الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى.. براءة من الله ورسوله
هذه السورة مَدَنيّة بالاتِّفاق. وعدد آياتها مائة وتسع وعشرون عند الكوفيّين، وثلاثون عند الباقين. عدد كلماتها أَلفان وأَربعمائة وسبع وتسعون كلمة. وحروفها عشرة آلاف وسبعمائة وسبع وثمانون حرفاً.
والآيات المختلف فيها ثلاث {برياء مِّنَ المشركين} {عَادٍ وَثَمُوْدَ} {عَذَابًا أَلِيمًا} .
مجموع فواصل آياته (ل م ن ر ب) يجمها (لم نربّ) على اللَاّم منها آية واحدة {إِلَاّ قَلِيل} وعلى الباءِ آية {وَأَنَّ الله عَلَاّمُ الغيوب} وكلّ آية منها آخرها راء فما قبل الرّاءِ ياء.
ولهذه السّورة ثمانية أَسماء: الأَوّل براءَة؛ لافتتاحها بها، الثانى سورة التَّوبة؛ لكثرة ذكر التَّوبة فيها {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوْبُواْ} {لَقَدْ تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ} الثالث الفاضحة؛ لأَنَّ المنافقين افتَضَحوا عند نزولها. الرّابع المبعثِرة؛ لأَنَّها تبعثِر عن أَسرار المنافقين. وهذان الاسمان رُويا عن ابن
عباس. الخامس المُقَشْقِشَة؛ لأَنَّها تبرىءُ المؤمن، فتنظِّفه من النفاق وهذا عن ابن عمر. السّادس البَحُوث؛ لأَنَّها تَبْحَث عن نفاق المنافقين. وهذا عن أَبى أَيُّوب الأَنصارى. السابع سورة العذاب؛ لما فيها من انعقاد الكفَّار بالعذاب مرّة بعد أُخرَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} الثَّامن الحافرة؛ لأَنَّها تحفر قلوب أَهل النِّفاق بمثل قوله:{إِلَاّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} ، {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ} .
مقصود السّورة إِجمالاً: وَسْم قلوب الكُفَّار بالبراءَة، ورَدّ العهد عليهم، وأَمان مستمع القرآن، وقهر أَئمة الكفر وقتلهم، ومنع الأَجانب من عمارة المسجد الحرام، وتخصيصها بأَهل الإِسلام، والنَّهى عن موالاة الكفَّار، والإِشارة إِلى وقعة حرب حُنَيْن ومنع المشركين من دخول الكعبة، والحَرَم، وحضور الموسم، والأَمر بقتل كَفَرَة أَهل الكتاب وضرب الجزية عليهم، وتقبيح قول اليهود والنَّصارى فى حقِّ عُزَير وعيسى عليهما السلام، وتأْكيد رسالة الرّسول الصّادق المحقّ، وعيب أَحبار اليهود فى أَكلهم الأَموال بالباطل، وعذاب مانعى الزكاة، وتخصيص الأَشهر الحرم من أَشهر السنة، وتقديم الكفار شهر المحرم، وتأخيرهم إِيَّاه، والأَمر بغزوة تَبُوك، وشكاية المتخلِّفين عن الغَزْو، وخروج النَّبى
صلَّى الله عليه وسلَّم مع الصّديق رضى الله عنه من مَكَّة إِلى الغار بجبل ثَوْر، واحتراز المنافقين من غزوة تبوك، وترصُّدهم وانتظارهم نكبة المسلمين، وردّ نفقاتهم عليهم، وقَسْم الصّدقات على المستحقِّين، واستهزاء المنافقين بالنَّبى صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، وموافقة المؤمنين بعضهم بعضاً، ونيلهم الرّضوان الأَكثر بسبب موافقتهم، وتكذيب الحقِّ للمنافقين فى إِيمانهم، ونهى النَّبى عن الاستغفار لأَحْيائهم، وعن الصلاة على أَمواتهم، وعَيْب المقصّرين على اعتذارهم بالأَعذار الباطلة، وذمّ الأَعراب فى صلابتهم، وتمسكهم بالدّين الباطل، ومدح بعضهم بصلابتهم فى دين الحقِّ، وذكر السّابقين من المهاجرين والأَنصار، وذكر المعترفين بتقصيرهم، وقبول الصّدقات من الفقراءِ، ودعائهم على ذلك، وقبول توبة التَّائبين، وذكر بناءِ مسجد ضِرار للغرض الفاسد، وبناءِ مسجد قُباء على الطَّاعة والتقوى، ومبَايعة الحقِّ تعالى عبيدَه باشتراءِ أَنفسهم وأَموالهم، ومعاوضتهم عن ذلك بالجنَّة، ونهى إِبراهيم الخليل من استغفار المشركين، وقبول توبة المتخلِّفين المخلِّص من غزوة تَبوك، وأَمر ناسٍ بطلب العلم والفقه فى الدِّين، وفضيحة المنافقين، وفتنتهم فى كلِّ وقت، ورأْفة الرّسول صلى الله عليه وسلم، ورحمته لأُمته وأَمر الله نبيّه بالتوكُّل
عليه فى جميع أَحواله بقوله: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إلاه إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} الآية.
