المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

مات بشر بن البداءة بن معمر وجدت عليه أمه وجدا شديدا وقالت يا رسول الله لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟

فقال صلى الله عليه وسلم نعم والذي نفسي بيده يا أم بشر إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رءوس الشجر. وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا أرسلت معه أم بشر السلام إلى ابنها. وجاء في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشر أهل الدنيا، فيقولون أنظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد، فيسألونه ماذا فعل فلان، وماذا فعلت فلانة، وهل تزوجت فلانة، وناهيك حديث الصحيحين لما أمر صلى الله عليه وسلم بإلقاء قتلى بدر في القليب ثم وقف عليهم وناداهم بأسمائهم، فقال له عمر ما تخاطب من أقوام قد جيفوا؟! فقال له والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع منهم لما أقول، ولكنهم لا يستطيعون جوابا. وقد كان الأقدمون يتصلون بالعالم غير المنظور بواسطة المنام، ثم توصل العلم أخيرا إلى مخاطبة النفوس بواسطة التنويم المغناطيسي بما يدل على اتصال النفوس بعضها ببعض بعد الوفاة، وأنها حية حياة برزخية لا نعلم كنهها وقد مر أن تكلمنا على أن النفس والروح هل هما شيء واحد أم لا في الآية 86 من سورة الإسراء في ج 1 فراجعها.

‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

ثم التفت جل شأنه يخاطب المؤمنين بما يصيبهم بعد مما هو أشد مما حل بهم في أحد فقال مقسما وعزتي وجلالي «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ» فيما بستقبل من الزمان فتنهبون وتسلبون وتهانون «وَأَنْفُسِكُمْ» فتقتلون وتؤسرون وتعذبون «وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» اليهود والنصارى «وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» بالله غيره فيدخل فيه الكفرة كافة «أَذىً كَثِيراً» متنوعا قولا وفعلا «وَإِنْ تَصْبِرُوا» على ذلك مع محافظتكم على دينكم «وَتَتَّقُوا» الله فتعملوا بما يأمركم وينهاكم «فَإِنَّ ذلِكَ» الصبر على ذلك الأذى مع المحافظة على التقوى «مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (186) بشير صدر

ص: 442

هذه الآية إلى قول الفلاسفة إن النفس هي الجسم المعاين دون ما فيه من المعنى الباطن كما أشرنا إلى هذا المعنى آنفا في بحث النفس، وإنما خاطب الله تعالى حضرة الرسول وأصحابه المؤمنين كافة بهذا ليوطنهم على احتمال ما سيلقونه من الشدائد التي لا تقابل إلا بالصبر لئلا يرهقوا عند نزولها بهم على غرة فيجزعوا أو يشمئزوا، وهي عامة اللفظ والمعنى محكمة ثابتة الحكم بين الناس إلى يوم القيامة، وقد ظهر مصداقها في زماننا هذا بتولية الإفرنسيين علينا وفعل بعضهم كما ذكر الله في الآية 24 من سورة النمل ج 1، وها نحن أولاء صابرون على أذاهم، وعسى الله أن يزيحهم عنا بتقوى أهل التقوى منا وهو على كل شيء قدير، إذ أصاب بعض المؤمنين منهم ما ذكره الله ولم يجدوا بدا إلا الصبر، فنسأله أن يقيض لنا من يجمع كلمة المسلمين ويرد لهم مجدهم ويدفع عنهم من يتسلط عليهم، ولا لوم إلا على أنفسنا، لأن ذلك كله بما كسبت أيدينا من ظلمنا بعضنا لبعض وتعاظمنا وانتصارنا للقوي والغني وعدم التفاتنا للضعيف والفقير والسكوت على المعاصي وهدر الحقوق والتقاطع ولا حول ولا قوة إلا بالله. روى البخاري ومسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، قال محمد ابن سلمة أتحب أن أقتله؟ قال نعم، قال فأذن لي فلأقل، قال قل، فأتاه فقال له وذكر ما بينهم، وقال إن هذا الرجل قد أراد الصدقة وقد عنانا، فلما سمعه قال وأيضا والله لتبلغه، قال إنا قد اتبعناه ونكره الآن أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء بصير أمره، قال وقد أردت أن تسلفني سلفا، قال فما ترهن عندي تأمينا لما تستلفه؟ فقال له ما شئت، قال أترهنني نساءكم، قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا، قال له ترهنون أولادكم؟ قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللّامة (أي السلاح) قال نعم، وأوعده أن يأتيه بالحارث وأبي عيسى بن جبير وعباد بن بشير، قال فجاءوا فدعوه ليلا، فنزل إليهم، قالت امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم، قال إنما هو محمد ورضيعي أبو ناثلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب، قال محمد لأصحابه إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استحكمت منه فدونكم، قال فلما نزل وهو متوشح

