المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

ولا تنوهموا أن رسولكم يعلم شيئا دون تعليمنا إياه لأن شأنه في الغيب شأن غيره «وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ» فيطلعه على ما يشاء من غيبه دلالة على نبوته لخلقه لئلا يبطنوا له خلاف ما يظهرونه «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» كلهم محمد فمن قبله «وَإِنْ تُؤْمِنُوا» بالرسل كلهم «وَتَتَّقُوا» جميع ما نهيتم عنه «فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (179) من الرب العظيم الذي يعطي العظيم «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» زيادة على كفايتهم «هُوَ خَيْراً لَهُمْ» كلا أيها الإنسان الكامل «بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ» بالدنيا بالذم وبالآخرة سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ» على رءوس الأشهاد «يَوْمَ الْقِيامَةِ» فيراهم أهل الموقف، لأنهم لم ينفقوا ما أعطيناهم في طرق الخير ثم تركوه لغيرهم وتحملوا عقابه «وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لأن أهلهما يموتون وهو الباقي الوارث لهم «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (180) .

‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

نزلت هذه الآية في مانعي الزكاة بدليل تشديد الوعد فيها، لأن منع صدقة الشرع لا تستلزم هذا التهديد، يؤيد هذا ما جاء في تخريج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثل له يوم القيامة شجاع أقرع (حية عظيمة) له زبيبتان (شعرتان في لسانه) بطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهمزتيه (شدقه) ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية. وهذا الحديث مفسر لقوله تعالى (سيطوقون ما بخلوا به) وروى البخاري عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال هم الأخسرون ورب الكعبة، قال فجئت حتى جلست فلم أتقار أن قمت (وهذا من كمال أدبه رضي الله عنه إذ لم يرد أن يتجاسر على سؤال حضرة الرسول وهو قاعد) ومن هنا ين التمسك بالأدب مع العلماء لمن يسألهم عن أمر دينه أكثر من غيرهم، فقلت يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم، ما من

ص: 434

صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت عليه وأسمن تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس- لفظ مسلم- وخرجه البخاري بمعناه في موضعين، وتتمة هذا الحديث تأتي بالآية 26 من سورة التوبة الآتية. هذا ومن قال إن هذه الآية نزلت في الذين يكتمون نعت محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم فقد ذهل القصد وأغفل المطلوب وأخطأ المرمى، لأن الله تعالى لما بين الباذلين أموالهم وأنفسهم في الجهاد أتبعه في الباذلين المال لأنه من لوازم الجهاد وضرورياته، وقد سبقت آيات كثيرة في الكاتمين نعت الرسول، فلا حاجة لأن تؤول غيرها على خلاف ظاهرها ولا نجهد الفكر بأن هذه ناسخة وهذه منسوخة من حيث لا ناسخ ولا منسوخ كما اعتاد بعض المفسرين حتى تجارءوا على مخالفة ظاهر التنزيل بلا جدوى، وحتى ان بعضهم جرؤا على النظم الكريم مثل صاحب الجمل عفا الله عنه، راجع الآية 5 من سورة الحج الآتية وما ترشدك إليه من سورة يونس في ج 2، ألا فليحذر العالم أن يخرج عن حد الاعتدال اغترارا بما آتاه الله من ذرة علم، فكثير ممن هو أعلم منه وأعلم هوى به علمه إلى أسفل سافلين، أعاذنا الله تعالى من ذلك ووقانا ممّا هنالك.

قال تعالى «لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ» نكتب أيضا «قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ» من قبل أسلافهم «بِغَيْرِ حَقٍّ» عدوانا محضا «وَنَقُولُ» لهم في الآخرة عند ما يطرحون بالنار ويستغيثون بنا فيها «ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ» (181) فيها «ذلِكَ» العذاب الشديد ينالكم «بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ» من أعمال منكرة «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» (182) فلا يعذب أحدا بلا جرم، قال دخل أبو بكر رضي الله عنه بيت المدارس فقال لحبر اليهود فنخاص بن عازوراء على ملإ من قومه قد جاءكم محمد بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فاتق الله وآمن وصدق واقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب، فقال يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض إذن هو الفقير ونحن أغنياء، فغضب أبو بكر وضربه وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم

