المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب قصة برصيصا الراهب وكفره وجريج الراهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب قصة برصيصا الراهب وكفره وجريج الراهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

ما ترونهم وتظنون بهم «ذلِكَ» اجتماعهم في الأجسام وتفرقهم في القلوب وشدة بأسهم على بعضهم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ» (14) أوامر الله ونواهيه فيبهتون ويتحيرون ولو عقلوا لما كان هذا شأنهم، مثلهم يا سيد الرّسل «كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» أهل مكة ومن حذا حذوهم «قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ» في حادثة بدر وهذا عذابهم في الدّنيا «وَلَهُمْ» في الآخرة «عَذابٌ أَلِيمٌ» (15) لاتقواه قواهم ومثل المنافقين الّذين وعدوهم بالمعونة وتعهدوا لهم بالنصرة ثم خذلوهم «كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ» (16) من عاقبة الكفر الوخيمة ولهذا «فَكانَ عاقِبَتَهُما» أي الشّيطان المغوي للانسان والإنسان التابع لإغوائه «أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ» (17) أنفسهم باتباع أهوائهم وشياطينهم، وبئس الجزاء.

‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

هذا والمراد بهذا الإنسان على ما رواه عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب في الفترة اسمه برصيصا، عبد الله في صومعته سبعين سنه لم يعص الله طرفة عين فجمع إبليس مردته وقال لهم أيكم يكفيني أمره؟ فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء أنا أكفيكه فذهب إليه وناداه فلم يجبه لانشغاله في صلاته، فقام الملعون يصلي أيضا، فلما انفتل برصيصا من صلاته رأى رجلا على هيئة الرّهبان يصلي فلام نفسه وقال له إنك ناديتني وأنا مشغول بصلاتي فما حاجتك؟ قال جئت أتأدب بأدبك وأتعبد معك فتدعو لي وأدعو لك، قال له إني لفي شغل عنك، وأقبل على صلاته وأقبل الخبيث على الصّلاة أيضا وبقي أربعين يوما معه لم يلتفت إليه، ثم قال له برصيصا ما حاجتك معي؟ قال تجعلني معك في صومعتك فجعله لما رأى من عبادته وأقام معه سنة لا ينظر إليه إلّا في كلّ أربعين يوما مرّة، ثم أعجب برصيصا حاله فقال الأبيض لبرصيصا كان بلغنا عنك غير الذي رأيت منك، وإن لي صاحبا هو أشد اجتهادا منك، وإني منطلق إليه، وسأعلمك كلمات يشفي الله بهن السّقيم،

ص: 100

فعله وتركه، وقد عرف الخبيث أنه لا يمكن إغواؤه إلّا من قبل النّساء لأنهن من أوثق الخدع لصيد الأتقياء، ثم ذهب فتعرض لرجل وقال لأهله إن به جنونا انطلقوا به إلى برصيصا، فأخذوه إليه فدعا إليه بتلك الكلمات فبرىء من ساعته، وصار الخبيث يتعرض للناس ويرشد أهليهم لمراجعة برصيصا حتى تعرض لبنت الملك وقال لأهلها لا يبرئها إلّا برصيصا، اذهبوا بها إليه واتركوها عنده، فإذا عوفيت فردوها، فأخذوها إليه فبرئت، فأرادوا إبقاءها عنده لئلا يعود إليها الجنون، فلم يفعل، فجاءهم الخبيث وقال لهم ابنوا لها صومعة بجانب صومعته وضعوها فيها وقولوا له هذه أمانتك واجعلوها تشرف عليه حتى إذا عاد عليها ما بها دعا لها فتبرا، ففعلوا وتركوها فصار كلما انفتل في صومعته رآها فوقع في قلبه حبّها لما هي عليه من الجمال، فوجد الخبيث فرصة وصار يتعرض لها الفينة بعد الفينة وبرصيصا يدعو لها فتبرأ، ثم وسوس له أن يواقعها ويتوب، فلم يزل به حتى واقعها، فحبلت فقال له الشّيطان ويحك انفضحت اقتلها وتب، وقل لأهلها ذهب بها شيطانها، ففعل ودفنها ورجع إلى صلاته، فجاء إخوتها فسألوه عنها فقال لهم ذلك، فرجعوا فجاءهم الشّيطان بالمنام وأخبرهم بالقضية فلم يكترثوا، فوالى عليهم مجيئه، فانطلقوا فرأوا الأمر كما رأوا، فأنزلوا برصيصا من صومعته مكتفا وهدموا صومعته وعلقوه فجاء الخبيث وقال أنا الذي علّمتك الكلمات اسجد لي وأخلصك، فسجد له بطرفه فقال له كفرت بربك إني بريء منك، إني لست مستحقا للسجود، إني أخاف الله من أن أشرك أحدا في عبادته. قالوا ومنذ ذلك اليوم طمع أهل الفسق بالرهبان والأحبار ورموهم بالبهتان حتى كان من أمر جريج الرّاهب ما كان فبرأه الله تعالى. وخلاصة قصته أن أمه نادته وهو في صلاته فلم يرد عليها، فجاءته من الغد ونادته فلم يرد عليها فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكانت بنو إسرائيل تعجب من عبادته فقالت لهم الباغية إن شئتم فتنته لكم، قالوا نعم، وهذا من جملة حسدهم، قاتلهم الله، فبدل أن يعملوا عمله ويتبركوا بأمثاله أرادوا ردّه عن هداه ليس إلّا حسدا أخزاهم الله، فذهبت تلك المومسة ومكنت من نفسها راعيا فحملت منه، فلما ولدت قالت هو من جريح، فأنزلوه من صومعته وهدموها

