المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفسير سورة النور عدد 16 و 102 و 24 - بيان المعاني - جـ ٦

[ملا حويش]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء السادس]

- ‌تفسير سورة الزلزلة عدد 7- 93- 98

- ‌تفسير سورة الحديد عدد 8- 94- 57

- ‌تفسير سورة محمد عليه السلام عدد 9- 95 و 47 وتسمى سورة القتال

- ‌مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال أهل الجنّة وأهل النّار:

- ‌مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

- ‌تفسير سورة الرّعد عدد 10- 96 و 13

- ‌مطلب في قوله تعالى بغير عمد. وفي قارات الأرض الخمس ومعجزات القرآن والمعقبات:

- ‌مطلب ينتفع الميت بعمل غيره وبصلة الوفاء والصّدقات ويجوز قضاء حجه وصومه من قبل أوليائه وفي ذكر الله تعالى وصلة الرّحم:

- ‌مطلب في أحوال أهل الكتاب، والمحو والإثبات ونقص الأرض وحكم الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الرّحمن عدد 11- 97 و 55

- ‌مطلب أن الآيات نقم على أناس، نعم على آخرين ومزية الخوف من الله تعالى:

- ‌تفسير سورة الإنسان عدد 12- 98 و 76

- ‌مطلب في الحين والنّذر والكرم وأنواعه وثوابه وأول من سنه:

- ‌تفسير سورة الطّلاق عدد 13- 99- 65

- ‌مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

- ‌تفسير سورة البينة عدد 14- 100 و 98

- ‌مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

- ‌تفسير سورة الحشر عدد 15- 101- 59

- ‌مطلب أمر الرّسول أمر الله وبيان قسمة الفيء والغنيمة وذم البخل والشّح وعمل أبي طلحة رضي الله عنه وحب الأصحاب حب الرّسول:

- ‌مطلب قصة برصيصا الرّاهب وكفره وجريج الرّاهب وبراءته، وتسبب العلماء لإهانة أنفسهم:

- ‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

- ‌مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

- ‌مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

- ‌مطلب فيمن يجوز نظره ومن لا وستر الوجه وغيره وما هي الزينة التي لا يجوز النّظر إليها والنّكاح:

- ‌مطلب ارجاء زواج الفقير لفناه. وجواز الكاتبة ندبا. وفي معنى (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) . ومعنى قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) :

- ‌مطلب في الزيتون ونوره تقالى ومعنى ضرب المثل وما ينقل عن كعب الأحبار:

- ‌مطلب تأليف المطو والبرد وكيفية حصول البرق والرّعد وكون مخلوقات الله كلها من مادة الماء:

- ‌مطلب في معجزات الرّسول، الإخبار بما يأتي، وعوائد الجاهلية الباقي أثرها وجواز الأكل عند الأقارب والأصدقاء، ووجوب ملازمة الرّسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌تفسير سورة الحج عدد 17- 103- 52

- ‌مطلب إظهار قواعد البيت، وعمارته، والحج إليه، وفوائد الحج، والدّبائح وما يتعلق فيها المادية والمعنوية:

- ‌مطلب في قصة قوم صالح عليه السلام وأسباب إهلاك بعض الأمم وتسمية بعض البلاد بما وقع فيها والآيات المكيات:

- ‌مطلب تعجيب الله رسوله وخلقه في بعض أفعاله وضرب الأمثال وكون شريعة محمد ناسخة لكل الشّرائع وعجز الأوثان وسجود التلاوة

- ‌تفسير سورة المجادلة عدد 19 و 105- 58

- ‌مطلب آداب المجالسة وفضل العلم والعلماء وما يتعلق بذلك:

- ‌تفسير سورة الحجرات عدد 20- 106 و 29

- ‌مطلب في الصّلح ومراعاة العدل بين الطّرفين من قبل المصلحين والسّخرية والظّن والتجسس والغيبة والشّعوب وتفرعاتها:

- ‌تفسير سورة التحريم عدد 21- 107 و 66

- ‌مطلب استئناس عمر رضي الله عنه مع حضرة الرّسول وما قاله ابو رواحة إلى زوجته حتى تخلص مما اتهمته به:

- ‌مطلب في المثل الذي ضربه الله تعالى لنساء الأنبياء وقصة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران:

- ‌تفسير سورة التغابن عدد 22- 108- 64

- ‌تفسير سورة الجمعة عدد 42 و 110 و 62

- ‌مطلب أول جمعة أقيمت في الإسلام وفضلها والعمل بها وسبب تسميتها:

- ‌تفسير سورة الفتح عدد 25- 111 و 63

- ‌مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول الله وما وقع فيه وسببه:

- ‌مطلب فيما امتاز به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ووصف أصحابه والتوقي من ذكرهم بسوء:

- ‌تفسير سورة المائدة عدد 26 و 112 و 5

- ‌مطلب في النّسخ والحرمات وأسباب تحريمها والأنصاب والأزلام وغيرها والآية المستثناة:

- ‌مطلب في أحكام الصّيد وما يؤكل منه وما لا، وما هو المعلم من غيره والصّيد بالبندقية والعصا وغيرهما

- ‌مطلب في أحكام التيمم وكيفيته وجواز الوضوء الواحد لخمس صلوات وإن كلمة إنا لا تفيد العموم وفروض الوضوء وكيفيته:

- ‌مطلب تذكير رسول الله ببعض النّعم التي أنعم الله بها عليه بخلاصه من الحوادث والتآمر، وقصة موسى عليه السلام مع الجبارين:

