الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
قد تمضى فترة من الزمن إلى أن يتكون لدى الباحثين تصور دقيق للجهود الأولى التى مهدت لتأليف كتب مستقلة- بعضها ذو حجم كبير- فى الزهد والتصوف، وقد أخذت هذه الكتب فى الظهور منذ منتصف القرن الثانى للهجرة. وتعرف الدراسات الحديثة منذ وقت طويل أن ثمة اتجاها فىالزهد وجد فى صدر الإسلام (64). ورغم هذا فلم تبحث قضية تدوين أقدم نصوص الزهد فى القرن الأول الهجرى، اللهم إلّا ما أشار إليه ريتر من أهمية أقوال الحسن البصرى لبحث تطور التصوف بعد ذلك (65). وكان ريتر متحفظا متحرجا فى الرأى حول أصالة نصين منسوبين للحسن البصرى، أحدهما هو «الأربع والخمسون فريضة» ، والثانى رسالة إلى عبد الرحمن (؟ ) بن أنس الرّمادى وهو ينوى مفارقة مكة (66). ولكن ريتر كان أول من دافع عن أصالة رسالة الحسن البصرى فى الطعن فى القدرية، وتتضمن عبارات وصيغا تحث على الزهد (67). كما أظهر ريتر- فى جلاء- حقيقة «أن الكتابات النثرية العربية ذات المضمون الأخلاقى والتربوى والترفيهى لا تخلو كل منها من قول للحسن البصرى» (68). ووجد ريتر من المفيد أن يقوم باحث «بجمع ما تفرق من أقوال الحسن البصرى ونشرها مجتمعة. ولسوف يتضح فى نفس الوقت فى ضوء هذا المثال أن جمع الروايات المتفرقة لهذه الأقوال القديمة، وما أكثرها
(64) انظر مثلا جولدتسيهر:
Goldziher، Materialien zur Entwicklungsgesc hichte des S? ufismus، WZKM 13/ 1889/ 35 ff.
Goldziher، Vorlesungen ber den Islam، Heidelberg 1910، 139 ff.
وما كتبه ماسينيون فى دائرة المعارف الإسلامية- الطبعة الأوربية الأولى- 4/ 739 - 740.
(65)
انظر ما كتبه ريتر:
H. Ritter، Studien zur Geschichte der Islamischen frommigkeit، Islam 21/ 1933، 1 - 83.
(66)
انظر المرجع السابق ص 7 - 9
(67)
انظر المرجع السابق ص 12
(68)
المرجع السابق ص 13
فى مجال التصوف الإسلامى، يعتبر عملا طيبا (69)». لقد جمع ريتر عددا كبيرا من أقوال الحسن البصرى/ وعباراته المأثورة وبحثها، وحاول أن يدرس استمرار تناقلها وتأثيرها فى الفكر الإسلامى عموما وفى التصوف خصوصا. وقد أكد ريتر أنه لا يريد القول بأن استمرارها يرتبط فقط بالحسن البصرى كظاهرة تاريخية، بل لذلك- أيضا- عوامل أخرى (70).
وتجعل كتب التصوف الإسلامى الحسن البصرى من الروّاد الذين يطلق عليهم «الزهاد الثمانية» (71)، وقد وصل إلينا قسم من أقوال هؤلاء الثمانية وعباراتهم المأثورة، وهؤلاء هم:
1 -
أويس بن عامر القرنى (المتوفى سنة 37 هـ/ 657 م)،
2 -
عامر بن عبد الله بن عبد قيس (المتوفى قبل سنة 60 هـ/ 680 م)،
3 -
هرم بن حيّان (المتوفى بعد سنة 26 هـ/ 647 م).
4 -
الرّبيع بن خثيم (المتوفى سنة 62 هـ/ 682 م)،
5 -
مسروق بن الأجدع (المتوفى سنة 63 هـ/ 683 م)،
6 -
الأسود بن يزيد النّخعى (المتوفى سنة 75 هـ/ 694 م).
7 -
أبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولانى (المتوفى سنة 62/ 682 م)،
8 -
الحسن البصرى (72).
ولم تهتم المصادر بتسجيل أولية تدوين هؤلاء الثمانية لأقوالهم، ويوصفون عادة بأنهم نساك أو زهاد أو عباد أو بكاءون. وكان الأربعة الأخر من هؤلاء الثمانية فقهاء
(69) انظر المرجع السابق ص 13
(70)
انظر: المرجع السابق ص 64 - 65.
(71)
أبو نعيم: حلية الأولياء 2/ 79 - 98، 102 - 161.
(72)
انظر- فى المقام الأول- كتاب حلية الأولياء لأبى نعيم فى عدة مواضع منه، وفضلا عن هذا فقد جمع عدد من المحدثين- فيما يبدو- أقوالهم. وقد وصلت إلينا من هذه الأقوال مجموعة لابن أبى حاتم الرازى (327/ 938) بعنوان:«زهد الثمانية من التابعين» ، سبق ذكره فى الباب الخاص بعلم الحديث.
كذلك، ولم يذكر منهم صراحة إلا الحسن البصرى مؤلفا للكتب. أما أبو مسلم الخولانى الذى يوصف بأنه حكيم (73) فقد ذكر له «كراس» كان يحفظ فيه معارفه ولكن لم يكن به شعر (74) وأوضح من هذا ما وصل إلينا عن الحسن البصرى ومتأخرى معاصريه، نذكر منهم بصفة خاصة: أبا حازم سلمة بن دينار (المتوفى حوالى سنة 140 هـ/ 757 م) ومالك بن دينار (المتوفى سنة 131 هـ/ 748 م). وهناك «صحيفة فى الزهد» وصلت إلينا، ألّفها زين العابدين على بن الحسين (المتوفى 92 هـ/ 710 م) كما تشهد بذلك المصادر الشيعية القديمة نسبيا (انظر: الكافى للكلينى 8/ 14 - 17). وفى الجيل التالى للحسن البصرى وصلت إلينا أقدم أشعار نعرفها فى الزهد ألّفها سابق بن عبد الله البربرى (سيأتى ذكره) وغيره.
وبغض النظر عن رسائل الحسن البصرى فلا نعرف أسماء كتب أخرى ألفها أولئك الصوفية الأوائل، وأغلب الظن أنها كانت/ تتناول ما يطلق عليه «المواعظ» ، و «الخطب» و «الوصايا» و «القصص» و «المسائل» .
وخصص الجاحظ فى البيان والتبيين (3/ 125 - 202) فصلا قائما برأسه بعنوان:
«كتاب الزهد» ذكر فيه مختارات من نصوص الزهد من ذلك الوقت المبكر.
وهناك نصوص أخرى كثيرة فى كتب الزهد المتأخرة، مثل «كتاب الزهد» ، لعبد الله بن المبارك (المتوفى 181 هـ/ 797 م) و «كتاب الزهد» لأحمد بن حنبل. وأكبر مجموعة وصلت إلينا تضم نصوصا من هذا الضرب هى دون شك ما جاء فى كتاب جامع لأبى نعيم الأصفهانى، وهو كتاب:«حلية الأولياء» (75).
***
(73) أبو نعيم: حلية الأولياء 2/ 122،
(74)
ابن حجر: تهذيب التهذيب 10/ 111.
(75)
انظر فيما يختص بكتب التصوف التى ترجمت قبل القرن الثامن الميلادى إلى اللغة السريانية ودورها فى التصوف الإسلامى المقال الذى كتبه فرانسوا نو:
Francois Nau، Apropos d'un Feuillet d'un manuscrit arabe in: Museon 43/ 1930/ 85 - 116، 221 - 262.