الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى.. يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود
اعلم أَنَّ هذه السّورة مَدَنيَّة بالإِجماع سوى آية واحدة {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فإِنَّها نزلت يوم عَرَفة فى الموقف، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم راكب على ناقته العضباءِ، فسقطت الناقةُ على ركبتيها من ثِقَل الْوَحْى، وشرف الآية.
عدد آياتها مائة وعشرون فى عدّ الكوفىّ، واثنتان وعشرون فى عَد الحجاز والشأْم، وثلاث وعشرون فى عَدِّ البصرىّ.
وكلماتها أَلفان وثمان مائة وأَربع، وحروفها أَحَدَ عشر أَلفاً، وتسع مائة وثلاثة وثلاثون حرفاً.
المختلف فيها ثلاث: العقود، {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} ، {فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} .
وفواصل آياتها (ل م ن د ب ر) يجمعها (لم ندبّر) اللام فى ثلاث كلّها سبيل.
واسمها سورة المائدة، لاشتمالها على قِصّة نزول المائدة من السّماءِ، وسورةُ
الأَحبار؛ لاشتمالها على ذكرهم فى قوله: {والربانيون والأحبار} وقوله: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الربانيون والأحبار} .
وجملة مقاصد السّورة المشتملة عليها: الأَمرُ بوفاءِ العهود، وبيان ما أَحلَّه الله تعالى من البهائم، وذكر تحريم المحرّمات، وبيان إِكمال الدِّين، وذكر الصيد، والجوارح، وحِلّ طعام أَهل الكتاب، وجوازُ نكاح المحصنات منهن، وتفصيل الغُسْل، والطَّهارة، والصّلَاة، وحكم الشهادات، والبيّنات وخيانة أَهل الكتاب القرآنَ، ومن أُنزل عليه، وذكر المنكرَات من مقالات النصارى، وقصّة بنى إِسرائيل مع العمالقة، وحبس الله تعالى إِيَّاهم فى التِّيه بدعاءِ بلْعَام، وحديث قتل قابيل أَخاه هابيل، وحكم قُطَّاع الطريق، وحكم السّرقة، وحَدّ السُّرَّاق، وذمّ أَهل الكتاب، وبيان نفاقهم، وتجسسهم وبيان الحكم بينهم، وبيان القِصاص فى الجراحات، وغيرها، والنَّهى عن موالاة اليهود والنَّصارى، والرّدّ على أَهل الرّدّة، وفضل الجهاد، وإِثبات ولاية الله ورسوله للمؤْمنين، وذمِّ اليهود (فى) قبائح أَقوالهم، وذمّ النّصارى بفاسد اعتقادهم، وبيان كمال عداوة الطَّائفتين للمسلمين، ومدح أَهل الكِتاب الَّذين قدِموا من الحبشة، وحكم اليمين، وكفَّارتها، وتحريم الخمر، وتحريم الصّيد على المُحْرم، والنهى عن السؤالات الفاسدة،
وحكم شهادات أَهل الكتاب، وفَصل الخصومات، ومحاورة الأُمم رسلَهم فى القيامة، وذكر معجزات عيسى، ونزول المائدة، وسؤال الحقِّ تعالى إِيّاه فى القيامة تقريعاً للنصارى، وبيان نفع الصدق يوم القيامة للصّادقين.
الناسخ والمنسوخ:
فى هذه السّورة تسع آيات {لَا تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله} م [ {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ن {إِنَّمَا جَزَآءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} م]{إِلَاّ الذين تَابُواْ} ن للعموم {فَإِن جَآءُوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} م {وَأَنِ احكم بَيْنَهُم} ن للتخيير: وقيل: هى محكمة {مَّا عَلَى الرسول إِلَاّ البلاغ} م آية السّيف ن {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} م آخر الآية ن جُمع فيها الناسخ [والمنسوخ] وهى من نوادر آيات القرآن {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} فى السّفر من الدين م {وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ} ن نسخت لشهاداتهم فى السّفر والحضر {فَإِنْ عُثِرَ} م ذَوَىْ عدل منكم ن {ذلك أدنى أَن يَأْتُواْ بالشهادة} م شهادة أَهل الإِسلام ن.
المتشابهات:
قوله {واخشون اليوم} بحذف الياءِ، وكذلك {واخشون وَلَا
تَشْتَرُواْ} وفى البقرة وغيرها {وَاخْشَوْنِى} بإِثبات الياءِ، لأَنَّ الإِثبات هو الأَصل، وحذف و {واخشون اليوم} من الخطِّ لمَّا حذف من اللفظ، وحذف {واخشون} و (لا) موافقة لما قبها.
قوله: {واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} ثمّ أَعاد فقال: {واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لأَنَّ الأَوّل وقع على النِّيَّة، وهى ذات الصّدور، والثانى على العمل. وعن ابن كَثير أَنَّ الثانية نزلت فى اليهود، وليس بتكرار.
قوله: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال فى الفتح {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقع ما فى هذه السّورة موافقة لفواصل الآى، ونصب ما فى الفتح موافقة للفواصل أَيضاً، ولأَنَّه مفعول (وعد)، وفى مفعول (وعد) فى هذه السّورة أَقوال: أَحدها محذوف دلَّ عليه (وَعَد)، خلاف ما دل عليه أَوْعَدَ أَى خيراً. وقيل: محذوف، وقوله:{لَهُم مَّغْفِرَةٌ} تفسيره. وقيل: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} جملة وقعت مَوْقع المفرد، ومحلَّها نصب، كقول الشَّاعر:
وجدنا الصَّالحين لهم جزاءٌ
…
وجنَّات وعينا سلسبيلاً
فعطف (جنَّات) على (لهم جزاءٌ) . وقيل: رفع على الحكاية، لأَنَّ الوعد قول؛ وتقديره قال الله: لهم مغفرة. وقيل: تقديره: أَن لهم مغفرة، فحذف (أَنَّ) فارتفع ما بعده.
