المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه: - بيان المعاني - جـ ٥

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس]

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌تفسير سورة البقرة عدد 1- 87 و 2

- ‌مطلب الإيمان يزيد وينقص وحال المنافقين وفضيحتهم وأفعالهم:

- ‌مطلب في المثل لماذا يضرب وما هو الرعد والبرق وضمير مثله:

- ‌مطلب في ثمار الجنة ونسائها وأهلها وضرب المثل والعهود التي أخذها الله على خلقه:

- ‌مطلب في المخترعات الحديثة والتحليل والتحريم وبحث في الخلق وقصة الجنّ ومغزى اعتراضهم:

- ‌مطلب تفضيل الرسل على الملائكة وامتناع إبليس عن السجود وكونه ليس من الملائكة:

- ‌مطلب إغواء إبليس لآدم وحواء وخروجهما من الجنة وإسكانهما الأرض:

- ‌مطلب في العقل ومعناه وأحاديث ومواعظ في الصبر والتقوى وغيرهما والصلاة وما خوطب به بنو إسرائيل:

- ‌مطلب خروج بني إسرائيل من مصر وأخذهم ضريح يوسف وإنجائهم وإغراق فرعون والميقات الأول:

- ‌مطلب في الشكر وتوبة بني إسرائيل والميقات الثاني:

- ‌مطلب في التيه والمنّ والسلوى ومخالفتهم أمر الله ثانيا:

- ‌مطلب رفع الطور على بني إسرائيل وكيفية مسخهم قودة وخنازير:

- ‌مطلب ما قاله الإمام المراغي وقصة البقرة وإحياء الميت:

- ‌مطلب مثالب بني إسرائيل وتحويفهم كلام الله ونقضهم عهوده:

- ‌مطلب حرص اليهود على الدنيا وعداوتهم لجبريل عليه السلام وابن حوريا وعمر بن الخطاب وقوة إيمانه:

- ‌مطلب في السحرة وهاروت وماروت والحكم الشرعي في السحر والساحر وتعلمه وتعليمه والعمل به:

- ‌مطلب في النسخ وأسبابه وأنه لا يكون إلا بمثله أو خير منه:

- ‌مطلب الاختلاف في سبب نزول الآية 108 وتفنيد الأقوال فيها ومجهولية الفاعل:

- ‌مطلب مناظرة اليهود والنصارى، ولغز في ذلك:

- ‌مطلب فيما ابتلى به إبراهيم ربه والكلمات التي علمها له وبناء الكعبة وغيرها:

- ‌مطلب وصية يعقوب وبقية قصة إسماعيل عليهما السلام:

- ‌مطلب بناء البيت وحدوده من جهاته وتحريمه واحترام ما فيه وبدء بنائه:

- ‌مطلب كيفية الإيمان والإسلام والمعمودية ومن سنها وتحويل القبلة وأن الشهادة قد تكون بلا مشاهدة ومنها شهادة خزيمة:

- ‌مطلب آيات الصفات والشكر على النعم والذكر مفرد أو جماعة وثواب الشهيد:

- ‌مطلب في الصبر وثوابه وما يقوله المصاب عند المصيبة:

- ‌مطلب في السعي وأدلة السمعية والحكم الشرعي فيه وكتم العلم:

- ‌مطلب الدلائل العشر المحتوية عليها الآية 164 من هذه السورة:

- ‌مطلب في الأكل وأحكامه وأكل الميتة والدم وغيرهما من المحرمات:

- ‌مطلب أنواع البرّ والقصاص وما يتعلق بهما:

- ‌مطلب في الوصايا ومن يوصى له ومن لا وما على الوصي والموصى له والموصي:

- ‌مطلب في الصوم وفرضيته والأعذار الموجبة للفطو والكفارة وإثبات الهلال وإنزال الكتب السماوية:

- ‌مطلب الدعاء وشروطه والجمع بين الآيات الثلاث فيه وشروط الإجابة:

- ‌مطلب أخذ أموال الناس باطلا والقضاء لا يحلل ولا يحرم ومعنى الأهلة وما كان في الجاهلية وأنه القتال الأولى:

- ‌مطلب المقابلة بالمثل وفضل العفو والإنفاق في سبيل الله والإحسان:

- ‌مطلب في المحافظة على الأدب في الحج ولزوم التقوى فيه وجواز البيع والشراء في الموسم ودوام ذكر الله تعالى:

- ‌مطلب مقتل زيد بن الدثنة وخبيب الأنصاري وإظهار حبهم لحضرة الرسول والصلاة عند القتل وقصة صهيب:

- ‌مطلب لا يصح نزول الآية في عبد الله بن سلام وبحث قيم في آيات الصفات وأن المزين في الحقيقة هو الله تعالى:

- ‌مطلب الأنبياء والرسل المتفق عليهم والمختلف فيهم ورسالتهم وعددهم وعدد الكتب المنزلة عليهم:

- ‌مطلب في الإنفاق والجهاد وفوائدهما وما يترتب على القعود عنهما من البلاء:

- ‌مطلب في الخمر والميسر ومخالطة اليتامى والنظر إليهم وبحث في النفقة أيضا وحفظ بيت المال

- ‌مطلب في الحيض والنفاس وما يجوز معهما وما يمتنع وكفارة من يقرب الحائض وفي الإتيان في الدبر:

- ‌مطلب في الأيمان وكفّارتها والإيلاء والطلاق والعدة وكلمات من الأضداد وما يتعلق بحقوق الزوجين:

- ‌كراهة الطلاق وجواز الخلع على مال وحرمة أخذه إن كان لا يريدها ووقوع الطلاق الثلاث:

- ‌مطلب في الرضاع وعدة الوفاة والطلاق وما يجب فيهما ونفقة الأولاد والمعتدات:

- ‌مطلب قصة ذي الكفل ونادرة السلطان سليم وقصة أشمويل عليه السلام:

- ‌مطلب في التابوت ومسيرهم للجهاد ومخالفتهم توصية نبيهم بالشرب من النهر وقتل جالوت وتولية داود عليه السلام:

- ‌مطلب التفاضل بين الأنبياء واختصاص كل منهم بشيء وتفضيل محمد على الجميع وإعطائه ما أعطاهم كلهم من المعجزات:

- ‌مطلب عظمة العرش والكرسي وأفضل آية في القرآن والأحاديث الواردة في ذلك والإكراه في الدين:

- ‌مطلب محاججة النمروذ مع إبراهيم عليه السلام وقصة عزير عليه السلام وسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى وجوابه عليها:

- ‌مطلب في الصدقة الخالصة والتوبة وما يتعلق بهما وبيان أجرها وعكسه:

- ‌مطلب أدل آية على فرض الزكاة ومعنى الحكمة والحكم الشرعي في الزكاة والنذر:

- ‌مطلب الهداية من الله، وفضل إخفاء وإعلان الصدقة، والربا وما يتعلق به والحكم الشرعي فيه:

- ‌مطلب فائدة انظار المعسر وتحذير الموسر عن المماطلة بالأداء وأجر العافي عن الدين والتوبة عن الربا وآخر آية نزلت فيه:

- ‌مطلب في الكتابة والشهادة على الدين وتحذير الكاتب والشاهد من الإضرار بأحد المتعاقدين وحجر القاصر ومن هو بحكمه:

- ‌مطلب المحاسبة غير المعاقبة ومعنى الخطأ والنسيان والهمّ والطاقة والإصر وغيرهما:

- ‌تفسير سورة الأنفال عدد 2 و 98 و 8

- ‌تفسير سورة آل عمران عدد 3 و 89 و 3

- ‌مطلب في وفد نجران ومناظرته مع حضرة الرسول، وبيان المحكم والمتشابه في القرآن العظيم:

- ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

- ‌مطلب في معنى الحساب وعلامة رضاء الله على خلقه وموالاة الكفرة وتهديد من يواليهم أو يحبتهم:

- ‌مطلب من معجزات القرآن تماثيل الأعمال كالسينما وفي طاعة الله ورسوله التي لا تقبل الأولى إلا مع الثانية وهناك من الأمثال ما يقاربها:

- ‌مطلب ولادة مريم من حنة وتزويج زكريا من إيشاع وقصتهما وما يتعلق فيهما:

- ‌مطلب في الاصطفاء، ومن كمل من النساء، وما احتوت عليه هذه الآيات وما يتعلق بها:

- ‌مطلب معجزات عيسى عليه السلام وقصة رفعه إلى السماء وعمل حوارييه من بعده:

- ‌مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم

- ‌مطلب في الحلف الكاذب والمانّ بما أعطى والمسبل إزاره وخلف الوعد ونقض العهد:

- ‌مطلب وقت قبول التوبة وعدم قبولها. ومعنى البر والإثم. والتصديق بالطيب. والوقف الذري. وتبدل الأحكام بتبدل الأزمان:

- ‌مطلب في البيت الحوام والبيت المقدس وفرض الحج وسقوطه وتاريخ فرضه والزكاة والصوم والصلاة أيضا:

- ‌مطلب فتن اليهود وإلقائها بين المسلمين وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرسول وألفتهم:

- ‌مطلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع والفرقة وكون هذه الأمة خير الأهم ومعنى كان والتذكير والتأنيث:

- ‌مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:

- ‌مطلب من أمي قديم، إلى حزن حادث وفي الربا ومفاسده. ووجود الجنة والنار والأوراق النقدية:

- ‌مطلب في التقوى وكظم الغيظ والعفو والإحسان، ومكارم الأخلاق والتنزه عن مذامتها:

- ‌مطلب الأيام دول بين الناس، وكون الجهاد لا يقرب الأجل، وكذب المنافقين، واللغات التي تجوز في كأين:

- ‌مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب:

- ‌مطلب في حياة الشهداء، وخلق الجنة والنار، وقصة أهل بنو معونة، وما قاله معبد الخزاعي:

- ‌مطلب غزوة حمراء الأسد، وبدر الصغرى، وأحاديث في فضل الجهاد والرباط:

- ‌مطلب في الزكاة وعقاب تاركها، وتحذير العلماء من عدم قيامهم بعلمهم، وحقيقة النفس:

- ‌مطلب إخبار الله تعالى عما يقع على المؤمنين وقتل كعب بن الأشرف والاعتبار والتفكر والذكر وفضلهما وصلاة المريض:

- ‌مطلب فيما وقع للنجاشي مع أصحاب رسول الله ووفد قريش. ومأخذ قانون عدم تسليم المجرمين السياسيين. والصلاة على الغائب:

- ‌تفسير سورة الأحزاب عدد 4- 90 و 33

- ‌مطلب في غزوة الخندق وما سلط فيها على الأحزاب وهزيمتهم

- ‌مطلب لا يسمى ما وقع من حضرة الرسول وما في بعض آيات القرآن شعرا لفقد شروطه وقصة بني قريظة:

- ‌مطلب في تخيير المرأة ونساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتبرج النساء وتسترهن

- ‌مطلب زواج حضرة الرسول بمطلقة زيد، وكونه خاتم الأنبياء، والطلاق قبل الدخول:

- ‌مطلب منع النبي من الزواج والطلاق ورؤية المخطوبة وجواز الرؤية للمرأة في تسع مواضع وما أحدث في زماننا:

- ‌مطلب كيفية الصلاة على النبي، وهل يجوز إطلاقها على غيره، والذين لعنهم الله ومن يؤذي أولياءه:

- ‌مطلب تفطية وجه المرأة، والنهي عن نقل القول، وما اتهم به موسى من قومه والأمانة:

- ‌تفسير سورة الممتحنة عدد 5- 91 و 60

- ‌مطلب الاخبار بالغيب في كتاب حاطب لأهل هكة ونصيحة الله للمؤمنين في ذلك:

- ‌مطلب من جحد عهد الحديبية وما يتعلق بالنسخ ونص المعاهدة وما وقع فيها من المعجزات:

- ‌تفسير سورة النساء عدد 6 و 92 و 4

- ‌مطلب في أخلاق الجاهلية وفوائد السلطان للبلاد والعباد. وأكل مال اليتيم:

- ‌مطلب في الوصايا وأموال الأيتام وحفظها وتنميتها ورخصة الأكل منها للمحتاج:

- ‌مطلب حد الزنى واللواطة. وأصول التشريع. والمراد بالنسخ. وإيمان اليأس والتوبة:

- ‌مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

- ‌مطلب أكل المال بالباطل وجواز البيع بالتراضي ومن يقتل نفسه وكبائر الذنوب وصغائرها وما يتعلق بهذا:

- ‌مطلب تفضيل الرجل على المرأة. وعدم مقاصصتهن لرجالهن. وأمر تأديبهن منوط برجالهن أيضا:

- ‌مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة. وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

- ‌مطلب أن الخمر الثالثة ونزول آية التحويم والأصول المتممة في النطق، وعدم اعتبار ردة السكران وطلاقه:

- ‌مطلب طبايع اليهود أخزاهم الله واسلام عبد الله بن سلام وأصحابه وغفران ما دون الشرك وعلقة اليهود:

- ‌مطلب توصية الله الحكام بالعدل ومحافظة الأمانة والأحاديث الواردة فيها وتواصي الاصحاب في ذلك:

- ‌في مطلب معنى زعم قصة بشر واليهودي والزبير والأنصاري وامتثال أوامر الرسول:

- ‌مطلب ما فعله ابو نصير وفتح خيبر وتبوك وما وقع فيهما من المعجزات وظهور خير صلح الحديبية الذي لم يرض به الأصحاب

- ‌مطلب في قوله تعالى كل من عند الله، وكيفية حال المنافقين مع حضرة الرسول، وان كلام الله لا يضاهيه كلام خلقه محمد فمن سواه صلى الله عليه وسلم:

- ‌مطلب أمر حضرة الرسول بالقتال والآية المبشرة إلى واقعة أحد وبدر الصغرى والشفاعة والرجاء ومشروعية السلام ورده:

- ‌مطلب من يقتل ومن لا يقتل ومن يلزمة الكفارة للقتل ومن لا وما هو يلزم القاتل وأنواع القتل:

- ‌مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا:

- ‌مطلب غفران مادون الشرك وتوبة الشيخ على يد رسول الله:

- ‌مطلب ارث النساء والقسم من الزوجات وجواز الفداء والعداء والظلم والعدل:

- ‌مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:

- ‌مطلب عدم تيقن اليهود بان عيسى هو المصلوب، وآية الربا الرابعة، وعدد الأنبياء والرسل وفرق النصارى ونص الأقانيم الثلاث:

الفصل: ‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

لقليل العلم أن يكف عن التفكير في هذا ويتركه لأهل المعرفة الراسخين في العلم، لأن قلوب العارفين لها عيون، ترى ما لا يراه الناظرون. ثم شرع في بيان حال الكافرين عنده فقال جل جلاله «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» في الآخرة لأنهم تفكهوا في الدنيا وأخذوا لذتهم منها، فجاءوا للآخرة بلا عمل صالح «وَأُولئِكَ» الكافرون بالله ورسله الذين ابتاعوا الآخرة بالدنيا والرحمة بالعذاب «هُمْ وَقُودُ النَّارِ» (10) ليس لهم عند الله ما يدفع عنهم عذابها،

فدأبهم التكذيب والجحود «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» مع السيد موسى عليه السلام «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» مع رسلهم «كَذَّبُوا بِآياتِنا» التي أنزلناها لهم على أيدي رسلهم كما كذب أولئك «فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ» وأهلكهم بتكذيبهم «وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ» (11) إذا عاقب وتفيد هاتان الآيتان أن الإنسان مهما أوتي من قوة مالية أو بدنية لا يقدر أن يقاوم قدرة الله، وأن الكفر بآياته سبب لنقم الدنيا والآخرة، فعلى العاقل أن يعتبر بمصير الأمم السالفة ويركن للأخذ بما جاءه على لسان رسل ربه كي ينجو مما حلّ بالمخالفين، فيا سيد الرسل «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» من قومك المحدّين لك «سَتُغْلَبُونَ» في هذه الدنيا حتما مهما كنتم عليه من قوة، ثم تقتلون وتموتون «وَتُحْشَرُونَ» في الآخرة فتحاسبون على كفركم ثم تساقون «إِلى جَهَنَّمَ» لتجاوزا على كفركم «وَبِئْسَ الْمِهادُ» (12) مهاد جهنم.