ص: 435

لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب وشكاه إلى الرسول فاستدعاه وقال ما حملك يا أبا بكر على ما صنعت؟ قال يا رسول الله إنه قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير وهم أغنياء، فجحد فنخاص ذلك، فأنزل الله هذه الآية تكذيبا له وتصديقا لأبي بكر، وقد سمع الله قول «الَّذِينَ قالُوا» أي فنخاص المذكور وأضرابه لمالك بن الصيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وحيي بن أحطب وكعب بن الأشرف «إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا» في التوراة على لسان موسى «أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ» آية نبوته حتى نصدقه كما وقع لابن آدم هابيل ومن بعده من الأنبياء فأنزل الله جل جلاله «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ» كزكريا ويحيى وعيسى «وَبِالَّذِي قُلْتُمْ» من القربان وغيره «فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ» بعد أن أتوكم بما طلبتم منهم «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (183) في دعواكم «فَإِنْ كَذَّبُوكَ» يا حبيبي في هذا مع علمهم بصدقه فلا تحزن ولا تضجر «فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» نوح وصالح وهود وإبراهيم وغيرهم مع أنهم «جاؤُ بِالْبَيِّناتِ» لأقوامهم «وَالزُّبُرِ» الكتب، يقال لكل كتاب فيه حكمة زبور، والقربان لكل ما يتقرب به، والزبر هي الكتب وبه سمي زبور داود عليه السلام، لأنه يزبر به الناس أي يزجرهم عن الباطل ويدعوهم إلى الحق «وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ» (184) الواضح كالتوراة والإنجيل ويطلق القربان على كل عبادة مالية أو بدنية وعلى الأقوال والأفعال المادية والمعنوية يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: الصوم جنة والصلاة قربان وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل فإذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جمعوها فتجيء نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وحفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنيمة، فيكون دليلا على القبول، وإذا لم يقبل منهم يبقى على حاله ولم تنزل عليه نار تأكله. ولهذا البحث صلة في الآية 27 من سورة المائدة الآتية قال السدي إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة أن من جاءكم يزعم أنه رسول فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار، وحتى يأتيكم المسيح ومحمد، وكانت هذه العادة باقية إلى بعثة المسيح، ثم ارتفعت وزالت. ولما قال بعض الأصحاب

ص: 436

يا رسول الله إن الله أنزل (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) وهذا خاص في بني آدم لأن الخطاب لهم فأين ذكر موت الجن والأنعام والوحوش والملائكة والطيور وغيرها، فأنزل الله كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» ووجه المناسبة بين هذه الآية والتي قبلها التهديد للكفرة بالمعاد، وهذه الجملة مكررة في الآية 25 من سورة الأنبياء والآية 27 من سورة العنكبوت في ج 2 وفي غيرهما أيضا، أي لا ليهمنك تكذيبهم فمرجعهم إليّ بعد الموت وسأجازيهم على تكذيبهم وأكافئك على صبرك بدلالة قوله «وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» قليلها وكثيرها خفيها وظاهرها «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» بالسعادة الأبدية لأن كل أحد قبل الدخول فيها خائف فزع منتظر ما يفعل به. ومن هنا يعلم حقيقة ما ذكرناه في الآية 45 من سورة الأعراف ج 1 بأن لا دار غير الجنة والنار «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ» (185) لمن آثرها على الآخرة أما من طلبها للآخرة فهي متاع بلاغ لها جائز طلبه، والمتاع كل ما يمنع به الإنسان من مال أو غيره، والغرور كل ما يغتر به أنه دائم

وهو بال فإن، شبّه الدنيا بمتاع معيب دلّسه البايع على المشتري حتى إذا ظهر له عيبه وتبين غبنه فيه ندم، لأنه غرّ به. واعلم أن العلماء اختلفوا في حقيقة النفس والروح فمن قائل إنهما اسمان مترادفان لمعنى واحد، وعرّفوه بأنه جسم لطيف له مادة خاصة خلق منها وجعل على شكل معين وصورة معينة توجد داخل هذا البدن وهو مخالف لماهيته وينفذ في الأعضاء ويسري فيها سريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم مشابها لهذه الأعضاء وأفادها منه الحسّ والحركة الإرادية وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها خرجت عن قبول تلك الآثار وفارقت الروح البدن فانتقلت إلى العالم الثاني. ولا يجاريهم في هذا الرأي بعض أهل العلم والتصوف الذين يقولون إن للإنسان غير بدنه حياة وروحا ونفسا، وإن ما سبق من التعريف إنما ينطبق على النفس فقط لا على الروح، أما الروح فقال بعضهم ما قاله الله عز وجل (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الآية 86

