المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

وعمر. أخرجه الترمذي وما قاله ميمون بن مهران أن المراد بهم أمراء السرايا والبعوث أو أنهم عموم الأصحاب لما روي عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أخرجه رزين في كتابه ولما روي عن البغوي بسنده عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح. وقال الحسن ذهب ملحنا فكيف نصلح؟ وقال غيره:

يا علماء السوء يا ملح البلد

ما يصلح الملح إذا الملح فسد

وكذلك ما روى البخاري عن ابن عباس بأنها نزلت في عبد الله بن حذافة ابن قيس وما قاله السدي بأنها في خالد بن الوليد حين بعثه الرسول على سرية فيها عمار بن يسر فلما قربوا من القوم هربوا، وجاء رجل إلى عمار قد أسلم فأمنه عمار، فرجع الرجل فجاء خالد فأخذ ماله، فقال إني قد أمنته وقد أسلم قال خالد تجير علي وأنا الأمير؟ فتنازعا وقدما إلى رسول الله، فأجاز أمان عمّار ونهاه أن يجبر الثانية على أميره. فهذه الأقوال إن صحت لا تخصص هذه الآية بمن وردت فيهم لأنهم من جملة الأمراء المأمور بإطاعتهم فيدخلون بحكم عمومها دخولا أوليا وغيرهم من بعدهم لذلك ما ذهبنا إليه هو الأولى وقد مشى على هذا الطبري والجبائي وزيد بن اسلم وكثير من المفسرين غيرهم لذلك فإنها مطلقة باقية على إطلاقها.

‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

قال تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» من الكتب وهذا تعجب ثالث يعجب الله به رسوله مما جبل عليه اليهود من الطبائع السيئة، ولفظ زعم يأتي بمعنى الحق والباطل والكذب والصدق بحسب مناسبة المقام، وأكثر ما يستعمل بالشك، وجاء في الحديث زعمه جبريل، وفي حديث خمام بن ثعلبة زعم رسولك، وقال سيبويه زعم الخليل لشيء يرتضيه، وفي شرح مسلم أن زعمه في كل هذا بمعنى قال والمراد هنا مجرّد ادعاء، أي أنهم يدعون إيمانهم بتلك الكتب والحال أنهم لم يؤمنوا بها حقيقة لأنهم «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ» فلو كان إيمانهم صحيحا لما طلبوا المحاكمة إلى المنافق المعبر عنه في الطاغوت فكيف يرضونه حكما «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا

ص: 570

بِهِ»

ولكنهم يريدون الركون إلى الضلال إذ لم تؤثر فيهم الآيات الرامية إلى الهدى «وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً» (60) عن الحق مستمرا دائما فوق ضلالهم فلو أمروا بالجنوح عنه لما فعلوا

«وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا» تحاكموا «إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ» ليحكم بينكم بكتاب الله فهو أعدل وأحق للحق «رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ» يا سيد الرسل «صُدُوداً» (61) وأيّ صدود صدود مع أنفة عما تدعوهم إليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي ننطلق إلى محمد، وقال المنافق ننطلق إلى كعب بن الأشرف، وهذا هو الذي سماه الله بالطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا عند رسول الله، فلما رأى المنافق ذلك، أتى معه إلى الرسول، فقضى عليه، فلما خرجا قال المنافق انطلق بنا إلى عمر، فذهب معه، فقال لعمر اختصمت معه إلى الرسول فقضى لي عليه فلم يرض فقال عمر للمنافق أن كذلك؟ قال نعم، فأصلت سيفه وضرب المنافق حتى برد، وقال هكذا أقضي بمن لم يرض بقضاء الله، فنزلت هذه الآية، وقال جبريل لمحمد إن عمر فرق بين الحق والباطل، ومن ذلك اليوم سمي الفاروق، قال تعالى «فَكَيْفَ» يكون حال هؤلاء المنافقين «إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ» مثل قتل بشر هذا «بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» وهو أولا اختيار بتحكيم كعب على تحكيمك وثانيا عدم رضائه بحكمك «ثُمَّ جاؤُكَ» أهل القتيل المذكور «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا» ما أردنا بطلب إعادة المحاكمة عند غيرك «إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً» (62) ليطمئن المحكوم عليه بأن قضاءك هو الحق ولنوفق بينهما عليه لا عدم رضى بحكمك «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» من النفاق والكذب «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ» يا أكمل الرسل باللسان وازجرهم عن النفاق والكذب وخوفهم من طلب المحاكمة إلى الطاغوت وعذاب الآخرة المترتب عليه ولا تعاقبهم «وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً» يؤثر في قلوبهم مملئه التخويف والتهديد «وَ» اعلم يا سيد الرسل أنا «ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» فيما يأمر وينهى ويحكم «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا

ص: 571

أَنْفُسَهُمْ»