‌مطلب آيات الله في واقعة بدر. ومأخذ القياس في الأحكام الشرعية. وأن الله خلق الملاذ إلى عباده ليشكروه عليها ويعبدوه:

قال ابن عباس وغيره: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش وأسلموا له، فقد عرفتم أني نبي مرسل في كتابكم، فقالوا إنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب، فلو قاتلناك لعرفتنا، فأنزل الله تلك الآية وهذه «قَدْ كانَ لَكُمْ» أيها اليهود عبرة «آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا» في بدر «فِئَةٌ» قليلة مؤمنة «تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يعني حضرة الرسول وأصحابه «وَأُخْرى» فئة

ص: 323

كثيرة «كافِرَةٌ» يعني كفار قريش «يَرَوْنَهُمْ» أي الفئة الكافرة ترى المؤمنة «مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ» خلالهم فيكونون ثلاثه أمثالهم، والحال أنهم دونهم لأن المؤمنين كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، والكافرون ألفا، فالقول بأنهم ثلاثة أمثالهم أوفق للمعنى، وهذا على حد قول من عنده دراهم فيقول أنا محتاج لمثليه أي ما عداه ليكون ثلاثة، فتكون هذه آية أخرى وحضور الملائكة آية ثالثة «وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده «إِنَّ فِي ذلِكَ» الغلب الواقع من القليل للكثير وتكثير القليل وتقليل الكثير بالنظر «لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» (13) وعظة عظيمة لأولي البصائر، فالذين لا ينتفعون ببصرهم ولا ببصائرهم يخذلون ويهلكون. يفهم من هذا أن النصرة بالقوة المعنوية أكثر منه بالقوة المادية، وأن الله يكتبه لمن يشاء بقطع النظر عن العدد والعدد، وأن الثقة بالله تولد القوة في القلوب، وبسببها يكون الظفر، ويستدل منها على وجوب الاتعاظ بالحوادث وقياسها على الوقائع. ومن هذه الآية والآية الثانية من سورة الحشر الآتية أخذ العلماء القياس في الأحكام الشرعية كما أشرنا إليه في الآية 35 من سورة الإسراء المارة في ج 1، وذلك لأن الاعتبار رد الشيء إلى نظيره وقياسه عليه. قال تعالى «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ» المعلمة بالغرّة والتجميل الحسان الراعية بنفسها «وَالْأَنْعامِ» من الإبل والغنم وغيرها «وَالْحَرْثِ» يدخل فيه جميع الزروع والأشجار «ذلِكَ» المذكور من أصناف الزينة هو «مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا» الواطية السافلة الفانية بما فيها «وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ» (14) في الآخرة التي فيها من أسباب الزينة ما هو ثابت لا يبيد، ولم ير مثله في الدنيا إلا من حيث الاسم، وان هذا التزيين في الحقيقة من عند الله تعالى، فمنهم من يسوقه تزيينه إلى الشقاء، ومنهم إلى السعادة، كما هو مدون في أزله، لأن الله تعالى هو الفاعل الخالق لأفعال العباد كلها، راجع الآية 61 من البقرة المارة والمحالّ التي ترشدك إليها تعلم أن الله تعالى خلق هذه الملاذّ وغيرها لعباده كي يشكروه ويعبدوه، قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)

