المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات: - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

والآية تحتمل الوجهين فيجوز أن تقول بلا عمد البتة، أو بعمد ولكنها لم والله على كلّ شيء قدير «ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» استواء يليق بذاته لا يعرفه خلقه راجع الآية 4 من سورة طه، ج 1 والآية 41 من سورة يونس ج 2 والآية 4 من سورة الحديد المارة «وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» لمنافع خلقه «كلّ» منها «يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى» هو انقضاء الدّنيا وخراب هذا يكون، وقد جعل جل شأنه لكل من الشّموس والأقمار والكواكب سيرا خاصا لجهة خاصة بمقدار خاص من السّرعة ومقياس خاص في البطء والحركة، راجع الآية 77 من سورة يس والآية 13 من سورة الإسراء في ج 1 «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» ملكوته ناسوته ولاهوته بمقتضى حكمته لا يشغله شأن عن شأن «يُفَصِّلُ الْآياتِ» الدالة على وحدانيته وكمال قدرته «لَعَلَّكُمْ» أيها النّاس «بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ 2» إيقانا لا شبهة ولا ريب فيه. واعلم أن اليقين صفة من صفات العلم فوق المعرفة والدّراية وهو سكوت الفهم مع ثبات الحكم وزوال الشّك لما ذكر الله تعالى الدّلائل السّماوية أردفها بالدلائل الأرضية فقال «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ» بسطها بعد أن كانت مجتمعة ولا يعني بالبسط أنها كالكف بل بالنسبة لما نراه منها، فالنملة ترى البيضة حينما تمشى عليها منبسطة ونحن نرى ما تحتنا ما يلينا من الأرض منبسطا، وهذا لا ينافي القول بكرويتها إن كانت كروية وجعل فيها رواسي جبالا عظاما ثوابت تثقلها لئلا تطبش فتميد راجع الآية 9 من سورة لقمان ج 2 ففيها ما يتعلق بهذا وما يتعلق بالآية الثانية المارة من جود العمد وعدمه «وَأَنْهاراً» عذبة لمنافع خلقه «وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» ذكرا وأنثى أسود وأبيض مالح وباهت حلو حامض جليل وحقير كبير وصغير وما بينهما «يُغْشِي اللَّيْلَ» بضوء النّهار يغشي «النَّهارَ» بظلمة اللّيل «إِنَّ فِي ذلِكَ» الصنع البديع «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 3» بها ويفقهون المغزى فيها وما ترمي إليه فيستدلون بها

ص: 35

على عظمة خالقها ويعرفون ماهية أنفسهم، والفكر مقلوب الفرك، لأنه يستعمل في طلب المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا الوصول إلى حقيقتها والوقوف على ماهيتها. قال تعالى «وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ» متقابلات متقاربات في الصّفة مختلفات في اللّون والإنبات طيبة وسبخة رخوة وصلبة محجرة ومتربة حصية ورملية فمنها صالح للزرع ومنها للشجر، ومنها ما ينبت نوعا خاصا من الأشجار والخضر، وما ينبت ويثمر شيئا منها ولا ينبت في الأخرى وما يعيش، ويوجد من الحيوانات في قطعة ولا يعيش ويوجد في الأخرى، فقد يوجد في آسيا مالا يوجد في استراليا، ويوجد في إفريقيا مالا يوجد بأمريكا وبالعكس، وهكذا أوربا من حيث الجمع لا الانفراد، لأن هذه القارات الخمس وهي في الحقيقة سبع لأن آسيا تقسم إلى قسمين وأمريكا كذلك، وقد يختلف نباتها وثمارها وحيواناتها ومخلوقاتها في اللّغة واللّون والأخلاق تختلف أيضا، فسبحان من أودع في كل ما هو صالح له، وفي كلّ قلب ما أشغله «جَنَّاتٌ» فيها مختلفة الصّفات بحسب طبايع أرضها وكلّ أرض ذات شجر يجنّها أي يسترها تسمى جنة، ولكن شتان بين هذه وجنّات الآخرة على حد قوله:

ولن يتساوى سادة وعبيدهم

على أن أسماء الجميع موالي

ثم بين أشجار هذه الجنان بأنها «مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ» كل منها مختلفة في النّوع والشّكل والهيئة، وكلّ منها «صِنْوانٌ» الصنوان الشّجرات المتعددة من أصل واحد واحده صنو «وَغَيْرُ صِنْوانٍ» شجرة منفردة بأصلها، فالأشجار المجتمعة بأصلها أو برأسها كالنخل لأنه قد يتفرع له في رأسه فروع تصير كالنخلة المتفرعة من الأصل وتحمل ثمرا أيضا، وهذا كثير مشاهد ويسمى صنوان وقد بينا في الآية 99 من سورة الأنعام في ج 2 الكلمات التي هي على وزن صنوان فراجعها تقف على أصلها وجمعها، وانظر أيها الإنسان إلى عظيم قدرة ربك أن تلك الأشجار كلها «يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ» أي الطّعم فمنها الحلو والحامض والمز والمر وغير ذلك، وكذلك في الرّائحة واللّون والشّكل كالإنسان، منه الخبيث والصّالح والأحمر والأسود

ص: 36

والحسن والقبيح وما بينهما وهم من أب واحد «إِنَّ فِي ذلِكَ» الخلق العجيب والاختلاف الغريب الذي يبهر العقول ويكل عن فهمه المعقول والمنقول ويعجز عن إدراكه الفحول «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 4» تلك المعاني ويتدبرون مغزاها ومرماها ويتفكرون في تلك القدرة العظيمة «وَإِنْ تَعْجَبْ» أيها الإنسان الكامل من هذه المكونات البديعة النّاشئة عن قدرة الله البالغة، فحق لك أن تعجب لأنه مما يوجب العجب، ولكن إنكار الكفرة للبعث مع اعترافهم بأن الله خلقهم على غير مثال سابق أكثر عجبا من هذا لأنه كله دون قدرة القادر، ولأن إعادة الشّيء أهون وأيسر من إبداعه، ولهذا «فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ 5» فقولهم هذا هو الذي يجب أن تتعجب منه لا ذلك. واعلم أن العجب في حقّه تعالى محال لأنه حالة تغوي الإنسان، وتعرض له عند الجهل بالسبب، للشيء المتعجب منه، لأن النّفس تستبعد رؤية مالا تعرف سببه، وتتنزه ذات الله تعالى عن تلك «أُولئِكَ» الّذين ينكرون لبعث هم «الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ» لإنكارهم قدرته «وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ» يقادون فيها كالأسرى إلى النّار يوم القيامة هوانا بهم، ولكن بين إهانة الأسرى المنقطعة وإهانتهم الدّائمة في الوصف والكيفية فرق عظيم «وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ 5» وفي تكرار كلمة أولئك دلالة على عظم الأمر والهول والتعجيب. قال تعالى «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ» وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان حينما يخوفهم عذاب الله يستهزئون به يقولون هات ما تنذرنا به إن كنت صادقا، وحينما يبشرهم بما عند الله للمؤمن كانوا لا يلتفتون إليه، وقد قص الله تعالى عنهم قولهم قبلا (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) الآية 32 من سورة الأنفال المارة، ولم يقولوا لكثافة جهلهم اللهم اهدنا إليه «وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ» النقم التي أوقعناها بالأمم الماضية جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء أو بفتحها جمع مثل هو ما ضربه الله لأمثالهم من الكفرة الأقدمين ليتعظوا فلم ينجع بهم ولم يرتدعوا «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» أنفسهم وغيرهم. قال

ص: 37

السدي هذه أرجى آية في القرآن لذكر المغفرة مع الظّلم بدون التوبة راجع الآية 85 من سورة الإسراء ج 1 تجد ما يتعلق في هذا البحث «وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ 6» لمن يموت على كفره «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا» هلا «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ» على الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يدعونا إلى دينه «آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ» يقنعنا بها كآية صالح أو موسى وغيرهما يريدون شيئا محسوسا فقال تعالى لرسوله لا ترد عليهم «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ» لهم سوء عاقبة الكفر ومبشر بحسن نتيجة الإيمان «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» يهديهم بما أرسل إليه من ربه إلى دينه القويم بالطرق التي أمره بها ربه لا بما يريدون ويتحكمون، لأن الله تعالى لم تجر عادته أن ينزل الآيات على حسب اقتراح الكفرة، وإنما ينزلها بإرادته ومشيئته على من يريد من عباده، أما ناقة صالح عليه السلام فكانت بمراد الله وتقديره في أزله أنهم يطلبونها من نبيهم فيعطونها، وما عموم إلّا وخص منه البعض مثل رفع العذاب عن قوم يونس راجع الآية 98 من سورته في ج 2. ثم شرع جل شأنه يقص عليهم من عظائم قدرته وبالغ علمه بما يغنيهم عن الآيات إذا عقلوا فقال جل قوله «اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى» هل هو كامل الخلق أو

ناقصه حسن أم دميم طويل أو تصير ذكر أو أنثى يعيش أو لا يعيش عالم أو جاهل غني أو فقير ويعلم مدة حمله وعيشه في الدّنيا ورزقه وأجله وكلّ ما يقع منه وما يؤول إليه أمره في الدّنيا والآخرة، وهذا العلم مما استأثر به نفسه المقدسة وقد عجز الحكماء عن معرفة شيء من ذلك حتى الآن، ولا يزالون عاجزين إلى الأبد، راجع الآية الأخيرة من سورة لقمان في ج 2 تجد ما يتعلق في هذا البحث بصورة واضحة «وَما تَغِيضُ» تنقص «الْأَرْحامُ» تسقطه من الحمل يعلمه متى يكون «وَما تَزْدادُ» عن الواحد ومن نقص الأرحام والحيض زمن الحمل فإنه ينقص غذاء الجنين فيخرج ضعيفا، قال أبو حنيفة رحمه الله لا تحيض المرأة حال حملها لأن الله تعالى أجرى عادته بانسداد فم الرّحم بالحمل وما تراه الحامل من الدّم فهو استحاضة ودم الاستحاضة يكون من مرض وشبهه فيسبب ضعفا بالحامل فينشأ عنه ضعف الجنين، وقد تسقطه، وقد يخرج ناقص الخلقة ويولد لأقل من تسعة أشهر،

ص: 38

والزيادة عكس هذه الأشياء، ومن الزيادة زيادة الأصبع وشبهه، وقد يكون اثنان برأس واحد، ورأسان بجثة واحدة، يخلق ما يشاء «وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ» (8) لا يتجاوزه، فالقادر على هذه الأشياء وتمحيصها هو «عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) » على مخلوقاته تشير هذه الآية الكريمة إلى الأوزان الكيماوية التي لم تكشف إلّا بعد وقوف علماء أوريا الدّنيويين على أصول تحليل العناصر وتركيبها، واطلاعهم على أن لكل عنصر موجود في هذا الكون مقدارا محدودا، وأنه يستحيل أن يتركب جسم من الأجسام إلّا على مقادير معينة منها الماء، فإن تركيبه الكيموي؟؟ لتركبه على نسبة ثمانية أو كسجين إلى واحد هدروجين وهذه النّسبة لا تزيد ولا تنقص، فلو نقص من أحدهما عشر معشار الدّرهم لا يتولد الماء، وإن زدنا على أحدهما يحصل التركيب على القدر الذي قدره لهما والزائد يبقى معلقا والتولد سر خفي يسمى الألفة الكيمياوية، ولما كان أمرها غامضا لم يقف ولن يقف على كنهها واقف للاشارة إليها بقوله (عالِمُ الْغَيْبِ) بعد قوله (اللَّهُ يَعْلَمُ) لان استحالة تكون الجنين ومعرفة كنه تولد الأرحام سواء. ولكبير أهمية مقادير العناصر ذكرها الله سبحانه في قوله الجليل (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) الآيتين 21 و 22 من سورة الحجر في ج 2 إذ لو زاد أو كسجين أهواء لهاجت النّفوس واضطربت أو زاد نتروجينه لاعتراها الموت، فالحكمة الإلهية جعلته مزيجا منها على قدر معين محدود بحيث تلطفت حرارة الأوّل ببرودة الثاني، فتأمل معجزات القرآن العظيم وانظر هل كان إبان نزوله من يعرف هذا غير منزله؟ وهناك معجزات أخرى لم تختمر بعد في العقول لتظهر للملأ وصدق الله في قوله العزيز (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الآية 38 من الأنعام في ج 2 وفي كلّ ما جاء عنه في كتبه وعلى لسان رسله ورحم الله الأبوصيري حيث يقول:

آيات حق من الرّحمن محدثة

قديمة صفة الموصوف بالقدم

فلا تعد ولا تحصى عجائبها

ولا تسام على الإكثار بالسام

ص: 39

وإذا أردت أن تقف على الموزونات راجع الآيتين المذكورتين آنفا في سورة الحجر قال تعالى «سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ» عند الله لا فرق بينهما لديه «وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ» (10) ذاهب على وجه الأرض، والسّرب بفتح السّين وسكون الرّاء هو الماشية كلها والطّريق وبالكسر لقطيع من النّساء والظّباء وبفتحتين الحفرة تحت الأرض والقناة وجاء في الحديث (آمنا في سربك) أي أهلك، والمعنى أن كلّ ذلك عند الله سواء لا يختلف عنده حال عن حال فالسر والعلانية والخفاء والظّهور عنده سواسية

«لَهُ» لذلك الإله العظيم «مُعَقِّباتٌ» ملائكة يتعاقبون ليل نهار «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» من أمام كلّ عبد من عبيده «وَمِنْ خَلْفِهِ» ورائه «يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» قدره وقضائه بأمر الله وإذنه، ومعقبات جمع معقبة، ومعقبة جمع عاقب، ولا يستدل بهذا أن الملائكة إناث كما زعم البعض، لأن جمع الجمع مثل رجالات جمع رجال ورجال جمع رجل، والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة. وعلى هذا الحديث. وقوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) الآية الثالثة من سورة الأنبياء في ج 2، جاءت لغة (أكلوني البراغيث) على أن يكون الواو في الفعل ضمير جمع فقط والفاعل البراغيث، كما أن الملائكة في الحديث (والّذين في الآية) هما الفاعل، والواو في الفعلين ضمير جمع فقط أي يحرسونه بالليل والنّهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي، فيقولون تركناهم وهم يصلون، وآتيناهم وهم يصلون، وهذه الآية عامة، لأن الله تعالى وكلّ بكل نفس من من يحفظها من ملائكته. وروي عن ابن عباس وغيره لما جاء عامر بن الطّفيل وزيد بن ربيعة من بني عامر بن زيد قال عامر يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم (ومن هنا يعلم أن ليس لأحد أن يشترط على إمام المسلمين شرطا يتميز به عن بقية المسلمين) قال تجعل الأمر لي من بعدك؟ قال ليس ذلك لي إنما هو لله تعالى يجعله حيث يشاء، قال فتجعلني على الدّبر أي البادية؟

ص: 40

أنت على المدر أي المدن؟ قال لا، قال فما تجعل لي؟ قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال أو ليس ذلك لي اليوم، قم معي أكلمك، فقام معه صلى الله عليه وسلم لانه كبير قومه وأوعز إلى رفيقه زيد (أو أريد أخي لبيد) إني إذا كلمته قدر خلفه واضربه بالسّيف، فجعل عامر يخاصم الرّسول ويراجعه، فجاء زيد أو أربد واخترط السّيف ليضربه فلم ينسل، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه ماسكا قبضة السيف ومسلول منه قدر شبر، فقال اللهم اكفتيهما بما شئت، فأرسل الله صاعقة على زيد في يوم صحر فأحرقته، وهرب عامر وهو يقول والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا لأنك دعوت ربك فقتل صاحبي زيدا، فقال الله يمنعني فخرج خراج أصل أذن عامر وهو في بيت امرأة سلولية وصارت له غدة كغدة البعير، ركب جواده وجعل يركض في الصّحراء، ومات على ظهره. وهذه معجزتان صلى الله عليه وسلم وأنزل الله (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) الى السّجدة الآتية قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ» من النّعم والعافية التي أنعم بها على هذين الخبيثين وغيرهم لأن المعنى عام وخصوص السّبب لا يقيده ولا يخصصه «حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» من النية والعمل الحسن إلى النّية السّيئة والعمل القبيح فيبدل الله نعمهم نقما وصحتهم سقما وخيرهم شرا وتوفيقهم خذلانا وكثرتهم قلة وخصبهم جدبا وعزهم ورياستهم ذلا ومهانة كما فعل بعامر ورفيقه زيد الّذين أرادا أن يمكرا بحضرة الرسول ويغدرا به فحنظه الله وأهلكهما أي أن الله تعالى لا يزال مديما نعمه عباده حتى يتسببوا لانقطاعها «وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً» من الأسواء فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ» (11) بلي أمرهم غيره.

