المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

17 رمضان السنة الثانية من الهجرة إلا أن الله تعالى لم يشر إليها عند وقوعها، وإنما أشار إليها في سورة الأنفال عند قوله تعالى (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) في الآية 5 منها وسنأتي على القصة هناك إن شاء الله، وهكذا فإنه تعالى تارة ينوه بالشيء قبل وقوعه وطورا عند حدوثه ومرة بعد وقوعه بقليل وأخرى بكثير.

قال تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ» يبيعها «ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» لا لشيء آخر بل ليستجلب لها رضاء الله ورأفته «وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ 207» أمثال هؤلاء، وهذه الجملة تقرير لما تقدم لأنه كلفهم بالتقوى وعرضهم للثواب ليصب رحمته عليهم، وقد ذكرنا فى الآية 143 المارة أن الرأفة رحمة خاصة يلطف بها على خواص عباده عطفاء عليهم.

‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

وسبب نزول هذه الآية أن كفار قريش طلبوا من حضرة الرسول أن يبعث لهم من أصحابه من يعلمهم أمر دينهم بحجة أنهم أسلموا، فبعث لهم خبيب بن عدي الأنصاري وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق ومرشد بن أبي مرشد الغنوي وخالد ابن بكر وعبيد الله بن طارق بن شهاب البلوي وثلاثة آخرين لم نتصل بأسمائهم، وأمرّ عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب حتى صاروا في الفدفد (موضع بين عسفان ومكة وهو الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع) فتبعهم جماعة من بني لحيان بن هذيل، فلما أدركوهم أعطوهم العهد، ثم نكثوا بهم فقتلوهم إلا خبيبا وزيدا فقد أوصلوهما إلى مكة، فباعوا خبيبا إلى بني الحارث بن عامر ابن نوفل لأنه كان قتل أباهم الحارث في حادثة بدر، وباعوا زيد بن الدثنة إلى صفوان بن أمية بن خلف ليقتله بأبيه أيضا، فأرسله مع مولاه إلى التنعيم ليقتله في الحل واجتمع حوله رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له عند ما قدموه إلى القتل أنشدك الله أتحب أن محمدا عندنا الآن هنا بمكانك وأنت في أهلك فقال والله ما أحب أن يصيب محمدا شوكة وهو في مكانه والذي هو فيه وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب محمد من أصحابه،

ص: 159

ثم قتله فسطاط مولى صفوان المذكور، ولما قدم خبيب إلى الصلب استأذن فصلّى ركعتين قبل قتله وقال لولا أنكم تظنون أني جزعت من الموت لزدت في صلاتي، ثم قتله عقبة بن الحارث بيده، وهو أول من سن الصلاة عند القتل، وقال قبل قتله: اللهم لا أجد من يبلغ سلامي لرسولك فأبلغه سلامي، ثم قال:

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أي شقّ كان في الله مضجعي

وفي رواية: مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزّع

أي مفرّق، والشلو العضو من الإنسان، قالت بنت الحارث: لما كان خبيبا موثقا في البيت استعار مني موسى ليستحد به (يزيل شعر عانته لئلا يعيروه بعد صلبه وكانت هذه عادة عندهم فكل من يعرف أنه يقتل صلبا يفعل ذلك) قالت فدرج إليه غلامي فوضعه على فخذه، ففزعت، فقال أتخشين أن أقتله لأني مقتول، لا إن شاء الله، فصارت تقول ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، ولقد رأيته يأكل من قطف وما بمكة يومئذ تمرة، وما هو إلّا رزق ساقه الله إليه. وهذا من نوع الكرامة التي أكرم الله بها مريم بنت عمران رضي الله عنهما، ولما بلغ محمدا صلى الله عليه وسلم ذلك قال لأصحابه: أيكم ينزل خبيبا من خشبته وله الجنة؟ وذلك أنهم بعد أن قتلوه صلبوه تشهيرا، وكان ذلك من عادتهم، ولهذا فإن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه وأبقاه حتى جاءت أمه وقالت أما آن لهذا الفارس أن يترجّل؟

لأن الحجاج عليه ما يستحق حلف لا ينزله من المصلبة حتى تشفع فيه أمه، وقد أبت أن تشفع به أو ترجو إنزاله، ولما نقل إليه قولها هذا قال أنزلوه فإن قولها ذلك بمنزلة الاستشفاع به. فقال الزبير بن العوام أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود فطفقا يمشيان الليل ويركنان النهار حتى أتيا التنعيم ليلا فرأيا خبيبا معلقا وحوله أربعون من المشركين نيام سكارى، فأنزلاه، فإذا هو رطب يتثنى ويده على جراحته لم يتغير، فحمله الزبير على فرسه تنفّس جراحته دما كريح المسك، وسارا به نحو المدينة، فلما حس المشركون ولم يروه أخبروا قريشا، فلحق بهما سبعون فارسا فقذفه الزبير عن فرسه والتفت إليهم، فقال ما بالكم أنا الزبير بن صفية بنت

ص: 160

عبد المطلب، وهذا المقداد بن الأسود أسدان ضاريان يدفعان عن أشبالهما، فإن شئتم ناضلناكم، وإن شئتم نازلناكم، وإن شئتم انصرفتم، فنظروا فلم يجدوا معهم خبيبا، فرجعوا ثم إنهما تحريا جثة خبيب فلم يجداها، فسمي البليع أي الذي ابتلعته الأرض، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، قالا وكان عنده جبريل يقول له يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك، وأنزل الله فيهما هذه الآية لأنهما باعا أنفسهما في طاعة رسول الله طلبا لرضاء الله، والحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة لا يختلف في المعنى عن هذا، غير أن المذكورين كان أرسلهما رسول الله عينا في سرّية الربيع بعد وقعة أحد، ثم ساق القصة بأطول من هذا وقال بعض المفسرين إنها نزلت في صهيب بن سنان بن النمر بن قاسط الرومي وسبب نسبته للروم مع أنه عربي الأصل أن منازلهم كانت بأرض الموصل فأغارتهم الروم وسبوه فيمن سبوا فنشأ عندهم وبعد أن كبر لحق بمكة، حينما هاجر من مكة وتبعه المشركون ليردّوه، فقال والله لن تصلوا إلي إلا أن أرمي بكل سهم معي رجلا ثم أضرب بسيفي ما بقي بيدي، وإن شئتم دللتكم على مال لي دفنته في مكة تأخذونه وتخلون سبيلي، فرضوا منه ودلهم على موضع المال، فرجعوا عنه، ولما وصل إلى المدينة أخبر حضرة الرسول بهذا فنزلت، وكناه صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى، إذ قال له ويح أبي يحيى. وكل من هذه القصص صالحة لأن تكون سببا للنزول، وأصحها أولها، ويليها الأخيرة، والله أعلم، لأن الآية عامة في كل من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلّب، وكل من يأمر بمعروف وينهى عن المنكر فيعذب أو يهان من أجله، وكل من يبذل نفسه في طاعة الله ورسوله ويجهدها في العبادة. أخرج الترمذي عن أبي سعد قال: قال صلى الله عليه وسلم من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. لأن العادل يحب أن ينصح ويأخذ بالنصيحة ولا تهابه الناس أن ترشده، أما الجائر فإنه يخاف منه ولا يحرؤ أحد على نصحه، لذلك أخبر حضرة الرسول بعظيم ثواب من يقدم على نصحه، لأنه من قبيل الجهاد لما فيه من تعريض النفس للبلاء. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» السلم بفتح السين وكسرها الاستسلام التام والطاعة العامة، أي ادخلوا

ص: 161