ص: 324

الآية 29 من البقرة المارة أيضا، وقال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) الآية 32 من سورة الأعراف ج 1 لا ليكفروا به ويجحدوا نعمه، وإنما قسم النساء في هذه الآية لأنهن أصل الملاذ الدنيوية، وما بعدهن من تتمة الشهوات التي يميل إليها الطبع البشري في الدنيا، ولهذا جاءت مرتبة على فطرتهم لما فيها من التباهي والتفاخر والتعالي، وقد جاءت هذه الآية بعد ما بيّنه الله تعالى في الآيات قبلها مما يحدثه في قلوب المجاهدين من الثبات وعدم المبالاة بكثرة عددهم وعددهم ووجوب الثقة بالله أعقبها بذكر ما من شأنه أن يثبط الهمم ويحول دون تسابق الناس في ميدان الجهاد، فذكر فيها أن الانهماك في هذه الشهوات يضعف محبة الله في القلب، ويثبط عن الإقدام في سبيل الله فعلى العاقل أن لا يندفع وراءها، لأنها مهما كانت فهي فانية، وأن يشغل نفسه بما يؤدي لطاعة الله ورسوله. قال تعالى يا سيد الرسل «قُلْ» لهؤلاء اللاهين في زحارف الدنيا «أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ» المذكور كله الذي سيكون «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ» في الآخرة هو «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ» حسان فيها مقصورة لا يراهن غيرهم ولا يرون غيرهن «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» (15) يؤثر ما عنده من العطاء الخلد لمن يؤثر الآخرة على الدنيا، وقد حث الله تعالى على ترك الشهوات الدنيوية لأنها فانية وقد تؤدي بصاحبها إلى الخسران في الآخرة، ورغب بما عنده من النعيم الباقي ليعملوا بما يؤملهم إليه. وهذه الآية تدل على أن الله تعالى هيأ لعباده المتقين

جزاء ما قدمت أيديهم من الخير، وعلى مخالفة ما تشتهيه أنفسهم الطّماحة، ثم وصفهم بقوله «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ» (16) وهؤلاء المتحققون بتلك النعم النفيسة قد خص منهم «الصَّابِرِينَ» على البلاء «وَالصَّادِقِينَ» بما يقولون ويفعلون لذوي الحاجات وأرحامهم «وَالْقانِتِينَ» لربهم المتهجدين بالليالي «وَالْمُنْفِقِينَ» من أموالهم على الأصناف الثمانية المذكورين في الآية 60 من سورة براءة الآتية «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ» لذنوبهم آناء الليل وأطراف النهار وخاصة «بِالْأَسْحارِ» (17)

ص: 325

ثلث الليل الأخير وإنما خص الاستغفار بها، لأنها أوقات الإجابة للقائمين وأوقات توغل نوم الغافلين. قال تعالى «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» بأنه الإله المنفرد الخالق المحيي المميت «وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ» شهدوا بما شهد الله ذاته جلت وعظمت، وشهدوا أنهم من جملة خلقه، وأنه هو وحده المدير لشنون الكون، وانه كان ولم يزل «قائِماً بِالْقِسْطِ» العدل ومتصفا بصفات الكمال «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (18) في تصرفاته وأفعاله وأحكامه، وبناء على هذه الشهادة الصادرة من الرب الجليل صاحب الإعطاء والمنع يجب على الخلق كافة الاعتراف بتوحيد الرب وتنزيهه عن جميع النقائص. لما قدم أحبار الشام إلى المدينة قالوا ما أشبه هذه بصفة مدينة النبي الذي يخرج آخر الزمان، ولما دخلوا عليه عرفوه بالصفة الموجودة في كتبهم، فقالوا له أنت محمد؟ قال نعم، قالوا وأنت أحمد؟ قال نعم، قالوا فإنا نسألك عن شيء، فإن أخبرتنا آمنا بك وصدقناك، قال اسألوا، قالوا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله هذه الآية فأسلموا لما رأوا من الحق والصدق فيه وفي وصفه الكامل الشامل.

