المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في مدح الصدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرابطة عند السادة الصوفية: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب في مدح الصدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرابطة عند السادة الصوفية:

ثوبي ثم انطلقت إلى رسول الله والنّاس يتلقونني فوجا فوجا يهئنؤنني فلما وصلت سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت أمامه فقال أبشر بخير يوم مر عليك قد قبل الله توبتك وتوبة رفيقيك فقلت يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الله ورسوله فقال أمسك عليك بعض مالك فقلت يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق وأن من توبتي أن لا أحدث إلّا صدقا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات النازلة فينا لقد تاب الله إلى الرّحيم وهذه هي التوبة الصّحيحة.

‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

فقد سئل أبو بكر الوراق عن التوبة النّصوح فقال هي أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه وهذه نتيجة الصّدق الذي هو قوام أمر الخلق، لأن الكذب لا ينجي، وهو داء عضال لا ينجو من نزل به، ومن صنف الكذبة الحمقى، فإن الأحمق ضال مضل إن أونس تكبّر، وإن أوحش تكدر، وإن استنطق تخلّف. مجالسته مهينة، ومعاتبة محنة، ومجاورته تعرّ، وموالاته تضر، ومقاربته عمى، ومقارنته شتاء. هذا ومن المتخلفين من ندم فلحق به صلى الله عليه وسلم، ومنهم من بقي وساوره النّدم، قال الحسن رضي الله عنه: بلغني أنه كان لأحدهم حائط خير من مائة ألف درهم، فقال:

يا حائطاه ما خلفني إلّا ظلك، وانتظار ثمارك، اذهب فأنت في سبيل الله. ولم يكن لآخر إلّا أهله، فقال: يا أهلاه ما بطأني ولا خلفني إلّا التفتن بك، فلا جرم والله لأكابدن الشّدائد حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم: فتأبط زاده ولحق به عليه الصلاة والسلام ورضي عنهما، وعن أبي ذر الغفاري أن بعيره أبطأ به، فحمل متاعه على ظهره واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، فقال عليه الصلاة والسلام لما رأى سواده كن أبا ذر، فقال النّاس هو ذاك يا رسول الله، فقال رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وكانت الأوليان وستكون الثالثة يوم البعث إن شاء الله تصديقا لحضرة الرّسول الصّادق صلى الله عليه وسلم راجع الآية (35) المارة

ص: 498

تجد ذكره، وعن أبي خيثمة أنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظّل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرّطب والماء البارد، فنظر فقال ظل ظليل ورطب يانع وماء بارد وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضّح والرّيح؟ ما هذا بخير فقام ورحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطّريق، فإذا براكب يزهاه السّراب، فقال كن أبا خيثمة فكان، ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفر له. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» لا تخالفوه أبدا واعملوا بأوامره ما استطعتم، واجتنبوا نواهيه كلها «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (119) المخلصين له المتوكلين عليه صادقين في إيمانكم وعهودكم ووعودكم، صادقين في دين الله في أمركم ونهيكم فعلا وقولا ونية، صادقين في كلّ شؤونكم، قائمين بالحق حتى يكون عقدة راسخة في قلوبكم مستقرة في أعماق نفوسكم تحبون لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم، فتكونوا صفا واحدا جنبا إلى جنب فتنجحوا في كلّ أموركم كما نجح من قبلكم بتوغلهم في معاني كتاب الله، فصاروا أمة متفقة، وكان كلّ منهم بمثابة أمة، كما قال تعالى (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) قلده السّلف الصّالح منكم فكانوا مثلهم، فإذا أردتم الفوز في الدّنيا والآخرة كونوا مثلهم لإعلاء كلمة الله تنجحوا في الدّارين. قال ابن عباس: الخطاب في هذه الآية لمن آمن من أهل الكتاب، أي كونوا مع المهاجرين والأنصار وانضموا في سلكهم في الصّدق وبقية المحاسن كلها. على ان الآية عامة فيهم وفي غيرهم، والمراد بالصادقين عند نزول هذه الآية حضرة الرّسول وأصحابه، لأنه تعالى لما حكم بقبول توبة الثلاثة المذكورين أعقبها بما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى من المتخلفين عن رسول الله، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ) في مخالفة أمر رسولكم لا تعيدوها أبدا (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) هو وأصحابه وساووهم، لا تفضلوا أنفسكم عليهم فتتخلفوا عن الجهاد معه، وتكونوا مع المنافقين، واحذروا مرافقة الكذبة فإن الكذب من أسوأ الرّذائل وأقبحها لكونه ينافي المروءة، وقد جاء في الخبر لا مروءة لكذوب. وقال تعالى (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) الآية 106 من سورة النّحل

