الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذلة والمهانة بالتخلف بل رغبوا بما عند الله تعالى من الأجر والثواب ولذلك «جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ» لإعلاء كلمة الله وعزة المؤمنين فرخصوا أنفسهم فباعوها في سبيل الله ولم يحسبوا للموت حسابا، وكان قائلهم يقول:
أقول لها وقد طارت شعاعا
…
من الأبطال ويلك لم تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم
…
على الأجل الذي لك لم تطاع
فصبرا في مجال الموت صبرا
…
فما نيل الخلود بمستطاع
فهؤلاء الرّجال الّذين يحبون الموت لتوهب لهم الحياة الطّيبة في الدّنيا والآخرة لا أولئك «وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ» في الدّنيا من الغنائم والتفوق على غيرهم من الإقدام والتفادي «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (88) الفائزون في الآخرة إذ «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها» جزاء طاعتهم لله ورسوله «ذلِكَ» الجزاء الحسن هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (89) الذي لا يوازيه فوز، وفخر عظيم لا يعادله فخر، وأجر كبير لا يقابله أجر.
مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:
قال تعالى «وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ» بتشديد الذال ومن شدد العين معها فقد أخطأ، لأن الذال تدغم مع العين للتضاد، ولم يقل أحد بتنزيل التضادّ منزلة التناسب، وقرىء المعتذرون أي طالبي العذر، لأن التاء للطلب على أن الأصل المعتذرون، فأدغمت التاء في الذال ونقلت حركتها إلى العين، وذلك لما رأوا أن سقط في أيديهم، ولم يروا أن الأرض تسعهم مما لحقهم من الخجل ممن كان من أصحابهم مع حضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم، وهم «مِنَ الْأَعْرابِ» الّذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك بعد أن عاد منها حضرة الرّسول وصاروا يعتذرون إليه بأن عدم خروجهم معه كان خوفا من أن بغير أعداؤهم على أموالهم وذراريهم حالة غيابهم وطلبوا منه «لِيُؤْذَنَ لَهُمْ» بقبول عذرهم والمعذر من يرى أن له عذرا ولا عذر له، وهؤلاء الّذين تخلفوا كسلا، وأما المتخلفون نفاقا فهم المذكورون
في قوله تعالى «وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فلم يأتوا ولم يعتذروا إذ عرفوا أنهم سقط في أيديهم «سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ» أعنف العنف «عَذابٌ أَلِيمٌ» (90) لأن تخلفهم كان مخالفة لأمر الرّسول وجرأة على الله، أما الّذين لم يكن تخلفهم لهذا فمفوضون لأمر الله،
ثم بين تعالى المعذورين الغير مكلفين بالجهاد فقال «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ» المسنين الهرمين ومن دون البلوغ من الصّبيان والنّساء لعدم تكليفهم ولضعفهم ورقة قلوبهم «وَلا عَلَى الْمَرْضى» وذوي العاهات والزمنى «وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ» بالغزو من السّلاح والزاد والرّاحلة «حَرَجٌ» إثم إذا تخلفوا عن الجهاد، أما إذا خرجوا طوع أنفسهم لتكثير سواد المسلمين وحفظ متاعهم وتهيئه ما يتمكنون عليه من الخبز والتضميد والتنظيف ومداواة الجرحى، فلهم الثواب العظيم، لأن الله تعالى أسقط عنهم الوجوب ولم يحرم عليهم الخروج، فإذا أقاموا في البلد لا إثم عليهم، بل يؤجرون إذا نظروا إلى أولاد وأموال المجاهدين ورعايتها وحفظها، وهذا مغزى قوله جل قوله «إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» بأن حافظوا على ما ذكر وقاموا بحوائج ذراري وأهالي المجاهدين ما استطاعوا عليه بصدق وأمانة وإخلاص، ولا سيما إذا أوصلوا الأخبار السّارة إلى أهالي المجاهدين وردوا أراجيف المرجفين وكتموا أسرارهم ولم يفشوها لأحد، فهذا كله من الإحسان للمجاهدين وأهليهم وداخل في معنى النّصح الذي ذكره الله، لذلك قال «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» يلامون عليه أو يعاتبون فيه وقد سماهم الله محسنين فيكفيهم فضلا على غيرهم وأجرا على ما وصفهم الله به وتقديرا عند رسوله «وَاللَّهُ غَفُورٌ» لمن تخلف منهم «رَحِيمٌ 91» بهم يثيبهم بحسب نيتهم «وَلا» حرج ايضا «عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ» فبلغوا معك تبوك لقتال عدوك «قُلْتَ» لهم «لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» وكانت الشّقة بعيدة في هذه الغزوة لا يمكن المشي فيها على الأقدام بصورة مستمرة «تَوَلَّوْا» أعرضوا بظهورهم عنك وهو جواب إذا «وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» ، واعلم أن هذا التعبير يقع في علم البلاغة بمكان عظيم، لأن العين جعلت هنا كلها دمعا ويعبر عن مثل هذا في البلاغة
بفيض دمعها «حَزَناً» على عدم خروجهم معك بسبب «أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» (92) للتأهب معك والواو هنا للحال أي تولوا والحال أن أعينهم إلخ. ثم ان العباس وعثمان ويامين بن عمرو لما رأوا تأثرهم تمكنوا من تجهيز جملة منهم وذهبوا مع حضرة الرّسول. أخرج ابن أبي حاتم والدّارقطني في الأفراد عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت براءة، واني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه، إذ جاءه أعمى. فقال كيف يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى) الآية. ونقل الطّبراني عن محمد بن كعب وغيره، قالوا جاء أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه فقال ما قصه الله في الآية. وهذا شامل لقول من قال إنها نزلت في البكائين السبعة: سالم بن عمير وهو من بني عمير وعبد الرّحمن بن كعب أبي يعلى وسلمان ابن صخر وعبد الرّحمن بن زيد الذي تصدق بعرضة- بفتح العين والضّاد- وعمرو ابن خيثمة وعبد الله بن عمرو وغيرهم الّذين ذكرهم البغوي، والثلاثة الّذين ذكرهم مجاهد، أو العرياض بن سارية. قال تعالى «إِنَّمَا السَّبِيلُ» طريق اللّوم والعقوبة والمؤاخذة «عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ» أقوياء قادرين الّذين «رَضُوا» رغبة منهم «بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (93) حقيقة ما أعده الله للمجاهدين في الدّنيا والآخرة، وقبح ما اختاروه، ووخامة عاقبته في الدّارين. قالوا ولما وصل صلى الله عليه وسلم تبوكا لم يرقها أحد من الرّوم، فاستنار أصحابه بمجاوزة تبوك، فقال عمر إن كنت أمرت فسر، فقال لو أمرت لم أستشر. وهناك جاءه يوحنا صاحب إيلياء ومعه أهل جرباء واذرح ومتينياء من بلاد الشّام، فصالحوه على الجزية، وكتب لهم كتاب أمان لهم ولأموالهم ما داموا على العهد. وبعد مضي عشرين يوما أقاموها بتبوك للراحة من وعثاء السفر رجعوا إلى المدينة. وان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى مساجد في طريقه من تبوك إلى المدينة ووصلوا إليها سالمين، وامتدحه العباس رضي الله عنه بقصيدة مشهورة مطلعها:
وأنت لما ولدت أشرقت ال
…
أرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذاك الضّياء وفي
…
النور وسبل الرّشاد نخترق
قال تعالى وأولئك المتخلفون سيأنونكم «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ» من سفركم «إِلَيْهِمْ» بالمعاذير الباطلة الواهية لتقبلوا منهم وتصفحوا عنهم، «قُلْ» لهم يا سيد الرّسل «لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ» ولا نصدق عذركم «قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ» الكاذبة قبل إبدائها، وصار لنا علم حقيقي بها، فلا مجال لتصديقها البتة «وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ» ويريه للنّاس من كلّ ما تقولون وتوعدون به من النّصر والمعونة في المستقبل، ويظهر صدقه وكذبه في الدّنيا، وهل تتوبون مما أنتم عليه أو تموتون مصرّين على نفاقكم «ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» في الدّار الآخرة وإذ ذاك «فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (94) ويجازيكم بحسبه قال تعالى «سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ» يا سيد الرّسل هؤلاء المنافقون بأنهم «إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ» من غزوتكم هذه «لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ» ولا تؤنّبوهم «فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ» واتركوهم وشأنهم، وقد طلبوا اعراض الصّفح، فأعطوا اعراض المقت، وذلك «لأنّهم رجس» ، لا تطهرهم المعاتبة ولا يصلحهم التوبيخ في الدّنيا «وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ» في الآخرة «جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» (95) من قبائحهم وخبثهم «يَحْلِفُونَ» هؤلاء المنافقون وعددهم بضعة وثمانون رجلا، وهم الّذين نزلت فيهم هذه الآيات «لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ» مع أنهم خارجون عن طاعتكم كلا لا تفعلوا «فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (96) الخارجين عن طاعته المناوئين لرسوله وللمؤمنين، وإنما وصفهم الله بما ذكر ليعلم رسوله بما في قلوبهم، فلا يقبل عذرهم، ولا يصدق إيمانهم، أما المعذورون حقيقة، فقد قال صلى الله عليه وسلم عند دنوه من المدينة مخاطبا أصحابه الّذين معه إن في المدينة قوما ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم، حبسهم العذر هذا، ولما انتهى صلى الله عليه وسلم من غزوته هذه، وعاد إلى المدينة طفق يشير بما عليه أعرابها، فقال ما أنزله الله عليه «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً» من الحضر «وَأَجْدَرُ» بذلك وأحرى وأولى أن يكون كفرهم ونفاقهم أشد من أهل القرى والمدن
بسيب بعدهم عن سماع القرآن وأحاديث الرّسول ومواعظ العلماء، لذلك قال تعالى وأخلق «أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ» من الأحكام والأخلاق والآداب والأمثال والقصص الموجبة للاتعاظ والاعتبار «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بأحوال عباده كلهم «حَكِيمٌ» (97) بهم ميسر كلا لما خلق له ومعط كلا ما يستحقه.
واعلم أن الأعراب هم الّذين يتبعون في البوادي مساقط الغيث ومنابت الكلأ، يخيّمون هنا يوما، وهنا أياما بحسب وجود الماء والمرعى، ويقال للواحد منهم أعرابي مفرد أعراب ومن استوطن القرى والمدن يقال له عربي مفرد عرب، وعليه فإن المهاجرين والأنصار من العرب لا من الأعراب، وإنما وصفهم الله بالكفر والنّفاق لكثرة تصلّبهم بهما وبعدهم عن معرفة حقيقة الإسلام مع ما هم عليه من كرم وشجاعة، وإقراء الضّيف وإغاثة الملهوف ومعونة ذي الحاجة والمروءة والغيرة، وأوصاف أخر قد لا يتحلى بها كثير من النّاس لا كما يقوله البعض بأنهم أجلاف كلا بل أشراف، ولكن مع الأسف لا حظ لهم في الآخرة إذا لم يؤمنوا.
قال تعالى «وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ» من الصّدقات الواجبة عليه بمقتضى الدّين الحق «مَغْرَماً» يعدها كغرامة وهي التزام ما لم يلزم، فلا يعتقد وجوبها وهي أحد أركان الإسلام، ولا ثوابها ولا يعطبها إلّا خوفا أو رياء «وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ» أيها المؤمنون «الدَّوائِرَ» تقاليب الزمن بما يحوك في صدورهم من الحقد عليكم بسبب أخذ الصّدقة منهم، وينقلبوا عليكم فينتقموا منكم عند أول سانحة، ولذلك فإنهم يتحينون الفرص السّيئة لينقضوا عليكم ولكن «عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ» تدور وينقلب الزمن بسوء عليهم لا عليكم، فلا يرون فيكم إلّا ما يسوءهم، ولا ترون فيهم إلّا ما يسركم «وَاللَّهُ سَمِيعٌ» لما يقولونه فيكم أسرّوا فيه أم جهروا «عَلِيمٌ» (98) بما ينوون من السّوء عليكم ويتمنون وقوعه فيكم، نزلت هذه الآيات في أعراب أسد وغطفان وتميم، ثم استثنى منهم جماعة بقوله جل قوله «وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ» من الصّدقات «قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ» لأنهم يعطونها عن طيب نفس «وَصَلَواتِ الرَّسُولِ» أدعيته صلى الله عليه وسلم لهم يتخذونها أيضا
