المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» أجمعت الأمة على أن المراد بهذا النّداء الأذان بين يدي الخطيب حين جلوسه على المنبر لا الأذان الأوّل على المنائر، روى البخاري عن السّائب بن زيد قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر النّاس زاد النّداء الثاني على الزوراء (موقع عند سوق المدينة مرتفع) زاد في رواية فثبت الأمر على ذلك ولا بي داود قال كان يؤذن بين يدي رسول الله إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد. وسمى هذا اليوم جمعة لأن الله تعالى جمع خلق آدم فيه وفرغ فيه من خلق الدّنيا بما فيها من المخلوقات فاجتمعت فيه. ورواه مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنّة وفيه أخرج منها ولا تقوم السّاعة إلّا في يوم الجمعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله فيها شيئا ألا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها وأول من سماه في العرب كعب بن لؤي وكان يسمى يوم العروية وأول من جمع النّاس فيه بالمدينة سعد بن زرارة قبل تشريف النّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في بطن وادي بني سالم بن عوف أفتتخذوه مسجدا وقد المعنا لما يتعلق في هذا البحث في الآية 124 من سورة النّحل والآية 4 من سورة الدّخان في ج 2 والآية المذكورة تحتوي على ما يتعلق بسائر الأيام فراجعها وما ترشدك إليه من المواضع. هذا وإذا سمعتم النّداء أيها النّاس «فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» امضوا وسارعوا لا تجروا وتركضوا، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا «وَذَرُوا الْبَيْعَ» دعوه واتركوه ولبّوا داعي الله، ولفظ البيع يتناول الشّراء لأنه يطلق عليه «ذلِكُمْ» المبادرة إلى صلاة الجمعة وترك العمل عند سماع النّداء «خَيْرٌ لَكُمْ» عند الله من الانشغال في الأمور الدّنيوية كلها «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (9) ما يصلح لكم في الدّنيا

ص: 258

ويهذب نفوسكم فيها ويوصلكم إلى خير الآخرة التي خلقتم لأجلها، قال تعالى (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية 56 من الذاريات في ج 2 واعلم أن ثمرة العبادة وما تشتمل عليه من الصّدق والأمانة والوفاء وإن كانت في الدّنيا الثناء والمدح وائتمان النّاس على أموالهم وأعراضهم، إلا أن ثمرتها الحقيقة الدّائمة التي ينعم بها صاحبها تكون في الآخرة. الحكم الشّرعي يحرم البيع والشّراء وجميع الأعمال الدّنيوية عند الأذان الأخير حتى ان الفقهاء قالوا بعدم صحة العقود كلها إذ ذاك وكلّ عقد يقع آنذاك فهو باطل، ولا يجوز السّفر فيه أيضا، بدليل ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحه في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغزا أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله ثم ألحقهم، فلما صلّى رآه صلى الله عليه وسلم فقال ما منعك أن تغزو مع أصحابك؟ قال أردت أن أصلي معك ثم أتبعهم، فقال لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم. ورأى عمر رجلا يقول لولا أن اليوم جمعة لخرجت، فقال أخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر. وهذا أولى من القول بعدم جواز السّفر فيها بعد طلوع الفجر، لأن النّهي عن السّفر والبيع وغيره وقت الأذان الثاني، أما قبله فلا مانع وتنعقد في ثلاثة مع الإمام، ولا تصح إلّا في المصر، وبإذن الوالي، ويجوز تعددها إذا لم يوجد جامع يسع المصلين كافة بقدر الحاجة، فإذا كان يكفي المصلين جامعان فلا حاجة إلى الثالث، وهكذا كي تصح الجمعة بإجماع العلماء، أما إذا كان التعدد زائدا على الحاجة ففيه أقوال بعدم صحتها، وأقوال بصلاة الظّهر بعدها احتياطا، ويجوز تركها للمريض ولمن يتعاهده ولمن يخاف من عدو أو ظالم وعند المطر والوحل. أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه خطب في يوم ذي أرواح (جمع ريح لا

روح بمعنى النّفس والأرواح بمعنى الرّاحة والرّحمة ونسيم الريح) فأمر المؤذن حينما بلغ حي على الصّلاة أن يقول الصّلاة في الرّحال، فنظر القوم فقال كأنكم أنكرتم عليّ؟ إن هذا فعله من هو خير مني، يعني النّبي صلى الله عليه وسلم وإنها عزيمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطّين والرّحض والزلق. وهي فرض عين على كلّ مسلم حرّ بالغ عاقل ذكر مقيم. أخرج أبو داود عن طارق

ص: 259

ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجمعة حق واجب على كلّ مسلم في جماعة إلا على أربعة: عبد مملوك وامرأة وصبي ومريض، وتجب على أهل القرى والبوادي إذا سمعوا النّداء في موضع تقام فيه الجمعة. وأخرج أبو داود عن عبد الله بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجمعة على من سمع النّداء. وهي آكد من الظّهر إذ لأظهر لمن بصليها، وأوجب الحنفية صلاة أربع ركعات في البيت بنية آخر ظهر احتياطا من أن يكون التعدد لغير حاجته. ولا تصلى في الجامع لئلا يعتقد العوام فرضيتها، لأن الله لم يفرض فريضتين بوقت واحد على عباده، وأوجب الشّافعية صلاة الظّهر حالة التعدد لعدم تحققه هل هو لحاجة أم لا، والأحسن عندهم أن تصلى في الجامع بجماعة وعليه العمل في الأمصار كافة، وتفصيل هذا البحث في كتب الفقه فلتراجع. وسبب نزول هذه الآية هو ما رواه البخاري ومسلم عن جابر. قال بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت غير تحمل طعاما فانقتلوا إليها حتى ما بقي مع النّبي صلى الله عليه وسلم إلّا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه وفي رواية قال والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا وأراد باللهو ما يفعلونه عند استقبال القوافل بالطبول والتصفيق. وشروط صحة الخطبة: حمد الله بما هو أهله، والصّلاة على النّبي صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله، وتلاوة آية من القرآن في الخطبة الأولى، والدّعاء للمؤمنين في الثانية. ويستحب عدم تطويلهما ويراعى أحوال النّاس والمواسم، وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الصّلاة ويقصر الخطبة وإطالة الصّلاة في الصّبح والعشاء بحسب رغبة المصلين مطلوبة وقصرها في الظّهر والعصر والمغرب مسنون، لأنها أوقات اشتغال النّاس. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال كان النّبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين يقعد بينهما. وروى مسلم عن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرّحمن بن الحكم يخطب جالسا، فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا، وقال الله تعالى (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) إلخ الآية قال تعالى «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ» بيعا وشراء وعملا وغيره من أسباب الرّزق «وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً» بعد فراغكم منها، ومن ذكر الله تعالى بعدها قائما وقاعدا ومضطجعا، فقد ذكر الله

ص: 260

كثيرا فأديموا ذكره «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (10) بفضل إدامة ذكر الله، لأنه بنور القلب ويقذف فيه المعرفة التي توضح له سبيل النّجاح في كلّ الأمور.

ثم ذمهم الله تعالى على ما وقع منهم فقال عزّ قوله «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها» أي التجارة يلهون بها عن صلاة الجمعة ولقلة أدبهم انصرفوا «وَتَرَكُوكَ» يا محمد «قائِماً» على المنبر ولم يقدروا قدرك وما تلقيه إليهم من النصح والإرشاد «قُلْ» لهم يا أكمل الخلق «ما عِنْدَ اللَّهِ» من الفضل المخبوء لكم بسبب سماع خطبته «خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ» وأعظم ريحا «وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (11) لأنه يرزق بلا مقابل. روى مسلم عن جابر قال كانت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ويقول بعثت أنا والسّاعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى ويقول:

أما بعد فخير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلال ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا (أولادا صغارا لا أحد لهم ولا مال) فإليّ وعليّ.

تفيد هذه الخطبة أن رسول الله كان يزجر النّاس في خطبته ويعلي صوته فيها أحيانا لأن الوقت يستدعي ذلك، ولأن القوم حديثوا عهد شرك، وإن منهم لا يزال في نفاق، وهو مرسل من الله لتوطيد دعائم الدّين وتوحيد رب العالمين، وقد أمر بقتال من لم يؤمن، ومن دواعي هذه الأمور الزجر وعلو الصّوت. ومما جاء في محذورات الجمعة ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. وفي رواية ومن لغى فلا جمعة له. وروى مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله يقول على منبره لينتهبنّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننّ من الغافلين. وأخرج أبو داود والنّسائي عن أبي الجعد الضّمري وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه ومن طبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم. وللترمذي مثله. وروى البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطّهور

ص: 261

ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلم يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام الا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى. وفي رواية وزيادة ثلاثة أيام ومن مسّ الحصى فقد لغا أي اشتغل عن سماع الخطبة به. وأخرج أبو داود والنّسائي عن أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من غسّل واغتسل وبكّر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من الإمام ولم يلغ واستمع كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها. واعلم أن بعض العلماء حسن الانصراف بعد سلام الإمام محتجا بقوله تعالى (فَانْتَشِرُوا) وهو خطأ، لأن الله تعالى قال فإذا فضيت الصّلاة إذا سلم الإمام وإن صلاة سنة الجمعة البعدية والأوراد التي أمر رسول بها بعد الصّلوات من تمام الصّلاة لما يترتب عليها من الأجر العظيم عند الله تعالى كما أخبر به رسوله والتحذير من تركها حرمانه من الأجر الذي أخبر به حضرة الرّسول، وفي الأخذ بقول هذا المتطفل ترغيب لترك السّنة التي أمر رسول الله بفعلها بعد الفرائض التي منها الجمعة، وترك التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير بعد الصّلوات التي أمر رسول الله بتلاوتها أيضا، فعلى أرباب العقول أن لا يأخذوا بأقوال هكذا عندية مبنية على ما تخيلوه تأويلا وتفسيرا، وأن يتمسكوا بظاهر الشرع وما عليه السّلف الصّالح ومن تبعهم من العلماء العاملين، لأن الذي يبادر الباب بعد السّلام كأنه فارّ من قفص أو هارب مما يكره كأنه ليس له عند ربه حاجة يدعوه بها، وكأنه تخلص من كان على عاتقه في الصّلاة، والأحسن له من أن يسابق غيره إلى الخروج من المسجد ويندفع معه على الباب أو يقف ليتحين الفرصة بوجود فرجة يخرج منها أن يصلي على الأقل ركعتين بعدها ويتلو الأوراد ثم يخرج بهدوء وسكينة، فقد جاء في صحيح مسلم سنته أربع ركعات بعد الجمعة وفيه من شغله أمر فليركع ركعتين في المسجد وركعتين في بيته، لأن هذا الفعل تهاونا في الجمعة، وقد أجمعت الفقهاء على سنيتها. هذا وقد بينا ما يتعلق بالأذكار الواردة بعد الصّلوات في الآية 39 من سورة ق والآية 92 من الفرقان في ج 1 وفيهما يرشدانك إلى المواضع الأخرى. أما ما جاء في فضل التبكير للجمعة فمنه ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة

ص: 262

غسل الجنابة ثم راح في السّاعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في السّاعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في السّاعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا أحرم الإمام قعدت الملائكة يستمعون الذكر. وفي رواية كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصّحف (وكلمة راح في الحديث السّابق بمعنى خف إلى الصّلاة ومشى إليها وأخذته الأريحية طلبا

لثواب الله تعالى) وروى البخاري عن عبادة قال أدركني ابو عيسى وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النّار. فقد جعل الذهاب إلى الجمعة بمنزلة الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله. فما بال أناس يتركونها بلا عذر ويحرمون أنفسهم هذا الثواب العظيم، ويتعرضون لمقت الله؟ روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. وعن أبي الجعد الضّمري وكان له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه- أخرجه أبو داود والنّسائي- وورد عنه عليه السلام في حديث طويل قال فيه واعلموا أن الله فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا، من تركها تهاونا واستخفافا بحقها وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، الا فلا صلاة له، الا فلا زكاة له، الا فلا صوم له، الا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه. وحديث مسلم الذي أشرنا إليه آنفا هو أنه قال إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت، وسنده فيه فراجعه فما بعد هذا عذر لمن يخرج فورا، ولنا رسالة خاصة في هذا البحث، وفي الأوراد والسّنن التي ينبغي فعلها بعد الفرائض في الرّد على من منعها أو حبذ تركها. هذا والله أعلم وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

ص: 263