المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطمع والجبن وغيرها: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطمع والجبن وغيرها:

يعيبون ويطعنون «الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ» المتبرعين بها غير المفروضة عليهم، يريدون عبد الرّحمن بن عوف وعاصم بن عدي من الأغنياء إذ تصدق الأوّل بأربعة آلاف درهم في يوم واحد، والآخر بمائة وسق من تمر فبارك الله لهما، حتى أن بلغت تركة عبد الرّحمن لزوجاته من النّقد فقط مئة وستين ألف درهم «وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ» أي الفقراء الّذين يتصدقون بالقليل ويعنون بهم أبا عقل الأنصاري وأمثاله، إذ تصدق بصاع من تمر، ومنهم من تصدق بدرهم، فقالوا تصدق الأولان رياء وسمعة وعابوا الآخرين على قلة صدقتهما، وهم لا يتصدقون بقليل ولا كثير، قاتلهم الله ما ألعنهم وأخسّهم.

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود البدوي قال: لما نزلت آية الصّدقة كما نحمل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا هذا مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله لغني عن صاع، فنزلت هذه الآية «فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ» فيقولون هؤلاء الأغنياء لا عقول لهم، إذ يبذرون أموالهم، وهؤلاء الفقراء لا عقول لهم إذ يتصدقون وهم محتاجون، وصاروا يهزأون بالفريقين، فوبخهم الله بقوله «سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ» وأهانهم وأذلهم وجازاهم على فعلهم هذا الذم والهوان في الدّنيا «وَلَهُمْ» في الآخرة «عَذابٌ أَلِيمٌ» (79) ، وللمتصدقين ثواب عظيم، لأنهم لم يتصدقوا إلّا لمرضاة الله طلبا لثوابه، وكلّ متصدق يتصدق على قدر طاقته قال صلى الله عليه وسلم تصدقوا ولو بشق تمرة. وجاء في حديث آخر فضل درهم ألف درهم، في تصدق فقير بدرهم وغني بألف، لأن الغني يتصدق عن سعة، والفقير عن حاجة. وقال تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) الآية 9 من سورة الحشر المارة. وقال تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) الآية 9 من سورة الدّهر المارة أيضا.

‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

وخلاصة القصة هو أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فقال صلى الله عليه وسلم ويحك يا ثعلبة،

ص: 462

قليل يؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه، ثم أتاه بعد ذلك فكرر مقالته، وقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كلّ ذي حق حقه، فقال له أما لك أسوة في رسول الله، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه الثالثة فكرر مقالته، فقال والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كلّ ذي حق حقه، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا.

فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت بها المدينة، فتركها ونزل واديا منها، وصار يصلي الظهر والعصر مع الرّسول، وبقية الأوقات في محل غنمه، ثم تباعد بها عن المدينة فصار لا يشهد إلّا الجمعة مع حضرة الرّسول بالمدينة، ثم تباعد بها حتى صار لا يشهد جماعة ولا جمعة، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن غنمه نمت حتى صارت لا يسعها واد، فتباعد بها عن المدينة، فقال يا ويح ثعلبة، حيث ألهته غنمه عن حضور الصلوات مع حضرة الرّسول، فحرم من مشاهدته ومن ثواب الجمعة والجماعة وفضيلة المسجد بسبب ما طلبه، وهذا ما كان يتوخاه حضرة الرّسول فيه، فسوّفه مرارا ليعدل عن طلبه ولم ينجح به، فدعا له فكان من أمره ما كان، ولما حان جمع الصّدقات بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ الصّدقة وكتب لهما ما يجب أخذه، وقال لهما مرّا على ثعلبة ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما، فجاءا ثعلبة وأقرآه كتاب رسول الله، فقال ما هذه إلّا جزية، عودا علي إذا فرغتما، فجاءا السلمي وقد سمع ما قاله ثعلبة، فقام وأعطاهما خيار ماله، وقال لهما إن نفسي طيبة بذلك، وبعد أن جمعا صدقات النّاس وعادا بها مرا عل ثعلبة، واستقرأهما كتاب رسول الله ثانيا وقال ما هذه إلّا أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، فلما أقبلا على رسول الله، قال لهما قبل أن يتكلّما يا ويح ثعلبة، وهذه معجزة منه صلى الله عليه وسلم، إذ أخبره الله بما وقع منه، وقاله لعمال الصّدقة ثم أخبراه بما فعل، فأنزل الله هذه الآيات، فذهب رجل من أقاربه فأخبره بما نزل فيه، فأتى رسول الله وكلفه أن يقبل صدقة، فقال قد منعني ربي من قبولها، فطفق يحثو التراب على رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم قد أمرتك فلم تطعني. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بصدقته إلى أبي بكر فلم يقبلها، فلما ولي عمر أتاه بها فلم يقبلها أيضا وكذلك

