المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62 - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ»

أصحابه الّذين آمنوا به «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» على إعلاء كلمته وإظهار دينه وخلاص عباده مما يشينهم «قالَ الْحَوارِيُّونَ» ملبّين دعوته رغبة بما وعدهم الله على لسانه «نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ» جنوده المجيبون لأمره المؤدون لشعائره المعينون له على أعدائه، أي كونوا أنتم يا أمة محمد مثل هؤلاء الأبرار لتفوزوا بخير الدّنيا والآخرة، فجاهدوا بأموالكم وأنفسكم مع إمامكم مع سلطانكم مع أميركم، ولا تهنوا وقد كنتم الأعلون «فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ» بالسيد عيسى عليه السلام وأجابت دعوته وجاهدت في سبيل الله فغنمت، إذ نشرت دعوته بعد رفعه بين النّاس، فآمن بهم خلق كثير فعلى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتعاونوا ويقوموا دائما ببث دعوته والسّعي على طريقته ليفوزوا ببغيتهم ويظفروا بأعدائهم، فتعلو كلمتهم فيحوزون خير الدّنيا والآخرة، ولا يكونون لا سمح الله مثل المعنيين بقوله جل قوله «وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ» به فلم تجب دعوته ولم تؤمن به ونصبت له العداء من أجل تكليفهم لهدى الله ونفعهم بآلائه فخسرت وخابت. فكونوا يا أمة محمد من الطّائفة الأولى التي ملأت الأرض لتعلو كلمتهم ويرفع مجدكم فتدخلوا في قوله تعالى «فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ» وعدو ربهم «فَأَصْبَحُوا» أولئك المؤمنون «ظاهِرِينَ» (14) على الكافرين اللهم أيد المؤمنين على الكافرين برحمتك يا أرحم الرّاحمين. هذا والله أعلم. وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.

‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

نزلت بالمدينة بعد سورة الصّف. وهي إحدى عشرة آية، ومائة وثلاثون كلمة وتسعمئة وعشرون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها. بدئت سورة التغابن بما بدئت به فقط، ومثلها في عدد الآي سورة المنافقين والضّحى والقارعة والعاديات فقط، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.

ص: 253

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى «يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» من دابة وجماد وجن وإنس وملائكة وحوت وطير لهذا الإله الجليل «الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» (1) في ملكه وحكمه. واعلم أن التسبيح ثلاثة أقسام خلقه وهو إذا نظرت إلى كلّ شيء من المكونات الإلهية، دلتك خلقته على وحدانية الله تعالى وتنزيهه، وأنه الخالق الموجد له ومعرفة وهو جعل الله تعالى في كلّ شيء ما يعرف به ربه، بحيث لو سألته من سماك وسواك ينطق بلسان حاله أو قاله بلا تردد أو توقف معترفا بأن الله تعالى مكونه ومميزه عن غيره، يدلك هذا قوله عز وجل (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الآية 15 من سورة الإسراء ج 1، وضرورة بان يجري الله تعالى لفظ تسبيحه وتنزيهه عما لا يليق به على كلّ جوهر أوجده في كونه من غير معرفة له بذلك، راجع أول سورة الحديد المارة. واعلم أن هذا الإله العظيم المعلوم لدى كلّ خلقه المسبح بكل لسان «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ» أهل مكة ومن حولها لأنهم لا يقرءون ولا يكتبون ولا يحسبون «رَسُولًا مِنْهُمْ» أمّيّا مثلهم ومن جنسهم فجعله «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ» التي أنزلها عليه لإرشادهم ونصحهم، وهذه معجزة دالة على تصديقه كافية عن كلّ معجزة «وَيُزَكِّيهِمْ» بذلك من دنس الشرك ودون الكفر ووسخ العصيان «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ» الذي أمره الله بتلاوته عليهم ليعرفوا معالم دينهم وما يرمي إليه «وَالْحِكْمَةَ» يعلمها لهم أيضا وهي الفقه فيه ليفطنوا لمراميه ويعلموا مغازيه ويتفهموا تعاليمه الحكيمة التي ترفع شأنهم بين الأمم وتعلى كلمتهم عليهم وتهديهم إلى طرق النّجاح والفلاح «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ» بعثته إليهم «لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (2) ظاهر وهم مائلون عن الحق وطرقه لا يميزون بين الحلال والحرام، غافلون عما شرعه الله لأمم الأنبياء يدينون بما تسول لهم أنفسهم يتبعون شهواتهم في ذلك، تراهم عاكفين على عبادة الأوثان مع علمهم بأنها لا تضر ولا تنفع، مائلين إلى هوى أنفسهم، لا يدينون بدين، ولا يعرفون رب العالمين. واعلم أن هذه التي بصدر هذه الجملة مخففة من الثقيلة واسمها محذوف (أي أنهم)

