المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أمر الرسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرسول: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب أمر الرسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرسول:

الذي حقه أن يعطى للفقراء بلغة يعيشون بها «دُولَةً» بضم الدّال وهي يتداوله ويتداوره النّاس بينهم في الملك بالكسر وبفتح الدّال ما يتدابره النّاس في الملك بضم الميم في النّصرة والجاه، وقيل قسمته تقسيم وتنداول «بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ» فيكاثر به بعضهم بعضا ويغمطون حق الفقراء، وهكذا، فلا يجوز للسلاطين والملوك والأمراء أن يختصوا بمثل ذلك لأنفسهم بل ينبغي أن يتركوه لمنافع المسلمين كالسلاح وعمارة الجسور ومحافظة الثغور وإصلاح الطّرق وآلات الحرب ولوازم المجاهدين والإنفاق على المرضى والعجزة والأرامل والأيتام وتعليم الفقراء والمساكين وما شابه ذلك.

‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

قال تعالى «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» أيها المؤمنون سواء كان من الفيء أو الغنيمة، ولا تطلبوا زيادة منه، ولا تسألوه لم أعطى ولم منع «وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» من الغلول وغيره، وامتثلوا أمره. وهذه الآية عامة في كلّ ما يأمر به حضرة الرّسول وينهى عنه، لأنه لا يقول إلّا حقا ولا ينطق إلّا صدقا ولا يتكلم عن هوى «وَاتَّقُوا اللَّهَ» من أن تتهاونوا بأمره ونهيه كله لأنكم مأمورون بطاعته، قال تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية 58 من سورة النّساء المارة فطاعة الله طاعة رسوله وبالعكس «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (7) على من يخالف أمر رسوله في قول أو فعل أو عمل، ولذلك ختم الله هذه الآية في هذه الجملة المهددة للمخالف الموعدة له بسوء العاقبة. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أنه قال لعن الله الواشمات والمستوشمات (أي الطّالبات الوشم) وهو غرز الإبرة بجسم الإنسان وحشوه بالكحل أو شيء من الصّبغ فيصير أسود أو أزرق والمتنمّصات (اللائي ينتفن الشّعر من الوجه وغيره) والمتفلجات (اللائي يتكلفن تفريج ما بين ثناياهن بضاعة) للحسن المغيرات لخلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا وذكرته؟ فقال عبد الله ومالي لا ألعن من

ص: 94

لعن رسول الله وهو في كتاب الله، فقالت المرأة لقد قرأت الوحي (المصحف) فما وجدته، فقال إن كنت قرأته لقد وجدته، فإن الله عز وجل قال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) يعلمها في هذه الآية أن ما يقوله حضرة الرسول واجب اتباعه مثل الذي يقوله الله في كتابه. وما رويا عن عائشة قالت قال صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وما رواه أبو داود والترمذي عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين أحدكم منكبا على أريكته يأتيه أمر ما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه يؤيد هذا ويؤكده. إذا فلا محل للقول فيما قاله حضرة الرّسول بأنه ليس في كتاب الله، ولذلك لا نتفيد به بل هو من كتاب الله، لأن كلّ ما أخبر به رسول الله هو من الله، وفي كتاب الله، وبأمر الله، وعليه فإن من يتعدى لمثل هذا القول هو معاند زنديق لا يؤمن بكتاب الله ولا يصدق رسوله، لأنه لو آمن لما تجرأ على مثل هذا، ثم ذكر الله تعالى أصحاب الحقوق في الفيء بقوله «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ» قسرا من قبل كفار قريش لأنهم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» لإعلاء كلمته ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم لمرضاة الله لا لأمر آخر «أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» (8) في هجرتهم المخلصون بإيمانهم المستحقون للفيء أكثر من غيرهم. روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ» اتخذوا المدينة مسكنا لهم ومأوى للمهاجرين من أهل مكة قبل قدوم النّبي صلى الله عليه وسلم «وَالْإِيمانَ» لزموه وأخلصوا لله به على حد قوله علفتها تبنا وماء باردا. وذلك لأنهم آثروه على الكفر «مِنْ قَبْلِهِمْ» وقيل المهاجرين وهم الأنصار الّذين آمنوا بمحمد قبل هجرته إليهم، وهم الّذين «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» من إخوانهم المسلمين المهاجرين حيث شاطروهم بأموالهم ومنازلهم وتخلوا لهم عن بعض نسائهم زواجا لهم، وذلك أن منهم من كان عنده نساء متعددات ولم يكن