ص: 443

قالوا نجد منك ريح الطيب، قال نعم نحن فلأنه أعطر نساء العرب، فال فتأذن لي أن أشم منه؟ قال نعم، فتناول فشم، ثم قال أتأذن لي أن أعود، قال نعم، قال فاستمكنني من رأسه، ثم قال دونكم فقتلوه. وزاد أصحاب السير فاختلف عليه أسيافهم فلم تغن شيئا، قال محمد بن سلمة فذكرت معولا في سيفي فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار، قال فرضعته في شذروته (صرّته)(والشذر خرز معروف وقطع من الذهب المتلقطة من معدنه قبل إذابته) ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، ووقع عدو الله، وأصيب الحارث بن إدريس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا، فخرجنا وقد أبطأ علينا، ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة حتى أتانا فحملناه وجئنا به رسول الله آخر الليل وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه وأخبرناه وجئناه برأسه وتفل على جرح صاحبنا فبرىء، وأنزل الله في شأنه هذه الآية. وعلى فرض صحة نزولها فيه لا يمنع شمولها لغيره وعمومها لآخر الزمان، وكعب هذا من ألدّ الخصوم لحضرة الرسول وقد أشرنا إليه في الآية السابقة وما قبلها. قال تعالى «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ» عن

أحد منهم لا كلّا ولا بعضا بل تبينوه كله لكل أحد بلا عوض فلم يفعلوا ولهذا قال تعالى «فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ» أي الكتمان لما في الكتاب «ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ» (187) هذه الآية وإن كانت خاصة في اليهود والنصارى فلا يبعد أن يشمل مضمونها علماء هذه الأمة، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، ولأنهم أشرف أهل الكتب السماوية كما أن كتابهم أشرف الكتب ورسولهم أشرف الرسل. أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سئل علما فكتمه الجم بلجام من نار. ولأبي داود: من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة. والمراد بالعلم هنا علم الدين وما يتعلق به والتنكير فيه للتعظيم بما يدل على ذلك ولأن هذا الجزاء الكبير لا يترتب إلا على العلوم الدينية البحتة بدليل قول أبي هريرة لولا ما أخذ الله عز وجل (أي من العهد والميثاق) على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء وتلا هذه الآية، والعهد الذي أخذ هو على الإيمان

ص: 444

بالله وجميع أنبيائه كما في الآية 81 المارة. قال تعالى «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا» من حطام الدنيا على ما زينوه للناس من الضلال بكتمان الحق وإظهار غيره باطلا «وَيُحِبُّونَ» مع عملهم القبيح ذلك «أَنْ يُحْمَدُوا» عليه وعلى تسميتهم علماء «بِما لَمْ يَفْعَلُوا» من الوفاء بميثاق الله وعهده على الإخبار بما في كتبهم من الحق والصدق بأنهم ناجون من العذاب كلا «فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» ونجاة منه بل لا بد من انغماسهم فيه «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (188) جدا فلا تظننّ عذابهم بسيطا بل هو شديد لا تطيقه قواهم، وهذه الآية أيضا وإن كانت خاصة بالمذكورين فمعناها عام شامل لكل من هذا شأنه، لأن العبرة دائما لعموم اللفظ إلا ما خصص أو قيد «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» هذا تفريع على قوله آنفا (إن الله فقير) الآية، أي كيف يكون فقيرا وهو مالك لما بين السموات والأرض وما فوقهما وتحتهما «وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (189) ومن كان كذلك فلا يليق أن يسمى فقيرا قاتل الله قائل ذلك.

قال تعالى «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ» عظيمات على قدرتنا «لِأُولِي الْأَلْبابِ» (190) الذين خلص لبتهم عن الهوى خلوص اللب عن القشر فمن أراد عبرة فليعتبر فيهما والويل كل الويل لمن يقرأ ولم يتفكر وينظر ولا يعتبر لأن المراد بأولي الألباب هم أهل القلوب الحية المطهرة، أما الذين صدأت قلوبهم وغشى عليها الرّين بسبب كثرة المعاصي فلا يفهمون من التفكر والنظر شيئا. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

بت في بيت خالتي ميمونه فتحدث رسول الله وأهله ساعة ثم وقد، فلما كان ثلث الليل الأخير قعد فنظر إلى السماء فقال (إن في خلق السموات والأرض) الآية، على أنه كان في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه لعلك فرطت منك فرطة في مدتك قال ما أذكر، قالت لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر، قال لعل، قالت فما أوتيت إلا من ذلك.

