المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثمانية يدخل من أيهما شاء. وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من كلّ خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتهما يداه مع الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتهما رجلاه مع الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب. ويراد بهذه الذنوب والله أعلم التي لم يتعلق بها حق الغير، على أن الله تعالى قادر على عفو الجميع وإرضاء النّاس من فضله وكرمه وجوده الواسع. ورويا عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال إن من أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. وفي رواية أنتم الغرّ المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء. وفي رواية لمسلم قال سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء. ورويا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه، ثم يتوضأ كما يتوضأ الصّلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء يخلّل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه الماء ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على سائر جسده. هذا وأما ما يتعلق بالتيمم فقد تقدم بيانه في الآية 43 من سورة النّساء فراجعها. ومما يدلّ على أن المراد بالملامسة في هذه الآية الجماع لا اللّمس باليد مما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل نساءه ويصلي، فلو كان المراد منها مطلق اللّمس لما فعل ولتوضأ عند وقوع مثل ذلك منه، ولهذا قال به أبو حنيفة ولكن الشّافعي رحمه الله قال المراد اللّمس باليد وكأنه لم يثبت لديه ما ثبت عند أبي حنيفة من فعل حضرة الرّسول وكان أقدم منه، لأنه ولد يوم وفاته يوم الثلاثاء سنة 150 من الهجرة، ولهذا ترى العلماء يعطلون قراءة الدّرس فيه احتراما لوفاة الأوّل وولادة الثاني.

‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

قال تعالى «وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» أيها المؤمنون بالإيمان

ص: 303

والعافية والرّزق وثواب الله على أعمالكم الحسنة «وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ» حين أخذ العهد عليكم في الأزل، وهو اعترافكم بالربوبية حين خاطبكم بقوله (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) كما مر في الآية 172 من سورة الأعراف ج 1 أي تذكروا هذا أيضا فذكره يحدو بكم على القيام بعبادته، ولذلك نبه جل شأنه عليه بقوله «إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا» يحثهم على الوفاء به لأنهم التزموا بذلك العهد، قال بعض المفسرين أن المراد بالميثاق هنا المبايعة لحضرة الرّسول على السمع والطّاعة، وإنما اضافة لحضرته مع صدوره من نبيه لكون المرجع إليه ولقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) الآية 11 من سورة الفتح المارة والأوّل أولى لما في الثاني من عدم الانطباق على ظاهر الآية إلّا بتأويل «وَاتَّقُوا اللَّهَ» أيها النّاس بالمحافظة على هذا الميثاق لأنكم مطالبون به ومحاسبون عليه «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (7) لا يخفى عليه شيء يعلم المحافظ على عهده بقلبه ولسانه والنّاكث فيهما والمعترف بلسانه دون قلبه وبالعكس. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ» في كلّ ما يلزم القيام به من العمل بطاعته والاجتناب عن نهيه قولا وفعلا حالة كونكم «شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» العدل من غير محاباة لأحد بود أو قرابة ومن غير حيف من بغض أو عداوة «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ» يحملنكم ويدعونكم «شَنَآنُ» بغض أو عداوة «قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا» في أحكامكم وشهاداتكم، وقد عدّي فعل يجرمنّكم بحرف الاستعلاء لتضمنه معنى فعل يتعدى فكأنه قال لا يحملنكم بغض المشركين ومنهم الخطيم شريح بن شرحبيل المار ذكره في الآية الثانية النّاهية على عدم ترك العدل والتعدي عليه بارتكاب ما لا يحل بل «اعْدِلُوا» بشأنه وشأن كلّ أحد سواء كان قريبا أو بعيدا، صديقا أو عدوا، وضيعا أو رفيعا، شريفا أو سخيفا، غنيا أو فقيرا لأن إجراء العدل مع الجميع «هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» الموجبة لقرب الله تعالى الموصلة لجنته «وَاتَّقُوا اللَّهَ» في أقوالكم وأفعالكم وحركاتكم وسكناتكم سركم وجهركم «إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» (8) من العدل والحيف في الأحكام والشّهادة والجد والهزل بأقوالكم وأفعالكم وإشاراتكم ورمزكم ونياتكم، وهو

