المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

قال تعالى «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا» إذا قتلوا الأنفس فقط «أَوْ يُصَلَّبُوا» إذا أخذوا المال مع القتل تشديدا للعقوبة «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ» اليمنى مع الرّجل اليسرى أو الرّجل اليسرى مع اليد اليمنى إذا أخذوا المال فقط «أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ» إذا وجدوا في الطّريق وأخافوا النّاس أو في البرية أيضا لغاية القتل والنهب والسّلب ولم يقع منهم قتل ولا أخذ مال فينفوا إلى مكان لا يتمكنون معه من القيام بهذه المفاسد، وفي حبسهم معنى النّفي وأبلغ «ذلِكَ» الذي كتبه الله على هؤلاء المفسدين من الحد يكون «لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا» وهوان بين المجتمع الإنساني، وذل يأنفه كلّ ذي عقل، ويتباعد عنهم كلّ ذي مروءة، وينفر منهم كلّ شهم «وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» (33) عند الله إذا ماتوا قبل توبتهم، فإذا تابوا وكانوا مسلمين أو كانوا كافرين فأسلموا وسلّموا أنفسهم لإجراء الحد عليهم فعقوبتهم الدّنيوية هي ما ذكر في الآية وهي كفارة لهم، وإن لم يسلموا أنفسهم وبقوا على طغيانهم فهم في خطر المشيئة، أما الكفار إذا أسلموا بعد ذلك فإسلامهم كفارة لهم لأن الإسلام يجبّ ما قبله، وإنما يلزم بعده أداء الحقوق الشّخصية فقط «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا» من كفرهم ومحاربتهم لله ورسوله وتركوا الإفساد في الأرض «مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ» بأن أمسكتموه وكانوا في قبضتكم، فهؤلاء لا سبيل لكم عليهم على مطلق الإضافة، أما إذا كانوا قاتلين أو ناهبين، فأولياء القتيل لهم طلب القصاص أو العفو وأخذ الدّية وأهل المال لهم طلبه منهم أو تركه، والله تعالى يقبل توبتهم فلا طريق لأولي الأمر عليهم إذا أقلعوا عما كانوا عليه من تلقاء أنفسهم ولهذا قال تعالى منبها على ذلك «فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (34) لأمثال هؤلاء وبعد مغفرة الله لا حقّ لأولياء الأمر أن يعاقبوهم لأنهم وكلاء الله في أرضه وليس للوكيل أن يفعل شيئا نهاه عنه موكله إذا أسقطه. هذا وإذا كان النّائبون

ص: 322

قبل القبض عليهم كفرة فلا يطالبون بالقصاص لما ذكرنا من أن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تدرا الحدود الواجبة حال الكفر، وذلك ليكون داعيا للاسلام، وإذا علم أنه مطالب بما فعل حال كفره، بعد الإسلام لا يسلم. وحكم هذه الآية عام ومستمر الى يوم القيامة وإن نزولها بحق جماعة مخصوصين كان شأنهم ذلك لا يقيدها بهم ولا يخصصها فيهم، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن أناسا من عكل وعرينة قدموا على النّبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة. فأمر لهم صلى الله عليه وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعى النّبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النّبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطّلب في أثرهم فحلقهم وأخذهم، فاعترفوا لحضرة الرّسول بجرمهم، ولم يبدوا عذرا يدرا الحد عنهم، فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة (محل بظاهر المدينة تحت واقم) حتى ماتوا على حالهم.

قال قتادة بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصّدقة وينهى عن المثلة، زاد في رواية قال قتادة فحدثني بن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود قال أبو تلابة فهؤلاء قوم كفروا وقتلوا وسرقوا بعد ايمانهم وحاربوا الله ورسوله فأنزل الله فيهم هذه الآية وصار العمل عليها حتى الآن والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا وينبغي صلب مثل هؤلاء المفسدين على الطّريق العام ليكون أبلغ في الزجر، ويختار الحبس على النّفي إذا تيقن أنه يؤذي في المحل الذي ينفى اليه، وإذا تاب هؤلاء المفسدون بعد القبض عليهم فلا تقبل توبتهم لأنها لا تكون خالصة بل للتخلص من الحد وهي توبة لا قيمة لها كالتوبة حال اليأس، لذلك يجب أن تقام عليهم الحدود المذكورة في هذه الآية، قالوا إن داود باشا حاكم العراق في القرن الثاني عشر للهجرة قد اشتهر بالعدل والتقوى وأعمال الخير وأفعال البر وإنشاء الجسور وإصلاح الطّرق وعمارة البيوت للفقراء وبناء المساجد والجوامع والتكايا، وصار يصرف جميع واردات العراق في هذه الجهات وشبهها، وكان له خادم فقتل نفسا فأمر بقتله، فاختفى ثم دخل عند الشّيخ خالد النّقشبندي ذي

ص: 323

الجناحين دفين دمشق، فبلغ الشّرطة خبره فحضروا ليأخذوه، فلم يسلمه للشرطة فحضر داود باشا بنفسه وتحاجّ مع الشّيخ وتلا عليه هذه الآية، فقال له الشّيخ إنه تاب قبل أن تقدروا عليه، وتوبته مقبولة بحكم هذه الآية، فلم يقبل الحاكم وطلب تسليمه ليقتله بحكم الآية الأولى، فصاح عليه الشّيخ لا أرسله لك يحكم الآية الثانية، فأغمي عليه ولما أفاق قبل يدي الشّيخ واستعفاه وقبل توبته وأدى الدّية لأهله بعد أن عفا أهل القتيل عنه وقالوا إنه حينما صاح الشّيخ رأى الحاكم نفسه بين يدي سبع يريد أن يلتقمه كرامة من الشّيخ، ولهذا فعل ما فعل، وهذا الحاكم غضب عليه السّلطان لعدم رفع شيء من واردات العراق إلى الخزينة العامة وأرسل من يقتله إذا لم يسلم نفسه اليه، ولما سلم نفسه اليه لم ير السّلطان ما يوجب قتله إذ تبين له أنه صرفها بصورة شرعية، فعفا عنه وأرسله إلى المدينة خادما للحرم الشّريف، فليحسنه فصار يكسو الحجرة الشّريفة بعد المكسة إلى أن توفي رحمه الله رحمة واسعة. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» بفعل الطّاعات والعمل بما يرضيه جل شأنه من صلة الرّحم والتصدق على الأرامل والفقراء وقضاء حوائج العاجزين والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فهذه وما يشبهها كلها وسائل إلى الله تعالى تقرب العبد منه وتطلق الوسيلة على الحاجة قال عنترة:

إن الرّجال لهم إليك وسيلة

أن يأخذوك تكحلي وتخصّبي

وعلى هذا يكون المعنى اطلبوا حاجاتكم من الله لا من غيره فإنه بيده مقاليد السموات والأرض، والوسيلة منزلة في الجنّة، قال صلى الله عليه وسلم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنّة لا ينالها إلّا عبد واحد وأرجو أن أكون أنا هو. وجاء في حديث آخر من قال حين يسمع النّداء (الأذان) اللهم رب هذه الدّعوة التامة والصّلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة. واستدل بعض النّاس بهذه الآية على جواز الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة فيما بينهم وبين الله تعالى، وتحقيق الكلام في هذا أن الاستغاثة بالمخلوق الحي وجعله وسيلة بمعنى أنه يطلب الدّعاء منه لا شك في جوازه ولا يشترط

ص: 324