المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

من البداية، عمل زعماء الثورة على التغلب على الانقسامات الأندلسية بين العائلات وبين سكان المناطق المختلفة، التي كان معظمها ممثلاً في زعامة الثورة: فرج بن فرج ومحمد بن داود وابن عبو من مدينة غرناطة، ومحمد بن أمية وابن جهور وميغال روخاس وهرناندو الحبقي والرامي والمليح وغيرهم من البشرات. كما حدد الثوار موعد الثورة في الشتاء ووقت انتشار الثلوج لمعرفتهم بالأرض الغرناطية أكثر من النصارى والجيوش القشتالية.

‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

ابتدأت الاصطدامات بين الأندلسيين والقشتاليين قبل إعلان الثورة. ففي 23/ 12 / 1568 م، خرجت كوكبة من حراس محكمة غرناطة وكتبتها لقرية بقيرة بالبشرات لقضاء أعياد رأس السنة يصحبهم خمسون جنديًّا مسلحين بالبنادق، فاتجهوا من مرسى مطريل إلى حصن هريرا لحمايته. كانت عادة الجنود الإسبان عند مرورهم بالقرى الأندلسية القيام باعتداءات لا حصر لها من سلب وقتل واغتصاب. فعندما نزلوا قرب بلدة قديار وأخذوا يعتدون على أهلها، هاجمتهم مجموعة من المنفيين برئاسة استبان البرطال، فأبادتهم واستولت على أسلحتهم، فكانت هذه المعركة هي الشرارة الأولى التي أعلنت الثورة.

وفي ليلة 23 ديسمبر غادر خفية السلطان محمد بن أمية غرناطة متجهًا إلى البشرات. وفي نفس الليلة أخبر شخص أحد القسس بأنه يعمل بالحمراء وأنه أعطى بعض المسلمين معلومات عن مقاييس سلالمها. فأبلغ القسيس فورًا الرئيس ديسا والقائد العام دي مندوجر اللذان زادا في عدد الدوريات والحرس. ولم تستمر الثورة على مخططها الأول إذ هطلت ثلوج غزيرة على جبال شلير فقطعت الطريق إلى غرناطة، فلم يتمكن الثوار من الوصول إلى غرناطة من البشرات في التاريخ المحدد، أي في 24/ 12 / 1568 م. لكن بيلرباي الجزائر، علج علي، أرسل حسب الموعد إمدادات نزلت للمجاهدين في جهتي المرية ومربلة، ووصلت إلى أماكنها في جبال

البشرات.

ولم يحسب فرج بن فرج للثلج حسابًا. فتحرك من البشرات على رأس 180 مجاهد، ونفذ إلى حي البيازين ليلاً، وحاول إقناع أهله بالثورة وتنفيذ الخطة التي اتفق عليها ووعد بوصول الرجال. غير أن أهل البيازين رفضوا نصرته عندما رأوا قلة أعداد المجاهدين الذين معه. واضطر فرج بن فرج، بعد محاولات يائسة طول الليل،

ص: 98

الرجوع إلى البشرات وانضمت إليه جموع المجاهدين. وكان خذلان أهل حاضرة غرناطة للثورة أول نكسة لها. لكنها لم تفت في عزيمة المجاهدين الذين ركزوا عملياتهم بعد ذلك على جبال البشرات.

وتوجه محمد بن أمية إلى وادي الإقليم حيث جددت بيعته يوم 29/ 12 / 1568 م ملكًا للأندلس ورئيسًا للثورة في بلدة برذنار. فأعاد تعيين عمه رئيس للجيش وفرج بن فرج رئيسًا للوزراء. وأرسل الوفود لكل طاعات (محافظات) البشرات الاثنى عشر، فبايعته جميعها. ثم توجه محمد بن أمية إلى البشرات، واستقر في لوشر حيث اتخذ عاصمته الموقتة. ولم تدخل سنة 1569 م حتى احتل المجاهدون جميع جبال البشرات ووادي الإقليم بعد طرد الحاميات القشتالية والإرساليات النصرانية أو القضاء عليها.

وأخذ السلطان محمد بن أمية في تعيين قواد المناطق ومستشاريه العسكريين.