ويرغبون بها، لأن حضرة الرّسول كان يدعو للمتصدقين بالبركة والخير. ثم ينبّه على ما يتعظ له هؤلاء الأبرار فقال «أَلا إِنَّها» صلوات الرّسول في الحقيقة «قُرْبَةٌ» عظيمة ومنفعة جزيلة وبرّ شامل «لَهُمْ» للمتصدقين ولهم في الصّدقات وصلوات الرّسول قربة عند الله وأجر عظيم وثواب كبير وخير جزيل «سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ» الواسعة على نيتهم هذه وعقيدتهم الحسنة «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لما يقع من الخلل في صدقاتهم وما سبق من أعمالهم «رَحِيمٌ» (99) بهم وبأمثالهم المؤمنين المتصدقين لأجله، الطالبين دعاء الرّسول، وهذه شهادة من الله تعالى للمتصدقين المتيقنين أجر صدقاتهم مؤكدة بحرفي التنبيه والتأكيد وناهيك بها شهادة، فعلى المتمولين أن يسارعوا في صدقات أموالهم عن رغبة ويكثروا منها ما استطاعوا طلبا لهذا الثواب المشهود به من الله. وتفيد هذه الآية أن من لم يؤد صدقته بهذه النّية ويطلب فيها مرضاة الله فإنهم يعرضون أنفسهم لسخط الله ويعدّون من الكانزين المشار إليهم في الآية 35 المارة، لأن الذي يعطيها خوفا أو رياء لا يعد مؤديها كما أراد الله، اللهم وفق عبادك إلى السّخاء بما مننت به عليهم من فضلك، واجعله لخيرهم وقهم من البخل والشّح المؤدي لهلاكهم، وامح شقاءهم، واثبت لهم السّعادة إنك على كلّ شيء قدير. قال قسّ بن ساعدة: أفضل المال ما قضى به الحقوق، وأفضل العلم وقوف المرء عند علمه، وأفض العقل معرفة المرء بنفسه، وأفضل المروءة استبقاء ماء الوجه، ولهذا حث الشّارع على السّعي كما جاء به الكتاب، وحبذه كلّ ذي رأي وعقل، وفيه قيل:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
…
تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
وما بلغ الحاجات في كلّ وجهة
…
من النّاس إلّا من أجدّ وشمرا
فلا ترض من عيش بدون ولا تنم
…
وكيف ينام اللّيل من كان معسرا
وقال أبو بطال:
جمعت مالا ففكر هل جمعت له
…
يا جامع المال أبوابا تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه
…
ما المال مالك إلّا يوم تنفقه
إن القناعة من يحلل بساحتها
…
لم يلق في ظلها عمّا يؤرقّه
فالمال الذي يوفق صاحبه لهلكته بالخير لا أحسن منه إلّا الدّين الصّحيح، وقيل فيه:
ولم أر بعد الدّين خيرا من الغنى
…
ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
وما الفرق بين حلال المال وحرامه إلّا أن الأوّل يدل على الجد والعمل والثاني يدل على الغش والكذب. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتم ان كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من تميم وبنى أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة؟ فقال رجل: خابوا وخسروا، قال نعم هم خير من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر ابن صعصعة. ورويا عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها.
ورويا عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار مواليّ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله. وإنما مدح هؤلاء حضرة الرّسول لكمال يقينهم وحسن نيتهم وصدق عقيدتهم وأدائهم زكاة أموالهم طيبة بها أنفسهم. قال تعالى «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ» فسلكوا سبيلهم بالإيمان واقتفوا آثارهم بالأعمال الصّالحة إلى يوم قيامتهم على هذا الشّرط الذي شرطه الله عليهم، فهؤلاء «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» بحسن نيّاتهم وبما أنعم الله عليهم من خيره الفيّاض «وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ» الفضل الذي منحهم الله إياه هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (100) من الرّب العظيم والفلاح الجسيم والنّجاح الذي ما بعده نجاح، وهؤلاء هم الّذين صلّوا إلى القبلتين وأهل بدر وأهل بيعة الرّضوان، ويدخل في عموم الآية جميع الأصحاب نسبيّا، وتشمل من حذا حذوهم أيضا، أما من لم يتبعهم بإحسان ولم يقتف آثارهم فليس منهم، ولا ينال ما نالوه، ولا يدخل في عدادهم، والنّاس بعدهم مراتب. واعلم أن أول من آمن به صلى الله عليه وسلم من النّساء خديجة الكبرى رضي الله عنها، ومن الصّبيان علي كرم الله وجهه ورضي عنه، ومن الرّجال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ومن الأرقاء بلال وزيد بن حارثة رضي الله
عنهما، والّذين أسلموا بواسطة أبي بكر أولهم عثمان بن عفان فالزبير بن العوام فعبد الرّحمن بن عوف فسعد بن أبي وقاص فطلحة بن عبد الله، فهؤلاء العشرة هم أسبق النّاس إيمانا من المهاجرين، والسابقون من الأنصار سعد بن زرارة وعوف ابن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وقطينة بن عامر وجابر بن عبد الله بن ذياب، وهؤلاء الّذين بايعوا حضرة الرّسول ليلة العقبة الأولى، والبراء بن معرور، وعبد الله ابن عمرو بن حزام أبي جابر، وسعد بن عبادة، وسعد بن الرّبيع، وعبد الله ابن رواحة، ورفقاءهم، وهم سبعون رجلا الّذين بايعوا حضرة الرّسول عند العقبة الثانية، راجع الآية 103 من سورة آل عمران تجد هذا هناك، وسبب اتصال الأنصار بحضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم أيضا. وأول من آمن على يد مصعب بن عمير من أهل المدينة قبل الهجرة قد ذكرناهم هناك أيضا. وإنما خص الله السّابقين الأولين في هذه الآية بهذه المزية العظيمة لأن الهجرة أمر شاق على النّفس لما فيها من مفارقة الوطن والأهل، والنّصرة منقبة شريفة ورتبة عالية، وقد امتاز الأنصار المذكورون على غيرهم بإبواء حضرة الرّسول وأصحابه ومواساتهم لهم بالمال والسّكن، حتى ان بعضهم ترك بعض زوجاته لبعضهم، وهؤلاء الأكارم حازوا خير الدّنيا والآخرة. ويعلم من تقديم المهاجرين في كلام الله أنهم أفضل من الأنصار، لأن الهجرة أشق على النّفس من أشياء كثيرة، والأنصار هم أهل المدينة، ولقبوا بهذه الصّفة قبل غيرهم، وصار علم شرف لهم لنصرتهم حضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم. روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: خير النّاس قرني ثم يلونهم، ثم الّذين يلونهم. قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.
والأخيريّة النّسبية موجودة حتى الآن وما بعدئذ بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم لا يأتي يوم إلا والذي بعده شرّ منه، وما يقع من الأخيريّة فهو من تنفسات الزمان. ورويا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. والقرن من مئة إلى مئة وعشرين سنة، وهو مستوى عمر الإنسان لو عاش سالما من تخم الأكل المهلكة وتحفظ من الحر والقر المدمّرين للانسان، ومن الجوع المفرط وما يعتريه بسبب
هذه الأشياء من الأمراض، وما يفضي إليه من ترد وهدم وغرق وحرق وقتل وشبهها، وقد قدر الله تعالى هذا لعمر الإنسان، لأن الحيوان بعيش في الغالب سبعة أمثال مدة بلوغه، وأكثر، وأقل، بحسب ما هو مقدر عند الله من الأجل المبرم والمعلق، وزمن بلوغ الإنسان على القول الوسط خمس عشرة سنة، فتكون مع سبعة أمثالها مئة وعشرين، وهو معنى القرن، وكثيرا ما يقضون قبل ذلك بما يقدره الله عليهم من تلك العوارض، وكثيرا ما يعيشون أكثر، وقد عاش شيخنا الشّيخ حسين الأزهري مفتي الفرات سابفا مئة وسبعا وعشرين سنة مستجمعا كمال حواسه العشرة، ولم يعتره شيء من أمارات الهرم، رحمه الله، وبلّغنا ما بلغه، وجعل لنا لسان صدق مثله.