- ‌مطلب في مدة الفترة وما بين عيسى ومحمد من الزمن وعوج بن عنق وتيه بني إسرائيل والحكمة منه:

- ‌مطلب موت هارون وموسى عليهما السلام وقصة ولدي آدم عليه السلام:

- ‌مطلب في حد المفسدين في الأرض ومن تقبل توبتهم ومن لا تقبل وحكاية داود باشا حاكم العراق:

- ‌مطلب في الرّابطة عند السّادة النّقشبندية وفي حد السّارق ومعجزات الرّسول والقصص وما يتعلق به:

- ‌مطلب في الّذين ارتدوا عن الإسلام في زمن الرّسول وبعد واخبار الرّسول بذلك عن طريق الاعجاز ومن دخل في الإسلام:

- ‌مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

- ‌مطلب أشد النّاس عداوة وأقربهم مودة للمسلمين وان التشديد في الدّين غير مشروع ولا ممدوح وكفارة اليمين:

- ‌مطلب تحريم الخمر بتاتا وأسباب هذا التحريم وذم الخمر والميسر وشبههما والحكم الشّرعي فيه وضرره في الوجود:

- ‌مطلب في الخبيث والطّيب والنّهي عن سؤال الله بما لم يكلف به عباده وما حرمته الجاهلية قبل الإسلام:

- ‌مطلب لا يستفاد من هذه الآية ترك الأمر بالمعروف وكيفية استماع الشّهود على وصية الميت وسبب نزول هذه الآية:

- ‌مطلب في نزول المائدة وما قاله عيسى عليه السلام لطالبيها وما أجاب به ربه عند سؤاله عما عزى إليه قومه:

- ‌تفسير سورة التوبة- براءة عدد 27- 113 و 8

- ‌مطلب إنذار الله إلى النّاس بانتهاء معاهدات الحرب وعدم صحة عزل أبي بكر من إمارة الحج وتهديد الكفار إذا لم يؤمنوا بعد هذا الانذار:

- ‌مطلب تفضيل الإيمان على كلّ عمل مبرور كعمارة المساجد والإطعام وفك الأسرى وغيرها:

- ‌مطلب في الرّخص والعزائم وواقعة حنين

- ‌مطلب أسباب ضرب الجزية على أهل الكتاب وما هي، ومعاملتهم بالحسنى وبيان مثالبهم التي يفعلونها ويأمرون بها:

- ‌مطلب في ذم مانعي الزكاة وعقابهم، ومعنى الكنز، وسبب نفي أبي ذر، والأشهر الحرم، واختلاف السّنين، وعدد أيامها:

- ‌مطلب فى المجاهدين وما ذكره الله من هجرة رسوله والحث على الجهاد وغزوة تبوك وما وقع فيها:

- ‌مطلب مثالب المنافقين ومصارف الصّدقات وسبب وجوبها وتحريم السّؤال:

- ‌مطلب في الأصناف الثمانية ومن يجوز إعطاؤه من الزكاة ومن لا يحوز وبعض مثالب المنافقين أيضا:

- ‌مطلب ظهور المنافقين وفضحهم وعدم قبول أعذارهم

- ‌مطلب في فضايح المنافقين وإسلام بعضهم وما قيل في الأيام وتقلباتها والصّحبة وفقدها

- ‌مطلب قصة ثعلبة وما نتج عنها وحكم وأمثال في البخل والطّمع والجبن وغيرها:

- ‌مطلب موت ابن أبي سلول وكون العلة لا تدور مع المعلول، وأسباب التكرار في الآيات وعدم زيادة (ما) ولا غيرها في القرآن:

- ‌مطلب في المستثنين من الجهاد، والفرق بين العرب والأعراب وأول من آمن وخبرهم، وتقسيم المنافقين، وعذاب القبر:

- ‌مطلب سبب اتخاذ مسجد الضّرار ومسجد قباء وفضله، والترغيب في الجهاد وتعهد الله للمجاهدين بالجنة، وعدم جواز الاستغفار للكافرين:

- ‌مطلب في إيمان أبي طالب وسبب استغفار ابراهيم لأبيه وكذب ما نقل عن ابن المقفع وقصة المخلفين الثلاثة وتوبتهم:

- ‌مطلب في مدح الصّدق وفوائده وذم الكذب ونتائجه وما يتعلق بذلك والرّابطة عند السّادة الصّوفية:

- ‌مطلب في فضل الجهاد والنّفقة فيه وفضل طلب العلم واستثناء أهله من الجهاد، والحكمة في قتال الأقرب بالأقرب وكون الايمان يزيد وينقص وبحث في ما:

- ‌(تفسير سورة النّصر عدد 28- 114 و 110)

- ‌(الخاتمة نسأل الله حسنها لديه)

الفصل: ‌تفسير سورة النور عدد 16 و 102 و 24

هذه السّورة بالمعنى الذي بدئت به وهو من بديع النّظم ويوجد سورة التغابن مختومة بما ختمت به فقط والله أعلم. وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم.

‌تفسير سورة النّور عدد 16 و 102 و 24

نزلت بالمدينة بعد سورة الحشر عدا الآية 55 على القول بأنها مكية. وهي أربع وستون آية والف وثلاثمائة وستّ عشرة كلمة وخمسة آلاف وتسعمئة وثمانون حرفا.