فعين شعبان ميكيل دي غرناطة قائدًا لوادي الإقليم، وماركوس الزمار قائدًا لمنطقة قولجر، وماتيو الرامي قائدًا لمنطقة المرية، وفراندو الغري قائدًا لوادي المنصورة، وفرانسسكو بوركرير بن مكنون قائدًا للمنطقة الشرقية، وجرنيمو بن المليح قائدًا لمنطقة وادي آش، ومارتين قائد قائدًا لمنطقة عذرة، الخ

واختار ثلاثة من المجاهدين مستشارين عسكريين له، هم الناقص والرنداتي والأرشذوني. ومنذ بداية الثورة، أخذ فرج بن فرج يقوم بعمليات انفرادية بين شواطىء بيرة شرق شمال المرية وجبل طارق دون تنسيق مع القيادة، فأزاحه محمد بن أمية وعين مكانه عمه ابن جهور. وكان في انسحاب هذا القائد الفذ من الثورة في أولها نكسة ثانية لها، ولكنها مرت بسلام ودون انشقاق في صفوف المجاهدين. وتابع فرج بن فرج جهاده دون رئاسة مما يدل على إخلاصه وحسن طويته.

أخذ ابن أمية يدعو المجاهدين والأهالي للرجوع إلى الأصالة الإسلامية، ونبذ الألقاب والأسماء النصرانية المفروضة، وإعادة الألقاب والأسماء الإسلامية، والاهتمام بالصلوات الخمس وبإحياء المساجد. ووقعت نقمة الثوار على الكنيسة وممثليها من قسس ورهبان وعلى موظفي الحكومة الذين أذاقوا المسلمين شر العذاب. فانقض عليهم الثوار ومزقوهم شر تمزيق، وقتلوا القسس وقضاة محاكم التفتيش وعمال الحكومة. وعمل محمد بن أمية على منع المجاهدين من الانتقام وقتل الأبرياء.

ص: 99

ثم أرسل ابن أمية البعثات للعالم الإسلامي يطلب العون والمساندة. فأرسل أخاه عبد الله بن أمية إلى الجزائر، وفراندو الحبقي إلى المغرب. وصادر أموال الكنائس وقدمها غنيمة لمصاريف الجهاد.

جاء رد فعل الدولة الإسبانية في فوضى ناتجة عن نزاع قواد الجيش، وإطلاق العنان للجنود والأهالي النصارى للانتقام من المسلمين العزل الذين يقعون في يدهم، من أطفال ونساء، لنهبهم وقتلهم وتشريدهم بكل شراسة. وكان بين الرئيس ديسا والماركيز دي مندوجر، القائد العام للجيش، عداوة ثابتة. كان ديسا وأعوانه يشتكون للملك بمندوجر، ويتهمونه بشتى التهم، فعمد، نكاية في مندوجر، إلى إجراءين: أولهما تأليف حرس وطني تحت رئاسة أحد ضباط البلدية الذين ينتمون إلى عائلة معادية لعائلة مندوجر؛ ثانيهما إرسال كتاب إلى الملك يطلب منه فيه تكليف ماركيز بلش، قائد منطقة مرسية، بمهاجمة البشرات من المنطقة الشرقية، وينتمي هذا الماركيز هو كذلك إلى عائلة معادية لعائلة مندوجر. وهكذا تكون جيشان معاديان: أحدهما تحت قيادة دي مندوجر لينطلق من غرناطة في اتجاه البشرات شرقاً؛ والثاني تحت قيادة ماركيز بلش لينطلق من مرسية في اتجاه البشرات غربًا. فانطلق الجيش الثاني في 4/ 1 / 1569 م ومر على المرية ثم وصل إلى سفح جبال البشرات، فقطع الصلة بين ثوار وادي المنصورة ومناطق ولاية المرية الأخرى وثوار البشرات. وفي 11/ 1 / 1569 م تلقى ماركيز بلش أمر الملك بتعيينه قائدًا عامًّا فوق العادة لمنطقة المرية.

وخرج جيش مندوجر من غرناطة بتاريخ 2/ 1 / 1569 م يصحبه عدد من القواد من أصل إسلامي كلويس دي قرطبة وألونسو دي غرناطة بنيغش. وطلب الملك مساعدات لإنهاء الثورة من الممالك النصرانية خاصة لومبارديا ونابل وصقلية.

اتجه مندوجر بجيشه نحو وادي الإقليم وعسكر في البذول. فواجهه المسلمون برئاسة شعبان في وادي الإقليم. وفي 4/ 1 / 1569 م وجه نحوه السلطان محمد بن أمية جيشًا برئاسة "شابَّا"، عسكر في بقيرة ومنها أخذ يهاجم طلائع جيش الماركيز مندوجر في دورقال. وفي 9/ 1 / 1569 م زحف جيش مندوجر إلى جسر طبلاتة الذي دمره الثوار المسلمون احتياطًا. فوقعت أول معركة كبرى بين المسلمين وجيش مندوجر عند هذا الجسر، نجح بعدها القشتاليون في عبور الجسر ومتابعة تقدمهم نحو لانجرون، ثم أرجبة، ثم بقيرة حيث تمركز جيش الثوار برئاسة السلطان محمد بن أمية في حاضرتها بوبين. وهناك جرت المعركة الثانية بين الثوار وجيش مندوجر اضطر

ص: 100

بعدها محمد بن أمية إلى الانسحاب، فقام الجيش الإسباني بجرائم لا تخطر على بال من قتل وسبي العزل من النساء والأطفال ونهب الممتلكات.

