المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

قال جل قوله «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها» السعاة الّذين يفوض الإمام إليهم قبضها من الواجبة عليهم «وَفِي الرِّقابِ» العبيد المكاتبين إعانة لهم على دفع ما عليهم لأسيادهم ليتخلصوا من الرّق «وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» الحديثي عهد بالإسلام بقصد ترغيبهم فيه، فإنهم يعطون من هذه الصّدقة ليزداد نشاطهم للتمسك بأصول الإسلام، فيأتلفون عليه «وَالْغارِمِينَ» الّذين استغرقتهم الدّيون لأنفسهم لغير معصية، أو أنهم استدانوا للمعروف كمنع فتنة بين المسلمين، أو الموجود قتيل بينهم لم يعرف قالته، فاستدانوا لأداء ديته، وإن كانوا أغنياء، فإنهم يعطون من الصّدقة، لأنهم استدانوا ذلك وأعطوه من أنفسهم لإصلاح ذات البين ورفع الشّقاق بين المسلمين. روي عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحل الصّدقة لغني إلّا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لرجل أسير إعانة، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق عليه فأهدى المسكين للغني- أخرجه أبو داود مرسلا لأن عطاء هذا لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن سعيد الخدري عن النّبي صلى الله عليه وسلم بمعناه «وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» الغزاة «وَابْنِ السَّبِيلِ» المسافر الذي انقطع عن أهله وماله وإن كان غنيا في بلده، لأنه لا يطوله ولا يعرف من يقرضه في المحل الذي انقطع فيه، فهؤلاء الأصناف الثمانية يعطون من صدقة الفرض الواجبة على الأغنياء كما يعطون من غيرها أيضا «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ» لهم على حسب الترتيب الوارد في هذه الآية، لأن الفقير أحوج من المسكين، لأنه من لا مال له ولا كسب، والمسكين من لا يكفيه كسبه، راجع الآية 81 من سورة الكهف في ج 2. وقال صلى الله عليه وسلم، اللهم إني أعوذ بك من الفقر. وقال: أحيني مسكينا واحشرني مع المساكين. وهو أحوج من المؤلفة قلوبهم، وهكذا إذا اجتمعوا يقدم الأحوج في الإعطاء. واعلم أن الحصر في هذه الآية المصدرة بأداة الحصر يفيد عدم جواز دفع الصّدقة الواجبة لغيرهم، وهو كذلك كما سيأتي بعد «وَاللَّهُ

ص: 447

عَلِيمٌ»

بمصالح عباده وحاجتهم «حَكِيمٌ» (60) في تخصيص الصّدقات لهؤلاء الأصناف الثمانية. أخرج أبو داود عن زياد بن الحارث المدائني قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتاه رجل فقال أعطني من الصّدقة، فقال له صلى الله عليه وسلم إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصّدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية اجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك. الحكم الشّرعي في إيجاب الله الزكاة على عباده امتحانهم فيما آتاهم وتكليفهم ما يشقّ عليهم فعله، ليختبر الطّائع المعطي من العاصي المانع، ويظهره للناس فيعلمهم بمن له شفقة على عباده من غيره، لأن المال ماله والأغنياء وكلاؤه عليه وخزانه له، والفقراء عياله، ولأن كثرة المال تقسي القلب وتغرقه في حب الدّنيا، فأراد الله تعالى بالتصدق منه تقليل ذلك الحب لئلا تنهمك نفسه في شهوات الدّنيا ولذاتها فيهلك، ولأن المال من أول أسباب البعد عن الله تعالى، والتصدق به من أول أسباب التقرب إليه. ولا يقال هنا أن الدّين يسر ولا حرج فيه ولا يكلف الله نفسا الا وسعها الى غير ذلك من التمسك بحجج الجشعين بالمال المتكالبين عليه، لأن الله لم يكلف رب المال التصدق بكل ما عنده أو بنصفه أو عشرة حتى يكون مدار للاحتجاج، وانما كلفه بشيء يسير منه لا عسر في أدائه عليه ولا كلفة، وهو في نطاق الوسع، لأن الخارج عن الوسع هو ما لا قدرة للمرء على القيام به. ولو علم المتصدق ماله عند الله من الأجر وكانت نفسه طاهرة لأحب التصدق بما يفضل عن حاجته فضلا عن إعطائه ما فرضه الله عليه وهو ربع العشر، تطييبا لقلوب الفقراء المتعلقة قلوبهم بما في أيدي الأغنياء لينالوا نصيبهم من الانتفاع به، فيحصل على دعواتهم الخيرية، ورب دعوة صادفت وقت اجابة فينال عند الله ما هو خير من الدّنيا وما فيها. أخرج النّسائي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحلّ الصّدقة لغني ولا لذي مرّة (سوي قوي) . وأخرجا عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع وهو يقسم الصدقات، فسألاه منها فرفع فينا نظره