لا يوجد سورة مبدوءة بما بدأت به، وقد ختمت سورة النّساء والأنفال بما ختمت به، ولا يوجد مثلها في عدد الآي.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى «سُورَةٌ» عظيمة جليلة مشتملة على قصص وأحكام وعبر ومواعظ وحدود وأمثال قد «أَنْزَلْناها» على رسولنا محمد ليتلوها على قومه وجميع خلقنا «وَفَرَضْناها» أوجبناها وكلفناه وأمته بما فيها من الأحكام «وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ» أيها النّاس «تَذَكَّرُونَ 1» بما فيها فتتعظون وتعتبرون بها فهي ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير. ثم بين أول أحكامها فقال عز قوله «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي» من أي ملة كانا وقد رفع أمرهما إليكم أيها الحكام «فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما» إذا لم يكونا محصنين «مِائَةَ جَلْدَةٍ» ضربة على جلده مباشرة دون حائل ما، وبهذا القيد يمتاز عن الضّرب لأنه يكون مع الحائل وغيره، وما يستر العورة من البزّ الرّقيق لا يعد حائلا لأنه لا يقي ألم الضّرب «وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ» عليهما فتتأثروا أو تجرءوا على الشّفاعة بهما، لأنها لا تجوز بوجه من الوجوه في حد من حدود الله تعالى، لأنها تقتضي إلى تعطيل الأحكام فيفشو الفساد في الأرض وتكثر الجرأة على محارم الله إذا تهاون النّاس بها ولم ينفذوها، وهذا لا يجوز «فِي دِينِ اللَّهِ» الذي يجب التصلب فيه والقيام بشعائره والمحافظة عليه «إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» فلا تتقاعوا عن تنفيذ أوامره وتهملوا حدوده «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (2) لا يقلون عن أربعة وذلك نصاب شهادة

ص: 105

الزنى، وإنما أمر بالإشهاد زيادة في الرّوع والزجر وتشهيرا لحال الزناة وتحذيرا من الإقدام عليه وتنفيرا من قربانه. ويشترط لإقامة هذا الحكم الشّرعي على الزاني أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما غير محصن، ثابت عليه بأربعة شهود عيان، وكذلك المرأة، وسيأتي أن الإسلام ليس بشرط لإقامة هذا الحد. وعلى العبد والأمة غير المحصنين نصف ذلك، أما المحصنان من الأحرار فيرجمان بالأحجار والعظام وشبهها حتى بموتا، أما العبد والأمة فلا يرجمان لأن الموت لا ينصف إذ يشترط للرجم الحربة والإسلام والإحصان والعقل والبلوغ والنّكاح الصّحيح والدّخول، فإن فقدوا واحدا منها فلا رجم، بل يصار إلى الحد أي الضّرب للحر أو الحرة مئة وللعبد والأمة خمسون.

مطلب كيفية الجلد وشروطه وتحوله لأهل الكتاب وغيرهم وما قيل فيه والاختلاف الواقع بين الخراج وما نسب إلى عمر رضي الله عنه في الرّجم وغيره:

وكيفية الجلد أن بجرد الرّجل ويضرب قائما، ويرمى عن المرأة الفرو والحشو وما شاكلهما فقط، وتضرب قاعدة ويجتنب الضّارب الرّأس والوجه والمذاكير والبطن والظّهر، ولا يضرب ضربا مبرّحا يتعدّى إلى اللّحم بأن يفطر الجلد بل يقتصر على ما يؤثر في الجلد. وهذه الآية مقيدة لآية الحبس المار ذكرها في الآية 14 من سورة النّساء، وهذا هو السّبيل الذي وعد الله به هناك وشرعه في الزانية والزاني الذي أوجب عليهما الأذى أولا في الآية 15 منها أيضا لأنها مخصصة لها أيضا وللتعذيب الوارد في السّنة، ولا يجري حد الرّجم والجلد على أهل الكتاب وغيرهم إلا إذا تحاكموا عندنا لنبوته في التوراة التي هي مرجع عام لمن كان قبل نزول القرآن، أما الإنجيل فلا أحكام فيه كافية لما يتعلق بأمور العباد جميعها، ولذلك يرجع للتوراة فيما لم ينص عليه الإنجيل المعدل لبعض أحكامها، وقد جاء في الصّحيحين في حديث عبد الله بن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن امرأة منهم ورجلا زنيا، فقال صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرّجم؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام كذبتم فيما زعمتم إن فيها الرّجم، فأتوا بالتوراة فسردوها فوضع عبد الله بن صوريا يده على آية الرّجم وقرأ ما قبلها وما