النَّاسخ والمنسوخ:
الآيات المنسوخة ثمان آيات {فَسِيْحُواْ فِيْ الأَرْضِ} م {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم} ن {يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} م (آية الزكاة) ن {إِلَاّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وقوله: {انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً} م {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ} ن {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} م {فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} ن {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} م {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} ن {الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} إلى تمام الآيتين م {وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ} ن.
المتشابهات:
قوله: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} وبعده {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَول للمكان، والثانى للزَّمان. وتقدّم ذكرهما فى قوله:{فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .
قوله: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة} وبعده {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة} ليس بتكرار؛ لأَنَّ الأَول فى المشركين، والثَّانى فى اليهود، فيمن حمل قوله:{اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيْلاً} على التوراة. وقيل: هما فى الكفار وجزاءُ الأَوّل تخلية سبيلهم، وجزاءُ الثانى إِثبات الأُخُوّة لهم ومعنى {بآَيَاتِ اللهِ} القرآن.
قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ} ثم ذكر بعده {كَيْفَ} واقتصر عليه، فذهب بعضهم إِلى أَنَّه تكرار للتأكيد، واكتفى بذكر (كيف) عن الجملة بعد؛ لدلالة الأُولى عليه. وقيل تقديره: كيف لا تقتلونهم، (ولا) يكون من التكرار فى شىء.
قوله: {لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً} وقوله: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلَا ذِمَّةً} الأَول للكفار والثانى لليهود. وقيل: ذكر الأَوّل، وجعله جزاءً للشرط، ثم أَعاد ذلك؛ تقبيحاً لهم، فقال: ساءَ ما يعملون لا يرقبون فى مؤمن إِلَاّ ولا ذمّة. فلا يكون تكرارً محضاً.
قوله: {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} إِنَّما قدّم {فِي سَبِيلِ الله} لموافقة قوله قبله {وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله} وقد سبق ذكره فى الأَنفال. وقد جاءَ بعده فى موضعين {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ الله} ليعلم أَنَّ الأَصل ذلك، وإِنَّما قدّم هنا لموافقة ما قبله فحسْبُ.
قوله: {كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ} بزيادة باء، وبعده {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} و {كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} بغير باء فيهما؛ لأَنَّ الكلام فى الآية الأُولى إِيجاب بعد نفى، وهو الغاية فى باب التَّأْكيد، وهو قوله:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَاّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله} فأَكَّد المعطوف أَيضاً بالباءِ؛ ليكون الكل فى التأْكيد على منهاج واحد، وليس كذلك الآيتان بعده؛ فإِنَّهما خَلَتا من التأْكيد.
