الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصالحهما، ولا يقال إنه لا يجوز أن يكون الحكم من أقارب المحكم كما صرحت به المجلة الجليلة، لأن هذا حكم خاص بهذه القضايا المتعلقة بين الزوجين وذلك حكم عام في بقية القضايا الحقوقية وغيرها، والخاص مقدم على العام.
روى الشافعي سنده عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه جاءه رجل وامرأة مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علام شأن هذين؟ قالوا وقع بينهما شقاق، قال فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما إن رأيتما أن يجتمعا جمعتما وإن رأيتما أن يفترقا فرّقتما؟ فقالت المرأة رضيت بما في كتاب الله عليّ فيه ولي، وقال الرجل أما الفرقة فلا، قال كذبت، والله حتى تقرّ مثل ما أقرّت به. الحكم الشرعي هو ما ذكره الله تعالى، إلا أنه إذا لم يوجد من أقارب الطرفين من يصلح للتحكيم ولم يتفقا على أحد ممن يعتمدان عليهما فينتخب القاضي رجلين من ذري العلم والصلاح والوجاهة والأمانة، ولا يلتفت إلى عدم رضائهما، لقوله- عليه الرضاء- للزوج كذبت كما مر آنفا. وعليه فإذا لم يفوض الطرفان أو أحدهما إلى الحكم بالإصلاح أو التفريق فيفوض إليهما القاضي ذلك، وأن يحكما بما هو الموافق لرأيهما رضيا أم أبيا، وعلى الحكمين أن يتقيا الله بذلك، ويراقبا وقوفهما غدا بين يدي الله تعالى.
مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:
«وَاعْبُدُوا اللَّهَ» وحده أيها الناس «وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً» من خلقه ولا تزيغوا عن أمره، فهو الذي شرع هذا الشرع، وهو السميع البصير بأقوالكم وأعمالكم، وهو الأحق بالعبادة ممن لا يبصر ولا يسمع ولا يفقه «وَبِالْوالِدَيْنِ» أيها الناس أحسنوا «إِحْساناً» كثيرا أداء لحقهما «وَبِذِي الْقُرْبى» أحسنوا أيضا لأنهم رحمكم وأحق بإحسانكم من غيرهم «وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ» ايضا أشركوهم بإحسانكم لحاجتهم إليه «وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى» منك ومن بيتك، فإن قريبك له حق الجوار وحق القرابة عليك وحق الإسلام، وإن لم يكن مسلما فحق الجوار والقرابة فقط وهو جدير بأن تحسن إليه أكثر من غيره «وَالْجارِ
الْجُنُبِ»
الذي بعيد جواره عنك من جوانب دارك والأجنبي عنك، وقيل هو الملاصق لدارك، ولا يتجه هذا إلا إذا خص الأول بالقريب وإلا فلا «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» زوجتك، لأنها مصاحبة لك لاصقة بجنبك، والقصير أي الغريب الذي ينزل بجوارك ليأمن بظلك من الناس «وَابْنِ السَّبِيلِ» المسافر الذي انقطع عن أهله لنفاد نفقته، أو الذي لم يبق لديه ما يوصله لأهله «وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من العبيد والحيوانات فهذه كلها محتاجة إلى إحسان الذين خولهم الله تعالى نعمه فعليهم أن يحسنوا إليهم مما من الله عليهم، ولا يتكبروا بما يعطونهم إياه «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا» متكبرا متجبرا على الناس «فَخُوراً» (36) بنفسه وبما أوتي من فضل الله على خلقه لا ينظر إلى أقاربه وجيرانه ولا يقوم بحقوق المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وأبناء السبيل ويأنف عن مخالطتهم، ويرى نفسه خيرا منهم. روى مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال من أدرك والديه او أحدهما ثم لم يدخل الجنة. اي بسبب رضاهما.
