الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبْدِيلًا»
(28)
فجعلناهم على صور أخرى وأهلكناهم وخلقنا قوما غيرهم يشكرون ويطيعون ليعلموا أنا قادرون على إحيائهم بعد الموت، كما نحن قادرون على تبديلهم الآن، وهذه الآية بمعنى الآية 27 من سورة النّساء المارة «إِنَّ هذِهِ» الآيات المندرجة في هذه السّورة «تَذْكِرَةٌ» عظيمة وعظة بليغة لمن يوفقه الله لامتثالها والقيام بمقتضاها «فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» (29) بالتذكر فيها واتباع سبيل النّجاح الموصل إلى النّجاة «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» لأن الأمر كله له وحده فلا تقدرون على طاعته إلّا بتوفيقه وإرادته ولا ينكفون عن معصيته إلّا بمشيئته وأمره «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً» بأحوال خلقه وما يؤل إليه حالهم في الدّنيا والآخرة «حَكِيماً» (30) مصيبا بما يفعله بخلقه
«يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ» بهدايته لدينه القويم وتأهيله لها «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ» باختيارهم المعاصي وظلمهم أنفسهم وغيرهم «عَذاباً أَلِيماً» (31) في الآخرة لا تطيقه قواهم لأنه علم إصرارهم على الكفر فلم يوفقهم للتوبة ولم يهديهم لسلوك طريقة السّوي فاستحقوا العذاب الدّائم بسوء نيتهم. هذا والله أعلم. وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65
نزلت بالمدينة بعد الإنسان، وهي اثنتا عشرة آية ومئتان وتسع وأربعون كلمة والف وستون حرفا، ومثلها في عدد الآي وسورة التحريم فقط.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» المختار لرسالتنا الأمين على وصيتنا المأمور بتبليغ أوامرنا ونواهينا، قل لأمتك «إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» أي بعد تمام الحيض أول الطّهر لئلا تطول عليهن العدة المانعة من زواجهن بغيركم، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه طلق زوجته وهي حائض فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ منه رسول الله، ثم قال مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا
له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النّساء، ففعل كما أمر. واعلموا أيها النّاس أن هذا هو الطّلاق المأمور به من يريده وهو عند الله ورسوله وعلى غير هذه الصّورة يكون بدعيا مخالفا للسنة مؤاخذا عليه عند الله لما فيه من قصد الإضرار بالزوجة، قال بعض العلماء لعل هذه الآية هي النّاسخة للمتعة الواردة في الآية 24 من سورة النّساء المارة لأنها متأخرة عنها ولأنها تنص على لزوم إيقاع الطّلاق للعدة أي لزمانها والمتعة لا عدة فيها، راجع الآية المذكورة في سورة النّساء فيما يتعلق في هذا البحث وقد ذكرنا فيها أنها إنما ثبتت بالسنة ونسخت بها لأن السّنة تنسخ بمثلها ولا تنسخ القرآن، فالقول الصّحيح أنها لم تنسخ بالقرآن، وإنما نهى عنها رسول الله كما أنها ثبتت بإجازته، وامتثال أمره ونهيه واجب على الأمة لأنه لا ينطق عن هوى، وقال تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية 58 من سورة النّساء المارة وقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية من سورة الحشر الآتية لذلك فإنها محرمة على القطع بتحريم رسول الله كما وتحريمه تحريم الله القائل «وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» ليعلم أنه إذا أراد زواجها المطلق ضمنها كان له ذلك إذا كان الطّلاق رجعيا وتتزوج بعدها إذا انقضت عدتها له أو لغيره وليتزوج هو بعدها أيضا إذا كان له ثلاث زوجات غيرها إذ لا يجوز لها الزواج قبل نفاد العدة كما لا يجوز له، وهنا إذا قيل لك أيها العاقل هل يعتد الزوج أم لا فقل يعتد في هذه الحالة ولحفظ النّفقة فيها «وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ» أيها المطلقون «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» حتى انقضاء عدتهن ولا تطلقوهن إلا بزمانها «وَلا يَخْرُجْنَ» من تلقاء أنفسهن إلّا لحاجة ماسة وليبقين في بيوتهن لا يخرجن منها «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» فلكم حينئذ أن تخرجوهن منها كما لورثتكم ذلك على الوجه المبين في الآيتين 235 و 240 من سورة البقرة المارة «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» نبينها لكم في الطّلاق هنا وفي الآيات 226 و 244 من سورة البقرة وفي الآيات 19 و 20 و 34 و 138 من سورة النّساء المارة، وقد حدّ لكم حدودا في ذلك فإياكم ومجاوزتها «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ» فيخالف ما أمره ويقدم على ما نهاه «فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» وأوردها مورد الهلاك