ص: 437

من سورة الإسراء ج 1 لأن الله أخفى حقيقتها وعلمها عن خلقه. وقال بعضهم إنها نور من نور الله وحياة من حياته. وقال بعضهم إنها معنى مرتفع عن الوقوع تحت النسق واللون، وإنها جوهر بسيط مثبت في العالم كله من الحيوان على جهة الأعمال له والتدبير، وانه لا يجوز عليه صفة قلة ولا كثرة، وهي على ما وصفت من انبعاثها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبنية، وانها في كل حيوان العالم بمعنى واحد، فلا طول لها، ولا عرض، ولا عمق، ولا لون، ولا بعض، ولا وزن، ولا هي في العالم ولا خارجة عنه، ولا مجانبة، ولا مباينة، وتعلقها بالبدن لا بالحلول فيه، ولا بالمجاورة، ولا بالمساكنة، ولا بالالتصاق، ولا بالمقابلة، وإنما هو بالتدبير له فقط، وما الحياة إلا المظهر الخارجي للدلالة على وجود الروح. هذا وإن الباحث في القرآن عن حقيقة الأمر يرى أن الله سبحانه قد أطلق النفس على الذات بجملتها كما في قوله تعالى (فسلموا على أنفسكم) الآية 61 من سورة النور الآتية، وقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) الآية 28 من سورة النساء الآتية، وقوله تعالى (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) الآية 111 من سورة النحل في ج 2، وقوله تعالى (كل نفس بما كسبت رهينة) الآية 38 من سورة المدثر في ج 1 إلى غيرها من الآيات، ولم تطلق الروح بالقرآن على البدن ولا على النفس ولا عليهما معا، وإنما أطلق الروح في القرآن على الوحي الإلهي في قوله تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) الآية 53 من الشورى ج 2 وقال (يلقي الروح من أمره على من يشاء) الآية 61 من سورة المؤمن أيضا وأطلقت أيضا على القوة في قوله تعالى (وأمدهم بروح منه) الآية 22 من سور المجادلة الآتية ولم تقع تسمية روح الإنسان في القرآن إلا بالنفس قال تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة) الآية 28 من سورة والفجر، وقال (ولا أقسم بالنفس اللوامة الآية الثانية من سورة القيامة، وقال تعالى (ونفس وما سواها) في ج 1، وقال تعالى (إن النفس لأمارة بالسوء) وقال (أخرجوا أنفسكم اليوم) الآيتين من سورة يوسف و 93 من سورة الأنعام في ج 2، والآية المارة (كل نفس ذائقة الموت) وغيرها من أول سورة النساء الآتية وشبهها. إلا أن الثابت في القرآن

ص: 438

والسنة أن النفس ذات قال بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن، وقد وصفها الله تعالى بذلك بآيات متعددة، فقال جل قوله (والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم) وقال (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الآيتين المشار إليهما أعلاء وما ضاهاهما من الآيات، مما يدل ذلك، وأن حضرة الرسول سئل عن الروح فأنزل الله (قل الروح من أمر ربي) الآية المارة أيضا، ولم يسأل عن النفس ولم يخبر عنها أنها جوهر أم عرض، وأن قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) الآية 42 من سورة الزمر ج 2 لأكبر برهان على النفس غير الروح وأن الوفاة بمعنى القبض للنفس، وأنه يفقد عاقليتها

وشعورها، وأما الموت فهو للبدن بانتزاع الروح منه، فيتخلص من هذا كله أن الإنسان مكوّن من جوهرين فقط هما النفس وهي الجوهر الشفاف الذي لا يرى وهي الأصل في الإنسان وهي موضع التكليف والسؤال والثواب والعقاب. الثاني البدن وهو الهيكل الجثماني والمظهر الخارجي لها، وعليه فتكون الروح أمرا خارجيا عن تكوين الإنسان إلا أنه قائم به، ومظهرها الخارجي الحياة، لأن الروح قوة إلهية خصصت لحركة المخلوقات ونحوها، فهي موجودة في كل إنسان وحيوان وشجر، تبعث فيهم الحياة والنشاط، فهي أشبه بقوة الكهرباء، لأن وسائل توليدها ظاهرة ومظهرها في الخارج واضح، إلا أن حقيقتها سرّ من أسرار الله لم يعرف بعد، فقوة الحياة في جميع الخلق واحدة لا تتجزأ، يهبها الله لمن قدرت له الحياة منحة منه تعالى، ولا نعرف إلا أن اسمها الروح وأنها أمر من أمر الله وسر من أسراره الخفية كالذي نفخه بآدم بعد خلقه، والذي نفخ في مريم حتى حملت بعيسى وولدته. هذا وكما وقع الخلاف في معنى الروح اختلفوا في مصيرها، فمنهم من قال إنها تفنى لقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) الآية الأخيرة من سورة القصص في ج 1، ومنهم من قال بخلوها لكونها روحانية خلقت من الملكوت وترجع إليه خالدة لأنها من قوى الله عز وجل، فهي خالدة بخلوده، وإن اتصالها بالإحياء عبارة عن اتصال القدرة بالمقدور. أما النفس فإنها تفنى لأنها مخلوقة ولها بداية وكل ماله بداية له نهاية، قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ

ص: 439

الْمَوْتِ)

الآية المفسرة، وعلى هذا يكون تفسير الآية 12 من سورة المؤمن في ج 2 أن الموقة الأولى للبدن بزوال الحياة عنه، والثانية للنفس يوم ينفخ في الصور، والحياة الأولى هذه الحياة الدنيا، والثانية في الآخرة التي أولها يوم البعث ولا آخر لها.