وخفضه فرآنا جلدين، فقال ان شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. أي لا يحل لكما أخذ شيء

ص: 448

من الصّدقة لأنكما قادران على الكسب والقادر كالغني، والغني لا يجوز له أخذ الصدقة، كما لا يجوز إعطاؤها له. هذا وإن حد الغنى المانع من السّؤال وقبول الصدقة هو ما روي عن ابن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل النّاس وله ما يغنيه جاء يوم القيمة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح، قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب أخرجه أبو داود والترمذي والنّسائي- وهذا لا يجوز له الأخذ من الزكاة إذا كان مالكا هذا القدر، ولا يجوز للمتصدق أن يتصدق على واحد بأكثر من خمسين درهما فضة أو قيمتها من الذهب من الزكاة، لأنه يصير الفقير المتصدّق عليه بذلك غنيا ولا يجوز للمتصدق أن يعطيه إذا كان عالما بحاله، كما لا يجوز له الأخذ، وان جباة المال العاملين على جمع الصّدقات يعطون منها بقدر أجر مثلهم أغنياء كانوا أو فقراء، لأن ما يأخذون بمقابل جمعهم الصّدقة كسائر العمال الّذين يتقاضون راتبا لقاء أعمالهم التي تعهد إليهم. ولما كان الهاشمي والمطلبي لا يجوز لهم أخذ الصّدقة فلا يجوز أن يكونوا عمالا عليها لأن أجرهم يكون منها، فإذا أعطوا منها لا تجزىء كما لو أعطيت للغني، ويجب إعادتها لأن إقدامهم على حرمة أخذها لا يسقط وجوبها عن المعطين العالمين. أما الجاهلون حال المتصدق عليهم فلا إعادة عليهم وسقط عنهم الوجوب، لأنهم أعطوها لهم بظنهم فقراء غير هاشميين ولا مطلبيين. قال صلى الله عليه وسلم إنا وبنو عبد المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام. وتحرم الصدقة على مواليهم أيضا، أخرج الترمذي والنّسائي عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني مخزوم على الصّدقة، فأراد أبو رافع أن يتبعه، فقال صلى الله عليه وسلم لا تحل لنا الصّدقة وإن مولى القوم منهم. وكان صلى الله عليه وسلم يعطي أشراف العرب يتألفهم الإسلام لضعف عقيدتهم لتقوى رغبتهم فيه وتكون نيتهم جازمة بفعل أركان الدين. وكان يقربهم تألفا لقومهم وترغيبا لأمثالهم، وذلك من خمس الخمس، كما أعطى أبا سفيان والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس كما ذكرناه في قصة حنين عند تفسير الآية 27 المارة، فراجعها. وكان صلى الله عليه وسلم يدفع منه إلى المسلمين الّذين هم في موضع لا تبلغه جيوش الإسلام إلّا بكلفة كبيرة ومؤنة