مطلب في البرق والصّواعق والتسبيح والسجود والفوق بين العالم والجاهل:

ولما خوف الله عباده في هذه الآية ذكر شيئا من عظيم قدرته بشبه النّعم من وجه والعذاب من آخر فقال جل قوله «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً» من نزول الصّواعق «وَطَمَعاً» بنزول الغيث قال أبو الطّيب:

فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى

يرجى الحيا منه وتخشى الصّواعق

وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ» (12) بالغيم والسّحاب الملئان بالماء ويقال سحاب جهام للخالي من الماء كما يقال خلّب للخالي من المطر «وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ

ص: 41

بِحَمْدِهِ»

هو الصّوت الخارج بعد البرق، والبرق هو اللّمعان الحاصل من خلال السحب عند تراكمها وتصادمها بعضها ببعض، ولما كان كلّ شيء يسبح بحمد الله كما مر في الآية 44 من الاسراء في ج 1 وفي الآية الأولى من سورة الحديد المارة، وبما أن الرّعد شيء أيضا فيسبح الله كسائر الأشياء «وَالْمَلائِكَةُ» تسبح مِنْ خِيفَتِهِ» أيضا «وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ» الشعل الغارية الكهربائية الحاصلة من الرعد «فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ» من خلقه فيهلكهم كما أهلك زيد المذكور آنفا «وَهُمْ» والحال ان الّذين يكذبون رسول الله «يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ» وينكرون على رسوله قدرته على بعث الخلق بعد الموت ويتخذون معه شركاء بعد صدور هذه الآيات ولا يخشونه وهو القوي العظيم «وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ» (13) المكر والكيد لأعدائه حيث يأتيهم بما يدمرهم من حيث لا يحتسبون ولا يعرفون ولا يقدرون على رده، وهذه اللّفظة لم تكرر في القرآن «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ» المجابة من الحق لأنها دعوة حق من الرّسول على عامر وزيد لتجاوزهما عليه صلى الله عليه وسلم وإرادتهما اغتياله بطريق الغدر بلا سبب «وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ» أوثانا مما اتخذوه وعبدوه من دون الله كعامر وزيد وغيرهما من الكفرة، والآية عامة في كلّ من يدعو من دون الله «لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ» يدفع عنهم ضرا أو يجلب لهم نفعا «إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ» أي إلّا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه على بعد منه يطلب منه المجيء «لِيَبْلُغَ فاهُ» فيدخل في فيه ليشربه وهو جماد من حيث عدم النّطق والفهم، كما أن الماء جماد من هذه الحيثية لا يشعر ببسط الكفين ولا يعلم بما يراد منها ولا بالعطش، لذلك يقول الله تعالى «وَما هُوَ بِبالِغِهِ» لأنه لا يفهم ولا يقدر أن يجيب دعاءه، فمثل الّذين يدعون من دون الله لدفع ما يهمهم دفعه وجلب ما يهمهم جلبه مثل هذا الجماد لا يعي ما يراد منه ولا به، لأنه لا يفهم ولا يقدر على الاجابة، فلا يركن إلى أمثال هذا إلّا الكافر الذي لا يعتقد بالله، ولهذا فلا يستجاب دعاؤه لكفره «وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ» أوثانهم «إِلَّا فِي ضَلالٍ» (14) عن طريق الحق وهباء لا قيمة له. ونظير هذه الجملة آخر الآية 50 من سورة المؤمن في ج 2

