المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً»

(27)

عما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم لتهلكوا وتندموا وتخسروا الدنيا والآخرة «يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ» تكاليفه التي أثقلت كواهل من قبلكم ولم يشدد عليكم كما شدد عليهم لأنكم أقرب للطاعة منهم، وأرأف على غيركم منهم. وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» (28) لا يتحمل المشاق قليل الصبر لا يقهر قواه، ضعيف العزم لقاء هواه، نحيف البنية لا يستطيع مقاومة الشدة، الشوكة تفعده والحمى تميته، عديم التأني عجولا لما يريد.

‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

هذا وبعد أن بين الله تعالى ما يجب أن ينتهي عنه في النفس شرع في بيان ما يجب أن يجتنب في المال والنشب فقال جل قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» كالربا والقمار والغضب والسرقة والخيانة، وأن تعدوا ما يحصل من ذلك ربحا وهو محرم عليكم تعاطيه وربحه، وهكذا كل ربح حصل من عقد فاسد أو باطل «إِلَّا أَنْ تَكُونَ» الأرباح التي تأكلونها «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» فيحل لكم أكلها وهذا الاستثناء منقطع لأن أرباح التجارة ليست من جنس الباطل. وفي الآية دليل على جواز البيع بالتعاطي وجواز البيع الموقوف إذا أجيز لوجود التراضي وعلى نفي خيار المجلس، لأن إباحة الأكل من غير تقييد، وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية 188 من سورة البقرة فراجعه «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» أيها المؤمنون كما يفعله بعض الجهلة قليلو اليقين بالله عند ضيق ذات يدهم أو حدوث أمر يعجزهم تدبيره أو مفاجأة بمعيبة أخرى أو غير ذلك، فإنّ قتل النفس أشد من قتل الغير إثما عند الله، لأن من يقتل غيره يوشك أن يتوب ويؤدي ديته أو تعفي عنه ورثته فلا يبقى عليه إلا حق الله وهو مبني على المسامحة، والله أكرم مرجوّ أن يعفو عنه بعد أن عفا عنه عبده والله سبحانه أكرم منه، أما قتل النفس فلا يتيسر فيه شيء من ذلك روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل

ص: 546

نفسه فسمّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.

ورويا عن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله تبارك وتعالى، بدرني عبدي بنفسه، وفي رواية استعجل عليّ عبدي حرمت عليه الجنة، ولهذا قال كثير من الأئمة لا يصلى عليه، وقال ابو حنيفة يصلى عليه لأنه مؤمن مذنب وهو أحوج من غيره للدعاء، والأول الذي مشى عليه غيره أولى لما سبق في معنى الحديثين المارين وما سيأتي بعد هذا، ومن قتل غيره فقد تسبب لقتل نفسه لأنه قد يحكم عليه بالقصاص، ومن أكل المال بالباطل فقد أهلك نفسه لما فيه من الوعيد الشديد، فكأنه قتلها أيضا، وقد بينا ما يتعلق في هذا في الآية 179 من سورة البقرة المارة «إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً» (29) يا أمة محمد ولم يزل كذلك، لأنه ينهاكم عن كل ما يضركم ويأمركم بكل ما ينفعكم دنيا وأخرى، ومن رحمته أن جعل توبتكم الندم وتوبة غيركم القتل «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً» تجاوزا على الله «وَظُلْماً» لنفسه قصدا لا خطأ ولحق ما، فيأكل المال بالباطل الذي مر ذكره في الآية 189 من البقرة ويقتل نفسه جزعا «فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً» في الآخرة «وَكانَ ذلِكَ» الإحراق فيها «عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» (30) هيّنا سهلا لأن تنفيذ أوامره جارية بين الكاف والنون ولا أيسر من لفظ كن.

