الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدم طاعتهم لرسلهم، والسبب في ذلك «بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسوله «وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» عدوانا «ذلِكَ» الكفر والقتل «بِما عَصَوْا» أوامر الله «وَكانُوا يَعْتَدُونَ 61» حدوده من قبل ويتجاوزونها. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وهم المنافقون «وَالَّذِينَ هادُوا» سموا يهودا لقولهم (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) راجع الآية 155 من الأعراف في ج 1 «وَالنَّصارى» قوم عيسى عليه السلام سموا نصارى لأنهم من قرية الناصرة في فلسطين «وَالصَّابِئِينَ» الخارجين عن دين إلى غيره، لأنهم عدلوا عن اليهودية والنّصرانية وعبدوا الكواكب لزعمهم أن الله تعالى خلقها مدبرة لأمر هذا العالم، ولذلك يعظمونها، فهؤلاء «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» منهم إيمانا خالصا قلبا ولسانا، وآمنوا برسوله وكتابه كذلك إيمانا حقيقا «وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» البعث بعد الموت، والعقاب والثواب، والجنة والنار بعد الحساب «وَعَمِلَ صالِحاً» مع إيمانه بما تقدم «فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» في الآخرة يثيبهم عليها من فضله «وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» من أهوالهما وعذابها «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62» على ما فاتهم في الدنيا، لأنهم عرضوا خيرا منها.
ونظير هذه الآية الآية 69 من سورة المائدة الآتية.
مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:
قال تعالى «وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ» يا معشر اليهود وأعطيتمونا العهد على العمل بالتوراة، فنكثتم ونقضتم، ولما لم تمثلوا أمر رسولكم باتباع ما فيها وهددناكم بالعذاب الأخروي ولم تفعلوا، ولهذا فإنا سننزل بكم العذاب الدنيوي العاجل «وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ» حتى إذا لم تفعلوا بها أطبقناه عليكم، وها هو ذا فوقكم كالظلة «خُذُوا ما آتَيْناكُمْ» فيها واعملوا به «بِقُوَّةٍ» جد وعزيمة انقيادا لقوتنا البالغة «وَاذْكُرُوا» اقرأوا وادرسوا واحفظوا «ما فِيهِ» من الأحكام والحدود والأوامر والنواهي، ولا تنسوا شيئا منها «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 63» سقوط جبل الطور عليكم. فلما رأوه لا محالة واقعا بهم سجدوا وقبلوا الأخذ بما فيها، وصاروا يرمقون الجبل من طرف أعينهم وهم سجود خشية
هبوطه عليهم، ولذلك يسجدون حتى الآن على أنصاف وجوههم، زاعمين أنه إنما رفع عنهم هبوط الجبل بمثله. قال تعالى «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» الميثاق الذي أخذ منكم قهرا على القبول بأحكام التوراة وحدودها أعرضتم عن قبول ما فيها وأدبرتم وتركتم العمل بها، ولم تخشوا أن بوقع بكم ما رفعه عنكم أو ينزل بكم ما هو أعظم «فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» بكم بتأخير العذاب وإمهالكم للتوبة «لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» (64) بذهاب دينكم ودنياكم لأنكم غبنتم بضياع دنياكم سدى وسببتم لأنفسكم عذاب الآخرة اختيارا ورضاء. قال تعالى «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ» إذ جاوزوا حدود الله فيه لإقدامهم على ما نهوا عنه فيه احتيالا على الله وخلافا لأمره «فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» (65) مبعدين مطرودين من رحمة الله، فكانوا، وحولت صورهم البديعة الإنسانية إلى صور قبيحة حيوانية، «فَجَعَلْناها» أي الفعلة التي أوقعناها بهم «نَكالًا» عقوبة عظيمة وعبرة مؤثرة وعظمة بليغة «لِما بَيْنَ يَدَيْها» الذين حضروها منهم «وَما خَلْفَها» الذين يأتون بعدها من الأمم بتكرر السنين، إذ ينقلها السلف بصورة مستمرة إلى الخلف جيلا بعد جيل «وَمَوْعِظَةً» جعلناها «لِلْمُتَّقِينَ» (66) يتذكرون بها لأنها من أيام الله في عباده ومواقعه في بلاده، ويذكرون غيرهم بها ليعلموا كيفية فعلنا بهم.
وخلاصة هذه القصة أن الله حرم على اليهود صيد السمك يوم السبت، وقد ابتلاهم بأن ألهم السمك ذلك فصاروا يظهرون فيه عاثمين على وجه الماء، كما أخبر الله عنهم في الآية 162 من الأعراف في ج 1، فسؤلت لهم أنفسهم أن حفروا حياضا كبارا قرب الشاطى، وشرعوا لها من البحر جداول يجري فيها الماء إليها فيفتحونها يوم الجمعة، ويبقونها حتى صباح الأحد، فيتسرب السمك إليها فيسدونها عليه من جهة البحر، فيبقى السمك عاثما فيها لا يستطيع الرجوع إلى البحر، وإذا هرب إلى البرّ مات، فيضطر للبقاء في الحياض، فيأتون ويأخذونه دون كلفة، وبهذه الصورة احتالوا على صيده، وذلك في زمن داود عليه السلام، واستمروا على ذلك مدة، ولما رأوا أن الله لم يعاقبهم قالوا قد أحل لنا العمل في السبت،