ص: 499

المارة في ج 2، لأن المراد بالكلام الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوانات إخبار الغير عمّا لا يعلم، فإذا كان الخبر غير مطابق لم تحصل فائدة النّطق، وقد حصل منه اعتقاد غير مطابق، وذلك من خواص الشّيطان، فالكاذب إذا شيطان، وكما أن الكذب من أقبح الرّذائل فالصدق من أحسن الفضائل وأحلى كلّ حسنة، ومادة كلّ خصلة محمودة، وملاك كلّ خير وسعادة، وعنصر الرّضاء، وبه يحصل كل كمال وأصل الصّدق الصّدق في عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق العظمة.

قال تعالى (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) الآية 24 من سورة الأحزاب المارة، أي في عقد العزيمة ووعد الخليفة. قال تعالى (إِنَّهُ) أي إسماعيل عليه السلام (كانَ صادِقَ الْوَعْدِ)

الآية 55 من سورة مريم المارة في ج 1، فإذا روعي الصّدق في المواطن كلها حتى الخاطر والفكر والنيّة والقول والعمل أدّى ذلك إلى اتصافه بالصدق الخالص، حتى ان مناماته. ووارداته على قلبه تصدق بإذن الله تعالى. روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: عليكم بالصدق فإنه يقرب إلى البر والبر يقرب إلى الجنّة، وإن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يقرب إلى الفجور والفجور يقرب إلى النّار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّابا. وانظر ما قال تعالى حكاية عن إبليس (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الآية 84 من سورة ص في ج 1 فإنه إنما ذكر الاستثناء لئلا يكذب، لأنه لو لم يذكره لصار كاذبا في ادّعاء إغواء الكل، فكأنه استنكف عن الكذب ليكون صادقا في حلفه.

فإذا كان إبليس يستنكف عن الكذب، فالمسلم من باب أولى أن يستنكف عنه.

وتدل هذه الآية الجليلة عل أن إجماع المسلمين يجب الخضوع له، لأن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالكون معهم، لأن ملازمة الصّادقين تؤثر في من يلازمهم فيكتسب منهم الصّدق وما يتشعب منه كالنصح والإخلاص والأمانة والأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة، لأن المجالسة تفيد اكتساب ما هو الأحسن عند المجالس، ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم مجالسة العلماء، والقصد من الرّابطة عند السّادة الصّوفية هي تعلق الرّابط بأحوال وصفات المرابط والمحبة له والكون معه، لأن الكون مع الصّادق له تأثير

ص: 500

عظيم، وقد أمرنا بالمحبّة، قال تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) الآية 31 من آل عمران المارة. إذا فالاتباع له تأثير عظيم أيضا في المتبوع راجع الآية 34 من سورة المائدة المارة تجد ما يتعلق في هذا البحث فيلزم من هذا وجوب اتباع أمر الرّسول وقبوله والأخذ بما تجمع عليه أمته، لأن المسلمين لا يجتمعون على ضلالة، راجع الآية 115 من سورة النّساء المارة، ولهذا جعل السادة الصّوفية الرّابطة شرطا من شروطهم ويلقنونها للمريد كما يلقنونه الذكر المتعارف عندهم بعدده وأوقاته وكيفياته. قال تعالى «ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ» بأن يختاروا لها الخفض في العيش والدّعة والرّاحة «عَنْ نَفْسِهِ» الطاهرة، فليس لهم أن يضنوا بأنفسهم ويكرهوا لها ما يصيب نفس الرّسول صلى الله عليه وسلم من التعب والنّصب، ويختاروا لها ما لا يختارونه لنفس الرّسول، أي لا ينبغي لهم ذلك ولا يليق بهم تفضيل أنفسهم على نفس رسولهم، بل يجب عليهم أن يفضلوا نفس الرّسول على أنفسهم ويؤثروها في كلّ حال ويحرصوا على مصاحبته في الشّدة والرّخاء، وعليهم أن يلقوا أنفسهم بين يديه ويفدوا أنفسهم أمامه «ذلِكَ» وجوب متابعة حضرة الرّسول وعدم التخلف عنه وتفضيل نفسه على أنفسهم والخروج معه مطلوب منهم ليعلموا «بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ» في غزوهم معه «ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ» قوية مهلكة «فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لإعلاء كلمته ونصرة رسوله «وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ» ويضيق صدورهم ويكدّر خواطرهم «وَلا يَنالُونَ» يأخذون ويصيبون «مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا» قليلا كان أو كثيرا من قتل وأسر ونهب وجلاء ولو بتكثير سواد المسلمين بالكون معهم أو غلبة مجردة أو الغارة عليهم بما يلقي الرّعب في قلوبهم «إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ» ينتفعون بثوابه حيث يقبله الله منهم بسبب إحسانهم هذا «إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» (120) من عباده، وإذا كان كذلك، فيلزمهم متابعة رسولهم في كلّ حال لينالوا هذا الثواب العظيم من الرّب العظيم الذي سماهم محسنين بسبب ذلك. الحكم الشّرعي المشيرة إليه هذه الآية هو وجوب

ص: 501

متابعة حضرة الرّسول في الغزو وعدم التخلف عنه، وهذه الآية محكمة عامة جار حكمها في زمن الرّسول ومن بعده من الخلفاء والأئمة والسّلاطين والأمراء والحكام إذا دعوا النّاس للجهاد لإعلاء كلمة الله ودفع الظّلامة عن المسلمين وصونهم من التعدي عليهم أو على ثغورهم وجبت متابعتهم وإجابة دعوتهم والجهاد معهم بالمال والنّفس معا عند القدرة أو بأحدهما حتما بلا خلاف على القادر. أما ما قاله قتادة من أن حكمها خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم فقول لا مبرر له، لأن الغزو ليس من خصوصيات حضرة الرّسول نفسه ليختص الحكم فيه بل هو من جملة مصالح المسلمين، وما كان من مصالح المسلمين كان عاما، وإلّا لما قام به الخلفاء الرّاشدون من بعده صلى الله عليه وسلم. قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعيدا يقولون إنها لأول هذه الأمة وآخرها، ونقل الواحدي عن ابن عطية أن هذا إذا أمرهم ودعاهم، وقال هذا هو الصّحيح. وما قاله ابن زيد من أن هذه الآية منسوخة في قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) الآية الآتية بعد هذه، وانها كانت حين كان الإسلام قليلا، قول غير سديد، لأن هذه الآية خاصة بمن كان يأتي من الأحياء ليسأل حضرة الرّسول عن أمر الدّين كما سنبينه في تفسيرها إن شاء الله. أما القول بقلة الإسلام وضعفه عند نزول هذه الآية فغير صحيح، لأنه كان كثيرا وقويا بالنسبة لأعدائه إذ ذاك، والقوة تعتبر في كل زمان بما يناسبه، حتى إن أعداء الإسلام في هذا الزمن أكثر وأكثر بالنسبة لزمن نزول

هذه الآية، إذا لا حجة بالقلة والكثرة، تدبر.

قال تعالى «وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً» في سبيل الله «صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً» من شق التمرة فما فوقها «وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً» في ذهابهم وإيابهم «إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ» به عمل صالح مقبول عند الله يثابون عليه «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (121) في الدّنيا من الجهاد وغيره وإنهم يؤجرون على كلّ شيء بأحسنه وأكثر ثوابا. تدل هذه الآية على أن من قصد طاعة الله كانت جميع حركاته وسكناته حسنات مثاب عليها عند ربه. ومن قصد معصيته كانت عليه سيئات معاقب عليها إلّا أن يتغمده الله برحمته.

ص: 502