المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

فتنفقوا منها جميعا، لأنه لا يجوز الإنفاق من مال اليتيم وفي حال خلطها مع أموالكم عدم مبالاة في حفظها ومدعاة للإنفاق منها على أنفسكم دونهم، إذ يجب على ولي اليتيم أن يفرق بين أمواله وأموال يتيمه وأن ينفق على نفسه وغيره من ماله فقط، وعلى اليتامى من أموالهم إنفاقا بالمعروف إذا لم تسمح نفسه بالإنفاق عليهم من ماله وعدهم من جملة عياله «إِنَّهُ» الأكل من مال اليتيم أو تبديله بأحسن منه «كانَ» عند الله ولا يزال «حُوباً كَبِيراً» (2) إثما عظيما عقابه عظيما عند الله.

‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

كان رجل من غطفان معه مال كثير لابن أخيه، فلما بلغ منعه عمه منه، فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليهما هذه الآية فقالا أطعنا الله والرسول ونعوذ بالله من الحوب الكبير، ودفع إلى اليتيم ماله. هكذا كانت طاعة العرب الذين يسمونهم بعض الناس في خطبهم أجلافا، وما كانوا بأجلاف وإنما هم شم الأنوف، وقد هذبهم الإسلام فألانهم، وإلا فإن الخصال التي كانت عندهم من المروءة والشهامة والكرم ومكارم الآداب والأخلاق والعفو والصفح والعطف، لم تتحل بها أمة من الأمم الراقية لا قبل ولا بعد، وإنما يتأسى بهم من يفعل فعلهم، نعم كانت عندهم عصبية بعضهم لبعض وكان بينهم ظلم وفحش وجور وغلظة وقساوة من مقتضيات عاداتهم الجاهلية التي طبعوا عليها من مئات السنين، وقد محاها الإسلام وحرمها وأبدلها بأضدادها، ورب شيء محمود بالجاهلية مذموم في الإسلام، كما يكون ممدوحا في الشرع ومذموما بالطب وبالعكس، راجع ص 17 من حاشية الباجوري على ابن قاسم في كتاب الطهارة، وقد بقي آثار من أعمالهم الجاهلية في البوادي ووصلت إلى القرى، وقد توجد الآن عند بعض الأرياف فإنهم لا يورثون اليتيم ولا المرأة بل يرثونها، وذلك لقلة علمهم وعدم وجود العلماء عندهم وكثرة طمعهم، والقصور كله على الحكومة التي أهملتهم وتركتهم على ما هم عليه، وإلا لو أرسلت إليهم النصاح والمرشدين والمعلمين لما بقي لهذه العوائد من أثر، اللهم بصرهم لينفعوا عبادك وينشروا القسط في بلادك، لأن زمام الأمور بيد السلطان، وانه ليزع به أكثر مما يزع بالقرآن، فهو القطب الذي عليه مدار الدنيا، وقوام

ص: 516

الحدود، ونظام الحقوق، وهو حمى الله، وظله الممدود على عباده وبلاده، به يمتنع صريخهم، وينتصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. على أن غير العرب في ذلك الزمن كان أكثر وحشية منهم وأشد ظلما وأعظم تكبرا، وحتى الآن توجد فيهم هذه الخصال وأشنع وأقبح وأفظع، كما يذكرونه في جرائدهم.

قال تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى» الذين هم تحت تربيتكم إذا أردتم الزواج بهن «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» غيرهن وزوجوهن لغيركم وتزوجوا من شئتم من غيرهن «مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» أي اثنتين اثنتين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا فحسب، أما الزيادة على الأربع فحرام عليكم، وليس لكم أن تقتدوا بحضرة الرسول فيما هو من خصائصه، وهذا هو الحكم الشرعي. ولا دليل في هذه الآية على التسع بزعم جواز ضم الأعداد الثلاثة أي جمعها لأنها تكون عشرا لا تسعا بضم الواحدة التي قبل الاثنتين، لأنها مبدأ العدد، ولأن الخطاب للجميع، وسبب التكرار ليصيب كل ناكح يريد الجمع الذي أراده من العدد الذي أطلق له، كما إذا قلت لجماعة اقتسموا هذه الألف درهمين درهمين، أو عشرة عشرة، أو مئة مئة، فإن الواحد يناله أحد هذه الأعداد لا مجموعها، تدبر، يدل على هذا ما أخرجه أبو داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اختر أربعا (أي واترك الباقي) . وما أخرجه الترمذي عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره رسول الله أن يختار منهن أربعا فقط. ومن هنا تعلم أن ما عليه بعض الإمامية ومن حذا حذوهم من تجويز الجمع بين التسعة لا يتفق وصريح الآية المؤيدة بهذه الأحاديث الصحيحة، ومخالف للإجماع، راجع أول سورة فاطر في ج 1. «فَإِنْ خِفْتُمْ» أيها الراغبون في زواج أكثر من واحدة «أَلَّا تَعْدِلُوا» بينهن «فَواحِدَةً» فقط فتقتصرون عليها «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من الجواري إذ لا يجب العدل بينهن «ذلِكَ» الاقتصار على الواحدة مع تحقق عدم العدل بين الأكثر أقرب و «أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» (3) تميلوا عن الحق الذي أوجبه الله عليكم من القسمة

ص: 517

بين الأزواج فتجوروا على بعضهن، من عال يعول بمعنى مال يميل، وبمعنى جاوز يجاوز، ومنه عول الفرائض إذا جاوزت المسألة سهامها تسمى عولية، وعليه يكون المعنى الاكتفاء بالواحدة أقرب من أن لا تجاوزوا ما فرضه الله لكم.