ثم قسم الله المنافقين ثلاثة أقسام ذكر الأوّل بقوله عز قوله «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ» المحيطين بالمدينة «مُنافِقُونَ» يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وهم من مزينة وجهينة وأسجع وغفار وأسلم أي القليل منهم، بدليل لفظ من التبعيضية، والكثير منهم ممدوحون كما مر في الحديث السّابق عقب الآية (99) المارة الدّالة على مدحهم، وفي هذا القسم المذموم الممقوت المذكورون في قوله تعالى «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ» منافقون «مَرَدُوا» تمرنوا واعتادوا «عَلَى النِّفاقِ» وهم من الأوس والخزرج، وأنت يا سيد المرسلين «لا تَعْلَمُهُمْ» لأنهم يظهرون لك الإيمان والإخلاص والصّدق والطّاعة والحمية ولكن «نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ» لأنا مطلعين على ما تكنّه صدورهم من الكفر والغش والبغض والكذب والعصيان ولهذا فإنا «سَنُعَذِّبُهُمْ» على تزويرهم هذا، وخداعهم لك «مَرَّتَيْنِ» الفضيحة والخزي والهوان والعار والشّتار في الدّنيا، والعذاب الدّائم المقيم مدة البرزخ في القبر وكلا هذين العذابين في الدّنيا، لأن مدة البرزخ من أيامها، وعلى هذا عامة المفسرين يؤيده قوله تعالى، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ» (101) في الآخرة لأنها محل ردّ كل الخلق فإنه مكان مكافآتهم ومجازاتهم، وهذه الآية من الآيات الصّريحة الدّالة على عذاب القبر، راجع الآية 46 من سورة المؤمن المارة في ج 2. واعلم أن هذه الآية تشير إلى أن حضرة الرّسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن كلّ ما يخبر به هو
من تعليم الله إياه وإخباره له بواسطة أمينه جبريل عليه السلام. قال الكلبي قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم جمعة فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج أناسا من المسجد وفضحهم ولم يك عمر شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء، لأنه لم يشهد الجمعة، وظن أن النّاس قد انصرفوا واختبأوا هم منه أيضا، إذ ظنوا أنه قد علم بأمرهم خجلا من أن يراهم، فدخل المسجد فإذا بالناس لم ينصرفوا، فقال له رجل أبشر يا عمر فإن الله قد فضح المنافقين اليوم- أخرجه ابن أبي هاشم والطّبراني في الأوسط عن ابن عباس- وفي رواية ابن مردوية عن أبي مسعود الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم أقام في ذلك اليوم وهو على المنبر ستة وثلاثين رجلا، ثم بين القسم الثاني بقوله «وَآخَرُونَ» من مسلمي المدينة الّذين تخلفوا عن الرّسول بشائبة النفاق، فلم يخرجوا معه إلى تبوك «اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» أمام حضرة الرّسول عند رجوعه وأظهروا له النّدم والأسف على ما وقع منهم، ولم يتقدموا بمعاذير واهية مختلفة كالأولين، فهؤلاء بفعلهم هذا وبيانهم الواقع طوعا منهم يعدّون قد «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً» وهو خروجهم مع حضرة الرّسول في الغزوات السّابقة وصدقهم فيها وندمهم على عدم ذهابهم مع الرّسول في هذه الغزوة ندامة حقيقة «وَآخَرَ سَيِّئاً» وهو تخلفهم عنه في هذه الغزوة وموافقتهم المنافقين على عدم الخروج معه قبلا، وهؤلاء لم يكن الله ليضيع أعمالهم السّابقة الصّادقة، ولذلك قال جل قوله «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» لسابق فعلهم الحسن وتحسين نيتهم والتمني من الله تعالى للتحقيق، لأن اعترافهم برضاهم دليل على صدق نيتهم.
وتشير هذه الآية على قبولهم، ولذلك لم يذكر الله ما يدل على عقابهم. روى الطبري عن ابن عثمان قال: ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية، وذلك لأن ظاهرها يفيد أن مجرد عمل صالح وجد من الإنسان مع أعمال سيئة يرجى له الخير، وقد لا يخلو مسلم من عمل خير مهما كان شريرا والحمد لله، راجع الآية 6 من سورة الرّعد المارة وما ترشدك إليه من المواضع ترشد لما تريد، واعلم أن الخلط هنا عبارة عن الجمع المطلق كاختلاط النّاس والأواني وغيرها بعضها ببعض،