وفي 17/ 1 / 1569 م وصل جيش مندوجر إلى بلدة جبيلش، فاستسلمت قلعتها، وكان بها حوالي 300 مجاهد، وتقول الروايات إن صهر (والد زوجة) محمد بن أمية أخذ يفاوض مندوجر على الاستسلام مقابل ضمانات كافة له ولأتباعه، كما تتهم الروايات ابن جهور بالضعف وبأنه عرض على مندوجر في جبيلش الاستسلام مقابل العفو عنه وعن أتباعه. ولم يستطع مندوجر البت في الأمر قبل مراجعة الملك.

وفي ليلة 18/ 1 / 1569 م سجن الماركيز دي مندوجر داخل كنيسة جبيلش وحولها جميع الأهالي المسلمين الذين وجدهم في البلدة، وعددهم حوالي 2400 طفل وامرأة و 300 رجل مسن. وفي الليل، انقض عليهم النصارى قتلاً حتى أتوا عليهم جميعًا. فكانت مذبحة مروعة دامت حتى الصباح، وفتحت سجلاً جديدًا من المذابح التي سيتعرض لها المسلمون في هذه الحرب. وعند وصول هذه الأخبار إلى الملك، أرسل فرانسيسكو دي قرطبة إلى المرية بصفته قائدًا عامًّا، وأرسل دييكو دي مندوسة للاطلاع على الأوضاع في جبيلش.

وترك مندوجر جبيلش بجيشه يوم 23/ 1 / 1569 م مطاردًا الثوار في بسيط أجيجر. وكان محمد بن أمية معسكرًا بجيشه في أندرش. فطلب مندوجر من ألونسو دي غرناطة بنيغش، وهو من أصل إسلامي، التوسط لدى محمد بن أمية ليستسلم ويسلم أسلحته مقابل العفو العام على جميع الثوار، وفي نفس الوقت تابع مندوجر تحرشاته بالمجاهدين إذ اشتبك معهم قرب بطرنة يوم 27/ 1 / 1569 م. ثم احتل الجيش القشتالي بطرنة واعتقل مئات من المسلمات بما فيهن والدة محمد بن أمية وشقيقتاه، وتابع الجيش سيره إلى أن احتل أندرش، ناشرًا النهب والرقة والخراب والموت في طريقه.

ثم رجع جيش مندوجر إلى أجيجير وبقي بها خمسة أيام يجهز حملته على مناطق شلوبانية والمنكب وجبل واجر للقضاء على قوة من المجاهدين أعلاه تحت قيادة الزمار. ففي يوم 11/ 2 / 1569 م قام جيش مندوجر بثلاث هجمات لاحتلال ذلك الجبل الوعر، فقاومه المجاهدون في قلعة واجرش إلى أن هزموا، وقبض الإسبان على القائد الزمار وابنته واقتادوه إلى غرناطة وقتلوه ومثلوا به شر تمثيل بعد

ص: 101

أن عذبوه شر عذاب. وقتل جنود مندوجر كل من وقع بأيديهم من أهل المجاهدين، نساء وأطفالاً وشيوخًا، وانتشروا في البلدة يسرقون وينهبون.

واعتقد مندوجر أن القضاء على الثورة أصبح وشيكًا وأراد القبض على محمد بن أمية. فلاحقه بجيشه على رؤوس الجبال، وقد علم من جواسيسه أن ابن أمية يقضي الليل في بيت محمد بن عبو في بلدة مشينة. فهجم الجيش على بيت ابن عبو، لكن ابن أمية تمكن من الإفلات.

وكان فراندو الغرمي، قائد المجاهدين في الجبهة الشرقية، قد عسكر في بلدة جسيقة على وادي أندرش. فتوجه جيش الماركيز دي بلش على رأس جيش قوامه خمسة آلاف رجل وثلاثمائة فارس، وصفهم المؤرخون الإسبان أنهم كانوا جميعًا لصوصًا وقتلة، لا يهمهم إلا السلب والنهب وإزهاق أرواح العزل. فوصل الجيش إلى جسيقة يوم 12/ 1 / 1569 م واشتبك في أكبر معركة له مع المجاهدين، اضطر فيها الثوار إلى الانسحاب إلى أندرش. فلحقهم الجيش، لكن فرقة من المجاهدين اتجهت نحو المرية بقيادة ابن مكنون، واستقرت بضواحيها في بلدة فليش. فتحول نحوها جيش دي بلش خوفًا على سقوط المرية في يد المسلمين. فاشتبك الجيش مع فرقة ابن مكنون في 18/ 1 / 1569 م وأرغمها على الانسحاب بعد أن استبسلت في الدفاع على الحصن في معركة شارك فيها النساء والأطفال. وقد قتل جيش دي بلش في هذه المعركة عدة آلاف من المسلمين وأسر نحو 2.000 من النساء والأطفال وباعهم كعبيد، من بينهم ابن وأختان للقائد ابن مكنون. ثم اتجه الجيش نحو أندرش وأوهانش.

