المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

وعلى الأول يكون في الآية الحذف من الأول بدلالة الثاني أي وجود المحذوف فيه وهو كلمة (أَذاعُوا بِهِ) وهذا الخوف من محسنات البديع في الكلام، وقد يكون على العكس كما في الآية 30 من آل عمران المارة، وشاهد الأول قوله:

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف

وقوله:

رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريا ومن أجل الهوى رماني

وشاهد الآخر قوله:

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنّي وقيار بها لغريب

«وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» ببعثه هذا الرسول إليكم وإنزال هذا القرآن عليكم بواسطته ولطفه بكم، وتوفيقه وهدايته لكم أيها الناس «لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا» (83) ممن أوتي عقلا سليما وتؤدة كاملة.

‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

قال تعالى «فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يا رسولي «لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ» والله ناصرك ومؤيدك ولو كنت وحدك «وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ» على القتال معك جهادا في سبيلي، ولا تقسرهم وتعنفهم عليه فمن شاء فليقاتل معك من تلقاء نفسه، ومن شاء فليتخلّف حتى يكون رائدهم عن طيب قلب وخلوص نية ورغبة في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وخذلان أعدائه. وهذه الآية تشير إلى ما ذكرناه في الآية 173 من آل عمران المارة من أن أبا سفيان عند انصرافه من وقعة أحد واعد النبي صلى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى كما أوضحناه هناك. وسبب كراهة بعض أصحاب الرسول الخروج معه إلى بدر الصغرى هو ما ألقاه في قلوبهم رسول أبي سفيان نعيم بن مسعود الأشجعي من الأراجيف التي ذكرناها هناك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجنّ لهم ولو وحدي. فتبعه الشجاع وتخلف الجبان وعادوا رابحين دون أن يقع قتال لتخلف أبي سفيان وقومه عن الميعاد، وقد أشار الله لهذه الحادثة في هذه الآية الكريمة بقوله جل قوله «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ

ص: 585

بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا»

بأن يدفع بطشهم وشدتهم، وقد فعل حيث ألقى في قلوبهم الرعب، ورجعوا من الطريق «وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً» منهم وأعظم صولة وأكبر جولة «وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا» (84) عذابا وعقوبة من غيره. قال تعالى «مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها» حظ وافر له منها في الدنيا من ثناء الناس عليه وضرب المثل به، وفي الآخرة الثواب العظيم والأمر الجسيم عند الله «وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها» نصيب مضاعف وهو مذمة الناس عليها في الدنيا، وضرب المثل بسوء فعله، وفي الآخرة عقاب الله وعذابه. وهذه الآية لها ارتباط بما قبلها بان يكون صدرها عائد لحضرة الرسول من أجل تحريض قومه على الجهاد، لأن له فيه حظا وافرا لما فيه من سعادة قومه ورضاء الله وعجزها لرسول أبي سفيان لما في كلماته التي فاه بها بين أصحاب الرسول المبينة في الآية المذكورة من آل عمران من الوزر العظيم له عند الله والغضب من حضرة الرسول وأصحابه في الدنيا. وهي عامة المعنى لتصدرها بمن الدالة على العموم «وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً» (85) مقتدرا من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه، قال الشاعر:

وذي ضغن كففت الشر عنه

وكنت على إساءته مقيتا

أي مقتدرا. وإن الله القادر على كل شيء المكافي على كل شيء سيجازي شفيع الخير خيرا وأجرا وشفيع الشر وزرا وشرا. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء رجل ليسأل فأقبل علينا بوجهه وقال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء. ومن هنا شرع الرجاء بالحق وفيما كل ما لا يوجب ضرر الغير، وإن الرجل يحاسب على جاهه كما يحاسب على ماله، وكما أن البخل بالمال مذموم فالبخل بالجاه مذموم بل البخل بالجاه ادعى للمذمتة من البخل بالمال، قال في هذا القائل:

لعمرك ان البخل بالمال شنعة

وبخلك بين الناس بالجاه أشنع

فأحسن إذا أوتيت جاها فإنه

سحابة صيف عن قليل تقشع

وكن شافعا ما كنت في الدهر قادرا

فخير زمان المرء ما فيه يشفع

ص: 586

ولا شك أن الشفاعة تكون بالأمور المعقدة ولمن لا يؤبه بهم أكثر من غيرهم أجرا عند الله تعالى. وعلى كل فعلى العاقل أن يستعين بعد الله تعالى على قضاء حاجته بخيار الناس لأنهم يقدرونها قدرها ولله در القائل:

لله درّ النائبات فإنها

صدأ اللئام وصيقل الأحرار

وقد قال صلى الله عليه وسلم أبلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغها، فمن أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، والمراد بالسلطان كل من يقدر على قضاء الحاجة من موظفي الدولة مهما كانت رتبته ولا سيما إذا كان المحتاج من أهل العلم فيجب إكرامه بقضاء حاجته أكثر من غيره لئلا تجهل الرعية حقه، وإذا أكرم العالم صفا ذهنه فزاد النفع به. وعلى من وجد مظلوما أن يأخذ بيده ويقضي حاجته ما استطاع عسى الله أن يقضي حوائجه في الآخرة على أن يكون الاعتماد بقضاء الحاجة على الله مهما كان الوسيط كبيرا، قال:

واشدد يديك بحبل الله معتصما

فإنه الركن إن خانتك أركان

من يتق الله يحمد في عواقبه

ويكفه شرّ من عزّوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب

فإن ناصره عجز وخذلان

قال تعالى: «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا» أيها الناس من حياكم «بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» بنفسها بلا زيادة ولا يكون لكم فضل عليه لأنها بمقابلة تحيته والفضل للبادئ لأنه لو لم يبدأكم بالتحية فليس عليه غير العتاب، أما الذي لا يردها بتاتا فإنه يأثم لأن البدء بالتحية سنة والرد واجب. ومن يردّ بأقل مما بدىء به يأثم أيضا لمخالفته نص الآية، تدبر واعمل بما يرضي الله. «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» (86) فلأن يحاسب العبد على هذا من باب أولى. واعلم أن التحية ما يحيي بها الرجل صاحبه وقد بدل الإسلام ألفاظ تحايا الجاهلية كحياك الله وبياك وأنعم صباحا ومساء، وأطال الله بقاك، بالسلام الذي هو تحية الإسلام وأهل الجنة كما المعنا إليه في الآية 199 من آل عمران المارة لأن طول الحياة بلا سلام من الآفات مذمومة وإنعام الصباح والمساء بلا أمان منغصة، فلرب حياة الموت خير منها وفيه قال:

ص: 587

ألا موت يباع فأشتريه

فهذا العيش مما لا خير فيه

ألا رحم المهيمن نفس حر

تصدق بالممات على أخيه

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله آدم قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذرّيتك فقال السلام عليكم. فقالوا عليك السلام ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، وإنما بدلت تحايا الجاهلية المعتادة عندهم بالسلام لأن معناه السلامة والأمان فهو أتم وأحسن وأكمل من ذلك كله، فإذا قال لك أخوك السلام عليك ورحمة الله فزد أنت وبركاته ليكون ردك أحسن من سلامه، وإذا حياك بالصيغة كلها فردها بمثلها روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. وروى مسلم عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم. وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة قال أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام.

وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام. هذا ويستحب أن يقول السلام عليكم سواء كان المسلم عليه واحدا أو جماعة، وأن يزيد المجيب فيقول وعليكم السلام ورحمة الله، ويرفع كل منهما صوته بحيث يسمع صاحبه، ولا يزيد على وبركاته شيئا، لأن كمال صيغة السلام تنتهي بها، وأن لا يؤخر الردّ، بل يجيبه فورا. وسنة السلام وواجبه على الكفاية إذا قام بها واحد سقط عن الآخرين وإلّا عوتبوا جميعا وأثموا. وكذلك تشميت العاطس سنة كفاية إذا سمع قوله الحمد لله وإلا فليس على السّامع تشميته. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير وفي رواية والصغير على الكبير، والمار على القاعد. وهذه آداب السلام، ومنها ما روي عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس لله عز وجل من بدأهم بالسّلام- أخرجه أبو داود- وما رواه أنس أنه مر على صبيان

