المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إن أردن تحصنا) . ومعنى قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) : - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إن أردن تحصنا) . ومعنى قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) :

وتغلبه على نفسه، وهو عليه السلام مخصوص بذلك من عموم الأنبياء قال تعالى (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) أي اللاتي لا يتزوجن كما سيأتي بحثهن في الآية 91 من هذه السّورة ويفهم من حمد سيدنا يحيى وعدم ندب القواعد للزواج جواز عدمه للقادر عليه الحافظ لنفسه، إلا أن الزواج أفضل لما فيه من التكاثر الذي ندب إليه حضرة المصطفى بحديثه الآنف الذكر، يؤيده الخبر الوارد لا رهبانية في الإسلام.

وتفيد هذه الآية ان أمر تزويج الأيامى منوط بأوليائهم، والعبيد والإماء إلى ساداتهم، بدليل مخاطبتهم بذلك بقوله جل قوله (وَأَنْكِحُوا) وعليه فلا يجوز زواجهم بغير إذنهم وهو كذلك، ويدل عليه قوله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية 15 من النّساء المارة وهذه تؤكد تلك لشمولها الأحرار أيضا وبما أخرجه ابو داود والترمذي عن أبي موسى الأشعري، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلّا بولي، ولهما عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن تشاحّوا فالسلطان ولي من لا ولي له. ولهذا قال الإمام مالك عليه الرّحمة إن كانت المرأة دنيّة يجوز لها تزويج نفسها، أي لأن أوليائها منها براء لدناءتها وإن كانت شريفة فلا.

‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

قال تعالى «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» فيتزوجوا حينذاك وإلا فعليهم ملازمة التقوى والصّبر والصّيام ومداومة العمل والتكسّب، حتى إذا من الله عليهم تزوجوا «وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ» بلا أجل أو الى أجل قليل أو كثير «مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من العبيد والإماء «فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» قدرة على الكسب وأمانة على الوفاء وديانة تحفظهم من النّكث والنّقض وتجربة ليطمئن لها المكاتب.

وعلى هذا إذا وثقتم بهم وكاتبتموهم فأعينوهم امتثالا لأمره تعالى المنوه به في قوله «وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ» أي من الزكاة، لأنهم من

ص: 132

الأصناف الثمانية الآتي ذكرهم في الآية 62 من سورة التوبة إعانة لهم على أداء بدل المكاتبة لكم، ومن الإعانة أن تحطوا عنهم منها ابتغاء وجه الله، وقد نزلت هذه الآية في صبيح غلام حويطب بن عبد العزّى حين سأل مولاه أي يكاتبه فأبى فلما نزلت كاتبه على مئة دينار، ثم وهب له منها عشرين فأداها له، وقتل في واقعة حنين في السّنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة، وقد أشار الله تعالى إليها بقوله جل قوله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) الآية 27 من سورة التوبة الآتية، وسيأتي ذكر القصة بحذافيرها هناك إن شاء الله. والحكم الشّرعي هو ان الأمر بالمكاتبة على طريق النّدب والاستحباب، لأن الأمر معلق على فعل الخير والصّارف له من الوجوب التقييد لأن الأمر لا يكون للوجوب إلّا إذا كان خالصا من القيد والتخصيص والتعليق، لهذا فإن الأحب للسيد ان يكاتب عبده طلبا لتحريره وابتغاء لوجه الله، لأن المكاتبة تقدمة للعتق الذي رتب عليه الأجر الكثير. روى أن سيرين أبا محمد العابد المشهور دفين الزبير من أعمال ولاية البصرة في العراق، سأل سيده أنس بن مالك ان يكاتبه، فأبى عليه، فراجع عمر رضي الله عنه فاستدعى أنا وأمره بمكاتبته، فلم يفعل، فضربه بالدرة وتلا عليه هذه الآية، إلا أن هذا لا يستدعي الوجوب لأن غاية ما فيه أن عمر توهم فيه الصّلاح وأحب ان يعتق فكان منه ما كان من الزهد والتقوى والمؤلفات، رحمه الله رحمة واسعة ورضي الله عن سيدنا عمر ما أحد نظره وأصوب فراسته. وكيفية المكاتبة ان يقول السيد لعبده كاتبتك على الف درهم تؤديها لي أقساطا كلّ شهر كذا او كلّ سنة فإذا أديتها كاملة فأنت حر فإذا أدى له تمام المبلغ عتق وصار حرا في كسبه وولده، والأولاد الّذين يحصلون له زمن هذه المكاتبة أحرارا ايضا تبعا له، أما الّذين قبل عقد المكاتبة فعبيد إلّا إذا نص على حريته في عقد المكاتبة، وإذا لم يؤد تمام المبلغ المكاتب عليه فسخ العقد وبقي وأولاده مملوكين على حالتهم الأولى وما كسبه من المال لسيده، لأن كسب العبد وما يملك من مال وولد لسيده أخرج ابو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج الترمذي والنسائي عن ابي هريرة ان رسول صلّى الله عليه وسلم