ص: 254

مطلب الفرق بين إن النّافية والمخففة ومما يدل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم والفرق بين لم ولما:

ووجود اللام في (لَفِي) دليل عليها وتسمى اللام الفارقة بين النّافية التي هي بمعنى ما وإن المخففة، لأن اللام لا تأتي بعد إن النّافية «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ» عطف على الأميين وهم كلّ من آمن بهذا النّبي الأمي واتبع دينه إلى يوم القيامة «لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ» لم يدركهم وسيجيئون بعدهم، أي فكما أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث لأهل مكة ومن حولها في ذلك الزمن مبعوث أيضا للأجيال الحادثة الآتية بعدهم وهذه الآية أيضا فيها دلالة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم التي المحنا إليها في الآية 28 من سورة سبأ في ج 2 وعلى كونه خاتم الأنبياء كما أشرنا في الآية 40 من سورة الأحزاب المارة، وعلى فضله العام المنوه به في الآية 253 من سورة البقرة المارة ولهذا البحث صلة في الآية 158 من سورة الأعراف في ج 1 فراجعها. واعلم أن النفي بلمّا متصل إلى زمن التكلم بخلاف النّفي بلم فإنه منقطع عنه، فإذا قلت جئت ولم يأت زيد مثلا فيحتمل أنه جاء بعد مجيئك، وإذا قلت ولما يأت فيكون المعنى لم يأت إلى زمن التكلم. هذا وجاء في الحديث المخرج في الصّحيحين عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عند النّبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ وآخرين منهم إلخ قال له رجل يا رسول الله من هؤلاء الّذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه حتى سأله ثلاثا، قال وسلمان الفارسي فينا فوضع رسول الله يده على سلمان وقال والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هولاء. راجع الآية الأخيرة من سورة القتال سورة محمد صلى الله عليه وسلم المارة لتعلقها بهذا البحث. واعلم أن هذا الحديث لا يخصص الآية بالفرس والأكراد ولا يقيدها بهم كما قال بعضهم لأن الآية عامة فيهم وفي غيرهم إلى يوم القيامة من كلّ من يأتي بعد ويدين بدين الإسلام من الملل والنّحل كافة، لأن المسلمين أمة واحدة عربهم وعجمهم أبيضهم وأحمرهم أسودهم وسمرهم وأصفرهم «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (3) الذي أيد هذا النبي الأمي ومكّنه في أمره العظيم ونصره على من أرسله إليهم ونشر دينه في مشارق الأرض ومغاربها «ذلِكَ» الفضل الذي خص به هذا الرّسول المحترم

ص: 255

هو «فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده برحمته ولطفه لا بعمل ولا بقوة قال في الجوهرة:

ولم تكن نبوة مكتسبة

ولو رقى في الخير أعلى عقدة

وقال تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الآية 124 من سورة الأنعام ج 2 «وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (4) على خلقه ومن أعظم فضله عليهم إرسال محمد صلى الله عليه وسلم لهدايتهم وإنقاذهم من الظّلمات إلى النّور، وأعظم فضله على أنبيائه أن خصهم برسالته، وجعلهم هداة لخلقه. واعلم أن مطلق الفضل يمنّ به الله على من من يشاء من عباده، وقد يكون لسبب اجتهاد العبد سواء كان دنيويا أو أخرويا أما النّبوة فلا تكون بالاجتهاد أبدا ولو قام اللّيل وصام النّهار طول عمره وتصدق بجميع ما عنده. قال تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ» فكلفوا علمها والعمل بها من الحمالة بالصدر والقلب لا من الحمل على الظّهر أو الأيدي «ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها» فلم يعملوا بها ولم يقوموا بحقها ولم يؤدوا ما افترضه الله عليهم بها، لأن من علم الشيء ولم يعمل به فكأنه لم يعلمه، فمثله في حالة هذه «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» كتبا عظاما جمع سفر وهو الكتاب الكبير الضّخم فوبخهم الله تعالى على مبلغ علمهم فيما أنزله إليهم وصدودهم وحدهم عنه بقوله جل قوله «بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسوله لإرشادهم «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (5) أنفسهم لعدم قبولهم نعمة الله وتكذيبهم بآياته ولا يوجد بالقرآن آية مبدوءة بكلمة بئس إلّا هذه والآية 11 من الحجرات المارة وهذا مثل ضربه الله لليهود والّذين أعرضوا عمّا في التوراة وعن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما أعرضوا عن الإيمان بعيسى عليه السلام إذ لم ينتفعوا بما فيها ولا بما تلقوه من آثار الأنبياء السّالفين فلم يهتدوا بهديهم، لأن من جملة هدى التوراة والأنبياء الّذين عملوا بها الإيمان بالرسل الّذين يأتون بعد موسى الّذين منهم عيسى ومحمد وقد كفروا بهما، ولذلك شبهوا بالحمار الذي يحمل الكتب على ظهره ولم يدر ما هي فلا ينتفع بها، ولا فرق عنده بين أن يحملها أو يحمل حطبا، وهذا المثل يدخل فيه من يقرأ القرآن ولم يعمل به ولم يفهم مراده من معانيه، ولا

ص: 256

مغازيه من مراميه، ولم يفطن لما انطوى عليه من حكم وعلوم، وكذلك من أعرض عنه اعراض من لا يحتاج إليه وهجره في بيته كالمتاع الذي لا يسأل عنه، وهؤلاء هم الّذين شكاهم الرّسول إلى ربه بقوله تعالى (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) الآية 21 من الفرقان في ج 1. ويدخل هذا في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) الآية 124 من سورة طه في ج 1. ومما يؤسف أن أكثر أهل هذا الزمن هكذا وخاصة الشّباب الّذين لا يهمهم شأنه لانصرافهم إلى الكتب الحديثة التي لا علاقة لها بالدين والقرآن وتوغلهم في الرّوايات والقصص وغيرهما مما هو كذب وتخيل، وترى الفصيح منهم يقرأ السفر فلا يغلط فيه وإذا قرأ آية من القرآن يتخبط فيها فلا حول ولا قوة إلا بالله، يا ويح آبائهم ويا خسارتهم اللهم اهدهم وسائر المسلمين إلى سواء السّبيل واحفظهم من أن يدخلوا في معنى هذه الآية قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ» محمد فمن دونه وتقولون نحن أبناء الله وأحباؤه «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (6) في زعمكم لأن ما بينكم وبين الله إلّا الموت والمحب حريص على الاجتماع مع محبوبه وسريع الطّلب إلى الالتحاق به والآخرة لأحباب الله خير من الدّنيا ولكنكم كاذبون في دعواكم قال تعالى ردا على زعمهم هذا «وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» من الكفر المبعد عن الإيمان بالله فضلا عن تلبسهم بالجحود والظّلم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» (7) أمثالهم الّذين يكرهون الموت لما فيه من الويلات عليهم وتهالكهم على الدّنيا وتكالبهم على البقاء راجع الآية 96 من البقرة المارة المصدرة بلن وهذه بلا وكلاهما نفي للمستقبل إلّا أن لن أكد من لا بالنفي وقد جاءت الآية الأولى بالتأكيد وهذه بدونه قال تعالى «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ» حتما لا ينجيكم منه أحد ولا مهرب منه راجع الآية 78 من سورة النساء «ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (8) في هذه الدّنيا ويجازيكم بحسبه إن خيرا فخير

وإن شرا فشر.

ص: 257