقدم بعضهم من مملكة مرسية.

استقبلت الدولة العثمانية في الجزائر المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا، ويسرت لهم سبل الاستيطان. ووجد المهاجرون الاستقبال الرحب من طرف الأهالي في المدن الجزائرية الكبيرة، كالجزائر العاصمة وتلمسان وبجاية ومستغانم وغيرها.

ص: 179

لكن المهاجرين الأندلسيين عوملوا من طرف الأعراب في بوادي الجزائر، خاصة عند انتقالهم من مستعمرة وهران إلى الأراضي العثمانية أسوأ المعاملة. فقد قتل الأعراب منهم عددًا كبيرًا، ونهبوا قوافلهم وسلبوها، كما وصف ذلك المقري قائلاً:"فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات، ونهب أموالهم". وزاد البوعبدلي قائلاً: "وقد انتهى بهم (أي الأعراب) الأمر إلى قتلهم (أي الأندلسيين) وبقر بطونهم مما يظنون ابتلاع الجوهر".

وقاومت السلطات العثمانية في الجزائر العاصمة هذه الجرائم أشد المقاومة، كما

تصدى لها العلماء. ودافعت بعض القبائل الواعية عن الأندلسيين، كما فعلت مثلاً

قبيلة سويد التي قامت لمقاتلة القبائل المعتدية على الأندلسيين، كقبيلة هبرة، على

جرائمها.

وقد أثّرت هذه الهجرة على الجزائر تأثيرًا دائمًا، خاصة في الزراعة والفنون العسكرية والإدارية. كما قام الأندلسيون المستقرون في شواطىء الجزائر بتنظيم الجهاد البحري ضد المصالح الإسبانية في البحر الأبيض المتوسط. أما تونس، فيقدر عدد الأندلسيين الذين هاجروا إليها في هذه الفترة بحوالي 50.000 أندلسي. وقد استقر عدة آلاف منهم في تونس العاصمة وأرباضها، فسكن وجهاؤهم في "زقاق الأندلس" داخل الأسوار، وبنى عامتهم أرباضًا خارجها في باب الجزيرة وباب قرطاجنة وباب السويقة وحومة الأندلس. أما العدد الأكبر من المهاجرين الأندلسيين فقد ساعدتهم السلطات العثمانية في تونس على تأسيس مدن زراعية في أربع مناطق من الولاية التونسية، وهي: 1 - ضواحي تونس العاصمة؛ 2 - والوطن القبلي؛ 3 - ووادي المجردة؛ 4 - ومنطقة بنزرت. وقدم معظم الأندلسيين الذين هاجروا إلى تونس من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة. وقد انتقل معظم الأراغونيين، أو الثغريين كما كانوا يسمون أنفسهم، إلى تونس عن طريق ميناء أغد بفرنسا.

استقبلت السلطات العثمانية في تونس، وعلى رأسها حاكمها عثمان داي، المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا ومنظمًا، ورأت فيهم عنصرًا مهمًا لإعادة تعمير البلاد والوقوف أمام عبث الأعراب. فسهل عثمان داي عليهم سبل العيش، وحماهم من هجوم الأعراب، وأقرهم على الولاة الذين ينتخبونهم من بين زعمائهم، وأعفاهم من الضرائب لمدة كافية لاستقرارهم. ثم تابع ولاة الدولة العثمانية في تونس الذين

ص: 180

خلفوا عثمان داي سياسته اتجاه الأندلسيين. وشرع عثمان داي منصب رئيس الأندلسيين بالانتخاب فيما بينهم، يسمى بـ "شيخ الأندلس". وأول من تولى هذا المنصب هو مصطفى بن عبد العزيز كردناش، دام فيه مدة ثلاثين سنة، قدم إلى تونس من بسطة بمقاطعة غرناطة.

واستقبل أهالي مدينة تونس المهاجرين الأندلسيين استقبالاً جيدًا، ولم تسأ معاملتهم إلا من طرف الأعراب، لكن الدولة حمتهم من تجاوزاتهم حماية كافية. كان تأثير الهجرة الأندلسية على تونس إيجابيًّا ودائمًا، خاصة في تعمير مدنها وبواديها، وإنعاش الصناعة والزراعة بها، وإحياء اقتصادها.