ص: 133

قال ثلاث حق عليّ الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء والنّاسخ الذي يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله هذا وإذا مات المكاتب قبل إيفاء بدل المكاتبة وقبل مضي مدتها ووجد عنده ما يكمل البدل أخذه سيده ومات حرا ويكون ولده من بعده أحرارا وإلّا فيموت على رقه ويبقى أولاده مملوكين بعده كما كانوا قبل والأحب ان يترك السّيد ما بقي عليه طلبا لمرضاة الله تعالى، فإذا وفقه الله وفعل مات المكاتب حرا وصار أولاده أحرارا بعده. أخرج مالك في الموطأ ان عبد الله بن عمر كاتب غلامه على خمسة وثلاثين الف درهم، فوضع في آخر كتابته خمسة آلاف وهكذا يستحب ان يضع عنه من آخر الأقساط لأن الوضع من أولها قد يحمله على الكل ويؤدي به إلى الأمل فيعجز عن الأداء ويبقى رقيقا وهو المتسبب، لأن عدم الوضع من الأول ينشط المكاتب على العمل ويحمله على الأداء ويزيد في عزمه وحزمه على خلاص نفسه ويحزم على أداء تمام المبلغ، إذ يحتم على نفسه انه مطلوب منه، فإذا ترك له القسط الأخير كان عونا له في امره وكان صدقة تصدق بها عليه فيطيب خاطره ويقدر فضل سيده فلا يدعه «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ» إنما قال فتياتكم لأنهن المتوقع منهن بخلاف العجائز والصّغار، والمراد بهن هنا العبدات، لما جاء في الخبر لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فناي وفتاتي، لأن الكل عبيد الله فلا يليق ان تنسب العبودية لنا ونحن العبيد. والبغاء الزنى في النّساء خاصة «إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» عنه «لِتَبْتَغُوا» بإكراههن على الزنى «عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا» من الاحتواء على كبهن الخبيث وأولادهن الحاصلين من الزنى ليكونوا عبيدا لهم تبعا لأمهاتهم «وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ» على

ذلك فيفعلنه مكرهات بعد هذا النّهي فهو آثم، وهؤلاء إذا تبن بعد هذا عن تعاطي هذا الفعل القبيح «فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ» لهن ولهم ايضا إذا عدلوا عن إكراههن «رَحِيمٌ» (33) بهم جميعا إذا تابوا وأتابوا وإلّا فيكون الإثم على المكره إذا تحققت شروط الإكراه، لأن آمر المطيعة المواتية للبغاء لا يسمى اكراها، ولا أمره أمر إكراه. وفي هذه الحالة يكون الإثم على الاثنين لا فترافهن الزنى ولرضاء السّيد فيه. واعلم ان في إيثار

