الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام الذي خرجوا عن طاعته فالحكم فيهم هو ما تقدم آخر الآية العاشرة المارة ص 425 فراجعها تقف على ما تريد مما يجب أن يعاملوا به مما هو موافق للشرع الاسلامي. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين، وعلى من تبعهم بإحسان والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66
نزلت بالمدينة بعد الحجرات، وهي اثنتا عشرة آية، ومئتان وسبع وأربعون كلمة، والف وستون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ومثلها في عدد الآي سورة الطّلاق وتقدم بيان السّور المبدوءة بما بدئت بها في سورة الأحزاب، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» من النّساء «تَبْتَغِي» بذلك التحريم «مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ» لما وقع منك في ذلك «رَحِيمٌ» (1) بك يحل لك ما تحرم على نفسك.
مطلب في اثبات قصة التحريم وتفنيد الرّوايات فيها لأن الله تعالى لم يبين ما هو الذي سرّه الرّسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أتانا ودخل علينا النّبي صلى الله عليه وسلم أن نقول هل إنا نجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له أكلت مغافير- هو صمغ حلو له رائحة كريهة ينضجه شجر المعرفط وهو نبات له ورق عريض يفرش على الأرض له شوكة وثمرة خبيثة الرّائحة- فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه وفي رواية قد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا فنزلت هذه الآية. وما قيل من أن هذه الآية في قضية مارية حينما واقعها حضرة الرسول في بيت حفصة أو في بيت عائشة المذكورة في الصّحيحين فلم تأت من
طريق صحيح، والأخبار فيها متعارضة، لأن رواية ابن عباس في بيت حفصة وما نقله الكشاف أنها في بيت عائشة، وفي رواية أنس التي أخرجها الحاكم والنّسائي لم تعين الأمة ولا البيت، وإنما ذكرا فيها أن عائشة وحفصة لم تزالا برسول الله حتى جعلهما حراما على نفسه. قال النّووي في شرح مسلم الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مارية. وقال الخافجي نقلا عنه، الصواب أن شرب العسل كان عند زينب خلافا الحديث المروي في الصّحيحين عن عائشة أيضا بأن العسل شربه عند حفصة وإن عائشة وسودة وصفية تواطأن عليه بذلك، أي اتفقن فيما بينهن على ذلك القول، لأن الخطاب في الآية إلى اثنتين لا إلى ثلاثة. وقال الطيبي فيما نقله عن الكشاف من أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت ذلك حفصة، فقال لها اكتبي عليّ، وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك بأن أبا بكر وعمر سيملكان بعدي أمتي. ما وجدته في الكتب المشهورة فضلا عن تضاربها واختلاف رواتها واضطرابهم بالاسم والزمان والمكان، ولا أراها إلّا موضوعة أو ملفقة فلا عمدة على شيء فيها، ولهذه الأسباب اعتمدنا الرّواية الأولى الثابتة في الصحيحين والتي لا طعن فيها، تأمل قال تعالى «قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» بأن أوجب عليكم كفارة لتحليل يمينكم. وإنما جمع الضّمير تضخيما لسيد المخاطبين وإعلاما بأن هذا الحكم ليس له وحده بل لأمنه أيضا «وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ» جميعا وناصركم ومغيثكم ومؤيدكم «وَهُوَ الْعَلِيمُ» بما يقع منكم «الْحَكِيمُ» (2) يحلل ويحرم ويرخص في الأمور وقد يسر عليكم في كفارة الأيمان وسهلها لكم رحمة لكم. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال إذا حرم الرجل امرأته فهو يمين يكفرها، وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
وفي رواية إذا حرم امرأته ليس بشيء. والحكم الشّرعي فيها لو قال أنا عليك حرام ونوى الطّلاق يقع، ولو قال أنا حرام ولم يقل منك وعليك لا يقع، وإن نوى ولو قال لامرأته مرتين أنت علي حرام ونوى بالأول الطّلاق وفي الثانية اليمين فهو على ما نوى. راجع بحث الكنايات في فتاوى الهندية والبزّازية والخانية والأنقروي وغيرها من كتب الفتاوى والفقه كالدرر والدّر وغيرها. قال تعالى مبينا القصة
التي هي سبب التحريم «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً» لم يذكره الله ما هو، والمجمع عليه أنه قصة شرب العسل عند زينب وحلفه أو تحريم مارية، أو أمر الخلافة على ما مرّ لك، وقوله لحفصة أنه لا يعود إليه كما أنه تعالى لم يذكر التي أسر إليها إلّا أن أكثر الأخبار تدل على أنها حفصة، ولذلك خصصناها بالذكر والله أعلم «فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ» أخبرت حفصة عائشة بالأمر الذي علمته «وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» بان أطلعه على اخبارها واتفاقها مع عائشة على مسألة المغافير المارة، وقد «عَرَّفَ بَعْضَهُ» إلى حفصة بأن قال لها إنك قلت لعائشة كذا وكذا مع اني نهبتك ان تبوئي بما قلته لك من شرب العسل وغيره «وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ» وهو قوله إني حلفت فلا تخبري أحدا فلم يقله لها، ولم يؤنبها عليه، إلا أنه غضب من افشائها ما أسره لها، مع أنه أمرها بكتمانه وهمّ بطلاقها، فأتاه جبريل وقال له لا تطلقها فإنها صوامة قوامة، وانها من نسائك في الجنّة. وهذا وان كان ليس بشيء إلّا أنه بالنسبة لمقام حضرة الرّسول شيء عظيم، كما أن ما يقع منهن لو وقع من الغير لما سمي ذنبا البتة، ولكن الأنبياء يعدونه كبيرا بالنسبة لمقامهم من الله عز وجل، على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين. قال تعالى «فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا» النبأ الذي ذكرته مع أنه لم يطلع عليه أحد إلّا أنا وعائشة «قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» 3 بكل ما يقع في ملكه، قبل لما بلغ ذلك عمر وظن أن حضرة الرّسول طلقها قال لها لو كان في الخطاب خير لما طلقك رسول الله. قال تعالى «إِنْ تَتُوبا» على طريق الالتفات وهو أبلغ من المعاتبة، والخطاب لعائشة وحفصة لأنهما اللّتان تواطأتا على ذلك كما مر آنفا وترجعا «إِلَى اللَّهِ» عما وقع منكما من الاتفاق والتعاون على أذى حضرة الرّسول وعلى كتمان ما يأمر كنّ بكتمانه، لأنه الواجب عليكما طلبا لرضائه، لأن الله تعالى يغفر لكما ما بدر منكما، لأن ما تواطأتما به عليه «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما» به أي زاغت ومالت هما هو الواجب عليكما من الإخلاص لحضرته بأن تحبا ما يحبه وتكرها ما يكرهه، وامتثال أمره مهما كان، وقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الامتثال لما أراده منكما