المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

سورة الرّوم في ج 2 وعند ما يفعل الله ذلك بكم أيها الثقلان «فَلا تَنْتَصِرانِ» (35) منه إذ لا يقدر على دفعه عنكم إلّا الذي أرسله عليكم «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ» (37) حمراء مذابة كدر، رديء الزّيت قال تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) الآية 9 من سورة المعارج في ج 2 والمهل هو النّحاس المذاب «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ 38 فَيَوْمَئِذٍ» حين يضيق عليكم في ذلك اليوم العظيم، فلا تقدرون على الهرب، ويرسل عليكم لهب النّار ودخلنها وتنهار السّماء «لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ» (39) لأن في هذا الموطن تخرس الألسن وتنطق الجوارح بما فعلت وتنشر الصّحف بما كان من الخلائق، وقد علم الله كلّ ذلك وأعلمه لخلقه ويشتد اهول لما يرى النّاس من قبائح أعمالهم وما يرون من أهوال العذاب الكائن للمجرمين، وهذا لاينافي قوله تعالى (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية 92 من سورة الحجر في ج 2 لأن أحوال القيامة مختلفة، فمرة يسأل فيها النّاس عن أعمالهم، وأخرى يتخاصمون بينهم، وتارة يمنعون من الكلام، وأخرى يسكتون، وطورا تسأل أعضاؤهم وتارة تنطق بنفسها، فهو يوم شديد يشيب منه الوليد وترتعد لهوله الفرائض

«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ» زرقة عيونهم واسوداد وجوههم، حمانا الله من ذلك «فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي» منهم تارة «وَالْأَقْدامِ» (41) أخرى ويزجون في النّار «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (42) ثم يقال لهم من قبل ملائكة العذاب «هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ» (43) أمثالكم تبكيتا وتقريعا لهم «يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ» (44) ماء بالغ أقصى حرارته لأنهم إذا استغاثوا من عذاب النار أغيثوا بالحميم وبالعكس «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (45) .

‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

واعلم أن هذه الآيات من قوله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) إلى هنا كما أنها نقم على العصاة هي مواعظ أيضا وزواجر يخوف الله بها عباده كي يتباعدوا عن الأسباب المؤدية إليها، فإذا اتعظوا كانت عليهم نعما، ولذلك ختمت بالآية المكررة

ص: 62

الواقعة موقع الاستفهام عن نعمه تعالى على عباده. وبعد أن ذكر جل ذكره ما أوعد به الكافرين أعقبه ببيان ما وعد به المؤمنين فقال «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» (46) واحدة لقاء عمله في الدّنيا من طاعة وصدقة وبرّ وتركه المعاصي خوفا من الله وعمله الطّاعات طمعا بفضل الله، وأخرى تفضلا منه تعالى إيفاء بوعده المبين بقوله جل قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الآية 27 من سورة يونس في ج 2، لأنه لا يخافه حق خوفه إلّا العارف العالم. قال تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية 28 من سورة فاطر، والآية 57 من سورة الإسراء في ج 1 الدّالتين على أن الأقرب من الله أشد خوفا منه من غيره أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خاف أدلج (الإدلاج بالتخفيف السّير أول اللّيل وبالتشديد آخره) ومن أدلج بلغ المنزل، ألا ان سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنّة. وروى البغوي بسنده عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) أي موقفه يوم الحساب بين يدي ربه، فمن حسب حسابه واتقى ربه في الدّنيا يكون له في الآخرة جنتان، فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال وإن زنى وإن سرق، ثم قال (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق؟ فقال وإن زنى وإن سرق، ثم قال (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا لرسول الله؟ قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبى ذر. «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ» (48) أغصان مستطيلة كثيرة، والفنّ الغصن من الشّجرة المستقيمة طولا قال:

ومن كلّ أفنان اللّذاذة والصّبا

لهوت به والعيش أخضر ناضر

وفي كلّ غصن من أغصان تلك الجنان فنون من الفواكه، مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ومن هنا أخذ تطعيم الأشجار المتقاربة في الثمر الذي عرفه خبراء الزراعة حديثا وطبقوه؟ فأمكن لهم أن يطعموا شجرة واحدة بأنواع مما يشابهها فتأكل من الشّجرة الواحدة أصنافا من الفاكهة «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ» (50) على أرضهما بلا أخدود الأولى التسنيم المذكورة

ص: 63

في الآية 27 من المطففين المارة في ج 2، والثانية السّلسبيل المبين في الآية 19 من سورة الإنسان الآتية

«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ» (52) رطب ويابس كما يوجد الآن في البرتقال فإنه قد يجتمع فيه ثمر السّنة الماضية والحالية وفي الآخرة كلّ أشجارها كذلك فترى فيها العتيق والجديد بآن واحد، فلا يضر الثمر قدمه ولا يغير لونه وطعمه بخلاف ما في الدّنيا «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ» فيهما «عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ» ديباج ثخين من الحرير وقد أخبرنا الله عن البطائن التي تلى الإنسان بأنها من ذلك النّوع فما بالك بالظهائر التي تبرز للعيان، اللهم أرناها ومتعنا والمؤمنين فيها برضاك المؤدي إليها برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

«وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ» (54) قريبا من يد المتناول القاعد والقائم والمضطجع سواسية في تناوله، لأن الأثمار التي فيها القديم والحديث هي التي تدنو من طالبها حتى تصير أمامه «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ» على أزواجهن لا ينظرن غيرهم وجمع الضّمير مع أنه يعود إلى الجنتين، لأن كلا منهما فيها قصور ومجالس متعددة أو أنه من قبيل إطلاق الجمع على ما فوق الواحد كما مرّ في الآية 78 من سورة الأنبياء في ج 2 وفيما ترشدك إليه «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ» يمسسهن وينلهن أو يقربهن «إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ» (56) قال الفرزدق:

خرجن إلي لم يطمئن قبل

وهن أصح من بيض النّعام

تشير هذه الآية إلى أن الجن كالإنس في مقاربة النّساء وأن لهم نساء من جنسهم، وهو كذلك، لأنهم يتوالدون في الدّنيا. وقيل إن منهم من يتزوج بإنسي، كما أن من الإنس من يتزوج بجنية، ولهذا قالوا إن بلقيس أمها من الجن، راجع الآية 45 من سورة النّمل في ج 1 «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ» (58) صفاء وبياضا وحمرة، أخرج الترمذي عن ابن مسعود أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المرأة من نساء أهل الجنّة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة يرى مخها، وذلك أنك إذا أدخلت سلكا في الياقوت رأيته من ورائه وكذلك سوق النّساء من أهل الجنّة، وروى البخاري

ص: 64

ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنّة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، ثم الّذين يلونهم على أشد كوكب في السّماء إضاءة، لا يبصقون ولا يمخطون ولا يتغوطون، آنيتهم من الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوة (أي مباخرهم وبخورهم فيها العود ولكن ليس كعود الدّنيا) رشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللّحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشية، وزاد البخاري ولا يسقمون. قال سعيد بن جبير هذا من جملة ما قال تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) الآية 17 من سورة السّجدة في ج 2 «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ 59 هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» (60) روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان الآية، ثم قال هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنّة؟ وذلك لأن من أتى بالحسن يقابل بمثله وأحسن عند أهل الدّنيا للمنصفين فكيف عند رب العالمين

«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (61) وقال بعض المفسرين أن الجنتين المتقدمتين واحدة للإنس وواحدة للجن، ولكن ما جرينا عليه أولى لما تقدم في الآية 27 من سورة الأعراف ج 1 بأن الجن يكونون بفناء الجنّة. ثم ذكر الله تعالى جنتين أخريين بقوله «وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ» (62) أي أمامها وقبلها أفضل منهما، لأن الجنتين الأوليين لأصحاب اليمين وهاتين للمقربين اللهم أهلنا لأيهما شئت «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (63) روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم أن ينظروا إلى ربهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه في عدن. ثم بدأ يصفهما كما وصف أولاهما آنفا فقال «مُدْهامَّتانِ» (64) لشدة خضرتهما صارا يقربان إلى السّواد «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ» (66) فوارتان تدفعان الماء إلى العلو مثل المضخات الموجودة الآن، ولكن هذه بآلة وتعب وتكاليف ومعرضة

ص: 65

للخراب ولمسافة معلومه وتلك بقدرة القادر أبدية طبيعية مسافتها كما يشتهي طالبها والنّاظر إليها إن أراد أن ترتفع مدى النّظر ارتفعت وإن أراد أن تنحط انحطت حسبما يستحسنه الرّائي ويتمناه المتمني ولا تحتاج إلى شيء «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ» (68) ومن أنواعهما ألوان، وإنما خصهما لأن التمر فاكهة وغداء والرّمان فاكهة ودواء وفائدة عطفهما على الفاكهة مع دخولهما فيها لما ذكرنا ولفصلها على جميع الفواكه كما يشير إليه تنوين التنكير فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69) فِيهِنَّ خَيْراتٌ» بالأخلاق والآداب حِسانٌ» (70) بالوجوه وتناسب الأعضاء ويظهرن لأزواجهن حسبما يرغبون

وهذا من بعض نعم ربك عليك أيها الإنسان «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (71) وهؤلاء الموصوفات «حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ» (72) المنسوجة من الذهب والفضة الموشاة باللؤلؤ والدّرر والزبرجد والمرجان وغيرها، لا يخرجن منها لكرامتهن وشرفهن يبقين في خدورهن، وهذه الخيام ليست كخيام الدّنيا لأنها واسعة مدى النظر، وفيها الجنان والمياه ومحال التنزه غير السّكن. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السّماء، وفي رواية عرضها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، فلا يرى بعضهم بعضا «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (73) وهؤلاء الحسان أيضا كالأول من حيث «لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ» (74) أي قبل زواجهن أي أنهن أبكار ولا يعدهن أيضا لأنهم لا يتركونهن ولا يطلقونهن وحذف من الثاني بدلالة الأوّل كما يحذف من الأوّل بدلالة الثاني، راجع الآية 35 من سورة الرّعد المارة «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ» وسائد «خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ» (76) أي زرابي وطنافس جميلة جدا وكلّ نفيس جميل تسمية العرب عبقري نسبة إلى عبقر، قيل هي أرض تسكنها الجن، فصارت مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع فاخر عجيب، وذلك أن العرب تعتقد في الجن كلّ صنعة غريبة، وينسبون كلّ شيء عجيب إليهم لاعتقادهم بأنهم يأتون بكل عجيب لما بلغهم عن أعمالهم لسيدنا سليمان

ص: 66