ص: 449

كثيرة، والمسلمون الّذين هم بإزائهم لا يجاهدونهم لضعف حالهم أو عقيدتهم. كما أعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا، وكذلك كان يعطي مؤلفة الكفار الّذين يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم، فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية لما كان يرى من ميله إلى الإسلام ليستميلهم ويقوى نيتهم فيه، وكيفية إعطاء الصّدقة أن تعطى الأصناف الأربعة الأوّل إليهم بأيديهم بدليل لام الملكية، والصّنف الخامس يعطى نصيبهم منها إلى أسيادهم لتخليص رقابهم ولا يمكنون منها ليتصرفوا فيها. وكذلك الصّنف السّادس وهم الغارمون بنوعيهم فانه يعطى نصيبهم لدائنيهم لتخليص ذمتهم من الدّين، ولا يمكنون من التصرف به أيضا، والصّنف السّابع يعطى من الصّدقة بقدر ما يوصله إلى مسكنه أو غرضه، والصّنف الثامن يعطون ما يكفيهم من الصّدقة للنفقة والكسوة والسّلاح والمحمولة وإن كانوا أغنياء، لما تقدم في حديث عطاء بن يسار المار ذكره آنفا. ويجوز صرف نصيب.

الصنف السّابع البر لعموم اللّفظ كتكفين وتجهيز ودفن الموتى الفقراء، وبناء الجسور والحصون والمساجد والمكاتب التي يدرس فيها القرآن العظيم والفقه والحديث وما يتفرع عنها، ودور المرضى والمجانين لقلة وجودها في هذا الزمن، ولا سيما ما يأوي اليه الفقراء والمنقطعون في البوادي، وطريق الحج وغيره، وعلى المتصدق أن يختار في صدقته الأصلح ولا سيما طلبة العلم لقلة الرّغبة فيه، وبهذا الزمن للترغيب في طلبه والسّفر إلى من يأخذوا عنه إذا لم يوجد في بلده من يعلمه. وهم قليل ولا سيما في هذه الأيام، وقد سهل السّفر إذ تقاربت البلدان بسبب السّيارات والطّيارات وتعبيد الطّرقات إلى أي بلدة شاء. ويطلب من المتصدّق أن يتحرى موضع الحاجة في صدقته، ويقدم الأولى فالأولى، ولا يعطيها فروعه وأصوله وزوجاته وكلّ من تلزمه نفقته، والأولى أن يصرفها لفقراء بلدته ومن فيها من الأصناف، ويجوز أن ينقلها لمحل آخر يقصد دفعها للأحوج والأصلح والقريب الفقير، قال صلى الله عليه وسلم اختاروا لنفقاتكم كما تختارون لنطفكم، ويرجح الفقراء من أقاربه على غيرهم، لأن الصّدقة عليهم صدقة وصلة. هذا وإن فضل الصّدقة قد بيناه في الآية 291 فما بعدها من سورة البقرة فراجعها تقف على جميع أصنافها وثوابها.

قال تعالى

ص: 450

«وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ» محمدا صلى الله عليه وسلم «وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ» سماع قوى جارحة السّمع كثيرة، ويعبر علماء البيان عن مثل هذا بإطلاق الجزء على الكل مبالغة، أي كأنه كله سمع لشدة سماعه، وقوة حاسته، وعليه قوله:

إذا ما بدت ليلى فكلي أعين

وإن هي ناجتني فكلي مسامع

كما يطلق الكل على الجزء في مثل قوله تعالى (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) الآية 16 من البقرة أي رؤوسها، ويريد المنافقون في هذه الكلمة أنه صلى الله عليه وسلم يصدق كل ما يسمعه ويقبله دون تحقيق عن صحته، وهذا هو معنى الأذن عندهم، فانهم يطلقون هذه الجارحة على من شأنه سماع الكلام وقبوله على علاته باعتبار أن جملته أذن سامعة ويقصدون بذلك الطّعن به صلى الله عليه وسلم، أي أنه ليس بعيد غور في الأمور، بل هو سريع الاغترار بكل ما يسمع دون تروّ ونظر، قاتلهم الله وأخزاهم، فإنهم أخذوا شيئا من عادات اليهود بمثل هذا راجع الآية 105 من سورة البقرة المارة، مع أنهم واليهود سواء، بل هم شر من اليهود) يعلمون علم اليقين أنه صلى الله عليه وسلم أكمل البشر في حركاته وسكناته ومبرأ من كلّ عيب ومنزّه من كلّ طعن، ولكنهم لا يريدون أن يعترفوا بذلك حسدا وعنادا، وقد أنزل الله هذه الآية في جماعة من المنافقين كانوا يجلسون بعضهم إلى بعض ويقولون ما لا ينبغي بحق الرّسول، كاليهود في هذه العادة، فقال أحدهم نبتل بن الحارث نخاف أن يبلعه قولنا، وكان ينمّ حديث الرّسول إليهم وكان مشوّه الخلقة أزنم ثائر الشّعر أحمر العينين أسفع الخدين، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى الشّيطان فلينظر إليه، فقال له الجلاس بن سويد إذا بلغه قولنا ننكره ونحلف له فيصدقنا لأنه أذن. قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرّسل لهؤلاء الفجرة هب أني أذن كما تقولون، ولكن «أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ» أسمع ما هو صالح لكم لا ما هو شرّ وفساد، والمعنى أنكم كما تقولون، ولكنه نعم الأذن، لأنه مسمع خير لا على الوجه الذي تذمّونه به، لأنه يقبل منكم ما تقولون وتعتذرون به، مع علمه أنه خلاف الواقع لكرم أخلاقه وعلو آدابه، فإنه يتغافل عما لا يليق ولا يريد أن يكذبكم وقرىء (أذن وخير) بالتنوين وبلا تنوين أذن، وجرّ خير بالإضافة كقولك رجل صدق،

ص: 451

وشاهد عدل، فإنه يجوز فيهما الحالان. ثم ذكر بعض أوصاف حضرة الرّسول الذي يريدون مس كرامته مسهم الله بناره، فقال «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ» ويوقن بوعده ويوفي بعهده ويصدق بوحدانيته «وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» بصدقهم ويخشى ظنه بهم ويريد لهم الخير، وقد جاءت التعدية أولا بالباء لأن الإيمان بالله نقيض الكفر فلا يتعدى إلّا بالباء، وثانيا باللام لأنه عبارة في تصديق المؤمنين، فلا يتعدى إلا باللام، تأمل. واعلم أن القرآن هو مصدر العربية ومن بحره أخذ علماؤها قواعدها ووضعوا أصولها، وإياك أن تتصور العكس فيعكس عليك. قال تعالى أنؤمن لك الآية 112 وقال آمنتم له الآية 47 من سورة الشّعراء ج 1، وقال (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) الآية 17 من سورة يوسف في ج 2 بما يدل على ذلك وغيرها في القرآن كثير «وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ» إيمانا كاملا لا نفاقا، وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة لأنه يحمل أحكام النّاس على الظّاهر، ولا ينقب عن بواطن أحوالهم، ولا يهتك أسرارهم. قال تعالى «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ» من المنافقين وغيرهم بالقول أو الفعل أو الإشارة أو اللّمز «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 61» في الآخرة عدا خزي الدّنيا ومن مثالبهم ما قاله تعالى «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ» «لِيُرْضُوكُمْ» بظواهرهم «وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ» (62) حقا والحال أن الله ورسوله أولى بأن يرضوهما حقيقة لا تصنعا ورياء، وذلك أن المنافقين اجتمعوا في دار أحدهم وصاروا يتداولون في حق الرّسول، فقال وريقة بن ثابت إن كان ما يقوله محمد حقا فهو شر من الحمير، فقال عامر بن قيس من غلمان الأنصار إن ما يقوله محمد حق وأنت شر من الحمير، فحقروه، فجاء فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فاستدعاهم فسألهم، فأنكروا وحلفوا أن عامرا كذاب، وحلف عامر أنه صادق وأنهم كذبة، وقال اللهم صدق الصّادق وكذب الكاذب، فنزلت هذه الآية. قال تعالى «أَلَمْ يَعْلَمُوا» هؤلاء المنافقون الجلاس وأضرابه «أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» بمخالفة أمرهما أو بمجانبتهما أو بمعاداتهما أو يعاون أعداءهما على ذلك «فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ» استمراره في النّار ودوامه في العذاب «الْخِزْيُ الْعَظِيمُ» (63) في الآخرة

ص: 452