الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالُوا لِإِخْوانِهِمْ»
المنافقين في المدينة «وَقَعَدُوا» عن الجهاد بقصد خذلان الرسول، ثم بين ما قالوه لإخوانهم بقوله «لَوْ أَطاعُونا» أولئك المؤمنون الذين خرجوا مع الرسول وقعدوا معنا «ما قُتِلُوا» في واقعة أحد فرد الله عليهم بقوله «قُلْ» يا سيد الرسل «فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (168) أن قعودكم يمنعكم منه لأن المقتول ميت بعمره، وإذا كان الموت لا بد منه فليمت العاقل في سبيل الله، راجع الآية 158 المارة.
وتفيد هذه الآية أن المنافق شر من الكافر، وأن الحذر لا يغني عن القدر، وأن الموت في سبيل الله أشرف من الموت على الفراش وهو كذلك.
مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:
قال تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً» كغيرهم ينقطع ذكرهم بالدنيا كلا «بَلْ أَحْياءٌ» يخلد ذكرهم فيها بما نالوه بسببه من الشهادة في الذب عن دينهم وعرضهم وبلادهم وكيانهم، لذلك يبقى ذكرهم الحسن شائع في الدنيا وفي الآخرة «عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (169) رزقا كريما لا نعرفه كما أن حياتهم حياة لا نعقلها، إذ اختصهم الله بها، لا نطلع على كنهها بالحس، ولا ندركها بالبصر، لأنها من أحوال البرزخ، ولا طريق للعلم بها إلا الاعتقاد الجازم بما ذكره الله، فلو رأيتهم أيها الرائي هناك «فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» من الكرامة والإحسان والنعيمه يفرحون «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ» من إخوانهم الأحياء بأنهم إذا نالتهم الشهادة ولحقوهم إلى دار العزة يكونون مثلهم، وإذا رأيتهم تيقنت «أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» من أحوال الآخرة «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (170) على ما فاتهم من الدنيا لأن الخير الذي رأوه أنساهم إياها
«يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ» والتنوين في هاتين النكرتين يدل على التكثير فيكون المعنى نعمة كبيرة وفضل عظيم بما رزقوا من خير مقيم، كما أنهم يستبشرون لإخوانهم المار ذكرهم. ولا تكرار هنا لأن الأول لغيرهم والثاني لهم «وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» (171)
الآخرين الذين جاهدوا ولم يتوفقوا للشهادة لأنهم سعداء مدّ الله في آجالهم ليكثر ثوابهم، فلهؤلاء ما ذكر الله، أما الذين لم يخرجوا للجهاد لعذر أقعدهم أو أمر من الرسول بالبقاء للمحافظة على المدن ومن فيها من العاجزين والأطفال والنساء والقيام بشئونهم فإن الله تعالى يثيبهم على حسب نياتهم وإخلاصهم. روى البخاري ومسلم عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن عمر عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ) إلخ فقال أما انا قد سألنا عن ذلك (يدلّ على أن هذا الحديث مرفوع) فقال (يعني محمد صلى الله عليه وسلم أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطّلاعة فقال هل تشتهون شيئا؟
قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح في الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاثا، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا، قالوا يا رب نريد أن ترد علينا أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى (وهو راء) أن ليس لهم حاجة تركوا. هذا إخبار الله ورسوله عن المقتول في سبيل الله بأنه حي، وعليه فلا يجوز الدخول في هذا وأمثاله بالعقل، فإن العقل لمثله عقال يفسد ولا يصلح، بل يجب الدخول على هذا وأمثاله بالإيمان الصرف الذي من ورائه الإيقان الذي من ورائه العيان، فالعقل هذا كالملح المفسد لبعض، المصلح لآخر، تأمل وتروّ وتأنّ، ولا تقل هنا بالتأني تضيع الفرص والله يرشدك للصواب، راجع ما قدمناه في نظير هذه الآية الآية، 151 من سورة البقرة المارة. واعلم أن في هذا الحديث دلالة على وجود الجنة وأنها مخلوقة خلافا لمن قال بخلافه، ودليل أيضا على عدم فناء الروح، وعلى أن المحسن ينعم في الآخرة وفي البرزخ، والمسيء يعذب فيهما، وهذا هو المذهب الحق، وإن ما جاء في هذا الحديث ليس بمستحيل على الله لأنه قادر على أن يصوّر أرواحهم على هيئة الطير. أما القول بحياة الجسد فهو وإن لم يكن بعيدا على من يحيي العظام وهي رميم ويخلق البشر من النطفة وآدم من الطين وحواء من اللحم وعيسى من غير أب، وكون هذا الكون علويه وسفليه بلفظ كن، إلا أنه لم تجر عادة الله جلت قدرته بذلك، وليس فيه مزيد فضل أو عظيم منّة، ولا إليه حاجة، بل فيه ما فيه من إيقاع الشكوك والأوهام،
