الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الإيمان والتصديق «يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا» أي لما قتل في هذه المعركة لو أطاعنا محمد «قُلْ» لهم يا أكمل الرسل لا تظنوا هذا الظن وعزة ربي وجلاله «لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ» أي لخرجوا من بيوتهم قاصدين «إِلى مَضاجِعِهِمْ» مصارعهم التي قتلوا فيها فقتلوا فيها بنفس الوقت لأن التدبير لا يقاوم التقدير والإنسان لا يجاوز أجله راجع الآية 77 من سورة النساء الآتية «وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ» فيخرج ما في ضمائركم ليطلع عليها الناس كما هو عالم فيها قبل خلقها «وَلِيُمَحِّصَ» يزيل ويذهب ويمحق «ما فِي قُلُوبِكُمْ» من شك وريبة فيما تصورتموه ويظهر ما تكنونه من العداوة لله ورسوله والمؤمنين وما تعتقدونه فيهم لترتدعوا «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (154) ودخائلها لا يخفى عليه شيء من أفعالكم ونياتكم وأقوالكم، ثم التفت جل شأنه إلى المؤمنين فقال «إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» في أحد فانهزموا وتركوكم ونبيكم فلم يبق مع حضرة الرسول غير ثلاثة عشر رجلا من المهاجرين وسبعة من الأنصار «إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ» بإلقاء الخوف في قلوبهم وذلك «بِبَعْضِ ما كَسَبُوا» وهو جزاء تركهم مواضعهم الحربية حين التعبئة ومخالفتهم أمر القائد الأعظم الذي هو أعلم منهم بفنون الحرب وأبوابها لأنه يتلقى علمه فيها وفي غيرها من لدنا «وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ» لصدور تلك المخالفة عن نية حسنة بظنهم إذ رأوا أن ثباتهم فيها يحرمهم من الغنيمة فلم يكن تركهم وفرارهم عنادا ولا لقصد شيء ولا لخذلان إخوانهم وليس فرار زحف لأنهم كانوا غالبين «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لهم ولغيرهم ممن يقع منه ذنب لا عن قصد سيىء ولا استحلالا ولا تهاونا «حَلِيمٌ» (155) لا يعجل العقوبة على المذنبين ولا يؤاخذ حسني النية ومن يخطىء في اجتهاده كهؤلاء.
مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا» أي المنافقين، سماهم كفارا لأنهم أشد ضررا على المؤمنين من الكفار، ومما يدل على أن المراد بالكفار
هم قوله جل قوله «وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ» سافروا فيه «أَوْ كانُوا غُزًّى» فماتوا أو قتلوا «لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا» مع أنهم لا بد من موتهم في ذلك الوقت وفي ذلك السبب وفاقا لما قدره الله عليهم في أزله ولكن سخرهم لهذا القول الباطل «لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ» القول «حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» غما وأسفا وأسى فيقولون ذلك ويلومون أنفسهم على الخروج فيقتلونها هما وندما، ولو كانوا مؤمنين حقا لعلموا أن القتل والإماتة بقضاء الله وقدره ولهما زمان ومكان وسبب يقعان فيه لا يتخطيانه وقد يتيسر إليه الإنسان أو يذهب إليه من تلقاء نفسه ليقع مراد الله وفق ما هو مدون في أزله وقيل في المعنى:
إذا ما حمام المرء كان ببلدة
…
دعته إليها حاجة فيطير
«وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ» بسبب وبلا سبب ومن شيء وبلا شيء «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (156) قرئ بالتاء على أن الخطاب للمؤمنين وبالياء على طريق الالتفات للكافرين والأول أولى وأنسب بسياق السياق. واعلم أن رؤية الله تعالى كعلمه تستعمل في القرآن للمجازات على المرئي كالمعلوم، وفي الآية تهديد للمؤمنين لأنهم وإن كانوا لم يماثلوهم فيما ذكر إلا أن حصول الندم في قلوبهم على الخروج يقتضي ذلك «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» خير لكم من أن تموتوا على فراشكم «أَوْ مُتُّمْ» في سفركم قبل خوضكم المعركة «لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ» لكم وكذلك في كل سفر طاعة «وَرَحْمَةٌ» عظيمة لكم منه في ذلك وهذا «خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (157) غيركم من حطام الدنيا وهم قعود في بيوتهم وقيل في المعنى:
إذا مت كان الناس صنفان شامت
…
وآخر مثن بالذي أنا صانع
ثم أكد ذلك بقوله مع القسم أيضا «وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» (158) في الآخرة فيجازيكم على حسب أعمالكم ونياتكم أي إذا كان هلاككم بأي سبب كان فمرجعكم إلى الله لا مرجع إلا إليه ولا معول إلا عليه ولا ثواب إلا منه ولا عقاب إلا عنه، قال الحسين رضي الله عنه وعن والديه:
فإن تكن الأبدان للموت أنشئت
…
فقتل امرئ بالسيف والله أفضل
ويستفاد من هذه الآية أن مقامات العبودية ثلاثة: فمن عبد الله تعالى خوفا من ناره وهي أدنى مقامات العبودية (إذ ما تحتها إلا الرياء والنفاق الذين يخلد صاحبهما بالنار) فهذا قد يؤمنه الله مما يخاف وإليه الإشارة بقوله (لَمَغْفِرَةٌ) ، ومن عبده طمعا في جنته آتاه الله ما رجاه وإليه الإشارة بقوله (وَرَحْمَةٌ) لأن الرحمة من اسماء الجنة، وهذه العبادة فوق تلك وكلاهما من حظوظ النفس، ومن عبده باعتباره إله حق مستحق للعبادة لذاته ولو لم يخلق نارا ولا جنة تشوقا إلى وجهه الكريم فتلك العبادة الخالصة وهي أشرف أنواع العبادات على الإطلاق، ولهذا فإنه تعالى وعده بما أراد ووعده الحق وإليه الإشارة بقوله (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) جعلنا الله منهم ومن أتباعهم. قال تعالى «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ» يا سيد الرسل على ما هم عليه من غلظة وفظاظة فترفقت بهم وتلطفت عليهم وتحملت جفاهم فتشكر محسنهم وتعفو عن مسيئهم حتى التفوا حولك وأحبوك لما أوتيته من أخلاق كريمة تعاملهم بها وآداب عالية تعلمهم إياها وتدعوهم لما فيه صلاحهم «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ» جافيا قاسيا عجولا فقابلت فعلهم في أحد على أثر ما وقع منهم حالة توغر صدورهم فأنبتهم وكدرتهم «لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» وتفرقوا عنك ولكن الله الذي رباك فأحسن خلقك وأدّبك فأحسن تأديبك وجعلك سهلا يسرا رقيقا رفيقا فلم تعاملهم في الشدة ولم تحنق عليهم ولم تلمهم على فعلهم حالة تأثرهم على ما بدر منهم مما زاد في ندمهم وأسفهم وأكثر تحسرهم على تفريطهم بأمرك ولحقهم الخجل من أن يقابلوك لأنهم رأوا أنفسهم مقصرين لا عذر لهم ولهذا فإنا قد عفونا عنهم «فَاعْفُ» أنت أيضا «عَنْهُمْ» مخالفتهم هذه وزلتهم وإفراطهم «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ» ربك وربهم وادع لهم أن لا يعودوا لمثلها فإنهم قد نالوا جزاءهم الدنيوي بما وقع فيهم من القتل والذل. واعلم أنك مجاب الدعوة، فلا تدعو عليهم، بل اسأل ربك الخير لهم «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» تطييبا لقلوبهم حتى يتيقنوا رضاك عنهم قلبا وقالبا، وذلك أن سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمور التي يساقون إليها يشق عليهم لأن ذلك يعدونه من عدم
المبالات بهم وإلا فإن الله تعالى يعلم أن ما لنبيّه من حاجة لمشورة أحد من خلقه ولكن أراد استجلاب عطفهم على رسوله وانفراز مودته في قلوبهم وجعل المشورة سنة لمن بعده على الإطلاق وعلى كل الرأي بعد المشورة له خاصة وليس عليه أن يتقيد برأيهم لأنه أوسع فكرا منهم وأصوب رأيا وأكبر تدبيرا وتدبرا في العواقب.