ص: 95

عندهم بنات فصار يطلق من قضى نهمته منها ثم يزوجها أخاه المهاجر، وهذا مما لا بأس به شرعا «وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً» أي حزازة أو غيظا أو حسدا «مِمَّا أُوتُوا» من الفيء دونهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى المهاجرين أموال بني النّضير ولم يعط منها إلّا ثلاثة من الأنصار، هم أبو حارثة سماك بن خراشة وسهيل بن حيف والحارث بن الصّمة، لم يغتاظوا وبقيت نفوسهم طيبة بذلك ولم يقولوا لم يعطنا مثل المهاجرين وكنا معه سواء «وَيُؤْثِرُونَ» أولئك الممدوحون أي

يفضلون المهاجرين «عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» أي حاجة وفقر، قال ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم يوم النّضير للانصار إن شئتم قسمتم المهاجرين من أموالكم ودياركم وتشار كونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة، فقالوا بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها، فأنزل الله هذه الآية. ومما جاء في الأخوة الصّادقة المخلصة ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم اقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين النّخيل، قال لا، فقالوا تكفونا المئونة ونشرككم في التمر، قالوا سمعنا وأطعنا. وما روى البخاري عن أنس ابن مالك قال دعا رسول الله الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، فقال اما لا فاجروا حتى تلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثرة بعدي (الأثرة بفتح الهمزة والثاء) أي يستأثر عليكم في أمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم بسبب فساد الزمان، إذ يوسد الأمر إلى غير اهله، ويسود القوم أرذلهم. وقيل نزلت هذه الآية في أبي طلحة لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال جاء رجل إلى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود (أي شديد الجوع) فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلّا الماء، ثم أقبل على الأخرى فقالت مثل ذلك، وقلن كلهن مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم من يضيفه يرحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة فقال أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا إلّا قوت صبياني، قال فعلليهم بشيء ونوميهم، فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل فإذا أهوى بيده فقومي إلى

ص: 96

السراج فاطفئيه ففعلت فقعدوا وأكل الضّيف وباتا طاوبين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لقد عجب الله أو ضحك من فلان وفلانة وفي رواية: وأنزل الله هذه الآية. وقدمنا ما يتعلق بالأخوة الصّادقة وفوائدها في الآية 67 من سورة الزخرف ج 2 فراجعها. قال تعالى «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» ويخالف هواها ويميل إلى كرم النّفس يفوز بخيري الدّنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (9) والشّح اللّؤم وهو أن تكون النفس كزة حريصة على المنع، وقيل في ذلك:

يمارس نفسا بين جنبيه كزة

إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا

والكزّة القبيحة، والكزازة اليبس والانقباض، ويقال للبخيل كزّ اليدين. والبخل شدة الحرص لخوف الفقر وعدم اليقين بخلف الله عليه لتغلب تسويلات الشّيطان عليه. قال تعالى:(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) الآية 269 من البقرة المارة. ولا يزال البخيل يبخل حتى يحمله بخله على الحرص، حتى أنه ليبخل على نفسه بما في أيدي الغير، لأن من معاني البخل مطلق المنع. روى مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الظّلم فإن الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشّح فإن الشّح أهلك من كان قبلكم وحملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال شرّ ما في الرّجل شح هالع (الهلع شدة الجزع على ما يفوت) وجبن خالع أي (يخلع الفؤاد لشدة الفزع) . وأخرج النّسائي عنه قال قال صلى الله عليه وسلم لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّح والإيمان في قلب عبد أبدا. وأشرنا إلى ما يتعلق لهذا آخر سورة محمد عليه السلام فراجعه، قال تعالى «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» أن الفيء المار ذكره يكون أولا للمهاجرين، ثم للأنصار، ثم للّذين يأتون من بعدهم وهم التابعون إلى يوم القيامة، لأن هذا الفيء يكون بيد من يتولى أمر المسلمين فينفقه عليهم، وهؤلاء المستحقون ذلك هم الّذين «يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ

ص: 97

رَحِيمٌ»