ص: 106

بعدها، فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك، فرفع يده فإذا آية الرّجم فقالوا صدق يا محمد، فأمر بهما النّبي صلى الله عليه وسلم فرجما، ومن هنا لم يشترط الإسلام، وما جاء في بعض الأحاديث من اشتراط الإسلام لم نثبت صحتها، والمختار في علم الحديث أنه إذا تعارض الرّفع والوقف حكم بالرفع عند صحة الطّريق إليه، وما ورد في هذا الشّأن لم يصح طريقه صحة معتبرة. هذا وإن سؤال حضرة الرّسول اليهود لا ليعلم حكم الرّجم لأنه معلوم عنده، بل لتبكيتهم وإظهار كذبهم على ملأ النّاس وعامتهم. ومن قال إن الرّسول حينما جاء إلى المدينة أمر بالحكم بالتوراة قول لا صحة له باطل لا يوجد ما يؤيده، وإنما كان يعمل بشرعه الذي أنزل إليه، والشّرائع الإلهية متشابهة، ولأن شريعته صلى الله عليه وسلم لم تنسخ التوراة كافة بل ما هو مخالف لما في القرآن فقط، وأن كثيرا من أحكامها موافق للقرآن، وان شرع من قبلنا إذا وافق شرعنا فهو شرع لنا أيضا، والعمل فيه لا يعني أنه عمل بالتوراة بل بالقرآن هذا وإن ما رواه اسحق بن راهويه في سنده قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال من أشرك بالله فليس بمحصن، وإذا كان ليس بمحصن فلا رجم عليه، ولذلك استدل به على شرطية الإسلام بالرجم إلا ان هذا الحديث فضلا عن الاختلاف الوارد في رفعه ووقفه ورجوع راهويه نفسه عن رفعه، فلم يعرفه هل هو مقدم على حديث ابن عمر المار ذكره الذي لا مرية فيه، أم مؤخر عنه؟ وقال أئمة الحديث إذا تعارض القول والفعل ولم يعلم المتقدم من المتأخر فيقدم القول لأن الدّلالة القولية غنية عن الدّلالة الفعلية لا العكس، إذ لا يخفى ان دلالة القرآن العظيم لفظية. هذا وإن تقديم القول موجب لدي الحد، وتقديم الفعل يوجب الاحتياط في إيجاب الحدود، والأولى في الحدود ترجيح الرّافع عند التعارض، ولا يخفى ان كلّ مترجح محكوم بتأخيره اجتهادا، وعلى هذا يكون المعول عليه في هذا الباب حديث ابن عمر الوارد في الصحيحين إذ لو كان الإسلام شرطا لما رجم حضرة الرّسول اليهودي واليهودية وعلى القول أن فعله ذلك على شريعتهم فيكون شرعا له، ولأنه لا فرق بين زنى المسلم والكتابي والكافر من حيث هو زنى، وإن قول الرّسول ان لهم ما للمسلمين وعليهم

ص: 107

ما عليهم يؤيد هذا. وقد خالف الإمام أبو حنيفة رحمه الله الشّافعي واشترط الإسلام، وإن صاحبه أبا يوسف وافق للشافعي بعدم الاشتراط، والأحسن أن يقال إن الشافعي وافق أبا يوسف لأنه متقدم عليه، وخالف أبا حنيفة لهذه العلة أيضا.

ولما عاب الخوارج على عمر بن عبد العزيز قوله بالرجم لأنه ليس في كتاب الله ألزمهم بأن أعداد ركعات الصّلاة ومقادير الزكوات ليسا في كتاب الله، فقالوا له ثبت أعدادهما ومقاديرهما بفعله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعده، فقال لهم والرّجم أيضا ثبت بفعله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعده، فألقمهم الحجر وأخرس ألسنتهم، لأن فعل الرّسول وكلامه مفسر للقرآن وواجب العمل بهما. وما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حسبما رواه البخاري خشيت أن يطول زمان حتى يقول قائل لا نجد الرّجم في كتاب الله عز وجل فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل ألا وإن الرّجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، فمن باب الكشف لمعارضة الخوارج وغيرهم فيه، وهذا غير كثير على الفاروق الذي طفحت الكتب بفضائله، وقد ألمعنا إلى بعضها في الآية 44 من سورة الاسراء في ج 1 فظهر من هذا أن الرّجم ثبت بالسنة الصّحيحة واجماع الصّحابة والأمة الاسلامية من بعدهم لا بالقرآن، وليس هذا من باب النّسخ، لأن الآية لها محمل على غير المحصنين، ومن قال أن الرّجم ثبت بالآية المنسوخ تلاوتها وهي (الشيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما) لا يصح لعدم القطع بقرآنيتها وتلاوتها، فضلا عن أنها على غير نمق كلام الله الذي لا يشبهه كلام خلقه من كلّ وجه. وإن ما جاء في الحديث الذي رواه أبو ذر من أن سيدنا عمر تلا هذه الآية على المنبر وقال لولا أن يقال إن عمر زاد في كتاب الله لكتبتها على حاشية المصحف، وأن أحدا لم يرد عليه فطريقة ظنية لا يعتمد عليها، لأن عمر لا يخشى مقالة أحد في الحق في زمن حضرة الرّسول وزمن صاحبه أبي بكر، فكيف يخشى وهو أمير المؤمنين الذي لا يرد له أمر، فلو ثبتت قرآنيتها عنده لكتبها لا سيما وهو في زمن لم يجمع فيه القرآن أو لم يدون في المصاحف ولقال في المصحف نفسه، لأنه إذ ذاك وهو صاحب الأمر والنّهي ومعدن العلم بعد صاحبيه، الذي قال فيه ابن مسعود وهو أمين الأمة عند موته