ففي ضواحي تونس العاصمة، سلم عثمان داي للأندلسيين جميع المزارع المهجورة فأسسوا العديد من القرى الزراعية، كأريانة وسوكرة ومنوبة والباردو ورادس ومرناق وغيرها. فأدخلوا إلى تلك المناطق زراعة التوت وصناعة الحرير. وأسسوا في الوطن القبلي المدن والقرى الزراعية التالية: حمام الأنف وسليمان وقرنبلية وتركي وبلي ونيانو وزعوان ومنزل بوزلفى ومنزل تميم ودار شعبان ونابل وغيرها. أما في وادي المجردة، فقد أسس الأندلسيون المهاجرون في هذه الفترة سلسلة من المدن والقرى الزراعية، وهي: تستور والسلوقية ومجاز الباب وقريش الوادي وتبوربة والجديدة وقلعة الأندلس وعوسجة والعالية والماتلين ورأس الجبل وغار الملح ومنزل جميل وماطر. وأحيوا مدينة بنزرت وأسسوا في منطقتها بلدة منزل عبد الرحمن. وقد فشل الأندلسيون، رغم مجهودهم، في إعادة تعمير مدينة المهدية (عاصمة الدولة الفاطمية قديمًا) وقد أصبحت خرابًا، بسبب انتشار الأوبئة وتجاوزات الأعراب.

ومجمل القول، فقد أدت الهجرة الأندلسية إلى تونس في هذه الحقبة بالذات إلى انتعاش كبير في المجالات الزراعية والصناعية وفي العلوم. فأدخل الأندلسيون صناعة الشاشية وصناعة الحرير، وأحيوا أراضي موات شاسعة، نشروا زراعة الزيتون، وتسببوا في ازدهار التجارة. وقد نشطت الثقافة الأعجمية بتونس على يد جماعة من المثقفين الأندلسيين المهاجرين إليها، منهم: عبد الكريم بن علي بريز، وإبراهيم التايبلي بيريز، وأصله من طليطلة، والحاج محمد روبيو، وأصله من أراغون القديمة، وغيرهم كثير. كما ظهر في الدبلوماسية عدد كبير من الأندلسيين، من بينهم أحمد بن قاسم بجرانو الأندلسي الذي خدم مولاي زيدان، سلطان

ص: 181

المغرب، قبل هجرته لتونس، وفي العلوم الحربية إبراهيم بن أحمد، وغيرهم في شتى الفنون والعلوم.

أما ليبيا، فقد هاجر إلى طرابلس والمناطق المجاورة لها عدة آلاف من

الأندلسيين، إما مباشرة أو عن طريق تونس.

وهكذا يكون مجموع الأندلسيين المهجرين من بلادهم قسرًا والذين وصلوا إلى شمال إفريقيا في الحقبة بين سنتي 1609 م و 1614 م حوالي 180.000 أندلسي، منهم 60.000 أندلسي استقروا في المغرب، و 65.000 أندلسي في الجزائر، و 50.000 أندلسي في تونس، وبضعة آلاف منهم في ليبيا. فإلى أين اتجه الباقون؟

يمكن تقدير عدد الأندلسيين الذين تركوا إسبانيا عن طريق فرنسا بحوالي 50.000 أندلسي على أقل تقدير. وقد استقبلهم الفرنسيون، أول الأمر، استقبالاً حسناً. ففي فبراير سنة 1610 م، سمح لهم هنري الرابع، ملك فرنسا، بالمكوث فيها شرط اعتناق الدين الكاثوليكي والإخلاص له. وعندما تكاثرت أعداد الوافدين منهم، وهم على ما هم عليه من الفقر والتعب والمرض، أخذ الأهالي الفرنسيون يشتكون إلى الملك من وجودهم ففي 25/ 4 / 1610 م، أمر الملك مدن جنوب فرنسا بتوجيه اللاجئين الأندلسيين إلى الموانىء المجاورة لإبحارهم خارج البلاد. وزادت معاملة اللاجئين الأندلسيين المقيمين في فرنسا سوءًا بعد وفاة الملك هنري الرابع في مايو سنة 1610 م. فقررت بلديتا طلوشة (تولوز) وبايون إقفال الحدود عنهم، وهدد برلمان اللانكدوق بتعذيب من يرفض منهم الخروج من فرنسا، ومنعت مقاطعة البروفانس عبورهم نهر الردانة (الرون).

لم يزد معظم الأندلسيين الذين دخلوا فرنسا على عبورها إلى بلدان أخرى، معظمها إسلامية. ولم يبق بفرنسا سوى ألف موريسكي تقريبًا. وقد ذكر آغرفوي، وهو مؤرخ فرنسي معاصر، "أن عددًا منهم (أي الأندلسيين) سمح لهم بالإقامة في المدن، حيث عمل بعضهم في التجارة وعمل آخرون منهم في الطب، بينما ظل كثيرون يعملون في الزراعة".

ودخل عدة آلاف من الأندلسيين المطرودين إلى إيطاليا، ولم يستقر منهم بها سوى حوالي ألف أندلسي، أقام معظمهم في صقلية جنوبًا وفي تسكانيا شمالاً.

