الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستين وخمسمائة
-
حرف الألف
-
326-
أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هِشَام [1] .
أبو الْعَبَّاس بْن الخطيئة [2] اللَّخْميّ، الفاسيّ، المقرئ، النّاسخ، الشَّيْخ.
إمام صالح كبير القلب، مقرئ بارع مجوّد، من أعلام المقرءين. نسخ الكثير بالأجرة. وكان مليح الخطّ، جيّد الضّبط.
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بمدينة فاس، وحجّ ودخل الشَّام ولقي الكبار. ثُمَّ استوطن مصر بجامع راشدة خارج الفُسْطاط.
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الله الحطيئة) في: إنباه الرواة 1/ 39، ووفيات الأعيان 1/ 170، 171، والعبر 4/ 169، وسير أعلام النبلاء 20/ 344- 348 رقم 234، ومعرفة القراء الكبار 2/ 526، 527، رقم 470، والمعين في طبقات المحدّثين 168 رقم 1800، والإعلام بوفيات الأعلام 230، وتلخيص ابن مكتوم 11، والوافي بالوفيات 7/ 121، وغاية النهاية 1/ 71، والنجوم الزاهرة 5/ 370، وحسن المحاضرة 1/ 453، و 495، وسلّم الوصول 89، وشذرات الذهب 4/ 188.
[2]
الحطيئة: بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثنّاة التحتية وبعد الهمزة هاء. (وفيات الأعيان 1/ 171) .
وقد ورد في الأصل: «الخطية» بالخاء المعجمة، ويرد في بعض المصادر «الحطيّة» بياء مشدّدة. (شذرات الذهب) .
وفي العبر 4/ 169 «الحطئة» . وقال محقّقه الدكتور صلاح الدين المنجد في الحاشية: «وفي النجوم» «الحطيئة» خطأ» . بل هو الصواب.
وكان لأهل مصر فِيهِ اعتقاد كبير لا مَزِيد عليه.
قرأت بخطّ أبي الطّاهر بْن الأنْماطيّ: سَمِعت شيخنا أَبَا الْحَسَن شجاعا المدلجيّ، وكان من خيار عَبّاد اللَّه يقول: كان شيخنا ابن الحُطَيْئة شديدا فِي دين اللَّه، فظّا غليظا على أعداء اللَّه. لقد كان يحضر مجلسه داعي الدُّعاة مع عِظم سلطنته ونفوذ أمره، فلا يحتشمه ولا يُكرمه، ويقول: أحمق النّاس فِي مسألة كذا الرّوافض، خالفوا الكتاب والسُّنَّة وكفروا باللَّه.
وكنت عنده يَوْمًا فِي مسجده بشُرَف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريّين، أظنّ ابن عَبَّاس، فاستسقى فِي مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضَّة، فَلَمّا رآه ابن الحُطَيْئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد وقال: وا حرّاها على كبِدي، أتَشربُ فِي مجلس يُقْرأ فِيه حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آنية الفضَّة؟ لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، ثُمَّ طلب كوزا، فجاء بكوز قد تثلَّم فشرب، واستحيا من الشَّيْخ، فرأيته والله كَمَا قال اللَّه تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ 14: 17 [1] .
أتى رَجُل إلى شيخنا ابن الحُطيْئة بِمِئْزَر، وحَلَف بالطّلاق ثلاثا لا بدّ أن يقتله. فوبّخه على ذلك وقال: عَلِّقْه على ذاك الوَتَد. قال لنا شجاع وغيره:
فلم يزل على الوتد حَتَّى أكله العتَّ وتساقط.
وكان ينسخ بالأجرة، ولا يقبل لأحدٍ قَطّ هديّة. وكان له على الجزية فِي الشهر ثلاثة دنانير. ولقد عرض عليه غيرُ واحدٍ من الأمراء أن يزيد جامكِيَّته فما قَبِل.
وكان له من الموقع فِي قلوبهم، مع كَثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحدٍ سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر فقال: لا والله لا أقضي لهم.
قال شيخنا شجاع: وكتب «صحيح مسلم» كلّه بقلم واحد.
[1] سورة إبراهيم، الآية:17.
وسمعته يقول وقال له إنسان: فُلانٌ رُزق نعمة ومعدة، فقال: حسدتموه على التّردّد إلى الخلاء.
وسمعته يقول: إذا ذكر عُمَر بْن الخَطَّاب: طُويت سعادة المسلمين فِي أكفان عُمَر رضي الله عنه.