وهذا في الأمور التي لم ينزل فيها وحي أما ما نزل فيها الوحي فلا خيار له هو نفسه فيه فضلا عن أخذ رأي غيره. واعلم أن المشاورة في الأمور ممدوحة مطلوبة ومحمودة قال بعضهم:
وشاور إذا شاورت كل مهذب
…
لبيب أخى حزم لترشد بالأمر
ولا تك ممن يستبد برأيه
…
فتعجز أو لا تستريح من الفكر
الم تر أن الله قال لعبده
…
وشاورهم في الأمر حتما بلا نكر
وعلى المستشير ألا يشاور من لا يثق به ولا يحبه ولذلك قالوا سبعة لا يشاورون:
1-
جاهل لأنه يضل 2- وعدو لأنه يريد الهلاك 3- وحسود لأنه يتمنى زوال النعمة 4- ومراء لأنه يقف مع رضاء الناس 5- وجبان لأنه يهرب من كل ما يرعب فلا يميل إلا إلى سفاسف الأمور 6- وبخيل لأنه يحرص على ماله فهو على نفسه أحرص فلا رأي له في العز 7- ذوي هوى لأنه أسير هواه فلا خير في رأيه. وقالوا أيضا لا يشاور معلم الصبيان الذي لا يخالط الناس لقصر رأيه ولا راعي غنم يقوم معها وينام معها، ومن يخالط النساء دائما، وصاحب الحاجة لأنه أسير حاجته فيلائم صاحبها على رأيه، ويشاور من عناهم القائل بقوله:
عليم حكيم ما هو عند رأيه
…
نظار إلى ما تبدوا إليه مذاهبه
بصير بأعقاب الأمور كأنما
…
يخاطبه عن كل أمر عواقبه
وقال صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن وعليه يجب على العدو إذا استشاره عدوه أن يسديه نصحه هذا، وإذا استشرت صاحبك فأشار عليك بما لم تره موافقا أو لم تحمد عاقبته فلا تلمه أو تعاقبه لأنه أدى لك ما يحبه لنفسه وأنت غير ملزم برأيه. قال تعالى «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» أي إذا قطعت الرأي بعد المشورة التي هي كالاستيناس والاستطلاع لأن في احتكاك الآراء يظهر القصد الأحسن من الحسن
وتستبين الغاية المنشودة كالنار الناشئة من تصادم الحجرين وعلى كل فليكن توكلك على الله في تنفيذ ما تصمم عليه «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» 159 عليه في كل أمورهم، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 72 من سورة النحل ج 1 والآية 28 من سورة الشورى في ج 2، وتشير هذه الآية إلى أن الرأي للأمير والفقرة الأخيرة منها تؤكد عدم التقيد برأي الغير. قال تعالى «إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فيما بعد كما نصركم في بدر «فَلا غالِبَ لَكُمْ» البتة «وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ» كما وقع لكم في أحد «فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ» أي لا أحد أبدا «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (160) لا على غيره وقد بينا ما يتعلق بالتوكل في الآية 40 من سورة الواقعة في ج 1، ولم تنته بعد الآيات النازلة في واقعة أحد إذ لم يذكر الله في حادثة مثل ما أنزل فيها لأنها أول فاجعة أصابت المسلمين. وما قيل إن هذه الآيات الأخيرة بعد آية الرّبا نزلت في حادثة بدر لا صحة له ولا ينطبق على شيء منها
وإنما الآية الآتية قد يكون لها علاقة في غنائم بدر فقط وهي قوله تعالى «وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» أي ما صح ولا استقام لأي نبي أن يخون في الغنائم البتة لمنافاته مرتبة النبوة التي هي أعلى المراتب وأسمى الكمال الإنساني وأشرفه، وهذا للامتناع العقلي مثله في قوله تعالى (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) الآية 25 من سورة مريم وقوله (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) الآية 60 من سورة النمل في ج 1، وقرئ يغل على البناء للمجهول على أنها من أغللته إذا نسبته للغلول كما تقول أكفرته إذا نسبته للكفر قال الكميت:
وطائفة قد أكفرتني بحبكم
…
وطائفة قالت مسيء ومذنب
أي لا يجوز لأحد أن ينسبه للغلول «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ» حاملا له على عنقه في النار ليزداد فضيحة «ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ» إن خيرا فخير وإن شرا فشر «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (161) فتيلا من جزاء أعمالهم والصحيح أنها أيضا في حادثة أحد لأن الرماة لما رأوا هزيمة المشركين ظنوا أن يقول الرسول من أخذ شيئا فهو له كما فعل في بدر، وهذا الذي حدا بهم إلى ترك مراكزهم لا غير فعاتبهم الرسول وقال لهم أظننتم ذلك فيّ