ص: 304

الأمر للوجوب لأنه لم يقيد ولم يعلق على شيء وما كان كذلك فهو واجب امتثاله لا مندوب، والعدل أساس الملك وهو مبعث الرّاحة للعامة والخاصة، وملاك كل شيء وقوام الأمور بين النّاس، وهو الأصل الذي يرجع إليه في الدّنيا والآخرة قال تعالى «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» بما عاهدهم عليه وواثقهم به وماتوا على ذلك فيكون «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» عامة لذنوبهم وستر شامل لعيوبهم في الدّنيا «وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» (9) في الآخرة لا أعظم منه، وناهيك به أنه من الرّب العظيم ولا يعطي العظيم إلّا العظيم. قال تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا» ونكثوا عهودنا ونقضوا مواثيقنا وخانوا أمانتنا «أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» (10) لجورهم في الأحكام وكتمهم للشهادة وميلهم عن الحق في أقوالهم وأعمالهم خبيثو النّيات الّذين يموتون مصرين على قبائحهم يحرفون فيها لأنهم أهلها كما أوعدهم الله على لسان أنبيائهم وفي هذه الجملة اشارة الى خلودهم في النّار لأن المصاحبة تقتضي الملازمة، وفيها دلالة على أن غيرهم لا يخلدون في النّار

قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» كررت هذه الجملة للتأكيد بلزوم تذكر النّعمة وشكر المنعم والشّكر بمقابل النّعمة واجب ولغيرها مندوب، وهذه النّعمة غير تلك المذكورة في الآية السّابقة لأنها لمطلق التذكر وهذه بمقابل ما أزاله عنهم ورفعه المبين بقوله «إِذْ هَمَّ قَوْمٌ» هم بنو ثعلبة وبنو محارب «أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ» بأن يهلكوكم حينما أحرمتم بالصلاة إذ أجمعوا على الغدر بكم إذ ذاك «فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» وحماكم من كيدهم وحال دون غيرهم بكم «وَاتَّقُوا اللَّهَ» الذي وقاكم من مثل هذه الأمور دون حول منكم ولا قوة ولا علم ولا مشاهدة لتراقبوه في جميع شؤونكم وتوكلوا عليه حالة الشّدة والرّخاء «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (11) به المصدقون بوعده، وهذه حادثة قديمة يذكر الله بها رسوله وأصحابه المؤمنين عند ما أراد بنو كاسب وبنو ثعلبة أن يفتكوا به وبأصحابه حين اشتغالهم بالصلاة، فاطلع الله رسوله على سريرتهم، وأنزل صلاة الخوف المار ذكرها في الآية 111 من سورة النّساء، والحادثة التي أنعم الله بها على رسوله مثل الحادثة