ص: 463

عثمان رضي الله عنهم، لأن حضرة الرّسول لم يقبلها، وهلك في خلافة عثمان، والحديث في هذه القضية رواه البغوي بسند الثعلبي عن أبي أمامة الباهلي، وأخرجه الطبري بسنده أيضا، وإنما لم يقبلها رسول الله جزاء لمخالفة عهد الله وإهانة له لقوله إنها أخت الجزية ليعتبر غيره، وما قيل إن هذه الآية نزلت في حاطب بن بلتعة أو متعب بن قشير فقيل ضعيف، وهي عامة في كلّ من هذا شأنه، ونزولها في ثعلبة لا يقيدها أو يخصصها فيه، لأن العبرة دائما لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب، ولما أبان للمنافقين نفاقهم، وشاع بين النّاس ما أظهره الله تعالى مما تكنه بواطنهم الخبيثة، ولم يروا بدا من الاستتار جاءوا إلى رسول الله يطلبون منه الاستغفار، فأنزل الله تعالى خطابا لسيد المخاطبين قوله جل وعلا «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» حيث قضي الأمر في شأنهم فاستغفارك لهم وعدمه سواء منهما أكثرت منه «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ» أي عدم المغفرة لهم «بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» وأصروا على كفرهم، وكمن ذلك في قلوبهم، وخرجوا عن الطّاعة «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» (80) الخارجين عن طاعته، ومن شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم ورأفته بهم لو يعلم أنه إذا استغفر لهم أكثر من سبعين مرة، وأنه تعالى يغفر لهم لفعل، ولكن سبق السّيف العذل ورفعت الأقلام وجنت الصّحف بما هو كائن،

ثم ذكر نوعا آخر من مثالبهم، فقال جل قوله «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ» ولم يذهبوا معه إلى غزوة تبوك التي هي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، وكان عليهم أن يأسفوا ويحزنوا لما فاتهم من صحبته في هذه السّفرة الطّويلة ويتأثروا على مخالفة أمره وهم بالعكس راق لهم البقاء في المدينة «وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مع رسوله وأصحابه لإعلاء كلمة الله وكسر شوكة أعدائه ونصرة أوليائه واختاروا الرّاحة والقعود مع أهليهم وأولادهم وأموالهم على مرافقة الرّسول وتكثير سواده، «وَقالُوا» لبعضهم يقصد تثبيطهم وتنفيرهم «لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ» فتهلكوا «قُلْ» لهم يا سيد الرّسل إن كان حرّ الدنيا يمنعكم عن الجهاد في سبيل الله، فتربصوا فإن مأواكم في الآخرة «نارُ جَهَنَّمَ»