هكذا كان وضع الثورة الأندلسية في أواخر شهر فبراير عام 1569 م: حرب غير متكافئة، لا هوادة فيها، يدافع فيها المسلمون بأسلحة بالية دون تدريب عسكري مسبق ضد جيشين كبيرين لأقوى دولة آنذاك في أوروبا. وللتغلب على حرب العصابات التي مهر فيها المسلمون عمل جيش النصارى على قتل عائلاتهم من نساء وأطفال وسبيهم وبيعهم رقيقًا في الأسواق. ولم ينج المسلمون الذين رفضوا الانضمام إلى الثورة، كأهل غرناطة، من هذه المعاملة، إذ تابعهم النصارى بمضايقات لا حدود لها كانت أفظعها مذبحة سجن غرناطة.

في مارس عام 1569 م انتشرت إشاعات مفادها أن ابن أمية سيحتل غرناطة على رأس قوة من المجاهدين. فهجم حرس السجن في 17/ 3 / 1569 م على

ص: 102

السجناء يذبحونهم دون سابق إنذار، ثم فتحوا أبواب السجن لعامة النصارى، ومضوا الليل جميعًا قتلاً في المسلمين العزل حتى أتوا على ما لا يقل عن 150 سجينًا من أعيان غرناطة الذين احتفظ بهم الإسبان رهائن للضغط على المجاهدين. ولم ينج من هذه المذبحة الشنيعة سوى والد محمد بن أمية أنطونيو دي بالور وأخيه فرنسسكو. ثم بعد هذه المذبحة قامت محاكم التفتيش بالحكم على القتلى بمصادرة أموالهم.

ولما علم أهل مملكة غرناطة بهذه الجريمة، ثاروا في عدة مدن، كطرش وعذرة، ضد الجيش وقتلوا عددًا من الجنود والضباط. بينما قضى جيشا دي مندوجر ودي بلش معظم شهر مارس في القتل والسلب والنهب، وشتتا المجاهدين على أعالي الجبال بعد أن كبدوا النصارى خسائر كبيرة في الأرواح. وكان مصير من استسلم من المجاهدين الاسترقاق. غير أن شراسة النصارى ضد المسلمين، المسالمين منهم والمحاربين، أدت بالمسلمين إلى تفضيل الموت في معركة الدفاع عن الدين والشرف على الموت دون سبب، مما أذكى روح الجهاد من جديد.

ولم يلتحق بالمجاهدين من الدول الإسلامية إلا بعض المتطوعة المغاربة والجزائريين والأتراك، وقليل من المال والعتاد من الجزائر. وهذا نص رسالة جوابية من السلطان سليم للمجاهدين الأندلسيين في هذه الفترة:"مهمة دفتري رقم 14 حكم رقم 231 بتاريخ 24 شوال عام 977 هـ موافق 20/ 1 / 1569 م، أعطي إلى خليل جاوخي في 10 ذي القعدة. حكم إلى أهالي الأندلس".

"وصل إلى أستانة سعادتنا عرض حالكم الذي جاء فيه أن الكفارة، دمرهم الله وأضلهم، قد سلبوكم أسلحتكم ومنعوكم من التحدث بالعربية، وأنهم يتعرضون لنسائكم ويمارسون كل أنواع الظلم والتعدي عليكم. وتعلمون أنه يوجد حاليًّا لديكم عشرون ألف رجل مسلم كما أن هناك مائة ألف رجل قادر على حمل السلاح. وعلمنا باستلامكم مقدارًا من السلاح من الجزائر، وأن ذلك قد ربط على قلوبكم، وتمكنتم بذلك من تكبيد الكفار العديد من الخسائر. فالحمد لله على نصر أهل الإسلام، وليكتب لهم الفوز الدائم على الكفار، أضلهم الله. وقد عرض بالتفصيل كل ما جاء في عرض حالكم من تحريرات وتقريرات على سرير سعادتنا، وأحاط علمي الشريف الملوكي وشمل كل ما يتعلق بأحوالكم وأخباركم، وأن أنظاري منصرفة دائمًا نحوكم".

ص: 103