قوله: {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} وبعده {يُحَرِّفُونَ الكلم مِنْ بَعْدِ مَّوَاضِعِهِ} لأَنَّ الأُولى فى أَوائل اليهود، والثَّانية فيمن كانوا فى زمن النَّبىّ صلى الله عليه وسلم، أَى حرّفوها بعد أَن وضعها الله مواضعها، وعرفوها وعملوا بها زماناً.
قوله: {وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} كرّر لأَنَّ الأُولى [فى اليهود] والثانية فى حَقِّ النَّصارى. والمعنى: لن ينالوا منه نصيباً. وقيل: معناه: تركوا بعض ما أُمروا به.
قوله: {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ} ثمّ كرّرها، فقال:{يَا أَهْلَ الكتاب} لأَنَّ الأُولى نزلت فى اليهود حين كتموا (صفات النبى صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم من التوراة، والنصارى حين كتموا) بشارة عيسى بمحمّد صلى الله عليه وسلم فى الإِنجيل، وهو قوله:{يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب} ثمّ كرّر فقال: {وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} فكرّر {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ} أَى شرائعكم فإِنكم على ضلال لا يرضاه الله، {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أَى على انقطاع منهم ودُرُوس ممّا جاءُوا به.
قوله: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} ،
ثم كرّر فقال: {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المصير} لأَنَّ الأُولى نزلت فى النَّصارى حين قالوا: إِنَّ الله هو المسيح بن مريم، فقال: ولله ملك السّماوات والأَرض وما بينهما ليس فيهما معه شريك، ولو كان عيسى إلهاً لاقتضى أَن يكون معه شريكاً، ثمّ من يذُبّ عن المسيح وأُمِّه وعَمّن فى الأَرض جميعاً إِن أَراد إِهلاكَهم، فإِنَّهم مخلوقون له، وإِنَّ قدرته شاملة عليهم، وعلى كل ما يريد بهم. والثانية نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أَبناءُ الله وأَحبّاؤُه فقال: ولله ملك السّماوات والأَرض وما بينهما، والأَب لا يملك ابنه ولا يعذِّبه، وأَنتم مصيركم إِليه، فيعذِّب من يشاءُ منكم، ويغفر لمن يشاءُ.
قوله: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا} وقال فى سورة إِبراهيم {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا} لأَنَّ تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدُلُّ على تعظيم المخاطب به و [لمَّا] كان ما فى هذه السّورة نِعماً جساماً ما عليها من مزيد وهو قوله {جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن العالمين} صرّح، فقال: يا قوم، ولموافقة ما قبله وما بعده من النداءِ وهو {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا} {ياموسى إِنَّ فِيهَا} {ياموسى إِنَّا} ولم يكن ما فى إِبراهيم بهذه المنزلة فاقتصر على حرف الخطاب.
قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله} كرّره ثلاث مرّات، وختم الأُولى بقوله: الكافرون، والثانية بقوله: الظَّالمون، والثالثة بقوله: الفاسقون، قيل: لأَنَّ الأُولى نزلت فى حكَّام المسلمين، والثانية فى اليهود، والثالثة فى النَّصارى. وقيل: الكافر والظَّالم والفاسق كلَّها بمعنى واحد، وهو الكفر، عُبِّر عنه بأَلفاظ مختلفة؛ لزيادة الفائدة، واجتناب صورة التكرار. وقيل: ومن لم يحكم بما أَنزل الله إِنكاراً له فهو كافر، ومن لم يحكم بالحقِّ جهلاً وحَكمَ بضدّه فهو فاسق، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده وحكم بضدّه فهو ظالم، وقيل: ومن لم يحكم بما أَنزل الله فهو كافر بنعمة الله، ظالم فى حكمه، فاسق فى فعله.
قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ} {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} كرّر لأَنَّ النَّصارى اختلفت أَقوالهم، فقالت اليعقوبيّة: الله تعالى ربّما تجلَّى فى بعض الأَزمان فى شخص، فتجلَّى يومئذ فى شخص عيسى، فظهرت منه المعجزات، وقالت الملكانيّة الله اسم يجمع أباً وابنا وروح القدس، اختلف بالأَقانيم والذاتُ واحدة. فأَخبر الله عز وجل أَنَّهم كلَّهم كفَّار.
قوله: {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً
رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذلك الفوز العظيم} ذكر فى هذه السّورة هذه الخلال جملة؛ لأَنها أَوّل ما ذكِرت، ثمّ فُصِّلت.
فضل السّورة
عن ابن عمر أَنَّه قال: نزلت هذه السّورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على راحلته، فلم يستطع أَن تحمله، حتى نزل عنها. ويروى بسند ضعيف: من قرأَ هذه السّورة أُعطى من الأَجر بعَدَد كلِّ يهودىّ ونَصرانىّ فى دار الدّنيا عشر حسنات، ومُحى عنه عشرُ سيّئات، ورُفع له عشرُ درجات. وفى رواية: مَنْ قرأَ هذه السّورة أُعطى بكل يهودىّ ونصرانىّ على وجه الأَرض ذَرّات، بكلِّ ذرّة منها حسنةٌ، ودرجات كلُّ درجة منها أَوسع من المشرق إِلى المغرب سبعمائة أَلف أَلف؛ ضعيف. ويروى أَنَّه قال: يا علىّ مَن قرأَ سورة المائدة شَفَع له عيسى، وله من الأَجر مثل أُجور حَوَاريىّ عيسى، ويُكتب له بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب عُمَّار بيت المَقْدِس.