قوله: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} بالفاءِ، وقال فى الآية الأُخرى:{وَلَا تُعْجِبْكَ} بالواو؛ لأَنَّ الفاءَ يتضمّن معنى (الجزاء، والفعل الذى قبله مستقبل يتضمّن معنى) الشرط، وهو قوله:{وَلَا يَأْتُونَ الصلاة إِلَاّ وَهُمْ كسالى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَاّ} اى إِن يكن منهم ما ذكر فجزاؤهم. وكان الفاءُ هاهنا أَحسن موقعاً من الواو [و] التى بعدها قبلها {كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَاتُواْ} بلفظ الماضى وبمعناه، والماضى لا يتضمّن معنى الشرط، ولا يقع من الميت فعل، (وكان) الواو أَحسن.
قوله: {وَلَا أَوْلَادُهُمْ} بزيادة (لا) وقال: فى الأُخرى {وَأَوْلَادهُمْ} بغير (لا) لأَنَّه لمّا أَكَّد الكلام الأَوّل بالإِيجاب بعد النفى وهو الغاية، وعلَّق
الثَّانى بالأَوّل تعليق الجزاء بالشرط، اقتضى الكلامُ الثانى من التوكيد ما اقتضاه الأَوّلُ، فأَكَّد معنى النَّهى بتكرار (لا) فى المعطوف.
قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ} ، وقال: فى الأُخرى: {أَنْ يُعَذِّبَهُمْ} لأَنَّ (أَن) فى هذه الآية مقدّرة، وهى النَّاصبة للفعل، وصار اللام هاهنا زيادة كزيادة الباءِ، و (لا) فى الآية. وجواب آخر: وهو أَنَّ المفعول فى هذه الآية محذوف، أَى يريد الله أَن يزيد فى نعمائهم بالأَموال والأَولاد؛ ليعذِّبهم بها فى الحياة الدّنيا. والآية الأُخرى إِخبار عن قوم ماتوا على الكفر فتعلَّق الإِرادة بما هم فيه، وهو العذاب.
قوله: {فِي الحياة الدنيا} وفى الآية الأُخرى {فِي الدنيا} لأَنَّ (الدنيا) صفة للحياة فى الآيتين فأَثبت الموصوف (والصفة فى الأُولى، وحذف الموصوف) فى الثانية اكتفاءً بذكره فى الأُولى، وليست الآيتان مكرّرتين؛ لأَنَّ الأُولى فى قوم، والثانية فى آخرين، وقيل: الأُولى فى المنافقين والثانية فى اليهود.
قوله: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله} وفى الصف {ليُطْفِئُواْ نُورَ الله} هذه الآية تشبه قوله: {يُرِيْدُ الله أَنْ يُعَذِّبَهُمْ} و {ليُعَذِّبَهُمْ} حذف اللام من الآية الأُولى، لأَنَّ مرادهم إِطفاء نور الله بأَفواههم، وهو
المفعول به، والتقدير: ذلك قولهم بأَفواههم، ومرادهم إِطفاء نور الله بأَفواههم. والمراد الذى هو المفعول به فى الصفِّ مضمر تقديره: ومن أَظلم ممّن افترى على الله الكذب [يريدون ذلك] ليطفئوا نور الله فالَّلام لام العِلَّة. وذهب بعض النحاة إِلى أَن الفعل محمول على المصدر. أَى إِرادتهم لإِطفاءِ نور الله.
قوله: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذلك هُوَ الفوز العظيم} هذه الكلمات تقع على وجهين: أَحدهما: ذلك الفوز بغير (هو) . وهو فى القرآن فى ستَّة مواضع: فى براءَة موضعان، وفى النساءِ، والمائدة، والصّف، والتَّغابن؛ وما فى النِّساءِ (وذلك) بزيادة واو. والثَّانى ذلك هو الفوز بزيادة (هو) وذلك فى القرآن فى ستَّة مواضع أيضاً: فى براءَة موضعان، وفى يونس، والمؤمن، والدّخان، والحديد، وما فى براءَة أَحدهما بزيادة الواو. وهو قوله:{فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} وكذلك ما فى المؤمن بزيادة واو. والجملة إِذا جاءَت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءَت مربوطة بما قبلها إِمّا بواو العطف وإِمّا بكناية تعود من الثانية إِلى الأُولى، وإِمَّا
بإِشارة فيها إِليها. وربّما يُجمع بين اثنين منها، والثلاثة؛ للدّلالة على مبالغة فيها. ففى السّورة {خَالِدًا فِيْهَا ذلك} و {خَالِدِيْنَ فِيْهَا ذلك} وفيها أَيضاً {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذلك هُوَ} فجمع بين اثنين. وبعدهما {فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ} فجمع بين الثلاثة، تنبيهاً على أَنَّ الاستبشار من الله يتضمّنُ رضوانَه، والرضوان يتضمّن الخلود فى الجنَان قال تاج القُرَّاءِ: ويحتمل أَنَّ ذلك لما تقدّمه من قوله: {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والإنجيل والقرآن} فيكون كلّ واحد منهما فى مقابلة (واحد، وكذلك فى المؤمن تقدمه "فاغفر وقهم وأَدخلهم"، فوقعت فى مقابلة) الثَّلاثة.