ص: 134

لفظ (إن) على (إذا) إيذان بأنهن كن يفعلن ذلك برغبة ورضا منهن، وان المشتكيات منه نادرات شواذ. روى مسلم عن جابر قال عبد الله بن سلول يقول لجاريته اذهبي فابغينا شيئا فأنزل الله هذه الآية. وفي رواية ان جاريتين له يقال لهما سكينة وأمية كان يكرهما على الزنى فشكناه لرسول الله فنزلت. وكان لهذا الخبيث ستّ جوارهاتان اللّغتان ما كانتا ترغبان بالزنى ومعاذه واروى وعمرة وفتيلة اللاتي كن يرغبن فيه. والآية عامة في كلّ من يفعل ذلك، وخصوص السّبب إذا كان اللّفظ عاما لا يقيده. ولا إشكال في قوله تعالى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) لأن الكلام ورد على سبب وهو الذي ذكر في سبب نزول الآية المارة، فخرج النّهي على صيغة السّبب نفسه وان لم يكن النّهي شرطا فيه لأن الشّرط في ارادة التحصن حيث لا يتصور الإكراه إلّا عند إرادته، فإن لم ترد المرأة التحصن فإنها تبغي بالطبع طوعا، إذ من المعلوم أنه لا يجوز إكراههن على الزنى أردن التحصن أم لا، وفي هذه الآية توبيخ الموالي لأنهن إذا رغبن بالتحصن فهم من باب أولى ان يرغبوا فيه وأحق ان يحبذوه. وليعلم أن هذا ليس لتخصيص النّهي بصورة ارادتهن التعفف عن الزنى وإخراج ما عداها من حكمه، كما إذا كان الإكراه بسبب كراهتهن لخصوص الزنى او لخصوص الزمن او المكان او لغير ذلك من الأمور المصححة للإكراه في الجملة بل للمحافظة على عاداتهم المستمرة، لأنهم كانوا يفعلون ذلك وتقبيح حالهم وتشنيع قبائحهم، لأن من له أدنى مروءة لا يرضى بفجور من في حوزته من الإماء، فضلا عن أمرهن به وإكراههن عليه، لا سيما إذا كن يردن التعفف. هذا ويجوز ان تكون (ان) هنا بمعنى إذ على حد قوله تعالى (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الآية 133 من آل عمران أي إذ كنتم وهنا ينتفي الشرط تأمل. أما من قال ان في الآية تقديما وتأخيرا ويريد بذلك ان يكون نظم القرآن العظيم هكذا (وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) بعيد جدا، وان كان حسنا، لأن تلك آية على حدة لا علاقة لها في هذه الآية والله أعلم بنظم كتابه. ولم يثبت عن حضرة المنزل عليه ما يدل على ذلك ولم ينقلها أحد من خواص الصّحابة، لذلك لا يلتفت اليه وهناك قول

ص: 135

آخر بان هذا الشّرط في الآية هذه من معطل المفهوم على حد قوله (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) الآية 6 من سورة الأعلى في ج 2، أي فذكر وان لم تنفع لقوله تعالى (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) الآية 57 من سورة الذاريات في ج 2 أيضا لأن مفهوم الأولى إن لم تنفع لا تذكر والتذكير مطلوب لا يعدل عنه للتأكيد عليه في الآية الثانية وتأييده بالأحاديث الصّحيحة، فعلى هذا لو أبطلنا مفهوم تلك الآية المفسرة يكون المعنى جواز الإكراه عند إرادة التحصن ولا مفهوم في مثله، لأن المفهوم اقتضى ذلك وانتفى لمعارض أقوى منه وهو الإجماع على عدم جواز الزنى بحال من الأحوال وعدم جواز الأمرين مطلقا، وقد يجاب عنه بأنه يدل على عدم الحرمة أو عدم طلب الكف عن الإكراه عند عدم الإرادة وإنه ثابت إذ لا يمكن الإكراه حينئذ، لأنهن إذا لم يردن التحصن لم يكرهن على البغاء والإكراه إنما هو الزام فعل مكروه، وإذا لم يكن لم يتعلق به التحريم لأن شرط التكليف الإمكان ولا يلزم من عدم التحريم الإباحة، والأوّل أولى تدبر قال تعالى «وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ» لحلالكم وحرامكم وطيبكم وخبيثكم «وَمَثَلًا» من أمثال «مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ» لشبه حالكم بأحوالهم، لأن قصة عائشة رضي الله عنها عجيبة كقصة يوسف وموسى ومريم عليهم السلام لأنهم اتهموا وهم براء منزهون مما رموا به، راجع الآية 26 المارة «وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» 34 ربهم المنتفعين بمواعظه لأن تقديم ما فيه عظة لذوي