واعلم أن الله تعالى إنما نهاك عن الطّلاق البت مع أنه جازه لك لأنك أيها المطلق «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» لم يكن بالحسبان بأن يوقع في قلبك حبها كما أوقع فيه كراهيتها فتندم ولات حين مندم إذا كان الطّلاق بنا كما مرّ في الآية 19 من سورة النّساء، وكذلك على المرأة أن لا تطلب الطّلاق البت بسبب كراهتها لزوجها لاحتمال تبدل الحال معها أيضا كذلك يستحب للرجل أن لا يوقع على زوجته أكثر من طلقتين رجعيتين يبقى له مجالا للرجوع، وعليها أن لا تطلقه بأكثر من ذلك ليبقى لها الطّريق مفتوحا فيتراجعا متى أرادا ضمن العدة، فإذا أعلقاه بأيديهما وقد أوقع الله في قلوبهما محبة العودة يعظم ندمهما، وقد يبغيان جهلا طريق التحليل وهو خبيث أثيم منهي عنه، فالمحلل ليس بهذه النّية زوجا.
وقد جاء في الخبر عن سيد البشر لعن الله المحلل والمحلل له. فما بالكم أيها النّاس يريد الله لكم الأصلح وتريدون الأصعب يريد الله لكم اليسر وتريدون العسر يريد الله أن يخفف عنكم وتريدون التثقيل، راجع الآيتين 185 في البقرة و 27 في النّساء المارتين، وإذا تشاددتم وأبيتم إلّا الطّلاق البات فليكن بطلقة واحدة بائنة ففيها يحصل المقصود لأن الزوجة تملك عصمتها ولا يحق للزوج الرّجوع عليها إلا برضاها، حتى إذا بدل الله ما في القلوب وتزجها بعقد ومهر جديدين.
مطلب كراهة الطّلاق والنّهي عن البت فيه والعدة على الزوج أو الزوجة.
التوكل على الله المانع من الانتحار:
أخرج أبو داود عن محارب بن درثّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطّلاق وله. عن ابن عمر أبغض الحلال إلى الله الطّلاق وله. وللترمذي عن ثوبان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة سألت زوجها الطّلاق من غير ما بأس حرام عليها رائحة الجنّة، فأحذروا أيها المؤمنون من أن توقعوا أنفسكم فيما لا خلاص لكم منه، وقد جعل الله لكم سبيلا ومخرجا لما به صلاحكم، فالله الله في أنفسكم قال تعالى «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» وكان ما وقع من الطّلاق منكم ليس بتا وعنّ لكم الرّجوع إلى أزواجكم «فَأَمْسِكُوهُنَّ» بالمراجعة في العدة أو تجديد العدة بعدها أو فيها إذا كان الطّلاق بتا وكان دون الثلاث «بِمَعْرُوفٍ»
وإحسان لا لقضاء الشّهوة فقط فيكون مكروها، وإذا كان للإضرار فحرام «أَوْ فارِقُوهُنَّ» اتركوهن يتزوجن غيركم إذا لم ترغبوا بالرجوع إليهن «بِمَعْرُوفٍ» أيضا قال تعالى (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) الآية 28 من سورة البقرة المارة وتزوجوا غيرهن «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» على الطلاق وعلى تجديد النّكاح لئلا يقع تجاهد بينكم في ذلك، وفي النّفقة والزواج بالغير اشهدوا أيضا لئلا يدع أحد ميراث لآخر على فرض موت أحدهما «وَأَقِيمُوا» أيها الشّهود «الشَّهادَةَ لِلَّهِ» بأن تؤدوها على صحتها راجع الآية 283 من سورة البقرة لتقف على ما يتعلق بالشهادة والآية 221 منها فيما يتعلق بالزواج والطّلاق «ذلِكُمْ» الذي بيناه لكم مما «يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ» في ذلك كله، وجميع أوامر الله ونواهيه فيما يتعلق بينه وبين النّاس وبين ربه فمن يفعل ذلك «يَجْعَلْ لَهُ» مولاه ومالك أمره «مَخْرَجاً» من كل ما يحذر منه ويتعسر عليه وكلّ ضيق «وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» ولا يعن على فكره ولا يخطر على باله ولا يرجوه «إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ» ومنفذه وممضيه ومبرمه لا بفوته مراد ولا يعجزه مطلوب، وعلى العبد أن يسلم لأمر الله ويسعى ولا يستبطئ ما طلبه، لأنه لا يقع فيهما إلّا بالوقت الذي قدره «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» أجلا وزمنا لا ينخرمان فيقع فيهما حتما دون أن يتوقف على شيء أو يعوقه شيء إذا حان أجله المقدر عنده. هذا ومن أجال النظر في هذه الآية وعرف مغزى (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) وما شاكلها من الآيات والأحاديث المؤيدة لها هانت عليه الدّنيا، وفرج كربه، ونفس همه، وانشرح صدره، وتوسع فيضه، ولو أنعم فكره إلى مرمى هذه الآيات الواردة في الذكر الحكيم من حدثته نفسه بالانتحار لما انتحر لأنه يعلم أن الله تعالى لا بد أن يبسط عليه من فضله ويمنّ عليه من جوده فيفرج همه ويزيل كربه ويكشف ضيقه، ولكن أين المتذكرون، أين المتوكلون يقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وأنتم تعرضون عنه فمن أين يستجاب لكم؟ ويقول الرّسول لو توكلتم على الله حق
التوكل لرزقكم كما يرزق الطّير. وأنتم لا تلتفتون بل تشكون وتجحدون ولا تصدقون، فمن أين يأتيكم الخير وكيف يدفع الله عنكم الضّر؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله. روي أن عوف بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إن العدو أسر ابني مالكا وشكا إليه فاقته، فقال اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلّا بالله، ففعل فلم يحس إلّا وابنه وإبلا جاء بها ممن أسروه، فجاء به إلى الرسول فأخبره وقال أيحل أكل ما أتى به؟ فقال نعم أفتاه بحله لأنه من العدو في الدّين وكلّ ما كان فيه نقص أموالهم ورجالهم جاز فعله بأي صورة كانت، لأن الحربي لا ذمة له ولا عهد ولا أمانة له فيجوز أخذ ما لهم سرقة وقمار أو خلسة وبأي صورة كانت قال ابن عباس غفل عنه العدو فاستاق أنعامهم، وأنا أقول بسبب توكل أبيه وتفويض أمره لربه وأخذه بقول رسوله وأمره له بالصبر والحوقلة كان له ذلك وأعمى عنه أعداءه. هذا وقد عدّ بعض المفسرين هذه القصة من أسباب نزول هذه الآية، ولا مانع وهي باقية على عمومها. ثم لما بين الله تعالى أحكام ذوات الحيض من النّساء المدخول بهن
ذكر ما يتعلق بغيرهن فقال عز قوله «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ» في أحكامهن وشككتم في عدتهن «فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقط «وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ» لصغرهن أو لعدم طرء الحيض عليهن بعد فكذلك عدتهن ثلاثة أشهر «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» سواء في ذلك عدة الطّلاق أو الوفاة لاطلاق النّص ولو كان يوما واحدا. روى البخاري الوداع ومسلم عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خوله فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها نجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السّنابل ابن بعلها، فقال لها مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النّكاح وأنت بعد في العدة، والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرة أيّام، قالت سبيعة فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حتى أمسيت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأن قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي. وهذا لا يعني أن الآية نزلت وقت السّؤال لأنه واقع في حجة الوداع بل بعد
نزولها بأقل من سنتين، ولكن السّؤال والحادثة وقعت في ذلك، والفتيا تابعة لها. وهذه الآية ليست بناسخة للآية 234 من سورة البقرة بل مخصصة لها، فتلك باق حكمها في غير ذوات الحمل، وهذه مقتصرة على الحوامل فقط، فلو وضعت حملها بعد الطّلاق أو الوفاة بيوم واحد فقد حلت للأزواج، لأن دم النفاس لا يمنع الزواج، وكذلك الحيض، ولا تكون ناسخة أيضا للآية 229 من البقرة أيضا، والآيات الأخر المتقدمة فيها، لأن حكمها باق في غير الحوامل من ذوات الحيض، وهذه مخصصة بالحوامل، لأن النّسخ هو رفع الحكم بالمرة، وهذا غير موجود هنا، وكذلك الآية 49 من سورة الأحزاب فإنها غير ناسخة لآية البقرة ولا هذه ناسخة لها، ولا يوجد في القرآن