الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيض ونفاس واستحاضة وغيرها «وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا» (57) دائما صفة موضحة مؤكدة كقولك ليل أليل ويوم أيوم وأحمر قان وأصفر ناصع وأبيض خالص وأسود خالص وأخضر أدهم وشبهها. قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» حين طلبها بلا توان «وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ» فإنه يأمركم أيها الحكام والمحكمين «أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» قريبا كان المحكوم أو بعيدا مؤمنا أو كافرا عدوا أو صديقا «إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ» فتعم الشيء الذي يأمركم به ربكم ويرشدكم إليه من أداء الأمانة والعدل في الأحكام لأنهما ملاك الدنيا والآخرة «إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً» (58) ولم يزل كذلك.
مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:
وهذا خطاب عام على الإطلاق لكل أحد وخاص بالأمراء والحكام يرمي إلى حثّ ولاة الأمور أن يقوموا برعاية الرعية ويحملهم على إحقاق الحق بمقتضى الشرع وأن لا يولوا المناصب غير أهلها لأنها أمانة بأيديهم، ولأن تولية الأمور لغير أهلها ظلم وهو من علامات الساعة كما جاء في الحديث الصحيح إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة. وقوله صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظروا الساعة. قال سيدنا علي كرم الله وجهه على الوالي أن يتعهد أموره ويتفقد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان المحسن ولا إساءة المسيء ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء فإن ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء وضاع العمل. وقال عمر بن الخطاب من ولي أمور العباد ينبغي له أن يتطلع على صغير أمورهم وكبيرها فإنه مسئول عنها، ومن غفل خسر الدنيا والآخرة. وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو أرضى منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. وعن أبي بكر رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحدا محاباة (أي لأجل قرابة أو أمر آخر) فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم، ألا فليتق الله من وسد الأمر
لغير أهله، وليراقب مغبة هذه الأحاديث، ومن وصايا سيدنا عمر إلى معاوية إذا تقدم لك الخصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة وادناء الضعيف حتى يشتد قلبه وينبسط لسانه، وتعاهد الغريب فإنك إن لم تتعاهده سقط حقه ورجع إلى أهله، وإنما ضبع حقه من لم يرفق به، وآسي بين الناس في لحظك وطرفك، وعليك بالصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء. وجاء في الحديث الذي رواه ثوبان لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له، وأخرجه البغوي عن أنس- وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أربع إذا كن فيك فلا عليك فيما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة. وأخرج عن ميمون بن مهران ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر الرحم توصل برة كانت أو فاجرة، والأمانة تؤدى إلى البر والفاجر، والعهد يوفى به للبر والفاجر. وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان. واختلف في سبب نزول هذه الآية في رواية ابن عباس وابن مسعود والبراء بن عازب وأبي جعفر وأبي عبد الله أنها عامة كما جرينا عليه وعليه أكثر المفسرين وعن زيد بن اسلم واختاره الجبائي أنها خاصة بولاة الأمور على الوجه الذي ذكرناه فيهم، والآية تدل بسياقها على كلا الأمرين، ولا يمنع عمومها في جميع الأمانات خصوص سببها في الأمراء، وما رواه البغوي من أنها نزلت في عثمان بن طلحة وهي رواية عن ابن عباس، وانه أسلم يوم الفتح فيه نظر، لأن عثمان هذا على ما قاله أبو عمرو بن عبد البر وابن منده وابن الأثير أنه هاجر إلى المدينة بعد هدنة الحديبية سنة ثمان مع خالد بن الوليد، ولقيهما عمرو بن العاص مقبلا من عند النجاشي فرافقهما وهاجر معهما، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رمتكم مكة بأفلاذ كبدها، يعني أنهم وجوه قومهم من أهلها فأسلموا. نعم إن عثمان المذكور جاء بالمفتاح يوم الفتح وسلمه لحضرة الرسول وطلب العباس إن يضمه إليه مع السقاية، قالوا وكان حضرة الرسول قبل الهجرة أراد أن يدخل البيت، فطلب المفتاح من عثمان هذا فلم يعطه إياه، ولم يفتح له الباب، فقال صلى الله عليه وسلم إني رسول الله قال له
لو علمت انك رسوله لما منعنك، فقال له سيأتي يوم إن شاء الله أنزعه منك، فلما كان الفتح وأتى عثمان بالمفتاح وطلبه العباس ظن أنه لا يعيده إليه لما سبق منه فنزل جبريل وأمره برده إليه عن أمر ربه وتلا هذه الآية فرده إليه وقال
خذها يا بني طلحة (يعني سدانة البيت) خالدة مخلدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، ثم إنه أعطاه بعد إلى أخيه شيبة وهي حتى الآن في ذريته فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية بعد الفتح عند ذلك بمناسبة رد المفتاح إلى السادن القديم فلا يعني أنها نزلت في هذا الشأن، لأن هذه السورة نزلت قبل الفتح بسنتين ولا يجوز أن يقال إن هذا لعلة من الإخبار بالغيب، لأن هذه من الأقوال الواقعية لا المخبر بوقوعها وليست من الأقوال حتى تكرر والله أعلم. ومما يؤيد نزول هذه الآية فيما ذكرنا قوله تعالى بسياقها «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» من جنسكم وقومكم أيها المؤمنون فإن هذه فرع عن قوله (وَإِذا حَكَمْتُمْ) الآية، ويؤكده قوله عز وجل «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ» من أمر دينكم ودنياكم «فَرُدُّوهُ» ارجعوا به في طلب حله «إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ما دام حيا وإلى كتاب الله وسنة رسوله بعد وفاته «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» فافعلوا ما تؤمرون به «ذلِكَ» الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله «خَيْرٌ» لكم من الاستبداد بالرأي واتباع هوى أنفسكم فيه «وَ» تأويل الرسول له «أَحْسَنُ» من تأويلكم، لأنه لا ينطق عن الهوى بل يتبع الوحي المنزل عليه فيه من ربه وما يلهمه الله مما يلقيه في روعه، لذلك كان تأويله «تَأْوِيلًا» (59) خيرا من تأويلكم وأحمد عاقبة روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني. وروى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم حدود الله. إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولهذا البحث صلة في الآية 159 من سورة الأنعام في ج 2، فراجعها. والآية عامة في كل أمير وما قاله عكرمة أراد بها أبا بكر وعمر للحديث المروي عن حذيفة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أدري ما يقال فيكم فاقتدوا بالذين بعدي أبي بكر