ص: 464

فهي «أَشَدُّ حَرًّا» من حر الدّنيا قد أعدها الله للمتخلفين عن طاعته وطاعة رسوله، فالأجدر بهم أن يعملوا خيرا للخلاص من عذابها «لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ» (81) عاقبة أمر تخلفهم عن غزوة رسول الله ما تخلفوا، ولكنهم قوم فقدوا عقولهم فاتركهم «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا» في هذه الدّنيا الفانية على راحتهم فيها وتخلفهم عن الجهاد معك «وَلْيَبْكُوا كَثِيراً» في الدّار الآخرة الباقية على ما فرط منهم وفرحوا به «جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» (82) من الأعمال القبيحة والأفعال الخبيثة. قال علي كرم الله وجهه لابنه الحسن: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق. وإذا كانوا حمقا ولا عقول لهم فلا يرجى منهم خير ولا عود إلى الخير.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وروى البغوي بسنده عن أنس بن مالك قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها النّاس ابكوا فإن لم تستطيعوا أن تبكوا فتباكوا فإن أهل النّار يبكون في النّار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تقطع الدّموع، فتسيل الدّماء، فتفرغ العيون فلو أن سقنا أجريت فيها لجرت. فتأمّلوا رحمكم الله في هذا واعقلوا ما يراد منكم، فالعقل هو الإمام الحق والصّاحب الوفي والنّور المضيء، والشّاهد الذكي المميز الحق من الباطل، والخير من الشّر، والصّدق من الكذب، المشوّق الى العلم والحكمة، والآلف من الدّناءة والخسة، وبه توجد السّعادة العظمى والسّلامة في الآخرة والأولى، فالسعيد من جعل همه في معاده ولم يخض بما لا يعنيه، ولا يترك الخوف في أمنه ولا بيأس من الأمن في خوفه، وتدبر الأمور في علانيته وسرّه، ولم بذر الإحسان في قدرته، وحادث النّاس فيما يجهل، فإن في المحادثة تلقيحا للعقل وترويحا للقلب، وتسريحا للهم، وتنقيحا للأدب. وعليه فليأخذ ما استطاع من كلامه ففيه المزالق، وقيل فيه:

إذا فكّر الإنسان ألفى لسانه

عدوا له يجني عليه بما يجني

فإن هو لم يطلقه الفاء مطلقا

وإن هو لم يسجنه ألقاه في السّجن

ص: 465

وقال الآخر:

احفظ لسانك أيها الإنسان

لا يلدغنّك إنه ثعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانت تهاب لقاءه الشّجعان

وخفف ما استطعت من الدّنيا، فإنه لا يجتمع حب الدّنيا والآخرة بقلب واحد.

واحذرها فإنها تقمصت بجلد الشّاة على قلب الذئب، قال أبو نواس:

ألا كلّ شيء هالك وابن هالك

وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشف

له عن عدو في ثياب صديق

فالدنيا هي الدّاء الدّفين ودواؤه تركها وترك أهلها لأنهم داء لا دواء لهم، قال الحيص بيص:

يا طالب الطّب من داء أصيب به

إن الطّبيب الذي أبلاك بالداء

هو الطّبيب الذي يرجى لعافية

لا من يذيب لك الترياق في الماء

فهذا ثعلبة كيف غرّته الدّنيا فخسرها مع الآخرة بسبب الطّمع:

يا ويح من جعل المطامع قائدا

يقتاده نحو الرّدى بزمام

من كان قائده المطامع لم يفر

يوما بعيش مسرة وسلام

فنتيجة الطّمع الهلاك، فلا ثرجو خيرا من طمع:

وراعي الشّاة يحمي الذئب عنها

فكيف إذا الرّعاة لها ذئاب

قال تعالى «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ» يا حبيبي من غزوتك هذه «إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ» أي المتخلفين بلا عذر ثم جاءوك «فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ» إلى غزوة أخرى «فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا» بسبب «إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ» (83) العاجزين والصّبيان والنّساء وأرباب العاهات، فتبا لكم على اختياركم القعود معهم، أما أنا فقد أغناني الله عنكم وأرجعني وأصحابي بخير، لأن الله وعدني بذلك، ووعده حق، وقد حل بكم النّدم على اختياركم القعود وما فعلتم ولات حين مندم، وقد فاز من فاز بمرافقتي وخسر وخاب من تقاعس، وقد جف القلم بما هو كائن للفريقين. قال تعالى «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ

ص: 466