ص: 108

لقد مات تسعة أعشار العلم. ومما يدل على عدم صحة هذا أن ليس هناك مصحف ليكتبها على هامشه، لأن المصاحف دونت زمن عثمان رضي الله عنه، أما سكوت من سمع خطبته المزعومة من الأصحاب على فرض وقوعها لا يعد حجة لأن الإجماع السكوتي مختلف في حجيّته، بل الأرجح عدم حجيّته، ومن هذا القبيل الطّلاق الثلاث بلفظ واحد، إذ نسب إلى سيدنا عمر إيقاعه بتّا، وإنه أمر بذلك لكف تهاون النّاس بالطلاق، وإن الأصحاب لم يردّوا عليه فلم يعتد بسكوتهم لما ذكرنا، ولهذا اختلفت آراء المحدثين في ذلك، فمنهم من أبرم إيقاعه ثلاثا، ومنهم من عده واحدا، وعلى التسليم جدلا بحجية الإجماع السّكوتي لا يقطع بأن المجتهدين من الأصحاب كانوا حضورا لأن حضور عوامهم لا يكفي، ولهذا قال علي كرم الله وجهه حين جلد شراحة ثم رجمها جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يعلل الرجم بالقرآن المنسوخ تلاوته، وهو أعلم من غيره بكتاب الله وسنة رسوله، ولا يقال جمع بين الجلد والرّجم لأنه جلدها بصفتها غير محصنة، فلما تبين له إحصانها رجمها، وإن رأيه الصّائب عليه السلام أن جلد غير المحصن حكم زائد ثبت بالسنة هو الرّأي المعمول به الموافق لكتاب الله وسنة رسوله، وبذلك قال أهل الظّاهر وهو رواية عن احمد واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب جلد مئة ورمي بالحجارة، وفي رواية غيره ويرجم بالحجارة. ومن هذا الذي يقدم على معارضة أولى النّاس بحدود الله بعد رسوله؟ هذا وإن أوهى الأقوال قول من قال إن الآية المنسوخة نسخت هذه القاضية بالجلد وهي غير موجودة ومطعون في وجودها أي نزولها، فالعجب كلّ العجب من جرأة البعض على كلام الله تعالى ورغبتهم بالنسخ حتى توصلوا إلى هذا الحد الذي لا يقوله من عنده لمعة من ورع أو ذرة من تقوى أو لمحة من إيمان، وقد أشرنا غير مرة إلى أن لا قرآن إلا ما هو بين الدّفتين لم يسقط منه حرف واحد أبدا، فهذا الحكم الأوّل من الآيات البينات، والحكم الثاني بينه

بقوله «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً» لأنها دونه وشر منه «وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ» لأنه دونها وشر منها أيضا، ولهذا قال تعالى «وَحُرِّمَ ذلِكَ» أي نكاح الزانية

ص: 109

التي لم تتب والمشرك الباقي على شركه «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (3) التدنيس بمثلهن لأن طهارتهم ومروءتهم تأبى ذلك، ولما أراد بعض فقراء المهاجرين ومن لا مال له ولا عشيرة أن يتزوج ببغايا المدينة لينفقن عليهم من مالهن استأذنوا رسول الله فنزلت هذه بالمنع، لأن الزانيات رجس ونجس، والمؤمن طاهر نظيف، فلا يليق بكرامته أن يلوثها بالعاهرات ويدنس مروءته بهن، أما باب الجواز فيكون فيما فيه بأس وما لا بأس فيه، وعليه فإن العاهرة إذا تابت جاز نكاحها كما لو أسلمت المشركة، والزاني والمشرك كذلك، لعموم قوله تعالى في الآية الآتية وهي (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) إلخ وقدمت الزانية على الزاني في الآية الأولى لأنها لو لم تطمع الرجل نظرا أو كلاما أو ملامسة أو غمزا أو إشارة أو تبسما أو غيره ولم ترخص له وتمكنه من نفسها لم تقع الجريمة من الرّجل، وأخرت في الثانية لأنها مسوقة لذكر النّكاح، والرّجل أصل فيه لأنه الخاطب، ومنه يبدأ الطّلب، ومن قال أن المراد بالنكاح هنا الوطء لأن غير الزاني يتقذر الزانية ولا يشتهيها، وهو صحيح إلا أن المعنى يكون حينئذ الزاني لا يزني إلّا بزانية، والزانية لا تزني إلّا بزان وهو خلاف المراد لأن هذه الآية على حد قوله تعالى (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) الآية الآتية عدد 26، والمراد بها هنا تزهيد النّاس في نكاح البغايا لأن الزنى عديل الشّرك في القبح، والإيمان قرين العفاف في الحسن، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها، فقال أوله سفاح وآخره نكاح، فالعفيف يتباعد عن دنسهنّ، والشّريف يتنزه عن حقيرهن قال:

إذا وقع الذباب على طعام

كففت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسود ورود ماء

إذا كان الكلاب ولغن فيه

وكان ابن مسعود يحرم نكاح الزانية، ويقول إذا تزوج الزاني الزانية فهما زانيان فلأن يتزوجها غير زان فمن باب أولى قال تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» بالزنى «ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» على فعل الزنى بهن عيانا «فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» كما تقدم في حد الزنى في الآية الثانية المارة. هذا إذا كان الرامي حرا، أما إذا كان عبدا فأربعون جلدة، وإن كان المرمي غير محصن فعلى

ص: 110

الرامي أي القاذف التعذير فقط، وهو يختلف باختلاف الأشخاص، وإن قذفها بغير الزنى كقوله يا فاسقة يا سارقة يا خبيثة فيكفي فيه شاهدان، وفيه التعذير أيضا، والتعذير إذا كان بالجلد فلا يبلغ أقل الحد أي الأربعين بل دونها ولو بضربة واحدة.

وشروط إحصان القذف الحربة والإسلام والعقل والبلوغ والعفة عن الزنى. والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ» أي القاذفين بعد إقدامهم على القذف «شَهادَةً أَبَداً» مدة حياتهم لورودها على التأييد لثبوت فسقهم بقوله تعالى «وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (4) الخارجون عن طاعة الله تعالى.

