المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

ذكرنا في الآية 25 من سورة الأحزاب والآية 172 من آل عمران المارتين قال تعالى «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى» فيخالفه ويعاديه ويروغ عنه لئلا يجري عليه الحد، وذلك إن طعيمة إنما هرب خوفا من قطع يده فأماته الله شرّ ميتة كما مر آنفا «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» بإظهار الارتداد والشقاق وترك طريق المؤمنين ولم يسلم نفسه ويخضع للحد الشرعي ويطهر نفسه مما اقترفه «نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى» من طريق الضلال في هذه الدنيا «وَنُصْلِهِ» في الآخرة «جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً» (115) بسبب ارتداده عن الإسلام وعدم انقياده لأحكامه.

‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

يستدل من هذه الآية على أن إجماع المؤمنين حجة لا يجوز مخالفتها، لأن من لا يتبع سبيل المؤمنين فقد فارق الجماعة وصار هدفا لما هدد الله به في هذه الآية «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ» ونظيرتها في الآية 48 المارة وكررت بمناسبة قصة طعيمة المذكور لسابق علم الله بأنه يموت كافرا، والمغفرة في هذه الآية ونظيرتها عامة لا يخرجها عن عمومها قيد المشيئة ولا يصرفه إلى التائب فقط، إذ يجوز أن يغفر لغير التائب أيضا لأنه لا يسأل عما يفعل كما بيناه هناك، فهي على حد قوله تعالى (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) الآية 19 من سورة الشورى ج 2 وقوله تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) الآية 17 من المائدة (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) الآية 40 من المائدة (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) الآية 19 من المائدة الآتية، وهي مكررة ست مرات في القرآن، والآية 40 من آل عمران وهي مكررة أيضا بزيادة لفظ الجلالة والكل مزروق برزقه ومخلوق بخلقه ومفعول بفعله. قال علي كرم الله وجهه ما في القرآن آية أحب إلي من هذه «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً» (116) إذا مات على شركه والضلال البعيد يقابله عذاب غليظ. قال ابن عباس: جاء شيخ من الأعراب فقال يا نبي الله إني منهمك بالذنوب غير أني لم أشرك بالله منذ عرفته، وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أواقع المعاصي جرأة على الله، وما توهمت طرفة عين

ص: 607

أني أعجز الله هربا، وإني لقادم تائب مستغفر فما حالي عند الله؟ فأنزل الله هذه الآية. ولا ينافي هذا ما نحن بصدده إذ لا مانع من تعدد الأسباب، لأن الآية الواحدة قد تنزل لأسباب كثيرة، وقد يذكرها حضرة الرسول لمناسبة حادثة تنطبق عليها، وهذا لا يعني أنها نزلت ثانيا كما قاله بعض المفسرين، راجع تفسير الفاتحة تعلم أنه لا يوجد في القرآن سورة أو آية نزلت مرتين، وكان صلى الله عليه وسلم كما جرت على ذلك أصحابه وأتباعه حتى الآن- عند وقوع قضايا كهذه يتلو الآية المناسبة بالمقام المطابقة له، فيظنها من يسمعها منه أو يحضر الحادثة أنها نزلت في تلك وليس كذلك، ولهذا ترى المفسرين يعددون أسبابا كثيرة للنزول ولا يقطعون بواحد منها، والأجدر أن يكون سبب النزول للحادثة والواقعة فقط، ثم تكون جوابا لغيرها مما يماثلها، وقد توخيت في هذا الباب أقصى ما بالوسع، كما بذلت غاية الجهد في باب الناسخ والمنسوخ، والله الموفق ومنه الهداية وعليه الاعتماد وإليه المرجع ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذا الشيخ المار ذكره كان لسان حاله يقول نظر الله إليه:

وما كانت ذنوبي عن عناد

ولكن بالشقا حكم القضاء

قال تعالى: «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ» أي الإله العظيم أي ما يعبدون غيره، لأن كل من عبد شيئا فقد دعاه لحاجته. والمراد بهم أهل مكة الذين رجع إلى دينهم طعيمة المذكور «إِلَّا إِناثاً» كاللات والعزى ومناة «وَإِنْ يَدْعُونَ» أي وما يدعون «إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً» (117) خارجا عن الطاعة قد أغواهم على عبادة الأوثان. والمارد والمريد هو المتمرد العاتي الخارج عن الطاعة ويعبدون ويدعون بمعنى واحد، راجع الآية 50 من سورة مريم في ج 1 «لَعَنَهُ اللَّهُ» أي ذلك الملعون «وَقالَ» عدا تحريض الناس على الضلال «لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ» يا إله الكل «نَصِيباً مَفْرُوضاً» (118) معلوما وأقسم الخبيث أيضا فقال «وَلَأُضِلَّنَّهُمْ» عن طريق الهدى الذي أمرتهم باتباعه وأرسلت لهم الرسل لإرشادهم إليه «وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ» الأماني الباطلة بطول العمر وكثرة المال والأولاد والآمال الفارغة والتسويف بالتوبة «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ» يقطعن