ص: 101

وصاروا يضربونه ويعنفونه ويقولون له زنيت! وأرادوا رجمه، فقال لهم أمهلوني أصلي وافعلوا بي ما شئتم فأمهلوه، فصلى وانفتل إلى الغلام، فقال له من أبوك؟

قال الرّاعى، فأقبلوا عليه يعتذرون منه ويستسمحونه وأعادوا له صومعته كما كانت. ولهذا حتى الآن والنّاس يسيئون الظّنّ بعلمائهم والحق معهم، لأن العلماء الآن لا يتورعون عن مخالطة الفسقة من ولاة الأمور وغيرهم، بل صاروا يتنافسون بصحبتهم، وأمثال هؤلاء لا يتسمّون علماء حقيقة لأن العالم من يخشى الله فلا ينافق ولا يداهن، ولهذا فإنه قد يقع من أناس متصفين بهيئة العلماء ما لم يقع من أفسق الفاسقين، فيكثر القول في العلماء العاملين تبعا للضالين من غير تفريق. فلو أن أهل العلم صانوه صانهم من رمي أمثال هؤلاء ولو عظموه فلم يبذلوا أنفسهم لأهل الدنيا لعظمهم في أعينهم، ولكنهم لم يفعلوا ففعل بهم ما أهانهم، فلا حول ولا قوة إلّا بالله، راجع الآية 23 من سورة ابراهيم المارة في ج 2، والآية 50 من سورة الأنفال المارة فيما يتعلق بكيد الشّيطان مع البشر والآية 29 من سورة يوسف في ج 2 فيما يتعلق بمن نطق بالمهد. روى أبو هريرة عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلم في المهد إلّا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج والرّضيع الذي قالت له أمه اللهم اجعله مثل هذا. تريد رجلا أعجبها هيئته فترك ثديها وقال اللهم لا تجعلني مثله. في حديث طويل أخرجه مسلم بتمامه والبخاري مفرقا ولم بعد شاهد يوسف في هذا الحديث لاختلاف العلماء فيه كما بيناه في الآية المذكورة من سورته بصورة مفصلة فراجعها. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ» في أداء ما أوجبه عليكم والتجافي عما نهاكم عنه قبل حلول يوم القيامة لأن الدّنيا يوم وغدها الآخرة فتزودوا من الأعمال الصالحة إليه فينبغي للعاقل أن ينظر ما يقدم لغده من أيّام الدّنيا إن كان خيرا زاد منه، وإن كان غير ذلك أقلع عنه، لأن الدّنيا مزرعة الآخرة وإن كل إنسان يحصد ما يزرعه من حلال وحرام فينال خيره وشره، لا يعزب عن علم الله منه شيء «إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» (18) في هذه الدّنيا سرا وعلانية وما تدخرونه لآخرتكم «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ» فلم يذكروه في

ص: 102

الرخاء والسّرّاء «فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ» ولم يوفقهم لعمل الخير ولم ينظر إليهم حال الشّدة والضّراء، قال صلى الله عليه وسلم تعرّفوا إلى الله بالرخاء يعرفكم بالشدة «أُولئِكَ» الناسون ربهم «هُمُ الْفاسِقُونَ» (19) الخارجون عن طاعته «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ» الغافلون عن الله الجاحدون رسله وكتبه واليوم الآخر «وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ» المصدقون بذلك كله المديمون ذكر الله «أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» (20) برضاء الله ونعيم الآخرة والشّرف برؤية ربهم وأصحاب النّار الخاسرون الدّنيا والآخرة المحرومون من نعيم الجنّة المعذبون فيها