وتكليف ضعفة المؤمنين بالإيمان به دون جدوى. وما حكي عن مشاهدة بعض الشهداء الأقدمين كاملي الأجساد وأن قروحهم تشخب دما عند رفع أيديهم عنها أو نقلهم من محلهم فلعله مبالغة أو حديث خرافة عند بعض الناس الذين يعدون ناقله أو قائله في هذا الزمن من سفهة الأحلام وسخفاء العقول، راجع الآية 43 من سورة الزمر في ج 2 وما تشير إليه من المواضع التي لها علاقة لما في هذا البحث وإلى هنا انتهت الآيات النازلة في حادثة أحد. وما قيل إن هذه الآية الأخيرة نزلت في شهداء بدر لا يصح، لأن الذي نزل فيهم هي آية 154 من سورة البقرة المارة. وقال بعض المفسرين إنها نزلت في أهل بئر معونة، ويستدل بما رواه البخاري ومسلم قال: بعث رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر، وفي رواية: بعث خالي أخا لأم سليم واسمه خزام، في سبعين راكبا، فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن آمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله وإلا كنتم مني قريبا، فتقدم، فأمنوه، فبينما هو يحدثهم عن رسول الله إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه، فأنقذه، فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة، ثم مالوا على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا منهم أعرج صعد الجبل، قال همام وأراه آخر معه، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم، فرضي عنهم وأرضاهم، قال فكنا نقرأ (أن بلغوا عنا قومنا أن لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) وهذا إن صح فهو من كلام جبريل لحضرة الرسول وليس من القرآن، إذ لو كان منه لأثبت فيه، وقد ذكرنا أن كل ما هو من هذا القبيل ليس من القرآن، يدل على هذا قوله) ثم نسخ بعد (أي أنهم نهوا عن قراءة تلك الجملة) فدعا عليهم رسول الله أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني عصبة الذين عصوا الله ورسوله. وفي رواية. رعلا وذكوان وبني لحيان استمدوا لرسول الله بسبعين رجلا من الأنصار كنا نسيهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، حتى إذا كانوا ببئر معونة (أرض ببني عامر وحرة بني سليم) قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقنت عليهم شهرا يدعو في الصبح على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصيه وبني لحيان، قال أنس فقرأنا فيهم قرآنا ثم رفع (أي ما ذكر أعلاه) وليس
بشيء إذ ليس كل ما يخبر به جبريل حضرة الرسول يكون قرآنا، أما قوله فكنا نقرأ فهو عبارة عن تكرار ما قاله جبريل عليه السلام لحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام بشأنهم، وقراءته حكايته، إذ لو كان قرآنا لدون في
الصحف كغيره فيما كان يكتب عليه التي كانت في بيت عائشة ثم حفصة التي نقلها القراء في زمن عثمان إلى المصاحف، وحفظت كغيرها من قبل الكتبة، لذلك فلا معنى لقوله ثم نسخ، يدل عليه عدم بيان ما نسخ به، إذ لكل منسوخ ناسخ بما يدل على أن ذلك ليس من القرآن، ومن هنا شرع القنوت عند نزول كل حادثة بالمسلمين في الصلوات. وفي رواية لمسلم: جاء أناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار وذكر نحو ما تقدم، وذلك في شهر صفر السنة الرابعة من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد، وهذا الخبر على فرض صحته كما جاء ليس نصا في سبب النزول، إذ قيل إن الذي نزل فيهم هو قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية المارة، وكذلك لا يكاد يصح لأن السبب في نزولها قد ذكرناه في الآية 127 المارة، وقد بينا غير مرّة أن لا مانع من تعدد الأسباب، وأن آية واحدة قد تكون لعدة حوادث، والله أعلم. قال تعالى «الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا» وسارعوا بالإجابة «مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ» (172) عند الله لانقيادهم لأمر رسولهم. نزلت هذه الآية في غزوة حمراء الأسد بعد الانصراف من غزوة أحد، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت لعروة يا ابن أختي كان أبوك منهم والزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله ما أصاب يوم أحد وانصرف المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلا كان فيهم أبو بكر والزبير، قال فمر برسول الله صلى الله عليه وسلم معبد الخزاعي بحمراء الأسد وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال يا محمد والله لقد عزّ علينا ما أصابك، ولوددنا أن الله أعفاك فيهم، ثم خرج معبد من عند رسول الله حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا