الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن ذلك مخالفة لحضرته تستوجب العقوبة، وهي إثم تجب التوبة منه عليكما، لأن طاعته واجبة، ثم هددهما بقوله «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ» وتتعاونا بما يسوءه قولا وفعلا «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» وحافظه من كيدكن وناصره عليكما وعلى كلّ من يناوئه «وَجِبْرِيلُ» وليه أيضا «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» أوليائه وفي طليعتهم أبواكما ينصرانه عليكما «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ» النصر والتولي من الله وجبريل وكلّ مخلص من المؤمنين والملائكة الكرام «ظَهِيرٌ» (4) له على كلّ من يناوئه فما يغني تظاهركما عليه. واعلمن أيها النّساء كلكن إذا أصررتن على ما أنتنّ عليه فمصيركن الهلاك فبادرون بالندم وأسرعن بالتوبة مما وقع منكن واسترضينه، فإذا رضي عنكما فلعل ربّه أن يقبل توبتكما وإذا أصررتما فما تدريان «عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ» لأن تصييركن بوجودكن عنده وفضلكن بما نلتنه من قربه، فإذا طلقكن زالت منكن تلك الصّفات ولم يبق لكن فضل على غيركن. ثم وصف النّساء اللاتي يبدلهن بهن بأنهن «مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ» مهاجرات وقيل صائمات لأن السّائح لا زاد له فشبه بالصائم «ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً» (5) وهذا من باب الإخبار عن القدرة لا عن الكون، لأنه قال إن طلقكن وقد علم أنه أنه لا يطلقهن، فأخبر عن قدرته بأنه إذا طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن.
مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين في أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم اللّتين قال الله عز وجل فيهما إن تتوبا إلى الله فقد إلخ حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان بعض الطّريق عدل وعدلت معه بالأدواه الرّكوة التي فيها ماء، والعدول هو الميل إلى جانب الطّريق الملوك والبراز محل قضاء الحاجة، فتبرز ثم اتاني، فصببت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم اللّتان قال الله فيهم إن تتوبا إلخ؟
قال عمر ووا عجبا لك يا ابن عباس قال الزهري كوه منه ما سأله عنه ولم يكتمه،
قال هما عائشة وحفصة، ثم أخذ بسوق الحديث قال كنا معشر قريش قوما نغلب نساءنا، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي (هي أماكن بأعلى أراضي المدينة جمع عالية) فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك، فو الله ان أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى اللّيل، فانطلقت فدخلت على حفصة، قلت أتراجعن رسول الله، فقالت نعم، فقلت أتهجره إحداكن اليوم إلى اللّيل، قالت نعم قلت لقد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت أفتأمنّ إحداكن أن تغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت رسول الله ولا تسأليه شيئا وسلي ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أو سم (أكثر حسنا وجمالا) وأحب إلى رسول الله منك (يريد عائشة) ، وكان لي جار من الأنصار، فكنا نتناوب النّزول إلى رسول الله فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي، وأنزل يوما وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث ان غسان تبعث الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال حدث أمر عظيم، قلت ماذا حدث أجاءت غسان؟ قال بل أعظم منه وأهول طلق رسول الله نسائه، قلت قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصّبح شددت علي ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله؟ قالت لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة (الغرفة والعلية ولها معان ليست مرادا هنا) فأتيت غلاما له أسود، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج، فقال قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المشربة، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت، فوليت مدبرا، فإذا الغلام يدعوني فقال أدخل فقد أذن لك، فدخلت فسلمت على رسول الله، فإذا هو متكىء على رمال حصير (أي حصير مضفور، من رملت الحصير إذا ضفرته أي ليس له وطاء غيره) قد أثر في جنبه، فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلى فقال لا، فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله قد كنا معشر قريش نغلب النّساء، فلما قدمنا
المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت إذا راجعتني، فقالت ما تنكر أن أراجعك، فو الله إن أزواج النّبي يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى اللّيل، فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، فتبسم صلى الله عليه وسلم، ثم قال عمر فدخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله منك، فتبسم أخرى، فقلت استأنس يا رسول الله؟ قال نعم، فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو الله ما رأيت فيه ما يرد البصر إلّا أهبة (جمع أهاب وهو الجلد) ثلاثة، فقلت يا رسول الله أدع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والرّوم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدّنيا، فقلت استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم لأن لا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة من شدة موجدته أي غضبه الشّديد عليهن حتى عاتبه الله، قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون دخل علي رسول الله بدأ بي، فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين ليلة أعدهن، قال إن الشّهر يكون تسعا وعشرين، وفي رواية قلت يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون، فنزلت هذه الآية. هذا ويعلم من قوله تعالى إذ أسرّ إلخ جواز أسرار بعض شأن الرّجل لزوجته أو صديقه ممن يأتمنه ويعتمد عليه، ويلزم ذلك المسر اليه الكتمان. وتشير هذه الآية إلى لزوم حسن معاشرة الزوجة والتلطف بعتابها
عند تقصيرها، ونؤمى أيضا إلى الإعراض عن زلتها. روي أن عبد الله بن رواحة أحد النّقباء كانت له جارية فأتهمته زوجته أنه واقعها حيث رأته معها فأنكر عليها ذلك تعريضا، فقالت له إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فأنشد:
شهدت فلم أكذب بأن محمدا
…
رسول الذي فوق السّموات من على
وان أبا يحيى ويحيى كلاهما
…
له عمل في دينه متقبل
وان التي بالجزع من بطن نخلة
…
ومن دانها كلّ عن الخير معزل
قالت زدني، فأنشد:
وفينا رسول الله نتلو كتابه
…
كما لاح معروف من الصّبح ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فنفوسنا
…
به موقنات إن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
…
إذا رقدت بالكافرين المضاجع
فقالت زدني أيضا، فأنشد:
علمت أن وعد الله حق
…
وان النّار مثوى الكافرينا
وان محمدا يدعو بحق
…
وان الله مولى المؤمنينا
وان العرش فوق الماء طاف
…
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام
…
ملائكة الله مسوّمينا
فقالت أما وقد قرأت اكثر من ثلاث آيات من القرآن فقد صدقت وصدق الله وكذب بصري. وهذا من كمال يقينها رحمها الله ورحم زوجها، وذهب بالحال وأخبر رسول الله بذلك كله فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال خيركم خيركم لنسائه. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ» بأن تنهوهم عما نهى الله عنه وتأمروهم بما أمر به وتعلموهم ما ينفعهم ويضرهم من أمر الدّين وما لهم وما عليهم من الحقوق لله ولخلقه وخاصة أزواجكم لأنكم مسؤولون عنهم ومكلفون بتعليمهم وبذلك تخلصون من أن تصلوا «ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» وهذه نار مخصوصة لا تتقد إلّا بالناس والحجارة بان يكونا كبريتا لها، تتقد به والعياذ بالله وتقدم مثل هذه الجملة في الآية 34 من سورة البقرة «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ» لم يخلق الله رحمة في قلوبهم ولا شفقة ولا لطفا ولا رأفة وهم شديدوا الانقياد لأوامر الله تعالى «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» (6) به في أعداء الله من انواع العذاب، ولم يتأثروا مما يفعلونه في المعذبين، لأن الله لم يخلق فيهم حنانا على أحد، ولم يتريثوا في إنفاذ أمره بل يوقعونه حالا كلمح البصر أو أقرب. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا» اخرسوا لا تنبسوا بينة شفة فقد انقطعت المحاججة و «لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ»
حيث تقدم لكم الإنذار والإعذار في الدّنيا فلا محل له في الآخرة «إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (7) في الدّنيا من الخبائث في هذا اليوم الذي وعدتم به، الذي لا يقبل فيه عذر البتة، واعلم أنه لا يوجد في القرآن مثل صدر هذه الآية قطعا، وهذا من لطفه تعالى، إذ كان نداؤه يا أيها النّاس، يا أيها الّذين آمنوا يا بني آدم، يا أهل الكتاب، بما يشم منه عدم دخول الغير في هذا الخطاب، ولذلك خصصه بالكافرين وله الحمد، ومن عطفه أيضا على المؤمنين أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعاملنا باللطف، إذ قال (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) راجع آخر سورة النّحل في ج 2 «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ» في هذه الدّنيا من جميع السّيئات «تَوْبَةً نَصُوحاً» صادقة خالصة لا عودة فيها الى الذنب قبل حلول آجالكم، راجع بحث التوبة في الآية 36 من سورة الشّورى المارة في ج 2 فإذا أتيتم توبة محضة «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» بها. واعلم أن عسى هنا وفي كلّ موضع من القرآن تفيد التحقيق كما سيأتي في الآية 103 من سورة التوبة الآتية «وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» بل مكرمهم بكرامته راجع الآية 192 من آل عمران المارة، وحين يمشون على الصراط يوم القيامة يكون «نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» أمامهم «وَبِأَيْمانِهِمْ» من جوانبهم واستغنى بذكر اليمين عن الشّمال اكتفاء به، وإلا فالنور محيط بهم من جميع جوانبهم من الجهات السّت، وإذا رأوا نور المنافقين انطفا، إذ يكون لهم نور كما للمؤمنين بأول الأمر، ثم يسلب منهم زيادة في حسرتهم وأسفهم «يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» اجعله مصاحبا لنا دائما مثل إخواننا المؤمنين الكاملين الّذين هم مع الأنبياء والشّهداء «وَاغْفِرْ لَنا» ما سلف منا «إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (8) فيجيب الله دعاءهم، ويبقي المنافقين في الظّلمة المستمرة، أجارنا الله منها، لأن إيمانهم كان صوريا، فيلقون عقابه من جنسه، إذ يريهم النّور ويدخلهم في الظّلمة كما كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، راجع الآيتين 12 و 13 من سورة الحديد المارة قال تعالى