الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يغترون بهم،
وهؤلاء بحسب إيمانهم الظّاهر قد يغتر بهم النّاس فيفشون لهم أسرارهم فينقلونها للكفار فيكونون أشد فتنة على المسلمين من الكافرين، ولهذا قال تعالى «وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ» محمد صلى الله عليه وسلم «وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ» من الكتاب «مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ» يتقوون بهم على المؤمنين الصّادقين، ولما استمالوهم لكشف أسرارهم لينقلوها لهم «وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (81) خارجون عن طاعة الله ورسوله غير مؤمنين بهما، راجع الآية 51 المارة، ولهذا اتخذوا الكفار أولياء مع علمهم بأن المؤمنين خير لهم منهم.
مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:
قال تعالى يا سيد الرّسل «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» لأن هذين الصّنفين أكثر عداوة للمسلمين من غيرهم «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ» القرب لمودة المسلمين «بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً» يأمرونهم بالخير وينهونهم عن الشّر، ومنهم من يعترف بأحقية دين الإسلام فيركن لأهله ويميل لطاعته، ومنهم من يعتقد به ويعمل بما فيه خفية عن قومه «وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (82) عن قول الحق بل يذعنون له ويتواضعون لأهله ويستكينون لمجالستهم «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ» من كلام الله يؤثر في قلوبهم ولشدة تأثيره فيهم «تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» لرقة أفئدتهم وخشوعها لسماعه و «مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ» فيه، ولذلك فإنهم فيما بينهم «يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا» به وبمن أنزل عليه «فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» (83) عليه بأنه حق وصدق «وَ» يقولون عند سماعه أيضا «ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ» وحده ونترك التثليث وغيره، لأن عيسى بشر وقد بشر بمحمد لنؤمن به «وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ» على لسان رسوله محمد لنؤمن به أيضا «وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ» (84) من أتباعه وأمته فنكون مثلهم «فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا» من الإيمان بالله وحده والتصديق برسوله محمد وما جاء به «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ» الجزاء الحسن والثواب
الكريم هو «جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ» (85) عند الله تعالى في الآخرة الدّائمة إذا فعلوه بأنفسهم وإخوانهم وجميع الخلق في الدّنيا «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا» المنزلة على أنبيائنا «أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» (86) في الآخرة لا يبارحونها.
قال بعض المطلعين إن مذهب اليهود وجوب إيصال الأذى بأي طريق كان إلى من خالف دينهم وخاصة المسلمين حكى الله عنهم في قوله (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ» الآية 76 من آل عمران المارة، والنّصارى بخلاف ذلك فإنه يحرم عليهم أذى الناس أجمع، وإن أول ما دخل فيه اليهود من الخوض بآيات الله تغاضيهم عن إقامة حدوده في التوراة، أخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم لعنهم بالآية المارة، والمراد بالمعنى الطّرد من رحمة الله تعالى والعياذ بالله، ثم قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظّالم ولتأطرنه (أي تردنه) على الحق أطرا وتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم. ويدخل في هذه الآية من آمن من النّصارى قبلا كالنجاشي وأصحابه ومن بعدهم إلى يوم القيامة، وإن المدح فيها بحق النّصارى ليس على إطلاقه لأنه في مقابلة ذم اليهود والمشركين. ولا يتجه قول من قال إن هذه الآية نزلت في النّجاشي حين الهجرة الأولى الواقعة سنة خمس من البعثة، وقد أشرنا إليها في الآية 203 من آل عمران المارة فراجعها لأنها عامة فيهم وفي غيرهم ممن هذا شأنه، والنّجاشي بأولهم. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» من الطّاعم الطّيبة والمشارب اللّذيذة والرّوائح الكريمة والملابس الفاخرة والمساكن الواسعة والمطايا المطهمة الجميلة والسّلاح المحلى «وَلا تَعْتَدُوا» ما حده الله لكم مما أحله إلى ما حرمه «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (87) حدوده فتحرموا حسب أهوائكم ما لم يحرمه ربكم، وتحللوا ما حرمه، راجع الآية 93 من آل عمران المارة «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ»
تأكيدا للوصية بما أمروا به، وأكد هذا التأكيد بقوله «الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ» (88) تدل هذه الآية على أن الله تعالى تكفل برزق خلقه، ولذلك قال كلوا، وإذا كان كذلك وهو كذلك فعلى العبد أن يجمل في طلب الرّزق، قال صلى الله عليه وسلم أجملوا في طلب الرّزق. وفي رواية في طلب الدّنيا فإن كلا ميسّر لما كتب له منها. يعني أن الرّزق المقدر للعبد سيأتيه سواء ألحف بطلبه أو أجمل، وإذا كان كذلك فليرفق بالسعي وليتعفف بالطلب فهو أحسن له وأحشم وأوقر. قال علماء التفسير إن النّبي صلى الله عليه وسلم ذكر النّاس يوما وشدد في وصف القيامة حتى رق النّاس وبكوا فاجتمع أبو بكر وعلي وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن في بيت عثمان بن مظعون الجهني واتفقوا على أن يترهبوا ويجبوا مذاكيرهم ويصوموا الدّهر ويقوموا اللّيل ولا يأكلوا اللّحم والودك ويسيحوا في الأرض فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان فلم يجدهم فقال لا مرأته أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب، وكرهت أن تبدي سرّ زوجها، فقالت، يا رسول الله إن كان أخبرك أحد فقد صدق، فلما سمعوا بمجيء الرّسول إليهم ذهبوا إليه، فقال لهم ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا بلى يا رسول الله وما أردنا إلّا الخير، فقال إني لم أومر بذلك ثم قال إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا، وقوموا وتاموا، فإني كذلك وآكل اللّحم والدّمم، وآتي النّساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، ثم جمع الناس وخطبهم وقال ما بال أقوام حرموا النّساء والطّعام والطّيب وشهوات الدّنيا فإني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا، فإنه ليس في ديني ترك اللّحم والنّساء، ولا اتخاذ الصّوامع، وسياحة أمتي الصّوم ورهبانيتهم الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الدّيار والصوامع
، فأنزل الله هذه الآية راجع الحديث المار في الآية 77 هذا وما يرى من بعض الزاهدين في ترك الطّيبات
من الأكل والشّرب واللّباس والتجافي عن الحلال لا بطريق التحريم وحاشاهم من ذلك، وإنما يكون ذلك من بعضهم هضما لأنفسهم وكراهة في الدّنيا فيتركون التنعم فيها أملأ بما عند الله لهم من النّعيم الدّائم، لأنهم يرون التنعم في الدّنيا يشغلهم عن دوام ذكر الله والقيام بما يقتضي له من الخشوع والخضوع والإنابة لحضرته الكريمة ليس إلا، فعلى العاقل ألا يعترض عليهم، ويجالسهم، ويتبرك بهم فهم القوم الّذين لا يشقى جليسهم كما جاء في الحديث الصّحيح، قال تعالى «لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ» راجع نظيرتها في الآية 225 من البقرة المارة ولما كانت هذه الجملة عامة استدرك بما يخصصها بقوله «وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ» أي إذا حلفتم وعظمتم حلفكم وتعمدتم عقدها وقصدتم به اليمين المستوجبة