الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
الانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)
10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:
غاب الإسلام، ظاهرًا عن أرض الأندلس منذ سنة 1609 م، واحتفظ به في القلوب من تبقى من المسلمين الأندلسيين. وكان التنصير شرطًا للإقامة لمن وفد من المسلمين إلى إسبانيا. وخف هذا الوضع بعد الحرب العالمية الثانية وهجرة عدد من أهل منطقة الحماية الإسبانية بشمال المغرب إلى إسبانيا، كجنود مع جيش فرانكو. وكان فرانكو قد وعدهم بتسليمهم مسجد قرطبة الجامع إن هو انتصر. فلم يف بالوعد، وعوضًا عن المسجد الجامع، بنى لهم في ساحة عامة بوسط قرطبة مسجدًا صغيرًا مقابل مستشفى للصلاة على موتاهم. وقد أقفل المسجد الصغير (المسمى عند أهل قرطبة بالمرابطو) بعد الحرب الأهلية بقليل، وأصبح مخزنًا لآليات الحديقة العامة، ولم يفتح من جديد للصلاة إلا مؤخرًا.
وتكاثرت أعداد المسلمين الوافدين إلى إسبانيا بعد سنة 1960 م. إلى أن وصلت سنة 1990 م إلى حوالي مائتي ألف مسلم، معظمهم من العمال المغاربة، والطلبة المشارقة الذين مكثوا بعد تخرجهم وحصلوا على الجنسية الإسبانية. ولم يتمكن هؤلاء من تنظيم أنفسهم إلا مؤخرًا.
ففي 24/ 12 / 1964 م، صدر قانون الجمعيات الذي سمح للجمعيات الدينية غير الكاثوليكية بشيء من التنظيم لأول مرة. وفي 28/ 6 / 1967 م، أصدرت الحكومة الإسبانية قانونًا جديدًا تسمح فيه بحرية الأديان، أصبح معه من الممكن تأسيس جمعيات إسلامية لأول مرة منذ سقوط غرناطة، رغم نقصه، إذ لا يسمح بممارسة الشعائر غير الكاثوليكية إلا جزئيًّا، ولا يسمح للمجموعة الإسلامية بإجراء
مفاوضات مع الدولة للمطالبة بالحقوق الدينية أو المدنية. فجعل هذا القانون ممكنًا تنظيم جمعية إسلامية من طرف غير الإسبان، ولكنه لم يسهل أي وجود إسلامي منظم بين المواطنين الأندلسيين.
فاستفاد من هذا القانون الطلبة العرب المشارقة ذوو الاتجاه الإسلامي إذ أسسوا جمعية طلابية إسلامية في غرناطة سنة 1966 م، بعد أن اقترح ذلك عليهم الأستاذ أبو الحسن الندوي عند زيارته سنة 1965 م، وسجلوها رسميًّا سنة 1971 م بوزارة العدل الإسبانية، تحت اسم (الجمعية الإسلامية في إسبانيا). وفي 22/ 4/ 1974 م، عدل نظام الجمعية لتمكينها من بناء المساجد والمراكز الإسلامية عبر إسبانيا. ثم فتحت الجمعية فروعًا متعددة في مدن إسبانيا المختلفة: مجريط، وأبيط (آشتورياش)، وسرقسطة (أراغون)، وبلنسية (بلنسية)، وشنت آندر (كانتابريا)، وشنت ياقو (جليقية)، ومالقة وغرناطة بالأندلس.
ابتدأت الجمعية نشاطها في شقة متواضعة في غرناطة، وكان من أبرز أعضائها رمزي الأتاسي ورياج الططري. ثم انتقل مقر الجمعية الأساسي إلى مجريط في شقة متواضعة، ثم انتقلت إلى شقة في شارع فرانكوس رودريكز تحتوي على مصلى يتسع لحوالي 200 شخص ومكتبة صغيرة وغرفة للنشاط الإداري وصفوف للتدريس. ثم بنت الجمعية مركزًا إسلاميًّا متكاملاً اسمه "مسجد أبو بكر" في شارع أنستيزيو هريرو من حي تطوان، وهو أول مسجد يُبنى حديثًا في مجريط. أما مراكز المدن الأخرى فكلها شقق متواضعة مؤجرة أو مشتراة من طرف الجمعية.
ومعظم أعضاء هذه الجمعية طلبة من سوريا وفلسطين، تخرجوا بعد ذلك وتزوج كثير منهم بإسبانيات وحصلوا على الجنسية الإسبانية وانخرطوا في الحياة العامة. ويعود الفضل إلى كثير من هؤلاء الذين ضحوا بنشاطهم المهني للدعوة إلى الله بين المهاجرين المسلمين، خاصة الطلبة العرب، فأنقذوا منهم أجيالاً لم يتعلموا أمور دينهم إلا في المهجر. وقاموا بمجهود ضخم في تعليم الشباب المسلم أمور الدين، وطبع نشرات بالعربية والإسبانية، وإعطاء دروس إسلامية، وإحياء الشعائر الدينية، وتعليم الأطفال مبادىء الإسلام.