ولهذا وصف الله أولي الألباب بقوله «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» مضطجعين «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»

ص: 445

بكيفية اختراعهما وعظمهما وبناء السموات وبسط الأرض وإبداعهما على غير مثال سابق وما فيهما من الكواكب المسخرة لمنافع الخلق والجبال التي لولاها لمادت بأهلها والوديان والأنهر والمعادن المختلفة والنظر في كيفياتها وكمياتها وأشكالها وألوانها واختلاف سيرها، ويديمون هذا في جميع أحوالهم دون غفلة، ثم يقولون «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا» ولا عبثا ولا لعبا بل لحكم أردتها «سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ» (191) وهذا تعليم من الله لعباده بأن يقولوا هكذا ويثنوا على الله بما هو أهله وينزهونه عما لا يليق بحضرته الكريمة كلما نظروا إليهما ثم يذكرون حاجتهم.

وفي الآية دلالة على صحة صلاة المريض والرخصة فيها. روى البخاري عن عمران ابن حصين قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. ودليل على ندب ذكر الله تعالى في كل حال والمداومة عليه، روى مسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل في كل أحيانه. وأخرج أبو ذر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة (نقص وتبعة) ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة وما مشى ممشى لا يذكر الله فيه إلا كانت من الله عليه ترة أي حسرة وندامة مستمرة لا تتلافى. والفكر اعمال الخاطر في الشيء وتردد القلب فيه، وهو قوة متطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل ولا يمكن التفكر إلا فيما له صورة في القلب، ولهذا قالوا تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله لأنه منزه عن الصورة، ولذا قال تعالى (ويتفكرون في خلق) الآية أي في عجائبها وغرائب صنعها، وكون السماء بلا عمد أو بعمد لا ترى، وكون الأرض على الماء أو الهواء راكدة أو متحركة بيضوية أو مدورة أو مربعة أن مستطيلة للاستدلال بذلك على قدرة القادر وحكمته البالغة، وليعلموا أن خالقهما عظيم ومدبرهما حكيم وان عظم الخلق يدل على عظم الخالق وعظمة آياته:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

ولينظر إلى آثار قدرته في هذين الهيكلين العظيمين وإلى من فيهما من الخلق:

ص: 446

إن آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

وقدمنا ما يتعلق في تفسير هذه الآية 50 من سورة الروم ج 2 فراجعها، وقولوا في دعائكم يا ذوي العقول «رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ» أهنته وأذللته وفضحته وهذا خاص للمخلدين فيها بدليل قوله «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ» (192) في ذلك اليوم ولا تمسك في هذه الآية للقائلين أن كل مؤمن لا يدخل النار احتجاجا بقوله تعالى (يوم لا يخزي الله النبي) الآية 6 من التحريم الآتية لأن هذه الآية محمولة على نفي الإخزاء حينما يكونون معه صلى الله عليه وسلم وفضلا عن هذا فإن مذهب أهل السنة جواز دخول بعض المؤمنين النار وخروجهم منها، لأن مرتكب الكبيرة مؤمن وإن كان فاسقا، وهذا الجواب لا يتجه على مذهبهم لأنهم يقولون الفاسق يخلد في النار ومرتكب الكبيرة كافر، ويجوز حملها على العموم لأن مجرد إدخال النار خزي وعار سواء أخرج منها أو لا وهذا أولى إذ لا مقيد ولا مخصص لها نصا، ولأن لفظ الإخزاء مشترك بين التخجيل والإهلاك، والمشترك لا يمكن حمله في طرفي النفي والإثبات على معتبيه جميعا فيسقط الاستدلال به لأحدهما وقولوا أيضا «رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ» وهو محمد سيد الأكوان لقوله تعالى (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) الآية من أواخر سورة النحل ج 2 ومن قال إن المنادي هو القرآن قال ليس كل أحد سمع النبي والقرآن مقروء ومسموع إلى الأبد ويقول ذلك المنادي «أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ» أيها الناس وأجيبوه بقولكم «فَآمَنَّا» بربنا وما أنزل إليها على لسان رسولنا «رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا» صغيرها وكبيرها خفيها وجليها قصدها وخطأها وسهوها وتعمدها وجميع أنواعها اعفوها لنا يا ربنا «وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ» (193) واحشرنا في زمرتهم، قال المفسرون إن اغفر وكفّر بمعنى واحد وكررا لفظا للتأكيد لأن الإلحاح في الدعاء والمبالغة فيه مندوبة ومطلوبة، مع أن الغفران مصدر غفر بمعنى الستر، والتكفير مصدر كفّر بمعنى الفداء لأن الكفارات شرعت لذلك، يقال كفر عن يمينه إذا أدى الكفارة، والألفاظ العربية وإن كانت متقاربة في المعنى ففيها تفاوت، وقل أن تجد كلمتين تدل على معنى واحد فقط من كل وجه إلا في اختلاف

ص: 447

اللغات مثل (كل) بمعنى ثقيل في العربية وهو في التركية بمعنى أقرع وما أشبه ذلك فهكذا.