قلت: وقرأ بالرّوايات على أبي القَاسِم بْن الفحّام بالإسكندريَّة، وعلَّم زوجته وابنته الكتابة، فكانا يكتبان مثل خطّه سواء. فإذا شرعوا فِي نسخ كتاب أخذ كلّ واحدٍ منهم جزءا من الكتاب ونسخوه، فلا يفرِّق بين خطوطهم إلّا الحاذق.
ووقع بمصر الغلاء، فأتاه جماعة وسألوه قبول شيء فامتنع، فخطب الفضل بْن يحيى الطّويل ابنتَه وتزوّجها. ثُمَّ سَأَلَ أباها أن تكون أمّها عندها لتؤنسها، ففعل. فما أحسن ما تلطّف هذا الرجل فِي بِرّ أبي الْعَبَّاس. وبقي أبو الْعَبَّاس وحده ينسخ ويقتنع.
قرأ عليه جماعةُ منهم: شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيدهم المُدْلجّي، وأبو الطّاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن بُنَان الأنبَاريّ ثُمَّ الْمَصْرِيّ وجماعة سواهم.
وحدَّث عَنْهُ السِّلَفيّ، وهو أكبر منه، وقال: تُوُفّي فِي آخر المُحَرَّم بمصر، قال: وكان رأسا فِي القراءات. سمع الحديث من أبي عَبْد اللَّه الحضْرميّ، وأبي الْحَسَن بْن مشرِّف. وسمعته يقول: وُلِدتُ بفاس، ودخلت الشَّام.
قلت: وروى عَنْهُ صنيعة المُلْك هبة اللَّه بْن يحيى بْن حَيْدُورة، والأمير إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد اللَّمْطيّ [1] ، والنّفيس أسعد بْن قادوس. وهو آخر من حدُّث عَنْهُ. وقبره يُزار بالقرافة الصُّغْرى. وطُلِب لقضاء مصر فأبى.
[1] اللّمطيّ: بفتح اللام ثم سكون الميم، وطاء مهملة. نسبة إلى لمطة: أرض لقبيلة من البربر بأقصى المغرب من البرّ الأعظم يقال للأرض وللقبيلة معا لمطة. (معجم البلدان 5/ 23) .
قرأت بخطّ ابن الأنْماطيّ الحافظ: حكى لنا أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم قال: كان الشَّيْخ أبو الْعَبَّاس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل، بحيث بلغ فِي ذلك إلى الغاية. وكان يَعْجَب ممّن يأكل ثلاثين لُقمة ويقول:
لو أكل النّاس من الضارّ ما أُكل من النّافع ما اعتلّوا.
وحكى لي شجاع أنّ أَبَا الْعَبَّاس وُلِدت له ابنته هند وكبرت، وقرأت عليه بالسَّبع، وقرأت عليه الصّحيحين، وغير ذلك. وكَتَبَت الكثير، وتعلَّمت عليه كثيرا من علوم القرآن، والحديث، وغير ذلك. ولم ينظر إليها قَطّ.
فسألتُ شجاعا أكان ذلك عن قصْد؟ فقال: كان فِي أوّل العُمر اتّفاقا، لأنّه كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثُمَّ يدخل إلى بيته وهي فِي مَهْدها، وتمادى الحال إلى أنْ كبرت فصارت عادة. وزوّجها ودخلت بيتها والأمر على ذلك، ولم ينظر إليها قَطّ إلى أن تُوُفّي رحمه اللَّه تعالى [1] .
327-
أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان.
الحمّاميّ، الْبُخَارِيّ، أبو الْعَبَّاس، الأديب، من مشيخة أبي سَعْد السَّمْعانيّ.
قال: كان فقيها، زاهدا، عارفا باللُّغة، كثير الاجتهاد والتّعبُّد.
سمع: عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْريّ، والقاضي مُحَمَّد بْن الْحَسَن النَّسَفيَ، وجماعة.
مولده سنة تسعٍ وثمانين.
ومات فِي ربيع الأوّل سنة ستّين. وكان إمام النّاس في الجمعة.
[1] وقال الذهبي- رحمه الله في (معرفة القراء) : وبلغنا أن الناس بقوا بمصر بلا قاض ثلاثة أشهر في عام ثلاثة وثلاثين وخمسمائة، ثم وقع اختيار الدولة على أبي العباس ابن الحطيئة، فاشترط عليهم أن لا يقضي بمذهبهم، فلم يمكنوه من ذلك إلّا أن يحكم على مذهب الشيعة وولّوا غيره.