ص: 588

فسلم عليهم، قال وكان صلى الله عليه وسلم يفعله- أخرجاه في الصحيحين- ويجوز السلام على النساء إذا لم يخش المسلم فتنة أو تهمة، لما روي عن أسماء بنت يزيد قالت مرّ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا- أخرجه أبو داود- والمرأة الشابة الأجنبية لها أن لا ترد السلام على من سلّم عليها لأنه لا يستحق الردّ لما ذكرنا من خشية الفتنة أو التهمة، هذا إذا كانت وحدها أما إذا كانت في جماعة من النساء فلا بأس بالرد كما لابأس بالسلام لنفي الريبة والشك، أما العجوز ففي الحالتين تردّ السلام، والنساء يسلمن بعضهن على بعض فرادى وجماعات على الترتيب الجاري بين الرجال، ولا يسلّم على قارئ ونائم ومتوضئ وخطيب ومن يسمع الخطبة ومن يصغي لتلاوة القرآن ومن يطالع الفقه أو يدرسه والقاضي إذا كان على كرسيّه والمصلي والمؤذن ومقيم الصلاة احتراما لما يفعلون لأنه يؤدي إلى قطع ما هم فيه، ولذلك إذا لم يردّوا السلام فلا اثم عليهم، ولا يسلم على لاعب النرد والشطرنج وسائر الملاهي الممنوعة شرعا وكل متلبّس بمعصية أو قائم بشيء مكروه كالمغني والراقصة وملاعب الحمام ومن يدقّ بالعود والربابة وشبهها، ولا يسلم على كاشف عورته لأن السلام عليه يقتضي النظر إليه وهو حرام فضلا عن أنه فاسق والفساق على اختلافهم لا يسلم عليهم إذا علم فسقهم إهانة لهم، ولا يسلم على من يأكل ويشرب لئلا يسبب له الغصة، ولا على جالس لحاجته، ومن هو في الحمام ومن هو مشهور بالبدع والظلم، وإن لم يطلع عليهم هو انا بهم، ويسلم على النصارى واليهود ويرد عليهم إذا سلموا عليه، روي عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود فسلم عليهم، ولما جاء في الحديث الصحيح لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأن لنا بعضنا على بعض السلام، ولهم كذلك ويبدأ الأعمى بالسلام مطلقا لأنه معذور، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ترك السلام على الأعمى خيانة، أي في حقه الإسلامي. قال تعالى «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً» (87) هذا استفهام بمعنى النفي، أي لا أحد أصدق من الله، وقد أقسم جل قسمه في هذه الآية لمنكري البعث أنه جامعهم في ذلك اليوم الذي يجحدونه، ألا فليحذروا من

ص: 589

الإصرار على إنكاره وليبادروا للتوبة والاستغفار قبل حلوله، قال تعالى «فَما لَكُمْ» أيها الناس المؤمنون اختلفتم «فِي الْمُنافِقِينَ» وتفرقت كلمتكم في كفرهم بعد أن أعلنوا نفاقهم حتى صرتم من أجلهم «فِئَتَيْنِ» نزلت هذه الآية في أناس من قريش قدموا المدينة وأسلموا، ثم ندموا على إسلامهم فخرجوا من المدينة كهيئة المتنزهين، فلما بعدوا عنها كتبوا إلى رسول الله إنا على الذي فارقناك عليه من الإيمان، ولكنا اجترينا المدينة أي كرهناها واشتقنا إلى أرضنا، ثم أنهم خرجوا في تجارة إلى الشام

فبلغ ذلك المسلمين فقال بعضهم نخرج إليهم ونقتلهم، وقال بعضهم كيف نقتلهم وقد أسلموا وكان رسول الله ساكنا يسمع كلامهم ولا ينهي أحدا منهم، فبين الله لهم حالتهم، أي لم صرتم فريقين في القول بكفرهم «وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ» ردّهم إلى حكم الكفار لاختيارهم دار الكفر على دار الإيمان وصحة الكفرة وتكثير سوادهم على صحبة الرسول وأصحابه، ولذلك غصّهم بالكفر وهذا هو معنى الإركاس «بِما كَسَبُوا» بسبب إظهارهم الارتداد بين قومهم سرا وعلنا واتصافهم بالإسلام ظاهرا مع إبطان الكفر، لأن من يبطن الكفر ويظهر الإسلام أشد ضررا على المسلمين من معاني الكفر، لأنه كفر وغش وخداع وإنما أولنا اركس بمعنى ردّ بناء على ما رواه الضحاك عن ابن عباس، واستدل عليه بقول أمية بن الصلت:

فاركسوا في جحيم النار انهموا

كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا

وأخرج ابن جرير عن السّدي انها بمعنى أضل، واستدل عليها بقول الراجز:

واركستني عن طريق الهدى

وصيّرتني مثلا للعدى

وقيل بمعنى نكس والموافق لمعنى الآية والبيت الأول انها بمعنى أغطس. قال تعالى «أَتُرِيدُونَ» أيها المؤمنون القائلون بإيمانهم «أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ» قال لا تقدرون على هدايته أبدا «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا» (88) لهدايته البتة، وهذه الآية مكررة كثيرا في القرآن في المكي والمدني معنى ولفظا ثم زادهم الله بيانا بحالهم فقال «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» مثلهم في الكفر. ثم حذرهم منهم بقوله «فَلا تَتَّخِذُوا

ص: 590