وقال بعض العلماء إن العلاقة بين الروح والنفس والبدن على أنواع قد تجتمع كلها في حياتنا هذه العادية وتنفرد الروح بالبدن دون النفس حالة النوم، والنوم قد يكون طبيعيا وقد يكون بسبب آخر كالبنج والتنويم المغناطيسى، وقد تتصل النفس بالبدن من غير الروح بعد مفارقة الروح له حالة الموت وتظل سابحة بمفردها في العالم غير المنظور إلى نهاية هذه الحياة الدنيا، وذلك يوم النفخ في الصور المشار إليه بقوله تعالى بالآية 69 من سورة الزمر في ج 2 ثم تبدأ الحياة الأخرى.

ثم فصلوا هذا فقالوا إن الله تعالى جعل الدور ثلاثا: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، ووضع لكل دار أحكاما تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأنفس تبعا لها، ولذلك جعل أحكام الشريعة مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح، وإن أضمرت النفوس خلافها، وجعل أحكام البرزخ على الأنفس والأبدان تبعا لها، فكما تبعت النفوس الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت لألمها والتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب تبعت الأبدان النفوس البرزخ في نعيمها وعذابها، وكما كانت النفوس هنا خفية والأبدان ظاهرة تكون هناك ظاهرة والأبدان خفية في قبورها، وتجري أحكام البرزخ على النفوس التي باشرت أسباب النعيم والعذاب فتسري منها إلى الأبدان.

وضربوا لذلك مثلا بحال النّائم فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على نفسه أصلا والبدن تبعا لها، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا، فتراه يقوم من نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك، إلا أنه حينما يفيق تراه متأثرا مما يلاقي خيرا كان فيكون منبسط النفس أو شرا فتراه منقبضا منكمشا. والسر في هذا أن الحكم لما جرى على النفس استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس كما يقع أحيانا فتراه يقوم مرعوبا من الخوف فيفيق من نومه. ويعلم من هذا أن النفس كما أنها تتألم وتنعم في نومها

ص: 440

ويصل ذلك إلى بدنها بطريق التبعية فكذلك في البرزخ إلا أنه أعظم لأن تجرد النفس هناك أكمل وأقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع، فإذا كان يوم الحشر في دار القرار تتحد النفوس بأبدانها فيشتركان في الشعور بالعذاب والنعيم ويصير الحكم عليهما مباشرة ظاهرا باديا. وما استدلوا به على التمييز بين النفس والروح قوله تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) الآية 60 من سورة الأنعام ج 2. وليعلم أن فعل جرح هذا واجترحوا في الآية 20 من سورة الجاثية في ج 2 لم يكرر في القرآن، وقوله تعالى (الله يتوفى الأنفس) الآية المارة آنفا، أي أنه تعالى ينتزع النفوس من أبدانها التي فقدت الحياة وهي التي لم تمت في منامها أي ينتزع النفوس من أبدانها الحية في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت فلا يعيدها لبدنها ويرسل الأخرى أي يعيد نفس النائم إلى بدنه الحي فتبقى فيه إلى بلوغ أجلها المقدر لمفارقتها بدنها. هذا وإن إمساكه تعالى النفس التي قضى عليها الموت لا يمنع ردها إلى جسدها الميت في وقت ردّا عارضا لا يوجب له الحياة المعهودة في الدنيا، فكما أن النائم تكون روحه في جسده وهو حي حياة غير حياة المستيقظ لأنها من غير نفس فلا يحس ولا يشعر مع أنه يتحرك وقد يمشي ويتكلم كما هو مشاهد في بعض الأشخاص، فكذلك الميت إذا أعيدت نفسه إلى جسده كانت له حياة أخرى عكس حياة النائم فإنه يحس ويشعر ولكنه لا يتحرك لأنه من غير روح، وقد وردت آيات وأحاديث تدل على بقاء النفس وتعارفها بعد مفارقة أبدانها إلى أن يرجعها الله تعالى إلى أجسادها في الحياة الأخرى، قال تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآيات 169/ 170/ 171 المارات آنفا، وفي الحديث الذي رواه جرير قال أصحاب رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك، فأنزل الله (ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الآية 69 من سورة النساء الآتية، كما مر في الآيات المذكورة، وسيأتي في تفسير هذه الآية، وقد ثبت عن رسول الله أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وأنه قال: ما من رجل يزور قبر أخيه إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم. وفي حديث آخر لما

ص: 441