ص: 305

الأخرى يوم حاصر حضرة الرّسول غطفان بنخل إذ جاءه رجل من المشركين وقال يا محمد أرني سيفك، فأعطاه إياه، ثم شهره عليه وقال له من يمنعك مني؟ فقال، الله، فسقط السّيف من يده، ونحو حادثة يهود بنى النّضير حينما ذهب إليهم بطلب إعانته على دية الرّجلين الّذين قتلهما عمرو بن أمية الضّمري بعد انصرافه من بئر معونة فتلقوه بالترحاب وأجلسوه ليجمعوا له الدّية فتآمروا على أن يطرحوا عليه، حجرة من أعلى الحصن فأنزل الله جبريل عليه السلام وأخبره بنيتهم وما أجمعوا عليه فقام من مكانه وتركهم بعصمة الله تعالى إياه في هاتين الحادثتين، وعصمه وأصحابه في الحادثة الأولى المشار إليها في هذه الآية والمشار إليها في الآية 173 من آل عمران المارة المنبئة عن مثل هذه النّعم، لأن سياقها ينطبق على هذه الحوادث وغيرها مما فيه عصمة الله لرسوله وأصحابه وحادثة بن النّضير الأخرى حينما طلبوا منه الصّلح وقرروا الغدر به المار ذكرها في الآية 12 من سورة الرّعد المارة، وما ضاهى هذه الحوادث، إذ تصلح هذه الآية أن تكون سببا للنزول في كل منها لموافقتها المعنى، وقد ذكرنا غير مرة بأن سبب النّزول يجوز تعدّده ومقارنته للحادثة وتأخره عنها، وقد يطلق لفظ القوم على الواحد كلفظ النّاس المار ذكره في الآية 173 من آل عمران المذكورة آنفا وإن ضرر الرّئيس ونفعه يعود على المرءوس، وما يراد به فهو مراد بهم. قال تعالى «وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ» لما ذكر الله تعالى بعض غدر قوم محمد بمحمد ونقضهم عهده اردف بذكر غدر قوم موسى بموسى ونكثهم ميثاقه تسلية له صلى الله عليهما وسلم فقال «وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً» رئيسا وعمدة وشريفا وعميدا وزعيما «وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ» أنصركم وأعينكم وأحفظكم من كلّ سوء يراد بكم «لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي» الحاضرين معكم موسى وهرون ومن قبلهم «وَعَزَّرْتُمُوهُمْ» ووقرتموهم وعظمتموهم ونصرتموهم على أعدائي «وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» بأن تعطوا قسما من أموالكم للفقراء عن طيب نفس بلا من ولا أذى، فإذا قمتم بهذه الأمور الخمسة المذكورة في هذه الآية المؤذنة بالقسم وعزتي وجلالي «لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ

ص: 306

سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»

جزاء قيامكم بها هذا هو جواب القسم العظيم ثم فرّع عنه بقوله «فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ» العهد «مِنْكُمْ» ونقضه «فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» (12) واستحق العقاب المرتب على ذلك. وخلاصة هذه القصة على ما ذكره الأخباريون أن الله تعالى وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وكانت مسكن الجبارين من الكنعانيين، وأمره أن يسير إليها وأن يأخذ من كلّ سبط كفيلا على امتثال ما يأمرهم به، ففعل وسار بهم حتى قارب أريحا، فأرسل النّقباء عيونا، فلقيهم عوج بن عنق وعنق أمه من بنات آدم عليه السلام، فأخذهم بحجزته أي شدهم على وسطه، والحجزة معقد الإزار وموضع التكة من السّراويل، وقال لزوجته هؤلاء يريدون قتالنا إلّا أطحتهم برجلي، فقالت لا بل أتركهم ليخبروا قومهم بما رأوه من قوتك فيهابوك، فتركهم، ولما رجعوا قالوا إذا أخبرنا بني إسرائيل بما رأينا من هذا الرّجل يرجعون ولا يقاتلون، بل نخبر موسى

وهرون فقط، وأخذوا على بعضهم العهد في ذلك، ولما وصلوا قومهم نكثوا وأخبر كلّ نقيب سبطه، عدا يوشع بن نون وكالب بن يوقنا فإنهما لم يخبرا سبطهما، ولم ينكثا عهدهما، وسيأتي تمام هذه القصة عند قوله تعالى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) الآية 23 الآتية. قال تعالى «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» الذي أخذ منهم ونكثهم عهدهم «لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» لا تؤثر فيها المواعظ ولا تلينها الزواجر ولا ترققها العبر وصاروا فضلا عن ذلك «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» بالتبديل والتغيير والتأويل والتفسير على ما هو خلاف المراد وضد المعنى «وَنَسُوا حَظًّا» نصيبا وافرا «مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» من أحكام التوراة التي فيها خيرهم وخلاصهم، ولم يعملوا به لأن من جملة ما ذكّروا به الإيمان بعيسى بن مريم ومن بعده بمحمد عليهما الصّلاة والسّلام، وهذا من بعض خياناتهم «وَلا تَزالُ» يا سيد الرّسل «تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» بعد خائنة مثل نقضهم العهود ومعاهدتهم أهل الشّرك ضدك وهمهم بقتلك غدرا كما كانوا مع أنبيائهم الأوّل موسى وهرون فمن بعدهما «إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» يوشك أن يحافظوا على العهود