ص: 42

وذلك لأن أصواتهم منصرفة إلى أوثانهم وهي لا تجيبهم لأنها محجوبة عن الله تعالى لعدم دعائهم إياه ولأنهم يأنفون من السّجود لعظمته «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً» واختيارا رغبة ورضى وشوقا كالملائكة والرّسل والمؤمنين المخلصين «وَكَرْهاً» جبرا وقسرا رغم أنوفهم كالكفار والمنافقين عند نزول الشّدائد بهم، ولكن لا فائدة لهم من ذكره لأنهم لا يرجون له ثوابا ولا يعتقدون به، وإنما يخضعون لله حال الضّيق والمحنة فقط «وَظِلالُهُمْ» تسجد لعظمته أيضا تبعا لهم. والضّمير فيه يعود ان في الأرض، لأن من في السّماء لا ظل له «بِالْغُدُوِّ» من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس والغدوة والغداة منها إلى نصف النّهار «وَالْآصالِ» (15) جمع أصيل ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذا ويجب على من قرأ هذه الآية ومن سمعها السّجود لله تعالى كما مر في الآية الأخيرة من سورة والنّجم في ج 1 «قُلْ» يا سيد الرّسل لهؤلاء الّذين لا يعرفون الله تعالى إلّا عند نزول البلاء بهم ولا يدعونه إلّا عند اشتداد الأزمة رسلهم «مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فإن لم يجيبوك عتوا وعنادا فأنت «قُلِ اللَّهُ» لأنهم يتلعثمون عند قول الحق ويترددون عن الإجابة عنه، وإذا قالوه يقولونه جبرا، ثم «قُلْ» توبيخا لهم لاتخاذهم أوثانا يزعمون أنها تشفع لهم «أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ» لأموركم أصناما «لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا» فما فائدتكم منهم بعد أن علمتم أن مالك الضّر والنّفع هو الله لا غير، ومما يدل على تمام معرفتهم به أنه يملك ذلك ويملك الحياة والموت والخير والشر، إنهم يدعونه عند الشّدة، ومن جهلهم وحمقهم يعرضون عنه عند الرّخاء قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور» فبالطبع

يقولون لا، فقل لهم كما لا يستوي هذان الصّنفان، لا يستوي الكفر والإيمان الوثن والرّحمن، راجع الآية 21 من سورة فاطر في ج 1 تجد ما يتعلق في هذا البحث «أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ»

سماء وأرضا وشمسا وقمرا وإنسا وجنا وملائكة ووحشا وأنهارا وبحارا «فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ» الخلق الذي خلقه شركاؤهم فلم يميزوا بين خلق الله وخلق أوثانهم، كلا لم تخلق

ص: 43

شيئا ما، فيا سيد الرّسل «قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» وما يعمله خلقه من خلقه «وَهُوَ الْواحِدُ» المتفرد بالخلق «الْقَهَّارُ» (16) لكل شيء لا أوثانهم العاجزة عن حفظ نفسها وهذا الإله الجليل هو الذي «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ» به «بِقَدَرِها» الذي علمه قبل نزوله «فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً» رغوة بيضاء قيقاء تشبه الزبد منتفخة مرتفعة على وجه السيل وهذا مثل ضربه الله تعالى لعباده بمثل آخر وهو «وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ» من الذهب والفضة «ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ» لا تكون إلّا منهما، وإنما أعيد الضّمير إلى الذهب والفضة مع عدم ذكرها للمعلومية، راجع قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) الآية 32 من سورة ص في ج 1 فيما يتعلق بهذا الضّمير لأن الحلية لا تكون إلّا منهما، أما الأحجار الكريمة التي يتحلى بها فلا توقد، عليها النّار، لذلك لا يتصور إعادة الضّمير إليها «أَوْ مَتاعٍ» آخر من غيرهما كالحديد والنّحاس والرّصاص وكلّ ما يذاب مما يتخذ منه الأواني وما يتمتع به فيكون له «زَبَدٌ مِثْلُهُ» مثل زبد الماء بسبب غليانه على النّار، ولا دخل للأحجار الكريمة في هذا أيضا، لأنها لا تذاب على النّار «كذلك» مثل هذا المثل «يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ» الذي ينتفع به مثل الماء والذهب وبقية المعادن المنطبعة «وَالْباطِلَ» الذي لا ينتفع به كرغوة الماء وخبث المعادن المعبر عنها بالزبد المعبر عنه بقوله عز قوله «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً» متلاشيا لا فائدة فيه «وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ» كالماء الصّافي وجوهر المعادن المذكورة التي يتزين بها «فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» وعلى النّاس «كَذلِكَ» مثل هذا الضّرب «يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» (17) ليعتبر خلقه بها قال تعالى «لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ» ما دعاهم إليه «الْحُسْنى» الجنّة إذ لا أحسن منها مقعدا ولا أهنا منها مشربا، ولا أمرا منها ماكلا، فنعمة الجنّة مكافأة لهم وجزاء «وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ» دعاءه هم النّار والدّمار وحين يعانون عذابها يتمنون «لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ» مما يلاقونه من هولها ولكن ليس لهم ذلك، ولو فرض أنهم يملكونه وأرادوا أن يفتدوا به

ص: 44