الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا- المعتزلة
ظهرت طائفة المعتزلة قبل واصل بن عطاء الذى تذهب الرواية إلى أنه مؤسسها بمثابة مجموعة سياسية أحجمت عن القول فى الخلاف بين على ومعاوية. وكانت هذه الطائفة ضد الأمويين وكانت لها علاقات عقيدية وشخصية مع معتدلى الشيعة، ويقول نيبرج: إنها تمثل العقيدة الرسمية للحركة العباسية (46).
ومن الشواهد الدالة على العلاقة الوثيقة مع معتدلى الشيعة أن الزيدية أيضا يعتبرون واصل بن عطاء أحد رؤسائهم، وأن مذهبهم الدينى قد شكل على طريقة المعتزلة. أما عمرو بن عبيد المؤسس الثانى للمعتزلة فكان على العكس من ذلك ضد العلويين، وكان يفضل أبا بكر على علىّ، ويميل إلى عثمان واكتسب لذلك عددا كبيرا من الأتباع فى البصرة.
ولما استولى العباسيون على الخلافة، لم يلتزموا بتحالفهم المصلحى القديم مع الشيعة فأدى ذلك إلى انشقاق وانقسام، فالمعتزلة بالبصرة تحت زعامة عمرو بن عبيد دانوا للعباسيين بلا تحفظ، فى حين أن المعتزلة الذين تحالفوا مع معتدلى الشيعة ظلوا على عهدهم، وأسسوا لهم مدرسة خاصة ببغداد، ولكنهم جميعا كانوا على رأى واحد ضد الرافضة (47)
وهناك ظاهرة على جانب كبير من الأهمية، هى أن المعتزلة قد أحسوا بأن محاربة «الثنويين» واجب عليهم. فلقد ألف واصل بن عطاء- كما رأينا- كتابا فى نقض مذهب
(46) نيبرج فى: دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الألمانية) 3/ 852
(47)
نيبرج فى المصدر السابق: 852 - 853.
المانوية (48). ويتضح لنا جليا أن المعتزلة كانوا فى حاجة ملحة إلى عقيدة تعتمد على فلسفة الطبيعة، كما يبدو من قصيدة المعتزلى صفوان الأنصارى فى الرد على بشار بن برد عابد النار (49). وفى هذا إشارة إلى الاهتمام بالعلوم الطبيعية وإشارة إلى تطورها/ فى إطار الحضارة الإسلامية فى القرن الثانى الهجرى، ويدل هذا من جهة أخرى على اطراد تطور علم الكلام، كان الاهتمام بفلسفة علم الطبيعة أكثر وضوحا عند أبى إسحاق النظام الذى انفصل عن أستاذه أبى الهذيل العلاف وأسس مدرسة مستقلة بالبصرة. وحينما كان هذا الأستاذ- الذى كان تلميذا غير مباشر لواصل بن عطاء- يرد على «المانوية» ويحارب الرافضة، التى كان يمثلها فى ذلك الوقت هشام بن الحكم المشهور، اعتبر أبو إسحاق النظام نفسه أكبر فيلسوف طبيعى ومناهض ضد فلسفة الدهريين أى ضد الفلسفة الهيلينيّة الآسوية.
وأسس بشر بن المعتمر (المتوفى 210 هـ/ 825 م). ببغداد مدرسة علويّة الاتجاه كانت تقول على الأخص بخلق القرآن. ووصلت هذه المدرسة إلى درجة كبيرة من النجاح فى حكم المأمون (198 هـ/ 813 م- 218 هـ/ 833 م). وكان المأمون متعاطفا مع العلويين، ثم فقدت المعتزلة مكان الصدرة فى حكم المتوكل (من 232 هـ/ 847 م- 247 هـ/ 861 م) عند ما ترك الخليفة القول بخلق القرآن. (50)
ولقد اكتسبت المعتزلة أنصارا لها فى كل من الشام ومصر والأندلس فى القرن الثالث الهجرى، ثم امتدت نحو الشرق فى القرن الرابع الهجرى، وأخذت فى القرن الخامس الهجرى تفقد أهميتها فكان الزمخشرى (المتوفى سنة 538 هـ/ 1143 م) آخر متكلم معتزلى.
(48) انظر: المعتزلة لابن المرتضى: 35
(49)
انظر: البيان التبيين للجاحظ 1/ 27 - 30 حول القصيدة.
(50)
انظر: نيبرج فى المصدر السابق- 853