الحكم الشرعي: قتل النفس من الكبائر، وقاتل نفسه عاص فاسق لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأن الله تعالى جعل عقابه الخلود في النار ولما جاء في تيسير الوصول عن جابر بن مرة أن رسول صلى الله عليه وسلم أخبر برجل قتل نفسه فقال لا أصلي عليه وللحديثين المارين المصرحين بخلوده في النار والخلود من خصائص الكافرين، هذا هو الصحيح. وقيل إنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين مع القول بفسقه وعصيانه، وأمره إلى الله. أما قاتل نفسه خطأ فلا خلاف في جواز غسله والصلاة عليه وكذلك في شبه العمد. وليعلم ان تشديد العقاب على قاتل نفسه عمدا لأنه ناشيء حقدا عن عدم ثقته بالله ووثوقه بوعده ولأنه لا يقين له بالله، ولهذا البحث صلة في الآية الثانية من سورة الطلاق الآتية فراجعها

ص: 547

قال تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» من كل ذنب عظيم قبحه وكبرت عقوبته واستوجب الحد في الدنيا والعذاب بالآخرة وهو ما ختمه الله بنار أو عذاب أو غضب أو لعنة وعد قتل النفس في الموبقات على ما رواه الشيخان من قوله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات) الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، فإذا اجتنبتم هذه وما شاكلها أيها الناس «نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» الصغار وهي مالم يكن على فاعلها حد في الدنيا ولم تستوجب العذاب بالآخرة ما لم تفترن بإحدى العقوبات الأربع المارة، لأن الحسنات تكفرها وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفّارات لما بينهن- أخرجه مسلم-. وقد تكون الكبائر والصغائر بنسبة مرتكبها على حد حسنات الأبرار وسيئات المقربين، وفي هذا المعنى يقول القائل:

لا يحقر الرجل الرفيع دقيقة

في النهي فيها للوضيع معاذر

فكبائر الرجل الصغير صغائر

وصغائر الرجل الكبير كبائر

وهذا من حيث المعنى على حد قول الآخر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكريم المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

أما عند العارفين في الكبائر ما ذكرها ابن الفارض بقوله:

ولو خطرت لي في سواك إرادة

على خاطري سهوا حكمت بردتي

وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 38 من سورة الشورى في ج 2 ما به كفاية فراجعها وما ترشدك إليه من المواضع «وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً» (31) في دار كرامته التي لا أكرم منها. قال تعالى «وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ» من مال أو جاه أو زوجة أو ولد لأن ذلك قسمة من الله خص بها من شاء من عباده صادرة عن حكمته وتدبيره وعلمه بأحوال الناس، وهذا تأديب أدب الله به عباده وتهذيب لأخلاقهم وتبرئة لهم من داء

ص: 548

الحسد الذي هو مهضمة للجسد في الدنيا مهلكة له في الآخرة. فعلى الإنسان أن يرضى بما قسم له ربه ويقنع بما عنده فالقناعة كنز لا يفنى. واعلم أن التمني على قسمين حرام وهي تمني زوال نعمة الغير عنه وضمها له، وهذا هو الحسد بعينه وفيه اعتراض على الله تعالى، وفيه يقول القائل:

وأظلم خلق الله من مات حاسدا

لمن بات في نعمائه يتقلّب

وقول الآخر:

ألا قل لمن بات لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله

لأنك لم ترض لي ما وهب

وقول الآخر:

كل العداوات قد ترجى إزالتها

إلا عداوة من عاداك في حسد

وجائز وهو أن يتمنى لنفسه مثل الذي عند غيره من الخير مع بقائه له، وهذه الآية عامة في كل تمن مشروع، وإن كانت نزلت بصدد آية المواريث بتخصيص الرجل ضعفي المرأة من الميراث، لأن العبرة لعموم اللفظ، ولما قال الرجال إنا لنرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث، وقالت النساء إنا لنرجو أن يكون وزرنا على النصف من وزر الرجال كالميراث، نزل قوله تعالى «لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا» أجرا ووزرا «وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ» أجرا ووزرا بحسب الأعمال لا بحسب الإرث «وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ» أن يمنّ عليكم كما من على غيركم ولا تتمنوا ما أعطاه لغيركم، وفيها تنبيه على استحباب الدعاء وطلب الفضل المطلق من الله، لأنه جل شأنه لم يأمر بالمسألة إلا ليعظم الأجر ويعطي ما هو الأصلح بعده من غير أن يعين شيئا. وفيها إشارة إلى أن لا علاقة للمال بالأعمال، ولا العقيدة بالرزق، فقد يرزق الحقير ويحرم الخطير، ويرزق الشقي ويحرم التقي ويرزق الضعيف ويحرم القوي لا يسأل عما يفعل «إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» (32) ولم يزل كذلك كما كان من قبل وإنه بمقتضى علمه يعطي كل سائل ما يصلحه. «وَلِكُلٍّ» من مال أو تركة «جَعَلْنا مَوالِيَ» وارثين يلون أشياء «مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ

ص: 549