فأنزل الله هذه الآية. قال تعالى «أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ» كالمهاجرين والأنصار الذين جاهدوا ولم يبرحوا مكانهم ولم يتركوا رسولهم «كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ» أي رجع من ساحة الحرب لخذلان الرسول وأصحابه وهم المنافقون المار ذكرهم «وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (162) هي لأهلها لأن عبد الله ابن سلول وأصحابه ماتوا على الكفر وان المعبر عنهم برضوان الله «هُمْ» الذين اتبعوا الرسول لأن رضاء الله باتباعه صلى الله عليه وسلم «دَرَجاتٌ» في التفضيل عند الله والذين تخلفوا عنه باءوا بسخط الله فهم دركات في غضبه والكل منهم متفاوتون «عِنْدَ اللَّهِ» في الثواب والعقاب «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ» (163) عليم بما يستحقه كل منهم، لأن البصير لا تخفى عليه خافية مهما دقت وخفي حجمها وأمرها، قال تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ» فأحسن وتفضل وأنعم «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» خاصة والعرب عامة «إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» من جنسهم ولسانهم وليسهل عليهم الأخذ منه وليثقوا به، قال أبو طالب في خطبة خديجة رضي الله عنها إلى محمد صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضىء معد، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وإن ابني هذا محمد بن عبد الله لا يوزن بفتى إلا رجح، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل، وقد صدق والله رحمه الله وحقق فراسته، إذ أرسله إليهم «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ» من دنس الشرك ودرن الخبث ونجاسة المحرمات ووسخ الأرجاس «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» في تضاعيف تعليمهم مدارك آيات الله المنزلة عليه ومعاني السنة التي يسنها لهم «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ» بعثته إليهم «لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (164) لا يخفى على أحد. قال تعالى «أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ» بحادثة أحد من هزيمتكم وقتل خمسة وسبعين من رجالكم فإنكم «قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» من أعدائكم يوم بدر إذ قتلتم سبعين وأسرتم سبعين وهزمتموهم أيضا يوم أحد أولا وقتلتم منهم نيفا وعشرين عدا الجرحى «قُلْتُمْ أَنَّى هذا» أي كيف نغلب ولم أصابنا هذا وقد وعدنا النصر، ومن أين جاءنا هذا الخذلان
والرسول معنا «قُلْ» لهم يا سيد الرسل إن هذا الانكسار «هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» بسبب مخالفتكم رأي رسولكم أولا بالخروج، إذ كان رأيه البقاء بالمدينة حتى يجابهوهم فيها فيقاتلهم، وثانيا مبارحتكم أمكنتكم التي أمركم الثبات فيها في ساحة الحرب وحذركم وقال لكم إذا رأيتمونا تخطفنا الطير أو رأيتمونا هزمناهم ووطأناهم فلا تتركوها، ولذلك خذلتم «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (165) ومن قدرته قدر خذلانكم على مخالفتكم تلك ولم ينصركم عليهم تأديبا لكم كي لا تعودوا لمثلها «وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» من قتل وهزيمة في هذه الحادثة «فَبِإِذْنِ اللَّهِ» وإرادته وتقديره «وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ» (166) منكم من يصبر على الأذى في سبيل الله، ومن يجزع ويظن بالله ما لا يليق به، أي يختبر الله ذلك منهم فيظهره لعباده «وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا» فيظهر نفاقهم للناس أيضا ويفضحهم بينهم، وإلا فإن الله عالم بذلك كله ومدون في أزله، وإن ما وقع هو طبق علمه. وكلمة النفاق لم تعرفها العرب قبل، أخذت من نافقاء اليربوع، لأن حجره له بابان إذا طلب من أحدهما هرب من الآخر، فوضع في الإسلام علامة على تلك الطائفة التي تبطن الكفر وتظهر الإسلام وتكمن الغيظ والبغض وتعلن الرضاء والمودة وتضمر الحقد والحسد وتجهر بخلافهما «وَقِيلَ لَهُمْ» والقائل هو جابر بن عبد الله بن جزام الأنصاري والمقول له عبد الله
أبي سلول وأصحابه «تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ» أعداء الله إعلاء لكلمة الله «أَوِ ادْفَعُوا» الأعداء عن المجاهدين إخوانكم وكثروا سوادهم إن لم تقاتلوا «قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ» ولم نرجع، وقال عبد الله ما ندري علام نقاتل أنفسنا «هُمْ» المنافقون القائلون هذا القول «لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ» يوم مقالتهم هذه لجابر جوابا لقوله يا قوم اذكروا الله فلا ترجعوا وتخذلوا نبيكم عند حضور عدوه «أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ» لأنهم أظهروا نفاقهم وجاهروا بعنادهم وكانوا «يَقُولُونَ» كلمة الإيمان أمام الأصحاب «بِأَفْواهِهِمْ» قولا خارجيا «ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» المحشوة بالكفر الخالية من الإيمان «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ» (167) في قلوبهم قبل تكلمهم بالإيمان نفاقا، وهؤلاء هم «الَّذِينَ