تدل هذه الآية على أن القذف من الكبائر، وقد عده صلى الله عليه وسلم من الموبقات السّبع في الحديث الذي رواه الشّيخان وأبو داود والنّسائي بلفظ: اجتنبوا السّبع الموبقات الشرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس التي حرم الله إلّا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.

قال تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا» أنفسهم وثبت لديكم صلاحهم «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (5) بعباده الرّاجعين إليه بغفران ذنوبهم السّابقة وإزالة اسم الفسق عنهم وقبول شهادتهم. ويفهم من هذه الآية أن التوبة وحدها لا تكفي من القاذف حتى يقرنها بعمل صالح، وهو كذلك. وقيل لا تقبل شهادتهم ولو تابوا، وإن الاستثناء يرجع إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) والأول أولى، لأن الاستثناء راجع إلى رد الشّهادة كما قاله عمر وابن عباس وغيرهم من كبار الصحابة، ومن هنا أخذت قاعدة الاسقاط من الحقوق المدنية على مرتكبي الجنايات، وقاعدة رجوع هذه الحقوق إليهم باستحصالهم على قرار من الحكومة، وهذا الحكم الثالث من الآيات البينات، والحكم الرّابع بينه بقوله «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ» على صحة قولهم «إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ» على رميهم «أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» (6) في رميه زوجته «وَالْخامِسَةُ» يزيد فيها جملة «أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ» (7) فيما رماها به، وبهذا ينجو من إيقاع حد القذف عليه، والحكم الخامس هو «وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» الحد الذي ترتب عليها بشهادات زوجها المخمسة المقرونة

ص: 111

باللعن «أَنْ تَشْهَدَ» هي أيضا على نفسها «أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ» (8) فيما رماها به «وَالْخامِسَةَ» تزيد فيها ما أشار الله إليه بقوله «أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ» زوجها «مِنَ الصَّادِقِينَ» (9) فيما رماها به من الزنى لا في شهاداته المخمسة، وهو كذلك يقرن اللعن في الشّهادة الخامسة فقط، وجعل الغضب في جانبها بمقابل اللّعن الذي بجانبه لأنهن يستعملنه كثيرا، فربما جر أن عليه لكثرة جريه على لسانهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن ليكون رادعا لهن.

أخرج في الصّحيحين عن سهل بن سعد السّاعدي أن عويمر العجلاني جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقنلونه أم كيف يفعل؟

فقال صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فأت بها، قال سهيل فتلاعنا وأنا مع النّاس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله أن مسكنها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره، فكانت تلك أي قضية الطلاق بعد التلاعن سنة للمتلاعنين. وفي رواية: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا ان جاءت به اسحم أدعج العينين عظيم الإليتين خدلج السّاقين، ولا أحسب عويمرا إلا صدق عليها، وان جاءت به اسحم أحيمر كأنه دحرة فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النّعت الذي نعت صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر، وكان بعد بنسب إلى أمه. هذا مختصر من حديث طويل، وروى البخاري عن ابن عباس أن هلال ابن أمية قذف امرأته خولة عند النّبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمعاء، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحد على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النّبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه هذه الآية، فأرسل إليهما فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد والنّبي صلى الله عليه وسلم يقول يعلم الله أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت، فلما كانت الخامسة وقفها وقال إنها موجبة أي ان هذه الشهادة الخامسة المقرونة باللعن والغضب توجب وقوعه عليها إن كذبت، وإن غضب الله عظيم أجارنا الله منه، وذلك ليحملها على الصّدق قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت لا أفضح قومي

ص: 112

سائر اليوم فمضت، فقال صلى الله عليه وسلم أنظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدليج السّاقين فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن. وفي رواية غير البخاري أطول من هذا الحكم الشّرعي قذف الزوج زوجته كقذف الأجنبية بالشروط المارة الذكر، والحد أو الرّجم كذلك، إلا أن المخرج مختلف، ففي الأجنبية إذا لم يأت بأربعة شهداء يحدّ إذا لم يقرّ المقذوف، وفي الزوجة يسقط عنه بأحد الأمرين الشّهادة أو الاعتراف أو بالملاعنة، وصفتها أن يلقنه الإمام أو نائبه بان يقول أشهد بالله إني لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه فلانة من الزنى بفلان، إذا كان يعرفه وإلّا لا حاجة لا سمه. وإذا أراد نفي الحمل أو الولد يقول زيادة على ذلك وان الحمل أو الولد ليس منى إنما من الزنى، وفي الخامسة يقول بعد لفظ الشّهادة عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين فيما رماها به، فإذا فرغ وقعت الفرقة بينهما وحرمت عليه على التأييد وسقط عنه الحدّ وانقضى عنه نسب الحمل أو الولد ووجب على المرأة حد الزنى، فإذا أرادت إسقاطه عن نفسها فتلقن أيضا بأن تقول أشهد بالله أنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنى بفلان أو بمطلق رجل، وإن الحمل أو الولد من زوجي لا من غيره. وتزيد في الشّهادة الخامسة فتقول عليها غضب الله إن كان زوجها من الصّادقين فيما رماها به من الزنى، وكلّ من صح يمينه صح لعانه حرا كان أو عبدا مسلما كان أو ذميا، فإذا أكذب نفسه لزمه الحد ولحقه الولد، ويجوز له نكاحها هذا هو المختار الذي عليه الاعتماد وما جاء على خلاف هذا فهو مخالف لظاهر القرآن. قال تعالى «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» لفضحكم أيها النّاس حالا ولكنه ستّار يحب ستر عباده، ولهذا اشترط أربع عدول سدا للباب لئلا يقدم كلّ أحد على ذلك فتظهر مفاسد لا تحمد عقباها «وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ» على من يتوب من عصيانه «حَكِيمٌ» (10) فيما فرضه من الحدود والأحكام على عباده، وهذا الحكم السّادس من الآيات البينات.

قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ» أي هذا البهت المختلق «شَرًّا لَكُمْ» عند الله يا آل محمد «بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»

ص: 113

عنده لا نزال سبع عشرة آية في البراءة منه وهذا الخطاب لحضرة الرّسول وزوجته عائشة وأبيها أبي بكر وصفوان المتهم بها ويدخل في هذه الآية كلّ من استاء من المؤمنين لأجله «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ» من العصبة الّذين صبروا على هذه القرية «بقدر مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ» عقابا «وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ» وهو رأس المنافقين بن سلول «لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ» (11) لأنه هو الذي أشاعه وخاض فيه ولم يتب حتى مات على نفاقه والعصبة والعصابة ما بين العشرة إلى الأربعين. قال تعالى «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ» الإفك المذكور والقول الزور «ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً» عفافا وإخلاصا لا أن يسارعوا إلى الشّر إذ كان عليهم أن يكتموه أو يكذبوه ويحسنوا الظّن بحسب الظّاهر على الأقل في تلك الطّاهرة الزكية ربة العفاف والصون النّقية، وكذلك فيمن عرفوا عفته وطهارته من أصحاب رسول الله المبرئين ولا يبادروا إلى التهمة بل يجب عليهم أن ينكروه ويجحدوه ويقولوا ما أشار الله إليه بقوله عز قوله «وَقالُوا» متبرئين منه ومتنزهين عنه «سبحانك هذا» الإفك المختلق في حق تلك الطّاهرة هو «إِفْكٌ مُبِينٌ» (12) ظاهر لا خفاء فيه ولولا هنا بمعنى هلا، وكذلك هي كلما وليت الفعل لا إذا وليت الاسم كقوله تعالى لولا أنتم فتكون على معناها الأصلي أي حرف امتناع لوجود. وقيل إن هذه الآية نزلت في خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، إذا قال لزوجته ماترين فيما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان، كنت تظن ذلك؟ قال لا، قالت عائشة ولو كنت بدل عائشة ماخنت رسول الله لأنها خير مني، وصفوان خير منك، ولما استفاض هذا الخبر بكثرة ترداده من الأفاكين الآتي ذكرهم وتكريرهم إياه في كل مجلس دون جدوى بقصد انتشاره. استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في ذلك فقال عمر رضي الله عنه انا قاطع بكذب المنافقين، لأن الله عصمك من وقوع الذباب على جلدك، لأنه يقع على النّجاسات وتتلطخ بها، فلما عصمك عن ذلك القذر من التعذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون ملطخة بمثل هذه الفاحشة؟

وقال عثمان رضي الله عنه إن الله ما أوقع ظلك على الأرض لئلا يقع إنسان قدمه

ص: 114

على ذلك الظّل، فلما لم يكن أحدا من وضع القدم على ظلك، فكيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك؟ وقال علي كرم الله وجهه إن جبريل أخبرك ان على نعلك قذرا وأمرك بإخراج النّعل عن رجلك بسبب مالنصق به من القذر فكيف لا يأمرك بإخراج زوجتك بتقدير أن تكون متلطخه بشيء من الفواحش؟

فاطمأن لقولهم وهو مطمئن من قبل، ولكن ليختبر ما عندهم. قال تعالى مكذبا لأهل الافك «لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ» أي بهتهم ذلك «بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» ليعلم صدقهم الظّاهري «فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» (13) تشير هذه الآية إلى توبيخ كلّ من سمع بالإفك ولم يجدّ في دفعه وفيها احتجاج على المفترين بما هو ظاهرا الشّرع من وجوب تكذيب القاذف بلا بينة، وترمي إلى التنكيل به إذا قذف مطلق امرأة، فكيف بالصدّيقة حرم رسول الله وخيرته من خلقه وأم المؤمنين «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» أيها النّاس بامهالكم للتوبه وعدم تعجيل العقوبة بالدنيا «وَالْآخِرَةِ» بالمغفرة والعفو بحلمه وكرمه «لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ» من الإفك رجما بالغيب من غير علم ولا وثوق «عَذابٌ عَظِيمٌ» (14) لعظم ما خضتم فيه. واعلم أن لولا الأولى بمعنى هلا للتحضيض وهذه لا متناع الشّيء لوجود غيره والآتية كالأولى للتحضيض أيضا والرّابعة كهذه لا متناع الشّيء لوجود غيره، والخامسة أيضا مثلها واذكروا أيها الأفاكون «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» من بعضكم ليس إلا «وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» إنه حق أو صدق إذ لم يرسخ في قلوبكم صحته، لأن الشّيء يقع أولا علمه بالقلب، ثم يترجم عنه اللّسان، وهذا الإفك ليس إلّا قولا يدور على الألسنة، كذلك فيده الله بأفواههم وعظم وقوعه وهدد وأوعد عليه بقوله «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً» أيها المختلقون فتذيعونه في نواديكم وتشيعونه بالطرقات وتتفوهون به في سموكم في بيوتكم وغيرها بقصد إفاضته لدى العامة كأنه ليس بشيء «وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» (15) وزره كبير حوبه خطير عذابه، لأنه طعن في حب حبيبه التي يعلم طهارتها من كذبكم «وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ» على طريق التعجب والاستفهام «ما يَكُونُ لَنا أَنْ

