الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم ينصحوا لله ورسوله، قال أبو موسى الأشعري لعمر بن الخطاب إن لي كاتبا نصرانيا، فقال مالك وله قاتلك أما سمعت قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية 51 المارة، ألا اتخذته حنيفا، قال له دينه ولي كتابته، فقال لا أكرمهم إذا أهانهم الله
، ولا أعزهم إذا أذلهم الله، ولا أدينهم إذا أبعدهم الله، قال له أبو موسى لا يتم أمر البصرة إلّا، فقال له عمر رضي الله عنه مات النّصراني والسّلام أي هب أنه مات النّصراني فما تصنع بعد موته فاصنعه الآن، واستغنى عنه بغيره، وهذه الآية عامة في جميع المؤمنين السّابقين واللاحقين، لأن خصوص السّبب لا يمنع عموم الحكم.
مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» إلى دين آخر، فإنه لن يضر الله شيئا وإنما يضر نفسه «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ» بدلهم ثابتين على الإيمان «يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» وهذه الآية من الأخبار بالغيب إذ كان في علم الله الأزلي إن أناسا بعد فقد الرّسول صلى الله عليه وسلم يرجعون عن الإسلام ومنهم من يرتد عن دينه في زمنه، فأعلمه الله بذلك قبل وقوعه، ومن هؤلاء الأسود العنسي ذو المجاز رئيس بني مدلج إذ تنبأ باليمن واستولى على بلاده فيها وأخرج عمال رسول الله منها، فكتب النّبي إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن فيه، فأهلكه الله تعالى على يد فيروز الدّيلمي، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتله قبل ورود خبره، وقبض رسول الله في الغد وقد أتى خبر قتله آخر ربيع الأوّل سنة 11 من الهجرة بالوقت الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه معجزة أيضا، لأنه من الإخبار بالغيب، وكذلك مسيلمة الكذاب تنبأ وكتب إلى رسول الله أما بعد. فإن الأرض مناصفة بيني وبينك، فكتب له حضرة الرّسول إنها لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وتنبأ طلحة بن خويلد رئيس بني أسد فبعث اليه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقاتله وانهزم إلى الشّام ثم أسلم بعد ذلك. ومن الّذين ارتدوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فزارة الّذين رأسهم عيينة بن حصن، وغطفان الّذين
رأسهم قرة بن سلمة القشيري، وبنو سليم الّذين رأسهم الفجاءة بن عبد ياليل، وبنو يربوع الّذين رأسهم مالك بن نويرة اليربوعي، وكندة الّذين رأسهم الأشعث بن قيس وبنو بكر قوم الخطيم بن زيد وقوم سجاح بنت المنذر من بني تميم التي ادعت النبوة وتزوجت بمسيلمة الكذاب، وقد أهلكهم الله جميعا على يد خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقتل وحشي بن عدي قاتل الحمزة مسيلمة الكذاب، فقال قتلت خير النّاس في الجاهلية يريد حمزة، وشرهم في الإسلام يريد مسيلمة، وهؤلاء الّذين يحبهم الله ويحبونه احياء من أهل اليمن من النّخع وكندة وبجيلة وغيرهم ممن دخل في الإسلام في خلافة أبي بكر وعمر الفاروق وجاهدوا في حرب القادسية.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية. ومن دخل في الإسلام بعد ذلك من فارس الّذين قال الرّسول فيهم لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من فارس. راجع الآية الثالثة من سورة الجمعة المارة، وآخر سورة محمد عليه الصلاة والسلام أيضا. ثم وصف الله جل شأنه هؤلاء بقوله «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» من شدة رحمتهم تراهم خافضي الجناح لهم متواضعين مترفقين فيهم مشفقين عليهم، يعاملونهم باللين معاملة الوالد ولده «أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ» غلاظ شداد عليهم مظهرين قوتهم وألفتهم عليهم كالأسد على فريسته «يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مع إخوانهم المؤمنين من عادى الله ورسوله من الكافرين والمنافقين والموالين إليهم الّذين إذا أرادوا الخروج مع الرّسول خافوا مواليهم أن يلوموهم، فلا يجاهدون معه خشية لومهم لضعف دينهم وعدم مبالاتهم به، وهذه الآية تضاهي الآية الأخيرة من سورة الفتح المارة في المعنى فلا يبالون بهم «وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ» ولا عذل عاذل في نصرة دينهم من أحد ما، لأنهم أقوياء فيه حريصون عليه، روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصّامت قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السّمع والطّاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف بالله لومة لائم. ذلك الإيمان الخالص وقوة الجأش وشدة البأس هو «فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده،
ويسلبه عمن يشاء من أهل عناده، «وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (54) بمن يستحق فضله فيهبه له من كرمه العميم. فيا أيها المؤمنون الرّاسخون في الإيمان «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الذينهم من حزب الله «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ» المفروضين عليهم «وَهُمْ راكِعُونَ» (55) لله ساجدون لهيبته «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» ويخلص لهما إخلاصا حقيقيا «فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ 56» الفائزون بخيري الدّنيا والآخرة. نزلت هذه لآية في عبادة بن الصّامت رضي الله عنه لمقالته الآنفة الذكر في عبد الله بن سلام حين قال يا رسول الله إن قومنا قريضة والنّضير هجرونا وأقسموا أن لا يجارونا ولا يجالوسنا. وهي عامة في جميع المؤمنين المخلصين، ولا وجه لقول من قال بتخصيصها في سيدنا علي كرم الله وجهه لأنها نزلت وهو راكع لأنه من جملة المؤمنين الموصوفين فيها وهو سيدهم. واعلم أن مجموع حروف هذه الآية (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ) إلخ بحسب الجمل (1379) وتقدم أن آية الصّافات (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) إلخ أن مجموعها 1360 وآية المؤمن الأخيرة وهي (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) في ج 2 كذلك مجموعها 1360 فنسأل الله أن يجعل فتحا للاسلام وسبيلا إلى النّصر والتوفيق لهم ما بين هذين التاريخين، وأن يتم لهم وحدتهم ويزيل عنهم أعداءهم، ويجمع كلمتهم، ويوفقهم لما له النّجاح والفلاح. وقد بينا في تفسير هذه الآيات والآية 58 من المجادلة المارة التي مجموعها 1958 بحساب الميلادي ما يتعلق بهذا البحث فراجعها، واسأل ربك أن يمحق كلمة الكفر ويكسر شوكتهم، وأن يكون الأمر كله في الأرض لعباد الله الصّالحين، وأن يطيل عمرنا مع حسن العمل وقوة الجوارح والاستغناء عن شرار النّاس، حتى نرى أياما زاهرة بالإسلام عامرة بالإيمان قبل ذلك التاريخ وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» من اليهود والنّصارى «وَالْكُفَّارَ» عبدة الأوثان الّذين كفرهم أغلظ من كفر غيرهم «أَوْلِياءَ» لكم ونصراء وأحباء «وَاتَّقُوا اللَّهَ» من أن تفعلوا شيئا من ذلك أبدا «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (57) بالله
ورسوله إيمانا خالصا، راجع الآية 51 المارة. ثم ذكر بعض مساويهم فقال «وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» وأذنتم لاقامتها «اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً» استخفافا بدينكم «ذلِكَ» صدور الهزؤ واللّعب منهم على شعائركم ومناسككم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ» (58) معنى الصّلاة والأذان ولا يفقهون المراد منها ولا يعلمون مكانة فاعلها عند الله لجهالتهم وسفههم. نزلت الآية الأولى في سويد ابن الحارث ورفاعة بن سويد بن التابوت اليهودي، لأنهما أظهرا الإسلام ووالاهما بعض المسلمين مع علمهم أنهما يبطنان الكفر ويظهران الإسلام استهزاء بهم، فحذرهم الله من موالاتهم، والثانية في اليهود الّذين يتضاحكون عند سماع الأذان، ورجل
