الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ 151»
كما أتممت عليكم النعمة بالإسلام والقبلة أتممتها عليكم بأن جعلت رسولكم منكم لأن خير الأمم من كان أميرها منها لأنها لا تذل بحكمه بخلاف المتسلط عليها من غيرها فقيه الهوان والصغار «فَاذْكُرُونِي» أيها الناس «أَذْكُرْكُمْ» عند مهماتكم وإفزاعكم ولا تغقلوا عن ذكري ومجدّوني دائما وعظموني لذاتي أحفظكم وأزدكم.
مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. وهذا من أحاديث الصفات التي جعل السلف الصالح تأويلها ظاهر لفظها، وأوله الخلف بأن المراد بالقرب القرب من رحمته وألطافه وبره وكرمه بإحسانه ومواهبه، وكلما ازداد العبد بما يقربه منه من أعمال الخير زاده الله تعالى من ذلك، لأن القصد من الشبر والباع والذراع والهرولة والمشي والقرب استعارة ومجاز، إذ يستحيل إرادة ظاهرها على الله تعالى، لأنه منزه عما هو من شأن خلقه. وقد أوضحنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 30 من سورة ق والآية 4 من سورة طه في ج 1 والآية 178 من سورة الأنعام والآية 65 من سورة الزمر في ج 2 فراجعها وما ترشدك إليه من المواقع. ورويا عنه: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه. ورويا عن أبي موسى الأشعري: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر، كمثل الحي والميت. وروى مسلم عن أبي هريرة قال: سبق المفردون، قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. أي الذين ذهب القرن الذي كانوا فيه وبقوا فيه وحدهم، أو الهرمى الذين ذهب أقرانهم من الناس وبقوا وحدهم يذكرون الله تعالى.
ولهذا جاء في تأويل المفرّدين بأنهم هم الذين اهتزّوا في ذكر الله والذين تفقهوا واعتزلوا الناس والذين اختلوا بمراعاة الأمر والنهي. ثم أردف الذكر بطلب الشكر
فقال جل قوله «وَاشْكُرُوا لِي» أيها الناس على ما غمرتكم به من النعم «وَلا تَكْفُرُونِ 152» بجحود شيء من نعمي عليكم فتحرموها. قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) الآية 7 من سورة إبراهيم في ج 2، وقال صلى الله عليه وسلم: اشكروا النعم لا تكفروها فإنها إن زالت فهيهات أن تعود. فاحفظوها عباد الله بدوام شكرها لئلا تسلب منكم وتقطع عنكم ولا أشد على المرء من زوال النعم بعد أن اعتادها، حفظنا الله ووقانا وإلى شكره هدانا، ومن زوال نعمه حمانا. واعلم أيها العاقل أنه كما يجب شكر الله على نعمه يجب شكر خلقه على نعمهم عليك، قال صلى الله عليه وسلم: أشكركم للناس أشكركم لله.
وأن تخص بالشكر والديك على نعمة التربية، قال تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) الآية 13 من سورة لقمان ج 2 وقال تعالى (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) الآية 23 من سورة الإسراء ج 1، وقد أسهبنا البحث في هاتين الآيتين في بحث الشكر فراجعهما. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 153» بالمعونة والثبات والنصر والأعمال والمطالب والنيّات وكل ما تعذرت به الحقيقة من آيات الصفات وأحاديثها وشبهها يصار فيها حتما إلى المجاز لأن هذه المعية لا يعلمها غيره تعالى، ونؤوّلها بالمعونة منه على عباده ومساعدتهم على أمورهم والقيام بحقوقهم، ولما صارت واقعة بدر في 27 رمضان السنة الثانية من الهجرة واستشهد فيها ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار قال المنافقون ماتوا وذهب عنهم نعيم الدنيا ولذّتها، فأنزل الله جل جلاله «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ» قولوا «أَحْياءٌ» حياة طيبة أحسن من حياتكم أيها الناس، لأنهم لا يزالون وإلى الأبد يذكرون بأنهم استشهدوا في طاعة الله ورسوله لإعلاء كلمة الله والذب عن أوطانهم وأعراضهم وإظهارا لأمر رسولهم على أعدائهم، وإنما نهى الله تعالى عن القول بأنهم أموات لئلا يتساووا في هذا الاسم مع غيرهم الذين قتلوا في سبيل الشيطان وعداوة أهل الإيمان، لأنهم لا يذكرون إلا بالشر، فهؤلاء أموات مادة ومعنى وإن كانوا أحياء، وأولئك أحياء مادة ومعنى وإن كانوا أمواتا، وحياتهم بعد الاستشهاد كناية عن بقاء