الكفارة (وقرىء عقدتم بالتخفيف) وأردتم أن تخنثوا في يمينكم المعقد لما رأيتم أن الخير في عدم الإصرار عليه، فعليكم أن تكفّروا عنه وتفعلوا المحلوف عليه، فإذا أردتم الخلاص من هذا اليمين الذي حنثتم فيه «فَكَفَّارَتُهُ» لتحليل ما حلفتم عليه قصدا لا خطأ ولا نسيانا ولا إكراها هو «إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» غداء وعشاء بحالة وسطى غير ملتفتين لمن يسرف في إطعام أهله أو يقتر عليهم وخير الأمور أوساطها «أَوْ كِسْوَتُهُمْ» بحالة وسطى أيضا «أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» عتقها من الرّق «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» شيئا من ذلك يكفّر به عن يمينه لفقره «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ» فقط عليه يكفر بها عن يمينه «ذلِكَ» المتلو عليكم أيها المؤمنون «كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ» وخلاصكم من الحنث فيها «إِذا حَلَفْتُمْ» وحنثتم باختياركم ورضاكم لأن الكفارة لا تجب إلّا بعد الحنث حقيقة «وَاحْفَظُوا» يا أيها النّاس «أَيْمانِكُمْ» من الحنث ما استطعتم وقدرتم، والأحسن لكم والأليق بكم ألّا تحلفوا أبدا تعظيما لاسم الله وتكريما لجلاله، ولهذا حذركم بالتحفظ عليها، وكانت العرب تحمد قليل الحلف والبار بحلفه المحافظ عليه، قال قائلهم:
قليل ألا يا حافظ ليمينه
…
إذا بدرت منه الاليّة برّه
راجع تفصيل هذا في الآية 225 المذكورة آنفا من البقرة، هذا واعلم أن
العلماء استنتجوا من هذه الآية وآية البقرة حرمة القسم على ترك الطّاعة وإن عدم المؤاخذة المشار إليه في الآية عدم إيجاب الكفارة به، وإن اللّغو باليمين هو ما يجري على لسانك من غير قصد مثل لا والله، وبلى والله على قول الشّافعي وأحمد رحمهما الله، وقال أبو حنيفة ومالك هو أن يحلف على شيء يعتقد أنه لم يكن فيظهر أنه وقع بالفعل، ولكل وجه، والله أعلم بما يريد. وقد قابل جل شأنه اللغو بالقصد لينفي ما هو غير مقصود مما قالاه وغيره «كَذلِكَ» مثل ما بينا لكم كفارة أيمانكم «يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ» في جميع ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ودنياكم «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (89) نعمه عليكم، قال ابن عباس رضي الله عنه لما نزلت الآية السّابقة قال الّذين اتفقوا على الرّهبانية يا رسول الله كيف نفعل بأيماننا التي تحالفنا عليها؟ فأنزل الله هذه الآية وبين لهم المخرج وسهله عليهم، الحكم الشّرعي يجب أن يكون الصّيام متتابعا قياسا على كفارة الظّهار والقتل، وجوز الشّافعي تفرقها لأن كفارة الظّهار والقتل جاءت بالنص ولا نص على تتابع كفارة اليمين، أما ما احتج به من أنه ورد في بعض القراءات ثلاثة أيّام متتابعات لا قيمة لها ولا عبرة بها لأنها لم تكن متواترة، ويشترط في القرآن التواتر. وقال بعض المفسرين قراءة شاذة والشّاذ لا يصلح للاحتجاج إلّا إذا ثبتت أو رويت كتابا أو سنة، وإذ لم تثبت فهي قراءة لا أصل لها، وقد ذكرنا غير مرة أن مثل هذه الزيادات التي يعدها بعض العلماء أنها قراءة أو من القرآن لا تعد قراءة ولا تسمى قرآنا وذلك أن بعض القراء كانوا يكتبون كلمات تفسيرية على هامش مصاحفهم أو بين سطوره فيظن من لا يعرف قصدهم أنه من القرآن، فيقول قرأ ابن مسعود كذا من حيث لم يقرأ هو ولا غيره إلّا ما هو بين الدّفتين، ويحرم عد غيره قرآنا، لذلك فلا يجوز القول بذلك بتاتا، فكل ما ليس في القرآن الموجود الثابتة قراءته بالتواتر لا يكون قرآنا أبدا، راجع آخر سورة الأحزاب المارة في هذا الشّأن. هذا، وللحانث الخيار بين الصّوم والإطعام والإكساء والعتق، وتصرف هذه الكفارة إلى مسلم محتاج غير عبد مملوك. روى البخاري ومسلم عن عبد الرّحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرّحمن لا تسأل الإمارة فإنها