بطلب المحاكمة إلى الطاغوت «جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ» مما أقدموا عليه «وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» لأنه يقبل عذر من اعتذر إليه والله لا يرد شفاعته «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً» عليهم «رَحِيماً» (64) بهم ومن هنا والآيتين 38 من المائدة الآتية و 57 من الإسراء المارة في ج 1 أخذ جواز التوسل بحضرة الرسول، راجع تفسير الآيتين المذكورتين. وتشير إلى أن الاعتراف بالذنب أمام حضرة الرسول واستغفاره له قد يؤدي لعفو الله عنه، وعليه فإن المذنب إذا اعترف أمام العالم الذي هو نائب عن حضرة الرسول وتاب توبة نصوحا ودعى له بقبولها قد يؤدي لذلك والله أعلم. «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ» حقا ولا يسمون مؤمنين «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» رغبة فيك وحبا في سماع كلامك وشوقا بحكمك «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً» ضيقا وحنقا وعدم رضى «مِمَّا قَضَيْتَ» به عليهم بل يتلقونه بطيب نفس ويعلمون أنه الحق الواجب اتباعه «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (65) مطلقا وينقادوا له انقيادا رضائيا لا شك ولا تردد فيه ظاهرا وباطنا ولا تخيير فيه أبدا راجع الآية 26 من سورة الأحزاب المارة، روى البخاري ومسلم عن عروة ابن الزبير عن أبيه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحمه (الشراج سيل الماء النازل من الجبل إلى السهل والحمة الأرض الحمراء المتلبسة بالحجارة السوداء) التي يسقون بها النخيل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما إلى رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله إن كان ابن عمتك (أي قضيت له لهذه القرابة لا بحق رأيته قاتله الله) فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك، زاد البخاري فاستوعى رسول الله حينئذ للزبير حقه وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير أن يتسامح مع الأنصاري سعة له فلما احتفظ الأنصاري أي استوعى أي استوفى للزبير حقه (وذلك إن من كانت أرضه في فم الوادي فهو أولى بتمام السقي) وروى البغوي أنهما لما خرجا مرا على المقداد فقال لمن قضى، لمن كان القضاء قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقه

ص: 572

ففطن له يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم وايم الله لقد أذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى يريد سلفهم

فدعا موسى إلى التوبة منه فقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين الفا في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فلما سمعه ثابت بن قيس بن شماس قال أما والله إن الله يعلم مني الصدق، ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت. هذا وإن ما جاء في الحديث وإن كان يدل على حادثة الزبير وخصمه إلا أنه لا يدل على نزول الآية فيها والآية متصلة بما قبلها وتابعة للسبب الأول، والله تعالى أعلم، لأن الزبير لم يقطع بقوله إنها نزلت في حادثة الأنصاري بل قال احسب بأنها نزلت في ذلك تدبر. قال تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ» هؤلاء المنافقين «أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» لتقبل توبتكم كما فرضنا على بني إسرائيل قبل «أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ» كما أمرناهم بالخروج من مصر مع نبيهم «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» رياء وسمعة لأن المنافقين ظاهرهم غير باطنهم، وإن ثابتا المشار إليه من القليل، وقيل لما نزلت هذه الآية، قال عمر وعمار وابن مسعود من أصحاب رسول الله والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا، فبلغ هذا رسول الله فقال إن من أمّتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي، وهؤلاء أيضا من القليل، اللهم اجعلنا منهم واحشرنا معهم. «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ» وانقادوا لحكم الرسول «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» في الدارين «وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً» (66) لإيمانهم وأقرب للتودد لرسولهم «وَإِذاً» لو فعلوا ذلك اتباعا لأمرنا ونزولا لحكمنا الذي نطق به رسولنا «لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً» (67) على انقيادهم ورضاهم بحكم الرسول «وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً» (68) لا يزالون متمسكين به حتى يوصلهم الجنة، كان صلى الله عليه وسلم رأى مولاه ثوبان متغيرا فقال ما غير لونك؟ وكان شديد الحياء شديد الحب لرسول الله قليل الصبر عنه، فقال يا رسول الله ما بي مرض إلا أني أستوحش إذا لم أرك وأخاف أن لا أراك في الآخرة لعلو مقامك، فأنزل الله «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ

ص: 573

رَفِيقاً»

(69)

أي ما أحسن رفقة هؤلاء الكرام «ذلِكَ» الثواب المترتب على طاعة الله ورسوله هو «الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» (70) بمن يستحق ذلك الفضل العظيم. روى البخاري ومسلم عن أنس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال متى الساعة؟ قال وما أعددت لها قال لا شيء إلا إني أحب الله ورسوله، فقال أنت مع من أحببت. قال أنس فأنا أحب النبي وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبّي إياهم وإن لم أعمل بعملهم. ورويا عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل.

قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ» من عدوكم فاستصحبوا سلاحكم وكونوا متهيئين. ولا يقال هنا الحذر لا يغني عن القدر لأنه محتوم كائن لا محالة، لأن الكل بقضاء الله وقدره، والأمر بالحذر والتقيّد هو من قضاه الله وقدره ولا سيما في الحرب، فإنه يطلب فيه ما لا يطلب في غيره ويجوز فيه ما لا يجوز بغيره «فَانْفِرُوا» أخرجو لعدوكم «ثُباتٍ» سرايا متفرقين واحدة تلو الأخرى «أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً» (71) مع نبيكم أو أميره إلى جهاد عدوكم حال كونكم يقظين مدججين بسلاحكم «وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ» يتثاقلون ويتأخرون عن الرسول أو أميره، وأراد بهؤلاء المنافقين وإنما قال منكم لاجتماعهم معهم في الجنسية والنسب وإظهار كلمة الإسلام «فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ» من قتل أو هزيمة أو أسر أو سبي «قالَ» رئيسهم ابن سلول وكلهم يقول قوله لأنهم يتبعونه في حركاته وسكناته «قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ» بعدم الخروج «إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً» (72) في الواقعة التي أصيبوا فيها ولو كنت لأصبت بما أصابهم «وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ» من فتح أو غنيمة «لَيَقُولَنَّ» ذلك المنافق واضرابه «كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ» أيها المؤمنون «وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ» ولا معرفة فكأنه ليس من أهل دينكم ولا من جنسكم وتراه يقول بأعلى صوته «يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً»

(73)

مما غنموه في تلك الغزوة فيا سيد الرسل قل لهم «فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ» لا الذين يبيعون

ص: 574