واتخذ الآخرون إيطاليا طريقًا للاتجاه إلى الدولة العثمانية. وقد قام السلطان العثماني

ص: 182

أحمد الأول بمجهود كبير في تسهيل انتقالهم، فكتب لحكام فرنسا وبريطانيا والإمارات الإيطالية رسائل يطالبهم فيها بتسهيل نقل الأندلسيين إلى الأراضي العثمانية. كما أرسل إلى ماري دي ميدسيس، الوصية على ابنها ملك فرنسا لويس الثالث عشر، رسالة يطلب منها توفير عدد من السفن لمساعدة الأندلسيين المقيمين في جنوب فرنسا على التوجه إلى الأراضي العثمانية. فاستجابت الوصية لطلب السلطان. وأرسل السلطان سفيره الحاج إبراهيم آغا إلى جاك الأول، ملك بريطانيا، لمساعدة الأندلسيين وكذلك تسهيل انتقالهم إلى الدولة العثمانية. فرفض جاك الأول الاستجابة لطلب السلطان. وكذلك ناشد السلطان أحمد الأول دوج البندقية بمساعدة الأندلسيين على الوصول إلى الأراضي العثمانية عن طريق البر، وطلب منه "ألا يتدخل في أمورهم، أو يتعرض لأشخاصهم، أو لأرزاقهم، أو لأموالهم، أو لدوابهم، إنجازًا لما بيننا من العهد والأمان، وذلك أثناء مرورهم بالمنازل والمراحل والمعابر (التي تحت حكمكم)، حتى يصلوا عندنا آمنين سالمين

لتقوية أواصر المصالحة وتمديد المعاهدة (بيننا) ".

وقد اختار معظم الأندلسيين الذين دخلوا فرنسا من إسبانيا، ومعظمهم من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، الطريق التالية للوصول إلى الأراضي العثمانية: دخلوا بلدة طارب في فرنسا، ثم توجهوا إلى طلوشة (تولوز) فلذن (ليون)، ومنها خرجوا من فرنسا عبر وادي الردانة (الرون)، فدخلوا الأراضي السويسرية في جنيف، ومنها إلى وادي الفالي (سويسرا)، حيث أقام عدد منهم، ثم دخلوا الأراضي الإيطالية متجهين إلى مدينة ميلانو (إيطاليا)، ومنها إلى البندقية، فبلاد البوسنة والهرسك (في يوغسلافيا اليوم) بالدولة العثمانية. وهكذا عبر آلاف الأندلسيين هذه الطريق الطويلة، فاستقر بعضهم في بلاد البوسنة والهرسك، وتابع الباقون طريقهم إلى سلانك (في اليونان اليوم) حيث استقر عدة آلاف منهم، ثم تابع الباقون طريقهم إلى القسطنطينية (اسطنبول)، عاصمة الدولة العثمانية. ومنهم من توجه بعد ذلك إلى بلاد الشام، خاصة دمشق والساحل اللبناني. وقد عمر الأندلسيون أحياء كاملة في القسطنطينية، منها حي كلاطة المشهور اليوم. وأصبح للأندلسيين نفوذ كبير في القسطنطينية، لاحظه المراقبون الأوروبيون المعاصرون.

ويقدر عدد الأندلسيبن المطرودين في الحقبة بين سنتي 1609 م و 1614 م الذين هاجروا إلى الأراضي العثمانية الآسيوية والأوروبية بحوالي 40.000 أندلسي.

ص: 183

وهاجر عدد من الأندلسيين إلى القارة الأمريكية كما يظهر من سجلات محاكم التفتيش ومن الآثار المعمارية التي تركوها هناك. غير أن هجرة معظم الأندلسيين إلى جنوب أمريكا كانت قبل طرد سنة 1609 م.

وهكذا يمكن تقدير عدد الأندلسيين المطرودين الذين وصلوا إلى أرض المهجر بحوالي 230.000 شخص، استقر منهم بشمال إفريقيا حوالي 180.000 أندلسي، وفي الأراضي العثمانية الآسيوية والأوروبية حوالي 40.000 أندلسي، وفي الدول النصرانية بأوروبا وأمريكا حوالي 10.000 أندلسي.

فماذا حدث لـ 97.000 أندلسي الباقين الذين أخرجوا من إسبانيا؟ يمكن تقدير عدد من مات منهم، غرقًا في البحار أو قتلاً في الطرقات أو بسبب المرض والجوع والفاقة، بحوالي عشرين في المائة من مجموع المطرودين، أو حوالي 65.000 أندلسي، بينما رجع ال 32.000 أندلسي الباقون إلى الأندلس بطريقة ما واندمجوا في أهاليها.

ص: 184