ص: 608

«آذانَ الْأَنْعامِ» ففعلوها ولا زال الناس يقطعون الآذان ويبترون الأذناب ويسوفون ويؤملون ويتمنون ما لا يكون اتباعا لإغواء الملعون الذي برّ بقسمه راجع الآية 20 من سورة سبأ ج 2، ولم تكرر هذه اللفظة في القرآن كله «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» من حيث الصورة الظاهرة كالخصاء والوشم، أو الصفة كنتف الشعر ويسمى التنميص، والوشم وهو تحديد الأسنان وتدقيقها، ووصل الشعر وصبغه وكيه، والتخنث كحلق الشارب واللحية تشبها بالنساء، ودهن الوجه بما يغير لون بشرته بالكلية، وكل هذه العادات القبيحة سارية بازدياد لكل ما فيه تبديل الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقال (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الآية 3 من سورة الروم ج 2، وهي مكررة في الأنعام وغيرها أي أن هؤلاء المتبعين لوساوس الشيطان مهما عملوا من التغير للخلقة الأصلية لا يقدرون على تغييرها حقيقة، وإنما عملهم ذلك عبارة عن تبدلات ظاهرية موقتة بالصورة والصفة والهيئة فقط، لا تزيد على شهر ثم ترجع على حالتها الأولى، ثم يحددون ذلك دواليك، وذلك لأنهم اتخذوا الشيطان قدوة لهم فيما يزين لهم ويموه عليهم «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا» فيصغي لوساوسه ويطيعه «مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً» (119) في الدنيا والآخرة «يَعِدُهُمْ» الخبيث كذبا «وَيُمَنِّيهِمْ» بدسائسه ما لا ينالونه، وهذا كل أمانيه باطلة لأنها عبارة عن وعود خلابة لعقولهم «وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً» (120) في الدنيا، لأنه لا يقدر على إنجاز ما وعدهم فيها

«أُولئِكَ» المتخذون الشيطان وليا لهم، يكون «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً» (121) مفرا ولا معدلا. ولما ذكر الله تعالى وعيد الكافرين ناسب أن يعقبه بوعد المؤمنين فقال «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا» (122) لا أحد البنة وهو الآمر بالصدق الذي أرسل رسوله بالصدق. وأنزل كتابه بالصدق وأمر عباده بالصدق فياويل الكاذبين. واعلم أن هؤلاء الذين وعدهم الله بالجنة وأولئك الذين أوعدهم بالنار «لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ» أي ما تقدرونه بالكذب أيها المشركون

ص: 609

الظانون أن الأصنام تشفع لكم وأن الملائكة تقيكم من عذاب الله تعالى، «وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ» الزاعمين أنهم لا يعذبون إلا أياما معدودات، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة لا يدخلها غيرهم كذبا، لأن أعمالهم سيئة لا تؤهلهم لدخولها، قبيحة تبعدهم عنها، وإن رسلنا موسى وعيسى سيتبرءون من أعمالهم لمخالفتهم تعاليمها ووصاياهم وما ركبوه من أعمال سيئة. وقال تعالى «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ» بحسبه «وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» (123) وهذه الآية عامة وإن كانت واردة بمعرض من ذكر فيدخل في عمومها كل من يقترف السوء ويموت مصرا عليه، وكذلك قوله تعالى «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ» عام أيضا يشمل كل عامل خيرا إذا مات عليه فاختاروا أيها الناس أي الأمرين تريدون ولما سمع أهل الكتاب ظاهر الآية الأولى قالوا نحن وأنتم سواء، لأن غير المؤمن لا ينفعه عمله الصالح في الآخرة بل يكافيه عليه بالدنيا، فأنزل الله هذه الآية بإثبات لفظ المؤمن «فَأُولئِكَ» فاعلو الصلاح وهم مؤمنون «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» بما أسلفوه من العمل الصالح وبفضل الله «وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً» (124) فلا ينقص ثوابهم بقدر النقرة التي بظهر النواة ولا أقل منها، وهذه الكلمة تجيء مجيء ضرب المثل بعدم النقص بتاتا قال تعالى «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» وهذا أحد الأمرين المبني.

عليهما الإسلام وهما الاعتقاد المذكور في صدر الآية والعمل المشار إليه بقوله في عجزها «وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» وذلك لأن شريعته داخلة في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» (125) صفيا، كما اتخذ محمدا حبيبا. روى مسلم عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خير البرية، فقال صلى الله عليه وسلم ذلك ابراهيم خليل الله. وهذا تواضعا منه صلى الله عليه وسلم وهضما لنفسه، وإلا فهو لا شك خير البرية على الإطلاق «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً» (126) فكل شيء تحت قبضته. وإنما قال محيطا لأنه جل شأنه لما دعا عباده في الآيات المتقدمة إلى طاعته بين لهم في هذه سعة ملكه ترغيبا لخلقه.

ص: 610