نصراني في المدينة كان إذا سمع الشّهادتين يقول حرق الله الكاذب، فطارت عليه شرارة ذات ليلة من يد خادمه وهو نائم فأحرقته وأهله في بيته. قال تعالى يا سيد الرّسل «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا» أي هل تجدون ما ينقم به علينا ويتكبر عليه من الأعمال والأقوال «إِلَّا» شيئا واحدا تزعمونه موجبا للنقمة وهو «أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ» على الأنبياء السّالفين، وهذا مما لا ينكر عليه ولا يوجب الانتقام على حد قوله:
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم
…
ينسى بهم أهليه والولدا
أي أن هذا ليس بعيب مما يستوجب الذم لينتقم من فاعله وإنما هو أمر جليل وفعل كريم يستوجب المدح والتعظيم، ولهذا وصمهم الله بقوله عز قوله «وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ» (59) خارجون عن منهج الصّواب متجاوزون الحد في الاعتدال، وذلك أنهم سألوا حضرة الرّسول عمن يؤمن به من الرّسل فعد من آدم إلى عيسى، فقالوا والله لا نؤمن بمن يؤمن بعيسى. وإنما قال أكثركم لعلمه تعالى أنه يؤمن أناس منهم «قُلْ» يا سيد الرّسل لهؤلاء «هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ» الذي نقمتم به علينا وأنكرتم نبوّته «مَثُوبَةً» أي عقوبة وقد وضعت المثوبة موضع العقوبة تهكما وتبكيا كما توضع البشارة موضع النّذارة قال تعالى فبشرهم بعذاب اليم الآية 8 من سورة الجاثية وعلى طريقة قول القائل
تحية بينكم ضرب وجيع «عِنْدَ اللَّهِ» هو «مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ» يعني أنتم أيها اليهود أشر النّاس إذ مسخ الله أسلافكم قردة وخنازير بسبب عدم طاعتهم أوامر الله ورسوله، إذ نهاهم عن صيد السّمك يوم السّبت فاحتالوا وحفروا حياضا قريبة من السّاحل وشرعوا منها ساقية، فصارت الأسماك تدخل إلى الحياض يوم السّبت حتى إذا امتلأت سدوها من جهة البحر وتركوا الأسماك فيها حتى إذا دخل يوم الأحد أخذوها من الأحواض وأكلوها، فمسخهم الله تعالى عقوبة لاحتيالهم عليه «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» منهم أيضا وهو العجل الذي صاغه لهم السّامري وقال لهم هذا الحكم الذي ذهب اليه موسى قد نسيه هنا وعكفوا على عبادته من دون الله الذي أنجاهم وأغرق أعداءهم على مرأى منهم، ومنحهم النّعم العديدة، راجع الآية 88 من سورة طه المارة في ج 1 والآية 156 فما بعدها من الأعراف أيضا «أُولئِكَ» الّذين فعل بهم المسخ هم «شَرٌّ مَكاناً» من غيرهم عند الله «وَأَضَلُّ» من سواهم «عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ» (60) الطريق السّوي المستقيم التائهين في وسطه. ولا يقال هنا إن الموصوفين بالدين الحق محكوم عليهم بالشر، لأن الكلام خرج على حسب اعتقادهم لأنهم قبحهم الله حكموا بأن دين الإسلام بسبب اعتقاده بنبوة غيره، عيسى عليه السلام الذي هو من أولي العزم شر، ولم يعلموا أن عدم الإيمان به يستوجب عدم الإيمان بغيره من الأنبياء، لأن اليهود أيضا ينكرون نبوة غيره، كما أن النصارى كذلك، وكلّ ذلك كفر وشر، وهذا أشر بكثير من كلّ شر فيقال لهم إذا سلمنا جدلا أن الأمر كما تقولون فإن الأشربة كلها متمحضة بمن لعنه الله وغضب عليه إلخ، فهؤلاء هم أشر مما تقولون على زعمكم الباطل لو فرض صحته فكيف وهو كذب وافتراء.
ثم التفت إلى فضح حال المنافقين الموالين لليهود الأشرار فقال عز قوله «وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا» عليكم حين مجيئهم متقمصين «بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا» متلبسين «بِهِ» أيضا كما دخلوا لم يعلق بقلوبهم شيء من الإيمان «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ» (61) منه وما يظهرون.