والواو هنا نائبة عن مع، إذ بقي كلّ عمل صالح على حاله، فالطاعة تبقى على حالها موجبة للثواب، والمعصية تبقى على حالهما مفضية للعقاب، والقول بالإحباط باطل، وهذا على خلاف قولك خلطت الماء بالعسل لا متزاجهما واندماج كلّ منهما بالآخر، فلم يبق العسل عسلا ولا الماء ماء، ومن قال بالإحباط أراد هذا المعنى الأخير تأمل. ومما يدل على قبول التوبة وعدم الإحباط ختم الآية بقوله «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (102) لأن تصديرها بحرف التأكيد دليل على انه ينجز الوعد لهم يسائق مغفرته ورحمته، ومن دلائل قبول التوبة أيضا قوله تعالى خطابا لسيد المخاطبين «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ» أي المعترفين المذكورين «صَدَقَةً» تكون كفارة لما صدر منهم «تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» من أدران خطاياهم «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ» ادع بالتجاوز عما اقترفوه وإزالة الصّدأ من قلوبهم بالكلية «إِنَّ صَلاتَكَ» يا حبيبي لو يعلمون «سَكَنٌ لَهُمْ» وأمن وطمأنينة لأفئدتهم بقبول توبتهم «وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (103) بنيتهم وإخلاصهم في قولهم وفعلهم ونزلت هذه الآية بعد قبول توبتهم وبعد أن تصدقوا بمالهم فرحا بقبول توبتهم وهي عند الله كذلك قبل ذلك فلا يخطر ببالك غيره ولا يتصوره إلّا زنديق أو منافق، لأن الله ورسوله غنيّان عن أموال النّاس لا سيما أن الصّدقة لا تحل لحضرة الرّسول، وإنما يأخذها ليعطيها مستحقيها، وإنما حمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم من أخذ الصّدقة لنفسه وحرمها على أقاربه أيضا وإن كانوا فقراء، لئلا يظن به أحد في أخذها ظنا يسيء السّمعة، لا سيما أن النّفس سريعة الظّن بالسوء بطيئة بالحسن، روي عن عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشّجرة قال كان النّبى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صلّ عليهم «فأتاه أبي بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى- أخرجاه في الصّحيحين- والدّليل الثالث على قبول توبتهم قوله جل قوله «أَلَمْ يَعْلَمُوا» هؤلاء النّادمون المعترفون بخطائهم «أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ» المعطاة كفارة للذنوب التي تيب عليها وغيرها الصّادرة عن طيب نفس والأخذ منه تعالى يكون بواسطة رسوله دليل القبول «أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (104) نزلت هاتان الآيتان في جماعة
من المسلمين الّذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهو أوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام وأبو لبابة بن عبد النّور وغيرهم، وهم دون العشرة وأكثر من الخمسة، وقد قال بعضهم لبعض أنكون من الضّلال ومع النّساء ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد واللّأواء (أي الشّدة) ، فلما قرب مجيء الرّسول إلى المدينة أرثفوا أنفسهم في سواري المسجد وقالوا والله لبقين حتى يطلقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مر بهم قال من هؤلاء؟ قالوا الّذين تخلفوا عنك عاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى ترضى عنهم، قال وأنا أقسم أن لا أطلقهم حتى أومر، فأنزل الله الآية الأولى فأطلقهم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلّفتنا عنك وتصرف بها واستغفر لنا، قال ما أمرت أن آخذ منها شيئا، فأنزل الله الآية الثانية، فأخذ ثلثها وتصدق به كفارة لذنوبهم. وهذا مما يؤيد أن المراد في هذه الآية غير الزكاة الواجبة التي قال بها بعض المفسرين لأن تلك لها قدر معلوم، ولأن الزكاة فرضت في السّنة الثانية من الهجرة في شوال أو شعبان على اختلاف في الرّواية، وهذه الآية نزلت مع سورتها في السّنة التاسعة من الهجرة، أي بعد فرض الزكاة بسبع سنين، ولم يقل أحد بتقديم نزول هذه الآية على سورتها لأن نزولها دفعة واحدة مجمع عليه كما أشرنا إليه آنفا، وما قاله بعض الفقهاء، الأصل فيها أي الزكاة قبل الإجماع قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) الآية، وقوله تعالى (وَآتَوُا الزَّكاةَ) وهذه
الجملة مكررة كثيرا في القرآن المكي والمدني، وقوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس. فيه تسامح بذكر هذه الآية فقط، لأن السّياق والسّياق ينافيه، ويأباه تخالف انتظام الآيات وتناسبها وأسباب نزولها، والحق الاقتصار على الآية الثانية والحديث لاحتمال وقوعها في السّنة الثانية، وقد ذكرنا في الآية 261 و 265 من سورة البقرة المارة الدّالة على فرض الزكاة بعموم أنواعها صراحة فراجعها، وراجع الآيتين 97 و 98 قبلها أيضا ليطمئن قلبك ويتبقن صحة ما ذكرناه لك، والله أعلم. قال تعالى «وَقُلِ» يا سيد الرسل لهؤلاء التائبين وغيرهم، لأن اللفظ عام، وقد ذكرنا أن العام لا يتقيد بخصوص السّبب «اعْمَلُوا» عملا صالحا تأييدا لتوبتكم هذه «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ» عيانا فيرحمكم ويجازيكم عليه جزاء