الألباب نافع لهم. وترمي ألفاظ لولا ولولا ويعظكم الى التنبيه والتحذير عن كل ما نهى الله عنه والترغيب والتحبيذ لكل ما أمر به لمن كان له قلب حي أو القى سمعه ليأخذ به ويقبله، ثم شرع جل شرعه في ضرب الأمثال العظيمة فقال «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» منورهما لمن فيهما «مَثَلُ نُورِهِ» العجيب الشّأن الغريب الإمكان في الإضاءة على أربعة أوجه: الأوّل نور يظهر الأشياء للأبصار وهو لا يراها كنور الشّمس وأمثالها، لأنه يظهر الأشياء الخفية في الظّلمة ولا يراها نور البصر. الثاني نور البصر يظهر الأشياء للإبصار ويراها فهو أشرف من الأوّل الثالث نور العقل يظهر الأشياء المعقولة المخفية في ظلمة الجهل للبصائر وهو يدركها

ص: 136

ويراها. الرابع نور الحق وهو يظهر الأشياء المعدومة المخفية في العدم للأبصار والبصائر من الملك والملكوت وهو يراها في الوجود في عالم النّاسوت واللاهوت كما كان يراها في العدم، لأنها كانت موجودة في علمه وان كانت معدومة في ذواتها، لأن علم الله تعالى لا يتغير، وكذلك رؤيته باظهارها في الوجود بل كان التغير راجعا الى ذوات الأشياء وصفاتها عند الإيجاد والتكوين فيتحقق قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بأنه مظهرها ومبديها وموجدها من العدم بكمال القدرة الأزلية ومنورهما بالكواكب في السّماء وبالأنبياء والعارفين والعلماء في الأرض، وهذا النّور الجليل العظيم بالنسبة لعقولنا وما يمكن ان نفهمه على طريق ضرب المثل، ذلك النّور في التمثيل والتقريب لعقول البشر «كَمِشْكاةٍ» كوّة طاقة في جدار حجرة لا منفذ لها باللغة الخشبية الموافقة للغة العربية راجع الآية 182 من سورة الشّعراء في ج 1، وقيل إن المشكاة ما يكون فيه الزيت والفتيلة من الأواني، والأوّل أولى وهو ما عليه الجمهور «فِيها مِصْباحٌ» سراج ضخم ثاقب نوره وماج تنتشر منه الأجزاء العظيمة «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» بضم الزاي وفتحها بتخليس أي قنديل من الزجاج الصّافي الأزهر، وإنما خص دون غيره لأنه أحكى للجواهر من غيره لما فيه من الصّفاء والشّفّافية كما خصّت الكوة الغير نافذة لأن المكان كلما ضاق أو تضايق كان أجمع للضوء والنّور «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» ينلألأ وفادا في صفاء الدّر وزهرته والكوكب يتضاعف نوره إذا درأ منقضا أي اندفع فكأنه يدرأ الظّلام بضوئه، ودرّ الكواكب عظامها مثل السّيارات الخمس، ولم يشبه بالشمس والقمر لأنهما يكسفان بخلاف الكواكب فإنها لا تكسف، والزجاجة مثلثة الزاي كالنخاع والقصاص والوشاح والزوان والجمام والصّوان وغيرها من المثلثات التي يجوز فيها الضّم والفتح والكسر، وذلك المصباح «يُوقَدُ» وقرىء توقد فعل ماض شدد القاف، وهذه القراءة جائزة لأن فيها التصحيف فقط، أي ابدال التاء بالياء فلا توجب زيادة في اللفظ ولا نقصا. واعلم أنه كما توقد النّار بالحطب توقد الأنوار بالأدهان «مِنْ» زيت «شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ» بدل من شجرة وبركتها كثرة منافعها

ص: 137