وإلى سنة 1978 م، ظلت الجمعية داخل الجامعات كجمعية طلابية فقط. وبعد ذلك التاريخ، أخذ معظم الطلاب يتخرجون ويتزوجون، فأخذت الجمعية تكتسب طابعًا لجمعية جالية إسلامية. وتركز نشاطها الإعلامي في إصدار دوريتين بالإسبانية كل
شهرين: العروة الوثقى (حوالي ألف نسخة) والإسلام (حوالي 750 نسخة). وتقوم الجمعية بتنظيم جداول مواقيت الصلاة وتوزيعها، كما أن لها نشاطًا في وسائل الإعلام الإسبانية ومشاركة في ندوات دينية. ويشتمل برنامج الجمعية الثقافي على حلقات دروس أسبوعية في الفقه واللغة العربية، وندوات شهرية. كما طبعت الجمعية باللغة الاسبانية عددًا من الكتب المؤلفة أو المترجمة، منها:"عيسى عليه السلام في القرآن" لسليمان مفسر، و"الأسرة الإسلامية" لخورشيد أحمد، و"روح الإسلام" لمحمد أسد، و"ما قدم الإسلام للحضارة الغريبة" لأبي الأعلى المودودي، وغيرها من الكتب. ومن أبرز أنشطة الجمعية الاجتماعية تنظيم عقود الزواج الإسلامي ووثائق إشهار الإسلام، كما تفعل ذلك الجمعيات الإسلامية الأخرى.
وفي سنة 1978 م، انفصلت عن "الجمعية الإسلامية في إسبانيا" جمعية سمت نفسها "المركز الإسلامي في إسبانيا" بسبب خلافات. وتتكون الجمعية المنفصلة كذلك من قدماء الطلاب العرب المشارقة، من أهمهم بهيج ملاحويش ومحمد سلامة. ويقع المركز الأساسي "للمركز الإسلامي في إسبانيا" في مجريط في شقة بشارع ألونسو كانو بها مسجد ومكتبة ومكاتب. وللمركز فروع في برشلونة (قطلونية) بشارع مريديان، ولاس بالماس (الجزر الخالدات). وغرناطة (شقة مشتراة)، وإشبيلية (شقة مؤجرة)، ومالقة (بيت مشترى)، وقرطبة (حصلت الجمعية على المسجد الذي بناه فرانكو للجنود المغاربة والمسمى مرابطو) بالأندلس. وفي سنة 1990 م، كلفت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة "المركز" بإدارة مسجد الملك عبد العزيز الذي بني سنة 1981 م بمربلة (مقاطعة مالقة) بالأندلس، يقوم به بجدارة مقام الإمام والرئيس المغربي علال بشر.
ومن أهم أنشطة "المركز الإسلامي في إسبانيا" المحاضرات واللقاءات العامة، وتوزيع الكتب الإسلامية باللغة الإسبانية، وإعطاء دروس أسبوعية في مراكزه المختلفة، وأخرى للطلاب العرب لتقوية لغتهم الإسبانية، وتنظيم رحلات جماعية،
وإحياء الشعائر الدينية. كما يقوم "المركز" بتنظيم مخيمات سنوية يشارك فيها أكثر من مائة شاب مسلم من إسبانيا وباقي أوروبا. كما يقوم "المركز" بترجمة عدد من الكتب الإسلامية إلى اللغة الإسبانية ونشرها، منها:، الأربعون النووية". وكتب نزار الصباغ كـ "الصلاة" و"تعدد الزوجات في الإسلام" و"التوحيد" و"الزواج والطلاق في الشريعة الإسلامية" و "القاديانية"، وأبي الحسن الندوي كـ "بين الشرق والغرب"، وسيد قطب
كـ "معالم في الطريق" و"هذا الدين"، ومحمد قطب كـ "المرأة في الإسلام"(من كتاب شبهات حول الإسلام)، وأبي الأعلى المودودي كـ "الأمم المريضة والعصر الحديث" و"النظرية السياسية في الإسلام" و"مبادىء الإسلام" و"كتاب السنة" و"مبادىء أساسية لفهم القرآن"، وكتاب "حياة محمد صلى الله عليه وسلم" لمحمد حسين هيكل، و"الإسلام تحت الضوء" لحمودة عبد العاطي، وغيرها من الكتب.
وأنشأ "المركز" مدرسة إسلامية في غرناطة وأخرى في برشلونة لتدريس الدين الإسلامي واللغة العربية لأبناء الجالية الإسلامية الوافدة. لكن فشل المشروعان بعد جهد كبير. كما اشترى "المركز" قطعة أرض على بعد 12 كيلومتر من مطار مجريط مساحتها 6.25 هكتار لإقامة مخيم دائم للطلبة المسلمين.