ص: 115

نَتَكَلَّمَ بِهذا»

بمجرد السّماع من قوم أفاكين قد تفوهوا به فيما بينهم وأشاعوه تقصدا بل كان عليكم أن تقولوا بلسان واحد «سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ» (16) وإنما أمروا أن يقولوا هذا بهتان مبين بالآية الأولى، وفي هذه هذا بهتان عظيم مبالغة في التبرّي مما خاضوا فيه، ثم نبههم الله أيضا إيقاظا لما يقع من نوعه في المستقبل بقوله «يَعِظُكُمُ اللَّهُ» وهذا أبلغ من قوله ينهاكم «أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً» لا قولا ولا إشارة ولا رمزا ولا تخطرا ولا استماعا مقصودا «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (17) بعفة الله تعالى، واعلموا أن الله لا يعفكم فيحذركم ويمنعكم معاتبا من الخوض بكل ما يؤثمكم ويؤدي إلى هلاكم «وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ» لتهذيب أخلاقكم وتحسين آدابكم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بكذبكم وافترائكم وبراءة السّيدة عائشة التي اتهمتموها، ونزاهة صفوان الذي ألصقتم به هذه الفرية الكاذبة المختلقة، ولذلك أظهر براءتهما بوحيه كما هو مدون في كتابه الأزلي لعلمه أزلا في هذه الحادثة المزعومة كبقية الحوادث المتقدمات والحقيقة الراهنة «حَكِيمٌ» (18) فيما يقضي ثم أكد وعيده وتهديده في أصحاب الإفك ومن يصغي لأقوالهم أو يحبذها بقوله في الحكم السّابع «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا» عائشة وصفوان الطّاهرين الزاكيين، واللّفظ عام فيشمل كلّ مؤمن ومؤمنة «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا» بالذم والشّتم والسّب والحد والسّقوط من العدالة، وقد أوقع صلى الله عليه وسلم الحد في عبد الله بن أبي سلول وحسان ومسطح وحمنه، ثم ان صفوان قعد لحسان وضربه بالسيف فكف بصره «وَالْآخِرَةِ» العذاب الشّديد لمن يموت منهم مصرا على نفاقه وقذفه «وَاللَّهُ يَعْلَمُ» حقيقة كذبهم فيما فاهوا به «وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (19) إن الله يعاقب على ذكر هذه الفاحشة محبة إشاعة السوءى، فعليكم معاقبة من يتفوه بها ظاهرا في الدّنيا، والله يعاقب على ما في القلوب من حب ذكر هذه الفاحشة إذا شاء في الآخرة أيضا «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» لعجل عقوبتكم ولم يمهلكم للتوبة لتستحقوا عذاب الآخرة كاملا «وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» (20) بعباده

ثم حذر تعالى عن اتباع ما يحوك في النّفس ويتردد في الصّدر من الوساوس القبيحة التي يدسها

ص: 116

الخناس في صدور النّاس عند الغفلة عن ذكر الله، فقال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ» بإصغائكم إلى هذا البهتان، وهذا الخطاب عام أيضا للمؤمنين الموجودين عند نزول هذه الآية كافة وهو عام أيضا في كل من يأتي من المؤمنين إلى يوم القيامة «وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ» فيميل إليها «فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» كالشيطان، ومن كان كذلك فمأواه جهنم إذا لم يتب «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» أيها الخائضون في الإفك «ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً» ولا قبلت توبته، بل بقي ملوثا بسوئها «وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ» من الذنوب بتوفيقه إلى التوبة وقبولها منه «وَاللَّهُ سَمِيعٌ» لأقوالكم خيرها وشرها سرها وجهرها «عَلِيمٌ» (21) بأحوالكم وما في صدوركم قبل إظهارها، ويعلم ما تستحقونه من الثواب والعقاب. ولما حلف أبو بكر رضي الله عنه بان لا ينفق على مسطح لا شتراكه بالإفك أنزل الله جل شأنه الحكم الثامن والتاسع من الآيات البينات بقوله جل قوله «وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ» من الاليّة وهو القسم أي لا يحلف، والمراد بالضمير على ما أجمع عليه المفسرون أبو بكر رضي الله عنه، ولا يمنع خصوصها فيه عمومها في غيره، لأن العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب «أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الّذين منهم مسطح المذكور ابن خالته، وهو مسكين مهاجر «وَلْيَعْفُوا» عمّا صدر منهم «وَلْيَصْفَحُوا» عما بدر منهم من السّوء «أَلا تُحِبُّونَ» أيها المؤمنون «أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ» بمقابل ما تغفرون بعضكم لبعض «وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (22) لمن يجرؤ عليه وينسب له الشّريك والولد والصّاحبة وينكر وعده ويكذب رسله ويجحد كتابه إذا تاب وأناب، ألا فتخلقوا بأخلاق ربكم وليرحم بعضكم بعضا ابتغاء وجه الله وطلبا لمرضاته وطمعا في ثوابه. قال أكثر المفسرين إن المراد بهذه الآية أيضا ابو بكر رضي الله عنه والخطاب له خاصة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها عليه فقال بلى والله أحب مغفرة الله، وارجع نفقة مسطح التي كنت أنفقها عليه ولا أنزعها عنه أبدا. وهذه الآية في فضل أبي بكر على غيره

ص: 117