نسخ بمعنى ابطال الحكم بالكلية كما قاله بعض المفسرين، وإن بقاء الآية المنسوخ حكمها للتلاوة فقط، بل النّسخ يكون بالمعنى الذي ذكرناه من التخصيص والتقييد والتدريج بالأحكام والتخفيف فيها ولهذا فإنك دائما ترى في القرآن العظيم إذا تتبعته بحسب نزوله العام والمطلق سابقين على الخاص والمقيد، أما النّسخ بمعنى إبطال الحكم بالكلية من أنه مناقض له بحيث لا يمكن التأليف بينهما فغير موجود بالقرآن حتما، وكذلك ما قيل إن بعض الآيات قد نسخ حكمها وتلاوتها مع بقائها في القرآن لا صحة له البتة، راجع ما بيناه في المقدمة في بحث النّسخ والآية 107 من البقرة تجد ما يقنعك. قال تعالى «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» (4) بأن يسهل عليه أمر الدّنيا والآخرة «ذلِكَ» الحكم المنوه به هو «أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ» أيها النّاس لتعملوا به، فخذوه واحذروا أن تخالفوه «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ» ويعمل بما أمره به «يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» (5) كثيرا إذ يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة إلى مالا نهاية. ثم بين جل بيانه كيفية التقوى بأمر النساء فقال عز قوله «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ» بحسب ما تجدونه من السّعة والطّاقة، لأن الله لم يكلفكم فوق قدرتكم «وَلا تُضآرُّوهُنَّ» فتؤذوهن ولو بالكلام «لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» كى يخرجن من بيوتهن كرها، بل عاملوهن بالحسنى مدة عدتهن، وتذكروا وصية الله فيهن،
واجعلوا نصب أعينكم ما جاء في الآية الأولى المارة والاية 18 من سورة النّساء، بأن تبغوا طريقا للألفة كي يتيسر لكم الرّجوع إذا عنّ لكم «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» غير مقدر بقدر لأنه بالوضع تنتهي العدة وترفع عنكم كلفة نفقتها أما ذوات الحيض والآيات واللائي لم يحضن فلكل منهن قدر معلوم بينه الله لكم وألزمكم النفقة بقدره، أما ذوات الأحمال فإنه قد يتأخر الحمل إلى سنتين في مذهب أبي حنيفة، وإلى أربع في مذهب الشّافعي لذلك أوجب الله النّفقة على المطلق إلى حين الوضع، وإنهما رضي الله عنهما لم يقولا بذلك إلّا لما ثبت لديهما بالاستقراء، ولا قيمة لقول بعض الأطباء بأن الحمل لا يتأخر عن تسعة أشهر بعد أن ثبت حسا بأقوال الثقات. ومبنى قول الأطباء على العادة والعادة قد تنخرم أحيانا لأنها تكون أغلبية والله خرق العوائد. هذا وإن هؤلاء المطلقات إذا وضعن حملهن عندكم «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ» أولادكم باختيارهن إذ لا يجبرن على الإرضاع إلّا بالصورة المبينة في الآية 238 من سورة البقرة «فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» عليه
لأنهن غير مكلفات إرضاع أولادكم، وفي حالة التكليف لهن الاجرة المتعارفة عليكم «وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ» لايق بالمروءة، فعلى الأب أن لا يماكس بقلة الأجرة ويماطل بدفعها، وعلى الولي عند فقده أن يقوم مقامه، وعلى المرأة أن لا تعاسر بطلب أكثر من أجر المثل أو تمنع عن الإرضاع في حالة عدم قبول الولد ثدى غيرها حفظا لحق الولد «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ» بأن أصر كلّ منكم على ما يريده ولم يتساهل أحد منكم فلم تتفقوا على قدر معلوم وكان الولد يقبل ثدى المرضعات «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» (6) رفعا للنزاع والتشاحن، وإلّا فإن لم يقبل غير ثدي أمه فتجبر على إرضاعه بأجر المثل رضيت أم لم ترض كما بيناه في الآية الآنفة الذكر من سورة البقرة، لأن الله تعالى يقول «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ» على قدر حاله ونسبة أمثاله «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» وضيق كسبه ولم يكن له مال «فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ» بقدر ما يتمكن عليه لا على ما تطلبه المرضعة إذ «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» الغني بحسب غناه، والمتوسط بمقتضى حاله، والفقير على