الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخرة بالدنيا ويكون قصدهم من الجهاد الغنيمة فقط «وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ» ويبقى حيا «فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ» بالحالتين «أَجْراً عَظِيماً» (74) غنيمة وسعادة أو ثوابا وشهادة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم تضمن الله لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، وإذا كان كذلك «وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أيها المؤمنون وقد تكفل الله لكم بذلك وتستنقذوا المؤمنين إخوانكم المعذبين في مكة «وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ» وتخلصونهم من أيدي المشركين وبراثن أعداء الدين حيث منعوهم من الهجرة إلى المدينة وحالوا دون التحاقهم بإخوانهم وأهليهم فيها ولا يزالون يعذبونهم بقصد ردهم عن دينهم ولا قوة لهم يمتنعون بها منهم وهم «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ» مكة وهي وطنهم الأصلي لشدة ما يقاسونه فيها من أهلها من العذاب بدلالة قوله تعالى حكاية عنهم «الظَّالِمِ أَهْلُها» أنفسهم بالشرك والتعدي على الغير «وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ» يا إلهنا وسيدنا «وَلِيًّا» ينقذنا من ظلمهم «وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً» (75) ينصرنا عليهم، فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة ورد صلى الله عليه وسلم أبا جندل على الصورة المارة في الآية 11 من الممتحنة، ورجعوا إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح استجابة لدعائهم، إذ تولى أمرهم خير ولي وجعل ناصرهم خير ناصر، وخلصهم أحسن خلاص، وذلك لما وقع صلح الحديبية.
مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب
.
وجاء ابو نصير عتبة ابن أسد مسلما إلى المدينة وطلبه المشركون بمقتضى المعاهدة المذكورة، فرده صلى الله عليه وسلم مع الرجلين اللذين جاءا بطلبه، وقال له قد أعطينا القوم ما علمت من الشروط في المعاهدة، ولا يصلح في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك وللمستضعفين مثلك فرجا ومخرجا فلما ذهب معهما ووصلا ذا الحليفة قتل أحدهما وفر
الآخر ورجع أبو نصير إلى المدينة وقال يا رسول الله رددتني إليهم بمقتضى عهدك لهم، وأنجاني الله حيث قتلت أحد الذين أخذاني وفر الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد. فعرف مغزى قوله صلى الله عليه وسلم وخرج من المدينة وذهب إلى سيف البحر أي شاطئه وبلغ المسلمين المحبوسين في مكة قول الرسول لأبي نصير وعرفوا مرماه أيضا، فخرجت عصابة منهم إليه وأنفلت أبو جندل المذكور ولحق بهم أيضا حتى بلغوا سبعين رجلا وصاروا يقطعون الطريق على قريش لا يتركون عيرا إلا نهوها ولا يظفرون بأحد من المشركين إلا سلبوه وقتلوه فأرسلت قريش تناشد رسول الله والرحم بأن يرسل إليهم ويأخذهم إلى المدينة ومن أتاه على شاكلتهم فهو آمن، فأرسل إليهم وقدموا المدينة جميعهم وهذا أول خير من معاهدة الحديبة التي أثبتناها في الآية المذكورة آنفا من سورة الممتحنة المارة، ثم وقعت غزوة خيبر في المحرم سنة السابعة من الهجرة وخيبر مدينة ذات حصون ومزراع على ثمانية برد من المدينة لجهة الشام وقد خرج إليها صلى الله عليه وسلم وأصحابه فصبحهم صباحا فخرجوا، وإذا القوم، فقالوا محمد والخميس أي الجيش، وإنما سمي خميسا لأنه يحتوي على خمسة أصناف المقدمة والمؤخرة والميمنة والمشأمة والقلب، وهكذا ترتب الحملات في الغزو والجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، فبرز ملكهم مرعب وبرز إليه عامر، فاختلفت بينهما ضربتان فأصاب عامر نفسه، ثم أخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا، ثم أخذها عمر وكذلك قاتل أشد من صاحبه ولم يقع أحد من الطرفين ولم يؤخذ بثأر عامر رحمه الله، فقال صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وينفتح على يديه، فأعطاها عليا كرم الله وجهه وبرز له مرعب المذكور وهو يرتجز.