ص: 307

ويتذكروا بما أمرهم الله في التوراة، فيدخلون في دينك «فَاعْفُ عَنْهُمْ» الآن يا حبيبي «وَاصْفَحْ» عن زلاتهم كلهم لأنك لا تعلم الذي يؤمن بك من غيره، لذلك أحسن إليهم وعاملهم باللين «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (13) في أقوالهم وأعمالهم. وبمناسبة ذكر غدر قوم موسى بموسى ومحمد بمحمد عليهما الصّلاة والسّلام تطرق إلى ذكر بعض غدر قوم عيسى بعيسى عليه السلام، فقال «وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ» أيضا على السّمع والطّاعة والإيمان بالرسل كما أخذناه على من قبلهم ومن جملة ذلك الإيمان بك يا محمد، وكذلك لم يوفوا بشيء منه ونكثوا عهدهم ونقضوا ميثاقهم كالّذين من قبلهم «فَنَسُوا حَظًّا» قسطا جزيلا وجانبا كبيرا «مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» في الإنجيل المنزل على رسولهم من لزوم الإيمان بك ونصرتك «فَأَغْرَيْنا» أوقعنا وألصقنا ومكنّا «بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» بسبب الاختلاف بينهم في أمر دينهم وجعلنا كلّ فرقة منهم تفسق بالأخرى بالدنيا «وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ» في الآخرة «بِما كانُوا يَصْنَعُونَ» (14) مع أنفسهم وقومهم وأنبيائهم ويجازيهم عليه قال تعالى «يا أَهْلَ الْكِتابِ» اليهود والنّصارى «قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا» محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أخذنا على رسلكم العهد بالإيمان به وألزمناهم أن يأخذوا عليكم مثله بلزوم الإيمان به، وقد فعلت الرّسل ذلك وبلغوكم ولكنكم أبيتم وصددتم أنفسكم وصنعتم غيركم عن الإيمان به أيضا وخالفتم أمر الله وأمر رسلكم وأمر هذا الرّسول الذي أرسلناه بالهدى إليكم، وقد جاءكم «يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ» أل فيه للجنس فيشمل جميع الكتب المنزلة التوراة والإنجيل وما قبلهما وأني أطلعته على ما فيهما من ذلك، وأن لا يؤاخذكم على ما سبق منكم فيسامحكم «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» مما تفعلونه وتخفونه ولا يتعرض له، فيجدر بكم أن تصدقوه وتؤمنوا به بعد أن أراكم هذه المعجزة وهي علمه بما في كتبكم، وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب، فآمنوا به لتفلحوا فإنه «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ» ببعثته وهدى لتقتدوا به لأنكم في ظلمة وعماء من أمر دينكم، ومن كان في الظّلمة يريد طرق الاهتداء

ص: 308

إلى النّور فاهتدوا بهذا النّور الذي جاءكم به «وَكِتابٌ مُبِينٌ» (15) للحق من الباطل، والرّشد من الضّلال، والحرام من الحلال، ألا وهو القرآن العظيم الجامع لما في الكتب السّماوية كلها، فاغتنموا أتباعه فإنه «يَهْدِي بِهِ» بهذا الكتاب «اللَّهُ» تعالى كل «مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ» بسلوك الطّرق التي يرضاها والتي تكون لهم «سُبُلَ السَّلامِ» من الآفات الدّنيوية المؤدية إلى طرق النّجاة من عذاب الله الأخروي «وَيُخْرِجُهُمْ» أي الّذين اتبعوه وسلكوا سبل رضوانه «مِنَ الظُّلُماتِ» التي هم غارقون فيها ظلمة العقيدة وظلمة العصيان وظلمة التكذيب التي أصدأت قلوبهم فمنع تكاثف رينها وصولهم «إِلَى النُّورِ» الذي هو التصديق به والطّاعة له والإيمان بجميع ما جاءكم به، وتلك الهداية لا تكون لأحد إلا «بِإِذْنِهِ» جل جلاله إذ لا يقع في الكون شيء إلّا بأمره وإرادته «وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (16) لا عوج فيه. وهذه الآية تدل دلالة ظاهرة لا غبار عليها أن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من