قوله: {وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} ثم قال بعد: {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} لأَنَّ قوله: (وطبع) محمول على رأْس الآية، وهو قوله:{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُوْرَةٌ} فبُنى مجهول على مجهول، والثانى محمول، على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرّات (وكان) اللائق: وطَبَع الله، ثمّ ختم كلَّ آية بما يليق بها، فقال فى الأُولى: لا يفقهون، وفى الثانية: لا يعلمون، لأَنَّ العلم فوق الفقه، والفعل المسند إِلى الله فوق المسند إِلى المجهول.
قوله: {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ} ، وقال فى الأُخرى:{وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَسَتُرَدُّونَ} لأَنَّ الأُولى فى المنافقين، ولا يطَّلع على ضمائرهم إِلَاّ الله تعالى، ثم رسوله بإِطْلاع الله إِيَّاه عليها؛
كقوله: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} والثانية فى المؤمنين، وطاعات المؤمنين وعباداتهم ظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين. وخَتَم آية المنافقين بقوله:{ثُمَّ تُرَدُّونَ} فقطعه عن الأَول؛ لأَنه وعيد. وختم آية المؤمنين بقوله: {وَسَتُرَدُّونَ} لأَنَّه وعد، فبناه على قوله {فَسَيَرَى الله} .
قوله: {إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} وفى الأُخرى {إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ الله} [لأَنَّ الآية الأُولى] مشتملة على ما هو من عملهم، وهو قوله:{وَلَا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} ، وعلى ما ليس من عملهم، وهو الظَّمأ والنَّصب والمخْمصة، والله سبحانه بفضله أَجرى ذلك مُجرى عملِهم فى الثَّواب، فقال:{إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} أَى جزاءُ عمل صالح، والثَّانية مشتملة على ما هو من عملهم، وهو إِنفاق المال فى طاعته، وتحمّل المشاق فى قطع المسافات، فكُتب لهم بعينه. لذلك ختم الآية بقوله:{لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} لكون الكل من عملهم فوعدهم حسن الجزاءِ عليه وختم (الآية) بقوله: {إِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} حين أُلحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم، ثم جازاهم على الكل أَحسن الجزاء.
فضل السورة
عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إِنه ما نزل علىّ القرآن إِلَاّ آية آية، وحرفاً حرفا، خلا سورة براءَة، وقل هو الله أَحد؛ فإِنَّهما أُنزلتا ومعهما سبعون أَلفَ صفٍّ من الملائكة، كلّ يقول استوصوا بنسبة الله خيراً" وقال: مَنْ قرأَ سورة الأَنفال وبراءَة شهدا له يوم القيام بالبراءَة من الشرك والنفاق، وأُعطى بعَدَد كلِّ منافق ومنافقة منازل فى الجنة، ويكتب له مثلُ تسبيح العرش وَحَملتهِ إِلى يوم القيامة. وعنه: يا علىّ مَنْ قرأَ سورة التوبة يَقبل الله توبته؛ كما يقبل مِن آدم وداود، واستجاب دعاءَه، كما استجاب لزكريّا. وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب زكريّا. الحديثان ضعيفان جدّاً.