الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس بنافع نسب زكي
…
تدنسه صنايعك القباح
وقيل: لا ينفع الأصل من هاشم
…
إذا كانت النفس من باهله
فأنزل الله هذه الآية. وعنه أيضا: قالوا ليأتنا محمد بآية تدل على ما يدعيه، فأنزل الله تعالى «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ» من ركوب وحمل وبلوغ بلد بعيد أو محل نزهة «وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» بالنبات لحاجة الإنسان والحيوان والطير والحوت «وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ» لمنافع الخلق أيضا من ركوب وحمل ورزق ومنها ما هو رزق لبعضها لأن الحيوان والحيتان والطير منها يأكل بعضه بعضا، ومنها ما يأكل جنسه بحسب التغلب، قال في المعنى:
ظلم القوي للضعيف جاري
…
في الأرض والهواء والبحار
«وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ» في مهابها يمينا وشمالا وشرقا وغربا وجنوبا قبولا ودبورا، ونكباء وهي التي لا يعرف مهبها، وما فيها من المنافع لأناس ومضارّ لآخرين «وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ» للنزول على من يشاء من عباده للشرب والسقي «لَآياتٍ» عظيمات كافية عن كل آية «لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 164» أن جميع ذلك جعله الله للنفع والاعتبار فيستدلون بها على الخالق القادر المدبر لها ويتفكرون في تكوينها وتقلباتها ويقفون على عجائبها وغرائبها وبدائع صنعها وإتقان تكوينها، وأن كلا منها بقدر ومحور خاص لا يتغير ولا يتبدل ولا ينضب، وأن كلا منها دال على الفاعل المختار ومنوه على وجوب التفكر والتذكر بآلاء الله وعظمته ورأفته بعباده.
مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:
واعلم أن في هذه الآية عشرة أنواع من البراهين النيرة القاطعة الدالة على الإلهية والوحدانية: النوع الأول آية السماء وهو سمكها وإتقانها وارتفاعها بغير عمد أو بعمد لا ترى لقوله تعالى (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) الآية 10 من سورة لقمان ج 2، ومثلها في الآية الثانية من سورة الرعد الآتية، لأنهما يحتملان المعنيين لأن السماء
بناء والبناء الذي على هيأتها قد يكون بعمد ويكون بلا عمد، قال تعالى (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) الآية 12 من سورة عم في ج 2، وقال تعالى (أَمِ السَّماءُ بَناها) الآية 27 من سورة النازعات، وقوله تعالى (وَالسَّماءِ وَما بَناها) الآية 5 من سورة والشمس ج 1، وقال تعالى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) الآية 27 من سورة الذاريات المارتين في ج 2، وقال تعالى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) الآية 3 من سورة تبارك الملك في ج 2. النوع الثاني آية الأرض وهو مدها وبسطها وتمهيدها وتثقيلها بالجبال لئلا تضطرب ولم تجمع الأرض لثقل جمعها ومخالفته للقياس، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه كالأرض، وجمع لم يوجد في القرآن مفرده كالألباب للقلة أيضا، وفي هذين النوعين من المبدعات ما لا يدخل تحت حصر.
والأرضين سبعة كالسماء بلا شبهة لقوله تعالى (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) الآية الأخيرة من سورة الطلاق الآتية فهي دليل قاطع على أن الأرضين سبع كالسموات، فلا حجة لمن ادعى أنها واحدة لعدم جمعها بالقرآن العظيم. النوع الثالث: آية الليل والنهار وهي اختلافهما وتعاقبهما بانتظام بديع لا يختلف ولا يدرك أحدهما الآخر، وقدمنا ما يتعلق بهما في الآية 12 من سورة الإسراء ج 1 فراجعها. والنوع الرابع آية الفلك وهو تسخيرها وجريانها على ظهر الماء موقرة بالأثقال وتسيرها الريح مقبلة ومدبرة. النوع الخامس: آية نفع الناس وهو ركوبهم لنزهة والتجارة ووضع القوة في القلب على ركوبها وإلا لم يتم الغرض من نفعها وكذلك الدواب.