الله تعالى إلى أهل الكتاب كغيرهم من الأمم، بصريح الخطاب وتخصيصه بهم، فهي وحدها كافية للرد على من يقول أن رسالته صلى الله عليه وسلم خاصة للعرب المشركين فضلا عن بقية الآيات، راجع الآية 28 من سورة سبأ والآية 5 من سورة الكهف في ج 2. ولما بين الله تعالى اختلاف النصارى. ذكر الفرقتين الكافرتين منهم وهم اليعقوبية والملكانية، فقال جل قوله مبينا سبب كفرهم «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» وذلك أنهم يقولون إن الله تعالى وتنزه حل في بدن عيسى، ثم ذكر ما يدل على فساد قولهم وعقلهم وعقيدتهم هذه بقوله عز قوله يا سيد الرّسل «قُلْ» لهؤلاء القائلين بالحلول «فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» فهل يوجد من يقدر على دفع إهلاكه عنهم أو من يحول دونه؟ كلا كيف «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» من الخلق كلهم عبيده وعيسى واحد من جملتهم، ولا يقال بما أنه لا أب له نسب إلى الله، لأن الله تعالى «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» من غير أبوين كآدم ومن غير أم كحواء ومن غير أب كعيسى ومن أبوين مثل

ص: 309

سائر الخلق، راجع الآية 46 من سورة النّور المارة فيما يتعلق في هذا البحث، ومنه تعلم أن لا اعتراض على الله فيما يخلق لأنه لا يسأل عما يفعل «وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (17) لا يعجزه شيء وإذا كان المخلوق من غير أب يسمى إلها فمن باب أولى أن يكون آدم ثم حواء لأن الإيجاد من الأم أهون من الإيجاد من الأب فقط، والإيجاد من الأب أهون من الإيجاد بلا أم ولا أب، ولم يسبق أن سمى أحد آدم إلها ولا حواء، فكيف يسمون عيسى إلها، راجع الآية 64 من آل عمران المارة للاطلاع على هذا البحث، وحكاية أسير الرّوم. ثم ذكر ما يتبجح به أهل الكتابين مما ليس كائنا بقوله عز قوله «وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى» فيما سبق «نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» خاصة من دون النّاس فيا أكمل الرّسل «قُلْ» لهؤلاء الكذبة إذا كنتم تزعمون ذلك «فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ» التي ترتكبونها، لأن المحب لا يعذب حبيبه ولا يوقعه بما يوجب تعذيبه، ولهذا ردّ الله عليهم بقوله «بَلْ» ليس الأمر كما ذكرتم لأنكم «أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ» لا أبناؤه ولا أحباؤه وهو المختار بأمر خلقه «يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ» من عباده كما تقتضيه كلمته الأزلية لا مانع لما يريد، ولا راد لحكمه، «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» (18) لا إلى غيره. وبسبب هذه المقالة أن اليهود يقولون إن الله أوصى إلى إسرائيل إني أدخل ولدك النّار أربعين يوما بقدر مدة عبادتهم العجل، ثم أخرجهم، فلذلك يعنون أن الله يعطف عليهم كعطف الأب على ولده، وهذا معنى ما حكاه الله عنهم في قوله (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) الآية 80 من البقرة المارة وهي مكررة في غيرها، وإن النّصارى تأولوا قول المسيح أثناء حديثه لهم (إني أذهب إلى أبي وأبيكم) وقوله لهم (إذا صليتم قولوا يا أبانا الذي في السّماء تقدس اسمك) ، فذهبوا إلى ظاهر هذا القول وقالوا إن المسيح ابن الله؟ راجع الآية 32 من سورة التوبة الآتية، لأنهم لم يعلموا مراد المسيح إذا صحت هذه المقالة عنه بأن الأب الأكبر لهذا البشر كله هو الله ربه ومربيه ومدبر أمره وهو أشفق عليهم من أبيهم الصّلبي، فلهذا وبسبب انتسابهم لأسلافهم الأوائل

ص: 310