وقال الشافعي وهو حجة في اللغة كغيرها: من عال صار ذا عيال أي أن لا تكثر عيالكم فتعجزوا عن القيام بهم، وقد خطأه أبو بكر الرازي باعتبار أن سياق الآية يبعد المعنى المراد من العيال وسباقها كذلك، إلا أنه قد لا يؤخذ بقوله لأنه لا وقوف له على كلام العرب مثله، على أنه يجوز استعمال كلمة في معنيين ومعان أيضا بما يناسبها، وهذا مما يؤسفني لأنه قد فتح بابا لبعض الحمقى فصاروا يعترضون على أسلافهم الكاملين من حيث لم يفهموا أقوالهم وليسوا بأهل لنزالهم، فقال سامحه الله إدا كان من كثرة العيال فيقال عال يعيل لا عال يعول، ولا يعلم أن العرب تقول عال الرجل عياله يعولهم، كما يقال مان ويمونهم إذا أنفق عليهم، وقد روى الأزهري عن الكسائي قال: عال الرجل إذا اقتصر، وأعال إذا كثر عياله. وروى الأزهري أيضا في كتاب تهذيب اللغة عن عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قوله (ألا تعولوا) أي لا تكثر عيالكم، وعليه فيكون هو المخطئ لا الشافعي ولكنه استعجل ولم يتثبت. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره بعد أن فند قول المخطئ: الطعن لا يصدر إلا عن كثرة الغباوة وقلة المعرفة، وذلك لأن اللغة العربية واسعة ولكلماتها معان كثيرة وان مجيئها لمعنى لا يعني أنها لا تكون لمعنى آخر، وإن من وقف على روحها وطاف على معناها وتفقأ في الإحاطة بمبانيها قد لا يخطىء أحدا لأنه يرى لكل وجهته، ولو أنه قال تكون بمعنى كذا وبمعنى كذا والأول أولى لمناسبة ما قبلها وما بعدها لكان خيرا له من أن يخطىء من هو أعلم منه، عفا الله عنه ووفقه لما به الصواب. هذا وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري ومسلم عن عروة أنه سأل عائشة عن قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ) الآية قالت يا ابن أخي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها (أي وهي ممن تحل له) فيرغب في جمالها أو مالها ويريد أن ينقص من صداقها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق وأمروا بنكاح من سواهن (أي إذا لم يعدلوا في صداقهن

ص: 518

مثل أمثالهن) قالت عائشة فاستفتى الناس رسول الله بعد ذلك، فانزل (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) الآية 127 الآتية، وسيأتي تمام البحث في تفسيرها إن شاء الله تعالى القائل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» عطية وهبة عن طيب نفس ورغبة جنان «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً» فوهبة لكم بلا تكليف منكم «فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» (4) هذا خطاب لأولياء النساء اليتامى وغيرهم، بالنظر لإطلاقها، أي أن الله يأمركم أيها الناس أن تعطوا النساء مهورهن كلها ولا تأخذوا منه شيئا إلا إذا سمحن لكم بشيء منه عن طيب نفس بعد أن يتسلمنه فلا مانع من أن تأخذوه، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا زوجوا المرأة لمن معهم في العشيرة لم يعطوها من مهرها شيئا بل يأخذونه كله إلا ما يمنحونها به من ركوبة أو لباس، وإذا زوجوها غريبا عنهم حملوها على بعير إليه وأكرموها بلباس لا يعطونها غيره، فنهاهم الله عن ذلك، وهذه العادة القبيحة لها بقية أيضا حتى الآن في عرب الأرياف والبادية، وكذلك عند الأكراد والجراكسة، وأيضا الشغار لا زال جاريا بينهم إلا أنهم يعطونها ركوبة ولباسا سواء كانت لقريب أو لغريب لا على الخيار في القريب كما هو في الجاهلية الأولى. الحكم الشرعي:

وجوب إعطاء تمام المهر للزوجة في الشغار وغيره، إذ يجب إعطاء البديلة مهر مثلبا على من يبدلها، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار في العقد، وما روياه عن عقبة بن عامر قال: قال صلى الله عليه وسلم أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم من الفروج. وذلك لأنهم لا يراعون حقوق البلديات بل يأكلون مهورهن، والأنكى من هذا أنه إذا لم تمتزج إحداهن مع زوجها فتركته أجبرت الأخرى على ترك زوجها أيضا من قبل وليها بصورة لا يرضاها الشرع ولا المروءة، وهذا مما نفت في روع حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نهى عن المبادلة بالحديثين المارّين وغيرهما. واعلم أن ماجرينا عليه من كون الخطاب للأولياء أولى مما مشى عليه الغير بجعله للأزواج، لأن الخطاب فيما قبلها للناكحين مع أن ذكر الناكحين جاء استطرادا في بحث اليتامى الذي حذر الله أولياءهم من أكل أموالهم، فجعل الخطاب إليهم أيضا بتحذيرهم من أكل المهور

ص: 519