السادس: آية تسخير البحر وهو حمل تلك الأفلاك العظيمة مع قوة سلطانه وهيجانه واستخراج اللآلئ منه للزينة والحيتان للأكل مع أنه مالح لا يستفاد منه ولكن كلمة الله أبت أن تبقي شيئا بلا فائدة. السابع: آية المطر وإحياء الأرض الميتة به وإخراج أنواع النبات منها مما ينفع جميع الحيوانات وإنزاله بمكان دون مكان وبقدر الحاجة وتزيين الأرض به، قال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) الآية 6 من سورة الحج الآتية، وجاءت بلفظ خاشعة في الآية 40 من سورة فصلت في ج 2. الثامن: آية الرياح وهي آية عظيمة في القوة والنفع مع كونها جسم لطيف يحس به ولا يمسك ولا يرى وفيه حياة الوجود فلو أمسكه
الله تعالى برهة عن خلقه لمات كل حي وانتهت الأرض. التاسع: آية السحاب وهو كونه معلقا بين السماء والأرض مثقلا بالمياه تسوقه الرياح إلى حيث شاء الله فتارة تذهب ما فيه وتفرقه، ومرة تجمعه بعد الشتات، وطورا تسرع بإنزال الماء منه، وأخرى تؤخره إلى أجل مقدور وقد تسوقه إلى مكان آخر، كل ذلك بتقدير العزيز العليم القدير الحكيم. العاشر: آية بثّ الدواب وهي آية كبرى لاجتماعها بعد تكونها من الماء في أصل واحد وهو الدم كما سيأتي في الآية 46 من سورة النور والآية 4 من سورة الرعد الآتيتين كيفية اتفاقها في ذلك الأصل وتفرقها في اللون والشكل والصورة واللغة والأخلاق والآداب وغيرها، فسبحان الإله الواحد الذي أحسن كل شيء خلقه. قال تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً» أمثالا وأشكالا وأشباها من الأصنام مع ما ظهر لهم من آيات الله الدالة على وحدانيته فيشركون به جل شأنه ما ليس بأهل للعبادة من صنع أيديهم وتصوير عقولهم مما هو محتاج للحراسة ويموهون بعضهم على بعض بأنها أنداد وليس في الوجود ندّ لله، تعالى عن ذلك، ولقلة عقولهم بل لكثرة جهلهم «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ» بلا حياء ولا خجل «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» من حبهم لأوثانهم وأدوم وأثبت «وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» أنفسهم بنتيجة أعمالهم هذه ما هو مرتب عليها من العذاب «إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ» يوم القيامة على أفعالهم هذه ويعاينون بأم أعينهم «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» ليس لأندادهم منها شيء ويتحققون أنها لم تغن عنهم شيئا من الله لهوانها عليه وظهور ضعفها لديهم «وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ 165» لعرفوا مضرة شركهم وأيقنوا عدم نفع أندادهم، ولو أنهم شاهدوا «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا» عند نزوله بهم جميعا فلم يبق بينهم تواصل «وَرَأَوُا الْعَذابَ» قد حاق بهم وخاب أملهم في متبوعيهم وندموا ولات حين مندم «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ 166» التي كانت بينهم في الدنيا من صحبة وخلة وقرابة ومحسوبية ومنسوبية، لأن الله تعالى نفى ذلك كله وأذن بالشفاعة لخواص خلقه لمن ارتضى منهم، كما مرّ في الآية 19 من الأنبياء ج 2، «وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً» عودة أخرى إلى الدنيا ت (8)
«فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا» في هذا اليوم الذي كنا نزعم نفعهم فيه «كَذلِكَ» كما أراهم مقاطعة رؤسائهم وقادتهم الذين كانوا يؤملونهم في الدنيا «يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ» السيئة التي اقترفوها في الدنيا التابعون والمتبوعون لأن كلّا منهم يندم على ما وقع منه وتظهر الندامة «حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ» يتحسرون المرة تلو الأخرى ندما وأسفا على عملها «وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ 167» إذ لا يفيدهم تحسرهم شيئا لوقوعه بغير محله وتفريطهم في الدنيا فلو كان ندمهم فيها لنفعهم أما وقد فات محله، فلا فائدة فيه إلا زيادة الأسف والأسى والتحسر. قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً نزلت هذه الآية في المشركين الذين حرموا على أنفسهم البحيرة والسائبة والوصيا والحام الآتي بيانها في الآية 4 من المائدة الآتية، وقيل إن عبد الله بن سلام وأصحابه الذين حرموا على أنفسهم أكل لحوم الإبل لأنه محرم عند اليهود، وقيل في قوم من ثقيف وبني عامر وخزاعة وبني مدلج إذ حرموا على أنفسهم التمر والأقط، وكلها صالحة لأن تكون سببا للنزول ولا مانع من تعداد أسبابه إلا في عبد الله لأنه لم يسلم بعد «وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ» طرقه وزلاته ووساوسه وإغراءه وإغواءه
وآثاره، جمع خطوة وهي ما بين قدمي الخاطر «إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ 168» عداوته من زمن أبيكم آدم لم يخفها قط ولذلك في كل فرصة يريد تأثمكم انتقاما، وإنه «إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 169» من تحليل وتحريم واتخاذ الأنداد واتباع الشبه والتشكيك بالحق قصدا لإظهار عداوته والتجاهر بها لإيقاعكم بالإثم ويمنّي لكم أقوال المذاهب الفاسدة التي لم تستند لكتاب أو سنة صحيحة للغاية نفسها وان أمره إليكم أيها الناس هو عبارة عن وسوسة يدسّها ويلقيها في قلوبكم فتكون خواطر تجدونها تحوك في صدوركم بحروف وأصوات منتظمة خفيفة تشبه الكلا في الخارج ليجركم لما يسيئكم ويشوش عليكم، وليس له سلطة يقسركم بها على الأخر بتسويلاته، كما اعترف بذلك في الآية 22 من سورة إبراهيم في ج 2. واعلموا أيها الناس أن الذي قدر إبليس وأعوانه على إيقاع الوسوسة في قلوبكم هو الله تعالى
راجع تفسير سورة الناس والآيتين 11/ 17 من سورة الأعراف في ج 1، والآية 12 من سورة يونس، و 39 من الحجر، و 17 من الأنعام في ج 2، ومما يؤيد هذا ما جاء في الحديث الصحيح أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإنما أقدره الله تعالى على إيصال هذه الخواطر إلى قلوب البشر ليميزوا ويعلموا بعقولهم التي منحها الله تعالى إليهم الخير من الشر ويزنوا بميزان الشرع تلك الوساوس، فما كان موافقا أخذوه، وما كان مخالفا نبذوه، لأن الله تعالى إنما أعطاهم العقل ليفرقوا به بين الحق والباطل، والحسن والقبيح، والطيب والرديء، إذ قد يلقي الخبيث في الصدور ما هو حسن أيضا ليستجر به العبد إلى ضده، على أن الخاطر الحسن قد يكون من الملك الموكل بالقلب، فعلى الرشيد أن يتذكر ويعلم هل هو من الملك أم من الشيطان، وطريق معرفة هذا الميزان هو التمسك بالشرع، وطريق التمسك بالشرع هو التقوى المار تفصيلها في الآية 48 وقال تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ) الآية 212 الآتية. «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» وذلك أن حضرة الرسول دعا اليهود وأمرهم باتباع دين الإسلام ونصحهم وأرشدهم، فقال بعض رؤسائهم رافع بن خارجة ومالك بن النصيص ما قاله المشركون وهو ما قصه الله «قالُوا» لا نتبع ما جئتنا به «بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا» من دين اليهودية كما قال المشركون، بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأوثان، قال تعالى مؤنبا لهم كما قال لأولئك «وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ»
من أمور دين الحق «شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ 170» إلى طريقه الذي يوصلهم إليه ولا يحكمون عقولهم فيما هو أرجح، أيتبعونهم على ضلالهم؟
فقالوا له مثل قول المشركين أيضا هم أعلم منا بذلك، ثم ضرب الله مثلا لهم فقال «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا» من المشركين وأهل الكتاب القائلين باتخاذ الولد «كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ» النعيق صوت الراعي الذي ينادي غنمه «بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً» لأنها لا تعي منه إلا هذا، وهؤلاء كذلك لا يعون من النصح والإرشاد إلا الصوت، وذلك لأنهم «صُمٌّ» عن سماع الحق سماع قبول «بُكْمٌ» عن النطق به بعد أن عرفوه «عُمْيٌ» عن رؤيته، لأنهم لا ينظرون إليه نظر