قال تعالى آمرا عباده بأن يقولوا في دعائهم أيضا «رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى» لسان «رُسُلِكَ» من الخير في الدنيا والآخرة، ولا يقال كيف سألوه انجاز وعده وهو لا يخلف الميعاد وهم معترفون بذلك لأنهم التوفيق فيما يحفظ لهم انجاز وعده، ولهذا اتبعوهم بقولهم «وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ» (194) لأن المقصود منه طلب التوفيق على الطاعة والعصمة ممّا يحول دون تأهلهم، لذلك فلا يقال أيضا لا حاجة إليه لأنه متى حصل الثواب اندفع العقاب، وإن طلب عدم الخزي خوفا من أن تظهر لهم أعمال ليست بالحسبان مما سيكون لغيرهم. قال تعالى (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) الآية 47 من سورة الروم ج 2، أي وهم يظنون أنهم على عمل صالح فقط، قال صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم ليتكلم الكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أربعين خريفا. الا فليتق الغافل ولا يهرف بما لا يعرف، ولا يتكلم بمعصية قصد إضحاك الناس أو سرورهم فيقع بمثل هذا المبين في الآية والحديث. قال تعالى «فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ» دعاءهم، وقال لهم «أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ» أيها المؤمنون وأثببكم على أعمالكم القولية والفعلية كلكم «مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى» لا أفضل أحدا على أحد إلا بالتقوى «بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» وأثيبكم عليها أيضا على ما تعملونه من الخير فيما بينكم فمن قضي لأخيه حاجة قضيت له حوائج، ومن رحمه رحمته وأكرمته، ومن عفى عنه زلته أقلت عثرته يوم القيامة وعفوت عنه «فَالَّذِينَ هاجَرُوا» منكم بطوعهم «وَ» الذين «أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ» قهرا من قبل أعدائهم «وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي» بسبب إسلامهم ومتابعتهم رسولي وجهادهم معه لإعلاء كلمتي «وَقاتَلُوا» أعداءه وأعداءهم «وَقُتِلُوا» بسبب ذلك «لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ» مهما كانت ولا أؤاخذهم عليها وأبد لها لهم حسنات «وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً» لهم ورحمة بهم وتفضلا ولطفا وإحسانا عليهم وكرامة لهم «مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ» (195) على أحسن الأعمال وثوابا مطلقا على غيرها.

ص: 448

أخرج الترمذي عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله ما أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله هذه الآية، ثم خاطب سيد المخاطبين بقوله «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ» (196) على حد (إياك أعني واسمعي يا جارة) لأنه صلى الله عليه وسلم لا يغتر بذلك وإنما أراد به غيره كما في أمثال هذه الآية من الآيات آخر سورة القصص في ج 1 وشبهها أي لا تغتر أيها الإنسان بما ترى من ذلك لأنه «مَتاعٌ قَلِيلٌ» يتمتعون به في هذه الدنيا الفانية القليلة ثم يتركونه فيها وبالا عليهم «ثُمَّ مَأْواهُمْ» في الآخرة «جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ» (197) هي لأهلها.

قيل إن بعض المؤمنين لما رأى حالة الكفار قال أرى أعداء الله في سعة من العيش ونحن أصحاب محمد وأحباب الله في جهد منه، فأنزل الله هذه الآية تنديدا بسعة الكفرة وأنزل بعدها ما يسر المؤمنين بقوله «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ» عنده في الآخرة خير مما أعطاه لأعدائه في الدنيا وهو «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها» أبدا، ويقول الله تعالى جعلناها لهم «نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» إكراما لهم وتقدمة لقراهم «وَما عِنْدَ اللَّهِ» المعطي هذا النزل لعباده أولا من النعيم الدائم والخير الوافر ما هو «خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» (198) من الدنيا وما فيها جزاء أعمالهم الحسنة وإحسانهم لغيرهم وهو خير مما يتقلب به الكافرون من حطام الدنيا وزخارفها الزائلة المنغمصة بالأكدار، روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في مشربة غرفة أو علية وانه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرط مصبور (القرط ورق السلم نبات معروف، ومصبور معناه مجموع كالصبرة من الطعام) وعند رجليه أهب (أي جلود) معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيت، فقال ما يبكيك؟ قلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله؟ فقال أما ترضى يا ابن الخطاب أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال بلى يا رسول الله. قال تعالى «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ» يؤمن ب «ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» من القرآن «وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ» من التوراة والإنجيل «خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا» كغيرهم ممن ت (29)

ص: 449