قد علمت خيبر اني مرعب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلتهب فأجابه علي كرم الله وجهه:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
…
كليث غابات كريه المنظرة
أو فيكم بالصاع كيل السندره ثم ضرب مرعبا فقتله، وكان الفتح على يديه. وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم وإخباره بالغيب، ثم برز أخوه مرحب فخرج إليه الزبير بن العوام فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب أيقتل ابني يا رسول الله؟ قال بل ابنك يقتله إن شاء الله وكان كذلك، وهذه معجزة أخرى أخبر بها صلى الله عليه وسلم أيضا، ولم يزالوا يفتحون الحصون ويقتلون من يقابلهم حتى فتحوها كلها وأخذوا الأموال واستاقوا السبي الذي من جملته صفية بنت حيي سيد قريظة اصطفاها لنفسه صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها، وقسم الأموال والسبي لمن حضر الحديبية. وحديث فتح خيبر هذا رواه سهل بن سعد وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأبو هريرة، وأخرجه البخاري ومسلم عنهم بزيادة على ما ذكرنا. أما الحوادث التي وقعت فيها غير المعجزتين المارتين فمنها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما علت بها القدور نادى منادي رسول الله أن أكفئوا القدور ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئا، قالوا إنما نهى عنها لأنها لم تخمس، وقال آخرون نهى عنها البتة. وروى البخاري عن عائشة قالت لما فتحت خيبر قلت الآن نشبع من التمر. ورويا عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فجيء بها إلى رسول الله وقد أخبره السيد جبريل بذلك، فسألها عن سبب ذلك، فقالت أردت لأقتلك، فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك، أو قال علي، قالوا أنقتلها يا رسول الله؟ قال لا، فما زلت أعرفها في لهوات محمد صلى الله عليه وسلم أي أحاديثه المؤنسة المعجب بها. قالت عائشة كان صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم. والمرأة هي زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم اليهودية. قالوا لما جيء بها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت ملكا استرحنا منك، وإن كنت نبيا فلا يضرك فعفا عنها. قالوا وكان بشر بن البراء بن معرور أكل لقمة منها فمات في ساعته. وأخرج أبو داود عن عبد الله بن سلمان أن
رجلّا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يبتاعون غنائمهم، فجاء رجل فقال يا رسول الله لقد ربحت اليوم ربحا ما ربحه أحد من أهل هذا الوادي، قال ويحك وما ربحت؟ قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ريحت ثلاثمائة أوقية، فقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئك بخير ربح؟ قال وما هو يا رسول الله؟ قال ركعتان بعد الصلاة أطلقها صلى الله عليه وسلم فتشمل كل الصلوات المفروضة أي النفل الذي بعدها، ولو كانت قبل الصلاة كنت أظنها صلاة الصبح لقوله فيها إنها خير من الدنيا وما فيها. قالوا ثم طلبت اليهود أن يقرهم في أرضهم على نصف التمر وأن يكفوهم العمل ولهم النصف الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس، وقبل منهم وتركهم في بلدهم على ذلك، وقال لهم نترككم ما شئنا، فبقوا على هذا حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه في امارته إلى تيماء وأريحا ولما سمعت أهل فدك بما وقع في خيبر طلبت من الرسول أن يحقن دماءهم وأن يسيرهم ويخلو له الأموال ففعل بهم وأن يصالحهم على مثل ما فعل بخيبر، ففعل أي أجاب صلى الله عليه وسلم طلب الفريقين الذي أراد الجلاء والذي أراد البقاء على ما طلب، فكانت غنائم خيبر للمسلمين الذين حضروا الحديبية وغنائم فدك لرسول الله خاصة لأنه لم يجلب عليها بخيل ولا ركاب، وقد أشار الله إلى هذه الحادثة في سورة الفتح الآتية في قوله عز قوله (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية 19، وقد أسف المنافقون على ما فاتهم من هذه النعمة كما قص الله تعالى عنهم في الآيات المتقدمة، وهذا الخير الثاني الذي وقع بعد صلح الحديبية والثالث هو ما فعله ابو نصير وقومه المشار
إليهم آنفا قال تعالى «الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ابتغاء مرضات الله وإعلاء لكلمته ونصرة لدينه ومعونة لإخوانهم المضطهدين في مكة تحت ضغط الكفرة فيها، فهؤلاء إن قتلوا فهم شهداء وإن بقوا فهم سعداء «وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ» الشيطان من الجن والمتشيطنين من الإنس «فَقاتِلُوا» أيها المؤمنون «أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ» ولا تخشوا كيدهم «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً» (76) لأنه بغي وغرور لا يئول إلى نتيجة حسنة ويوهن وينمحق بمقابلة القتال في سبيل الله نصرة لدينه. قالوا
كان جماعة من المستضعفين كعبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص، يقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتال المشركين لأنهم آذونا، فقال لهم كفوا عن القتال لأني لم أومر به، وثابروا على دينكم، فأنزل الله «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ» بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة وأمروا به «إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ» أي أهل مكة الذين كانوا يطلبون الإذن بقتالهم «كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً» من الله «وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ» الآن هلا «لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» يريدون الموت لأنه مهما طال أجله فهو قريب، وهذا سؤال منهم عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم، لا اعتراض على حكم الله، بدليل أنهم لم يوبخوا عليه بل أجيبوا بقوله عز قوله «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء وزهدهم فيما يطلبون من البقاء بالدنيا وما يؤملون بالقعود عن القتال، وطلب التأخير إلى الأجل، ورغبهم فيما يتالون بالقتال من النعم، لأن ما يريدونه هو «مَتاعُ الدُّنْيا» وهو عند الله «قَلِيلٌ» تافه سريع الزوال لا قيمة له «وَالْآخِرَةُ» التي نريدها لهم ذات النعيم الدائم والخير الجزيل والأجر الكبير فهي «خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى» السوء في هذه الدنيا الفانية الزهيدة، فميلوا إليها لتوفوا ثوابكم كاملا «وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا» (77) من أعمالكم الصالحة فيها بل تضاعف لكم. ولما كان المنافقون لا يزالون يرددون قولهم في قتلى أحد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا كما مر في الآية 157 من آل عمران، أنزل الله جل شأنه ردا عليهم «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ» لا خلاص لكم منه إذا حل أجلكم وإذا كان الأمر كذلك فالقتل في سبيل الله أفضل من الموت على الفراش. قال علي كرم الله وجهه أن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء وقيل فيه:
إن موتا في ساعة الحرب خير
…
لك من عيش ذلة وخضوع