الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
[الحرب بين مُحَمَّد شاه والخليفة]
ثُمَّ قَرُب مُحَمَّد شاه بْن محمود من بغداد وجاءه زين الدِّين عليّ كَوْجَك صاحب إربل نَجْدَةً، فحصرا بغداد، واختلف عسكر الخليفة عليه، وفرَّق الخليفة سبعة آلاف جَوْشَن، وعُمِلت الأتْرسة الكِبار، والمجانيق الكثيرة، وأذِن للوعّاظ فِي الجلوس، بعد منْعهم فِي سنةٍ وخمسة أشهر.
ثُمَّ ركب مُحَمَّد شاه وعليّ كَوْجَك، وصاروا فِي ثلاثين ألفا، ورموا بالنّشّاب إلى ناحية التّاج، وقاتَلَت العامَّة، ونهِب الجانب الغربيّ، وأحرقوا مائتين وسبعين دولابا.
وقاتل عسكر الخليفة فِي السُّفُن، كلّ ذلك فِي المحرَّم.
فَلَمّا كان ثالث صَفَر جاء عسكر مُحَمَّد فِي جَمْعٍ عظيم، وانتشروا على دجلة، وخرج عسكر الخليفة فِي السُفُن يقاتلون. وكان يَوْمًا مشهودا. فَلَمّا كان يوم سادس عشر صفر، وصلت سفن للقوم، فخرجت سفن الخليفة تمنعها من الإصعاد، وجرى قتال عظيم، وقاتل سائر أهل البلد.
وجاء الحاجّ سالمين فدخلوا بغداد من هذا الجانب. فَلَمّا كان يوم سادس وعشرين جاء بريد يخبر بدخول ملك شاه بْن السّلطان مَسْعُود همذان، وكبس بيوت المخالفين ونهبها. ففرح النّاس [1] .
[1] الكامل في التاريخ 11/ 212- 214 (حوادث سنة 551 هـ) .
فَلَمّا كان يوم سلْخ صَفر عبر فِي السُّفُن ألف فارس، وصعدوا فدخلوا دار السَّلطنة فنزل منكورس [1] الشِّحْنَة، وكان أحد الأبطال المذكورين، فأحاط بهم وقتل منهم جماعة، ورمى الباقون أنفسهم فِي الماء. واتّصل القتال، وكان الخليفة يفرّق كلّ يوم نحوا من مائة كرّ [2] . وفي بعض الأيّام فرّق على الْجُنْد خمسة وعشرين ألف نشابة، والكلّ من عنده، لم يكلّف أحدا ولا استقرض.
وحكى الزَّجّاج الحلبي [3] أنَّه عمل فِي هذه النَّوبة ثمانية عشر ألف قارورة للنِّفْط.
وفي خامس ربيع الأوّل خرج منكورس، وقيَماز السُّلْطانّي، والخيّالة، والرَّجّالة، فحملوا اثنتي عشر حملة، واقتتلوا.
وفي العشرين من ربيع الأوّل جاءوا بالسّلالم [4] التي عملوها، وكانت أربعمائة سُلَّم، لينصبوها على السُّور فلم يقدروا، وأصبحوا يوم الجمعة، فلم يجر يومئذ كبيرُ قتال، وهي الجمعة الثّالثة الّتي لم تُصَلَّ بها الجمعةُ ببغداد فِي غير جامع القصر.
ثُمَّ قَدِمَتْ بِنْت خُوارَزْم شاه زَوْجَة سليمان شاه، وكانت قد أصلحت بين ملك شاه وبين الأمراء جميعهم فِي هَمَذان، وجاءت فِي زيّ الحُجَّاج الصُّوفية إلى المَوْصِل وعليها مُرَقَّعَة، ومعها رِكابيّ فِي زِيّ شحّاذ. ثُمَّ جاءت حَتَّى صارت فِي عسكر مُحَمَّد شاه، وتوصّلت وعبرت إلى الخليفة، فأُكرِمت وأُفْرِدت لها دار. وأخبرت بدخول ملك شاه همذان، وبأنّه نهب دور المخالفين.
[1] في المنتظم: «منكوبرس» .
[2]
في المنتظم: وخرج بعض الأيام إلى الأتراك من الخزانة خمسة وعشرون ألف نشّابة ومائتان ستون كرّا.
[3]
في المنتظم: «زجاج الخاص» .
[4]
في المنتظم: «بالسلاليم» .
وفي الخامس والعشرين منه صعِد أهل بغداد السُّوَر بالسّلاح، وجاء العدوّ ومعهم السّلالم، وهمّوا بطمّ الخندق، فخرج النّاس واقتتلوا.
وفي التّاسع والعشرين منه نادوا: اليوم يوم الحرب العظيم، فلا يتأخَّرنَّ أحدٌ، فخرج النّاس ولم يجر قتال.
وبعث مُحَمَّد شاه إلى علي كَوْجَك يعاتبه ويقول: أنت وعدتني بأخْذ بغداد، فبغداد ما حصَّلْت، وخرجت من يدي هَمَذَان، وأخربت بيوتي وبيوت أمرائي. فأنا عازم على المُضِيّ، فشجّعه ونخّاه وقال: نمدّ الجسر، ونعبر، ونطمّ الخندق، وكانوا قد صنعوا غرائر وملئوها ترابا، وننصب هذه السّلالم الطِّوال، ونحمل حملة واحدة، ونأخذ البلد.
ثُمَّ أخذوا يتسلّلون، وقَلَّتْ عليهم الميرة، وهلك منهم خلْق. ثُمَّ استأمن خلْقٌ كثير منهم وخامروا، ودخلوا، وأخبروا بأنَّ القوم على رحيل.
وفي العشرين من ربيع الآخر جرى قتال، وعُطّلت الجمعة إلّا من جامع القصر، وهي الجمعة السّابعة، ووقع الواقع بين مُحَمَّد شاه وبين كَوْجَك. وهو يُطْمِعُه ويهوّن عليه أخْذَ بغداد.
ثُمَّ نصبوا الجسر، وعبر أكثر عسكر مُحَمَّد شاه، وعبر مُحَمَّد شاه من الغَد فِي أصحابه إلى عَشِيَّة، فَلَمّا كان العشاء قطع كوجك الجسر، وقلع الخِيَم، وبعث نقْله طول اللّيل. ثُمَّ أصبح وضرب النّار فِي زواريق الجسر، وأخذ خزانة مُحَمَّد شاه وخزانة وزيره، ورحل [1] . وبقي مُحَمَّد شاه وأصحابه بقيّة يوم الثّلاثاء. ثُمَّ وثب هُوَ وعسكره، فمنع الخليفة العسكر من أن يلحقوه، ونهب أصحاب مُحَمَّد شاه بعض الأعمال، ثُمَّ قال الخليفة: اذهبوا إلى هَمَذَان فكونوا مع ملك شاه. وخلع عليهم، وفرح النّاس بالسّلامة.
[1] الخبر باختصار في: ذيل تاريخ دمشق 337 (حوادث سنة 551 هـ) .