قال تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» راجع الآية 3 من المائدة الآتية (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) والآية 85 الآتية وهي (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)«وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» في نبوة محمد ودينه «إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ» بأن الإسلام هو الدين الحق، فاختلفوا فيه «بَغْياً بَيْنَهُمْ» وحبا لبقاء الرياسة فيهم، فقالت اليهود لا دين إلا دين اليهودية، وقالت النصارى لا دين إلا دين النصرانية كما مرّ في الآية 112 من البقرة، فردّ الله عليهم بأن الدين المرضيّ عند الله هو الإسلام «وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ» ويتخذ إلها من دونه ودينا غير دينه «فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» (19) يحاسب عباده على ما يقع منهم وأنه يجازيهم إن شاء «فَإِنْ حَاجُّوكَ» يا سيد الرسل وجادلوك في الدين وخاصموك من أجله «فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» وحده وخص الوجه لشرفه وهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل بالنسبة إلينا، والله منزه عن الجزئية والكلية وعن جميع ما هو من سمات البشر «وَمَنِ اتَّبَعَنِي»

ص: 326

أسلموا لله أيضا، ومن هنا يراد معناه الدال على الجمع أي انقادوا بكليتهم لله وأخلصوا له الدين إخلاصا كاملا «وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» من اليهود والنصارى «وَالْأُمِّيِّينَ» من مشركي العرب وغيرهم ممن لا كتاب لهم «أَأَسْلَمْتُمْ» مثل إسلامنا هذا بأن نعبد الله وحده ولا نجعل له ولدا ولا شريكا «فَإِنْ أَسْلَمُوا» وانقادوا لله مثلكم وخضعوا خضوعكم إلى الدين الحق الثابت في كتبهم والمعترف به عند الشدائد وأسلموا إسلاما حقيقيا «فَقَدِ اهْتَدَوْا» إلى الحق وصاروا مثلكم «وَإِنْ تَوَلَّوْا» عن الإسلام وأعرضوا عنكم ولم يعترفوا بما أوجبه الله فاتركهم «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ» فقط، وقد قمت به وما عليك أن لا يهتدوا، لأن القبول والاهتداء على الله «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» (20) والبصير يعلم بمن يؤمن ومن يصر على كفره. وهذه الآية محكمة لا منسوخة كما قاله بعض المفسرين، لأنها مسوقة لتسلية حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليخفف عن نفسه من شدة حرصه على إسلامهم ويهون من تألمه على إعراضهم، وقد وضح الله لهم الشريعة التي يريد من خلقه السير عليها، وان الأديان السماوية يرجع أساسها إلى دعوة واحدة هي التوحيد لله، وان الاختلاف وقع من تلاعب الرؤساء في الديانتين اليهودية ولنصرانية بسبب ما أدخلوه من تحريم وتحليل وتغيير وتبديل على حسب أهوائهم، وان من يدعوا الناس إلى الحق فقد قام بواجب الدين ولا يضره عدم الإجابة وإعراض الناس عنه

قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ» من العلماء ولأولياء «مِنَ النَّاسِ» جميعهم أولهم وآخرهم «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (21) عاجل وآجل، كان أنبياء بني إسرائيل بوحي إليهم بإنذار قومهم دون أن يأتيهم كتاب من الله، لأنهم ملزمون بأحكام التوراة، فكانوا يقتلونهم فيقوم رجال ممن آمن بهم فينهونهم ويأمرونهم بالكفّ عنهم، فيقتلونهم أيضا، فأخبر الله نبيه محمدا بما كان منهم ليقصه على يهود المدينة وغيرهم فيعلموا أنه بإخبار الله إياه لعلهم يؤمنون، فلم يتجع بهم «أُولئِكَ الَّذِينَ» هذه صفتهم «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا» ولعنهم الناس وأخزوهم على فعلهم ذلك فيها «وَالْآخِرَةِ» تحبط

ص: 327

فيها لأنهم يحرمون ثوابها بسبب جناياتهم تلك «وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ» (22) يخلصونهم من عذاب الله. بين الله عز وجل في هذه الآية مصير أولئك الكفرة وما أعده لهم ولمن على شاكلتهم، وذكر فيها شدة نقمته على اليهود لكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ومحاربتهم لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كل من يتصف بإحدى هذه الخصال الثلاث هو كافر لا ينتفع بعمله الحسن، إذ ظهر أنه لم يرد به وجه الله، وتفيد هذه الآية أن محاربة من يدعو إلى الحق تحبط الأعمال كالكفر، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من المؤمن حتى في حالة الخوف، لأن الله تعالى مدحهم في هذه الآية وجعل منزلتهم بعد الأنبياء، وقد جاء في الحديث الصحيح أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. وقال عمر بن عبد الله:

لا نعلم عملا من أعمال البر أفضل ممن قام بالقسط فقتل عليه. وبعد أن أمر الله رسوله بالإعراض عن الكافرين وأخبره بمصيرهم أراد أن يخفف من تألمه ويقلل من حزنه على عدم قبولهم نصحه وإرشاده فقال جل قوله «أَلَمْ تَرَ» يا سيد الرسل «إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً» حظا وافرا «مِنَ الْكِتابِ» وهم اليهود «يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» فيما يختلفون فيه من أحكام التوراة. وقال بعض المفسرين القرآن لأن ما فيه موافق للتوراة غالبا «ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ» عن التحاكم إليه «وَهُمْ مُعْرِضُونَ» (23) عنه مع أن الواجب يدعوهم للانقياد لأحكامه والإذعان لحكمه «ذلِكَ» عدم قبولهم وإعراضهم «بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ» بقدر أيام عبادتهم العجل الواقعة من أسلافهم «وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» (24) من زعمهم ذلك ومن قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه، قال ابن عباس: دخل رسول الله على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله، فقال له فيهم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد؟ قال على ملة إبراهيم، قال إن إبراهيم كان يهوديا، فقال صلى الله عليه وسلم هلموا إلى التوراة لتحكم بيننا، فأبيا فنزلت. وقيل إن رجلا زنى بامرأة فقضى رسول صلى الله عليه وسلم برجمه، فأنكرا عليه، فقال ذلك، فنزلت. قال تعالى مندّدا صنيعهم هذا «فَكَيْفَ» يكون حالهم «إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ

ص: 328

فِيهِ»

المحقق وقوعه الثابت جمع الناس فيه «وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ» جزاء ما قدمت في الدنيا من العمل «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (25) بزيادة على جزائهم ولا نقص من ثوابهم، وتشير هذه الآية إلى التعجب من حال المذكورين فيها في الآخرة، إذ تخرس ألسنتهم الطوال فيها وتخمد أنفسهم الشامخة وتقتصر همتهم المتكابرة فيبتهون، وتشخص أبصارهم فيذلون، وتفيد أن من دعي إلى الاحتكام إلى كتاب الله وجبت عليه الإجابة، وتومىء إلى أن مجرد الانتماء إلى الأديان أو الانتساب إلى الأنبياء أو الاتصال بالأولياء لا يكون سببا لسعادة الإنسان، ولا مدادا إلى نجاته من عذاب الله، بل لا بد من العمل بالشريعة والطاعة إلى الأوامر أو النواهي، لأن من الحمق أن يدعي الرجل التمسك بدين لا يخضع لحكمه، ومن الخطأ أن يدعي الانقياد إلى الرسل ولا يعمل بإرشادهم ونصحهم، ومن الجهل أن يتلو كتابا لا يفقه معناه ولا يميل لمرماه، ومن الغرور أن يتكل على ما لم يعتقد صحته.

هذا وبعد أن بين الله تعالى لرسوله ما يقوله أهل الكتاب من التعنت وما يتذرعون به من الإعراض عن الإيمان أراد أن يبين له أن السر في ذلك هو إرادته لا غير فقال جل قوله يا سيد الرسل «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (26) ومن بعض قدرتك أنك «تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ» بصورة ظاهرة غير محسوسة ومعلومة غير معروفة، راجع الآية 49 من سورة الأنفال المارة فيما هو من هذا القبيل. أما معنى قوله «وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ» فقد مرّ في الآية 13 من سورة فاطر في ج 1 وهي مبدوءة بالياء كهذه، ولا يوجد في القرآن آية من نوعها مبدوءة بالتاء غير هذه، فراجعها.

«وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ» (27) تقدم تفسير مثلها كثيرا. قال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارسل والروم في أمته، وقالت اليهود لا نطيع رجلا ينقل النبوة من بني إسرائيل إلى غيرهم، فنزلت هذه الآية.

ص: 329