(10)

فعلينا معاشر المؤمنين أن ندعو لمن قبلنا ومن بعدنا أسوة بهؤلاء الصالحين الّذين وصفهم الله بالآية السّابقة، فالّذين لا يتصفون بتلك الصّفات لا يستحقون شيئا من الفيء والغنيمة، وليس لهم حق أي نصيب وحظ في فيء المسلمين، لأن المسلم يجب أن يكون مؤمنا وأن يدعو للمؤمنين ممن سبق زمنه بالمغفرة، وأن لا يكون في قلبه غيظ على أحد منهم، يدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. وروى مسلم عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة يا ابن اختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله فسبوهم وأخرج الترمذي عن عبد الله بن معقل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، الله الله في أصحابي، لا تتّخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه فيطرحه في جهنم. قال تعالى (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) الآية 103 من سورة هود في ج 2 فعلى العاقل أن لا يذكر أصحاب الرّسول إلّا بخير، ولا ينتقدهم، ولا يقبح رأيهم، ولا يعيبهم بشيء أبدا. وقال جابر قيل لعائشة إن أناسا يتناولون أصحاب رسول الله حتى أبا بكر وعمر، فقالت وما تعجبون من هذا؟ انقطع عنهم العمل وأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر. أي أن الله تعالى يثيبهم بسبب غيبتهم، وقد يأخذ من حسنات مغتابيهم فيضعها إليهم، ويأخذ من سيئاتهم فيطرحها على المغتابين وهم لا سيئات لهم إلّا أنه قد يقع منهم مما هو خلاف الأولى فيحسب عليهم سيئة بالنسبة لمقامهم الرّفيع. وقال مالك بن أنس من انتقص أحدا من أصحاب رسول الله أو كان في قلبه غل عليهم فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا هذه الآية.

وسمع ابن عباس رجلا ينال من أصحاب رسول الله فقال له من المهاجرين الأولين أنت؟ قال لا، قال فمن الأنصار أنت؟ قال لا، قال فأنا أشهد بأنك لست من التابعين لهم بإحسان. وقال مالك بن مغول وفي نسخة بن مفعول، قال قال الشّعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنّصارى على الرّافضة بخصلة، سئلت اليهود من

ص: 98

خير أهل ملتكم قالوا أصحاب موسى، وسئلت النّصارى من خير أهل ملتكم قالوا حواري عيسى، وسئلت الرّافضة من شر أهل ملتكم فقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم والسّيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض حجتهم، أعاذنا الله من الأهواء المضلّة.

قال تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا» فدسّوا على بني النّضير وتعهدوا لهم بالمعونة والنّصرة على الرّسول وأصحابه كما مر أول السّورة «يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً» بخذلانكم وعدم القتال معكم ولنكونن معكم «أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» (11) في وعدهم هذا وعهدهم لهم. ثم أقسم جل قسمه على عدم قيامهم بذلك فقال «لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ» على الفرض والتقدير «لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» عنهم منهزمين إلى الوراء «ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» (12) البتة لأن الخذلان مقدر عليهم «لَأَنْتُمْ» أيها المؤمنون «أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ» أي أن بني النّضير يخافونكم أكثر من خوفهم من الله لقلة يقينهم «ذلِكَ» إيقاع الرّعب منكم في قلوبهم دون ربكم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ» (13) عظمة الله ولو علموها لخافوا الله أكثر منكم. واعلموا أنهم «لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً» أي اليهود والمنافقون «إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ» لشدة جبنهم وخوفهم منكم، فلا يبرزون إلى ميدان القتال ولا يقدرون على مقابلتكم فيه ولكنهم إذا قاتلوا بعضهم يكون «بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» لسوء طويتهم وشدة حقدهم بعضهم على بعض ولكن إذا قاتلوكم جبنوا وألقي في قلوبهم الرّعب منكم لما أوقع الله في قلوبهم من هيبتكم «تَحْسَبُهُمْ» أيها الرّائي عند ما تراهم «جَمِيعاً» متحدين مؤتلفين كلا بل هم متفرقون متنافرون «وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى» متفرقة يبغضون بعضهم ويتحاسدون على القليل والكثير، وهذه الواو للمحال أي والحال على خلاف

ص: 99