وفي 28/ 6 / 1973 م، قدم عمدة مجريط للهيئات السياسية الإسلامية قطعة أرض مساحتها 1500 متر مربع في شارع كوستاريكا بإحدى أحياء مجريط الجديدة القريبة من وسط المدينة، لإقامة مسجد جامع عليها. وانتهت المدة المحددة ولم يُبن على الأرض شيء، فاستعادت البلدية الأرض. ثم بعد تعهد السفراء المسلمين في مجريط ببناء المسجد، قدمت البلدية أرضًا أخرى بضواحي مجريط الشرقية مساحتها 10.465 متر مربع بشارع السلام. وفعلاً تبنت المملكة العربية السعودية مشروع المسجد الذي انتهى ببنائه سنة 1990 م تحت إشراف سفارتها. وقد أصبح هذا المسجد أكبر مركز إسلامي في إسبانيا. وقد كلف بناؤه على مساحة 20.000 متر مربع حوالي 1.500 مليون بسيطة. ويتكون المركز من ستة طوابق، ثلاثة منها تحت الأرض، ومئذنة علوها 36 مترًا، ومسجد مساحته 650 مترًا مربعًا يسع لـ 830 مصل، ومكاتب وقاعة محاضرات ومركز ثقافي ومكتبة، الخ
…
وكُلفت جمعية "المركز الإسلامي في إسبانيا" بإدارة هذا المركز.
وتأخر المسلمون المغاربة في تنظيم أنفسهم رغم أعدادهم الكبيرة نسبيًّا، إذ يكونون حوالي ثمانين في المائة من مسلمي إسبانيا، معظمهم عمال في المناطق الصناعية خاصة مجريط وبرشلونة، وكثير منهم يقيمون في البلاد بطريقة غير قانونية.
ولا زال التنظيم الإسلامي المغربي ضعيفًا، وهو يرتكز حول محورين: الأول التعاضديات، ولها مراكز في طورى مولينوس (مقاطعة مالقة) بالأندلس وفي برشلونة ومجريط. ولم تتحول مراكز التعاضديات إلى مراكز إسلامية متواضعة إلا مؤخرًا، وهي تتكون عادة من قاعة للصلاة ومقهى ومدرسة للأطفال. والثاني لجماعة التبليغ،
ظهر في السنين الأخيرة على شكل مساجد متواضعة، أهمها في منطقة الأندلس بالجزيرة الخضراء، كما يوجد مسجد في سكن العمال بمستعمرة جبل طارق. أما في منطقة قطلونية فأهم المساجد التي أسستها جماعة التبليغ هي: مسجد سان بيزانتي دي كالديرس (مقاطعة طركونة)، ومسجد طارق بن زياد ببرات (مقاطعة برشلونة)، رمسجد رمضان ببيش (مقاطعة برشلونة)، ومسجد أبو بكر ببيغيراس (مقاطعة جرندة)، ومسجد حمزة بروزاس (مقاطعة جرندة). كما أسس المغاربة جمعية "الجماعة الإسلامية المغربية في مجريط" و"الجماعة الإسلامية" في لاس بالماس بالجزر الخالدات.
ويكون الباكستانيون المجموعة الإسلامية الوافدة الثالثة، ومعظمهم عمال مناجم.
أما في الأندلس فيتمركزون في ثلاثة مدن: وهي قزلون (لينارس) بمقاطعة جيان ولاكاولينا المجاورة لها، وفي بنياروجا بمقاطعة قرطبة. وفي سنة 1982 م، أسس الباكستانيون بمساعدة كاتب هذه السطور جمعية إسلامية في قزلون سجلت رسميًا تحت اسم "جمعية جيان الإسلامية"، كان رئيسها الأول رجا محمد إقبال.
وللباكستانيين في الأندلس دور في مساندة الجماعات الإسلامية الأندلسية في قرطبة وغرناطة في بداية نشأتها. رتوجد كذلك تجمعات إسلامية باكستانية في بمليبري بمقاطعة ليون (قشتالة ليون) وفي مونتالبان بمقاطعة طرويل (أراغون). وأسس الباكستانيون كذلك مركزًا إسلاميًّا في برشلونة بشارع ريفومير.
ويكون السنغاليون المجموعة الوافدة الرابعة، وهم يعملون في الزراعة خاصة في قطلونية، منهم في بلدتي لامارزوم وماتارون بمقاطعة برشلونة، وفي بلدة آمبوردان بمقاطعة جرندة. لكن لا تنظيم إسلامي لهم يذكر.
وبصفة عامة، لم يؤثر التنظيم الإسلامي للوافدين على الانبعاث الإسلامي لأهل الأندلس إلا هامشيًّا، وذلك لأسباب متعددة أهمها أن الوافدين يأتون بعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم مما يجعل الأندلسي المسلم يشعر بالتبعية عند الانضمام لهم، فيؤدي ذلك إلى نفوره. ومنها أن معظم الوافدين، حتى لو استقروا في إسبانيا وأخذوا جنسيتها، لا يندمجون في واقع المجتمع الإسباني وليست لهم الجرأة على المطالبة بجميع حقوقهم فتبقى الجمعيات الإسلامية للوافدين إما مشرقية أو مغربية أو سنغالية أو باكستانية، ولا تستطيع أية واحدة منها جلب الأهالي الإسبان إليها. وقد أدى هذا الوضع مع الأيام إلى النفور بين المسلمين الأندلسيين والإسبان الآخرين من جهة