«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ» وجعلنا فيه التمييز كما جعلناه فيكم أيها النّاس «لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» فيجدر بكم أيها المؤمنون أن تخشعوا وتخضعوا لتلاوته وأوامره. راجع الآية 142 من الأعراف وانظر كيف دك الجبل بمجرد تجلي الله تعالى عليه مع أنه لا يعقل ولكن الله تعالى يضع فيه العقل إذا شاء حتى انه إذا أنزل عليه كلامه خشع وتصدع وهذا مثل ضربه الله لكم أيها النّاس لتعتبروا لأنكم أنتم الّذين يجدر بكم أن يصدر منكم ذلك «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (21) فيها فيعتبرون ويتعظون، تشير هذه إلى قساوة قلوب النّاس وفيها تهديد لهم، قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) الآية 12 من سورة الزمر ج 2 وبعد أن بين الله عظمة كتابه ذكر بعض عظمة أسمائه فقال تعالى «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» (22) الذي أنزل عليكم كتابه رحمة بكم وأرسل إليكم رسله نعمة لكم فقدروا رحمته واشكروا نعمته ليتفضل عليكم بجنته واعلم أن الغيب كلّ ما غاب عن الخلق فكل ما لا يعملونه هو عالم به كالمشاهد له لا فرق عنده بين الغائب والحاضر إذ لا يعزب عن علمه شيء ولا غيب عليه والغيب بالنسبة لنا، أما هو جل شأنه فالغيب والشّهادة عنده سواء «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» المتصرف بالأمور خفيها وجليها «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ» الطاهر المنزه عن سمات خلقه المبرأ من كلّ عيب ونقص في الماضي والحال والمستقبل «السَّلامُ» الذي لا يطرأ عليه شيء مما يطرأ على خلقه من الحوادث سابقا وآنا ولاحقا وهو اسم مبالغة المسالم «الْمُؤْمِنُ» خلقه

ص: 103

المؤمنين من عذابه وغير المؤمنين من ظلمه «الْمُهَيْمِنُ» الرقيب الشّهيد القائم على خلقه وعلى هذه المعاني جاء قوله:

ألا إن خير النّاس بعد نبيه

مهيمنه التالية في العرف والنّكر

ويأتي بمعنى الحافظ العلي وبمعنى الآخر قال العباس يمدح رسول الله في أبيات منها:

حتى احتوى بينك المهيمن من

حنذف علياء زانها النّطق

واحتوى هنا بمعنى جمع والمهيمن العلي والحنذف وصف امرأة الياس بن مضر ليلى بنت حلوان بن عمران والحنذفة الهرولة والمشي بتبختر وليس مرادا هنا وقال بعضهم لا يعلم معناه إلّا الله وأنشد:

جل المهيمن عن صفات عبيده

ولقد تعالى عن عقول أولي النّهى

راموا بزعمهم صفات مليكهم

والوصف يعجز عن مليك لا يرى

«الْعَزِيزُ» الذي لا يغلبه غالب ولا يفلت منه هارب الواجب الطّاعة فيما يأمر وينهي النّادر الذي لا مثيل له القوي الذي لا يجارى «الْجَبَّارُ» العظيم الشّأن في القدرة والسّلطان والقهر الذي لا يدانى ولا يحجزه عن إرادته حاجز «الْمُتَكَبِّرُ» البليغ في كبريائه الذي لا يحيط به شيء وهذه والتي قبلها صفتان ممدوحتان في الخالق مذمومتان في المخلوق «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (23) به من خلقه من لا يستحق شيئا من هذه الصّفات الجليلة ولا يقدر على خلق شيء من مخلوقاته ولا على حفظ نفسه من العاهات تنزه عن الشّريك والمثيل والنّدّ والشّبيه «هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ» للوجد الأعيان من العدم إبداعا واختراعا وإنشاء «الْمُصَوِّرُ» خلقه في الأرحام والبيض والأكمام والطّين وغيرها ومكونها بما هي عليه كما شاء الذي جعل لكل منها ميزة على الآخر على كثرتها واختلافها فسبحانه من إله قادر متكبر «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» الكريمة الشّريفة الدّالة على معان كثيرة راجع الآية 8 من سورة طه ج 1 تجدها كلها هناك مع ما يخطر ببالك عنها وإن له تعالى أسماء غيرها لا تعد ولا تحصى حيث يشتق له من كلّ ما يقع في ملكه اسم «يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» من كلّ نام وجامد بلسان القال والحال «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (24) في أفعاله وأقواله وآثاره وقد ختمت

ص: 104