وروى البخاري ومسلم عن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره (اجله) فليصل رحمه. وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال قال صلى الله عليه وسلم انا وكافل اليتيم في الجنة هكذا- وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما- ورويا عن ابي هريرة قال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. ورويا عن ابن عمر قال قال صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ورويا عنه انه صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. واخرج ابو داود عن علي كرم الله وجهه انه قال كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة، وانقوا الله فيما ملكت أيمانكم. وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء. وفي رواية ابي هريرة إلى من جرّ إزاره بطرا. وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا الله في النساء اتقوا الله في النساء، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فيما ملكت ايمانكم، اتقوا الله في المرأة الأرملة، والصبي اليتيم
وفي ذكر الله في هذه الآية الأصناف الثمانية الذين هم أولى بالإحسان وأمر المحسنين أن يحسنوا إليهم دلالة على أنها أجمع آية في القرآن في هذا المعنى، وسيأتي نظيرها في سورة التوبة الآية 62 الآتيه الواردة في مصارف صدقة الفرض، ثم أعقبها بذم البخل والبخلاء الذي هو أقبح خصلة في الناس وخاصة في الأغنياء لأنها عار عليهم في الدنيا وعذاب في الآخرة فقال جل قوله «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» فيخفونه ولا ينفقونه في وجوه البر، ولا يتصدقون بفضله إلى الأصناف المذكورة، فهؤلاء كافرون بنعم الله جاحدوها «وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ» أمثالهم «عَذاباً مُهِيناً» (37) لهم ومشينا بهم ومخزيا لأنهم بخلوا وأمروا غيرهم بالبخل لشدة تعلقهم به وأخفوا ما عندهم حتى انهم ليقولون لمن يطلب من إحسانهم ما عندنا شيء قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كروم بن زيد وحيي بن اخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت وأسامة بن حبيب ونافع بن ابي نافع ويحيى بن عمر كانوا يخالطون أناسا من الأنصار ويقولون لهم لا تنفقوا على الناس أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون. وهي عامة محكمة شاملة لكل من هذه صفته إلى يوم القيامة، وهؤلاء داخلون في قوله تعالى (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) الآية 269 من البقرة المارة «وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ» فخرا وسمعة لنشر الصيت وعلو الجاه ورفع القدر «وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ» فهؤلاء هم المنافقون الذين هم قرناء الشياطين. وقد أنزلت فيهم «وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً» (38) قرينه وبئس الخليل خليله «وَماذا عَلَيْهِمْ» أي مشقة تصيبهم وأي تبعة تلحق بهم «لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ» لعيال الله وعباده «وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً» (39) بأنهم لا ينفقون ولكن ليظهر ذلك لخلقه وهم لو عقلوا أن لا وبال عليهم بالإيمان ولا نقص عليهم بالإنفاق ولكن أبت نفوسهم الخبيثة ذلك لأنها منطوية على البخل وسوء الظن بالله «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ» النملة الصغيرة، وما يرى
في الهباء هو الذر، وهذا بالنسبة لما تستحضره العرب وتضرب به المثل في القلة وإلا فإنه تعالى لا ينقص أحدا شيئا، والذرة مركبة من أشياء كثيرة وقابلة للقسمة «وَإِنْ تَكُ» تلك الذرة «حَسَنَةً يُضاعِفْها» لصاحبها «وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً» (40) وما يصفه الله بالعظم، فلا يعرف مقداره إلا هو، وفي هذه الآية ابطال قول المعتزلة في تخليد مرتكب الكبيرة، مع أن له حسنات كثيرة. روى مسلم عن أنس بن مالك في هذه الآية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيعطى بحسنات قد عمل بها
في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. راجع الآيات من 261 إلى 274 من سورة البقرة ففيها جميع ما يتعلق بالمنفق والمنفق عليه والنفقة.
قال تعالى «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ» يشهد عليهم بما وقع منهم وعليهم «وَجِئْنا بِكَ» يا سيد الرسل «عَلى هؤُلاءِ» الذين بلّغتهم وأرشدتهم ونصحتهم وتليت عليهم آياتي «شَهِيداً» (41) على من أجاب دعوتك وصدق ما جئت به ومن جحدها ولم يلتفت لتذكيرك بها روى البخاري، ومسلم عن ابن مسعود قال قال صلى الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري، فقال فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية، قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. قال تعالى «يَوْمَئِذٍ» يوم يجاء بالرسل لتشهد على أممهم في ذلك المشهد العظيم، ويفرح المؤمنون المصدقون بما شهدوا به عليهم من الانقياد لأوامر الله والانتهاء عن نواهيه «يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ» في الدنيا ولم يمتثلوا أوامره التي بلغهم إياها فيتمنوا المرة بعد المرة «لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ» فيغوصون فيها كالموتى أو تخسف فتنطبق عليهم خوفا وخجلا من سوء أعمالهم التي يظهرها الله لهم ويسألهم عنها فيعترفون بها كلها «وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً» (42) فلا يقدرون أن يخفوا شيئا فعلوه في الدنيا لأنهم إن سكتوا أو جحدوا نطقت بها جوارحهم، فتعترف كل جارحة بما وقع منها وزمانه ومكانه وسببه.