الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
275 - بو شربية (1321 - 1372 هـ)(1903 - 1952 م)
محمد بو شربية الأنصاري الاديب الشاعر.
ولد بالقيروان، وزاول تعلمه الابتدائي بمدرستها القرآنية التي أسسها الشيخ محمد شويشة، وظل بها إلى سنة 1918 حيث انتقل إلى المكتب العربي الفرنسي، وخرج منه متحصلا على الشهادة الابتدائية سنة 1920، وفي سنة 1921 التحق بالجامع الكبير بالقيروان فدرس فيه سنة وبضعة أشهر تهيئة للالتحاق بجامع الزيتونة الذي احتضنه في؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ في سبتمبر 1922 وتخرج منه محرزا على شهادة التطويع سنة 1928 ناجحا بتفوق.
كان - وهو ما يزال طالبا - يحرر بجريدة «القيروان» لصاحبها الشيخ عمر العجرة، وهي الجريدة التي كان يحرر فيها شباب أدباء القيروان كمحمد الفائز، ومحمد الحليوي، وغيرهما. وكانت من الجرائد الراقية في ذلك العصر لما ينشر فيها من بحوث وأدب وشعر، ونشرت له الصحف الصادرة بتونس قصائد وهو ما يزال طالبا.
ثم تابع التعليم العالي والتدريس بصفة متطوع للتدرب - على هذه الصناعة.
ولما تولى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مشيخة جامع الزيتونة، وهو أول من سمي في هذه الخطة ومثلها مشيخة الاسلام المالكية سنة 1351/ 1932 أدخل بعض الاصلاحات على التعليم الزيتوني كتقسيم التعليم إلى المراحل الثلاث المعلومة، وجعل حصة الدرس لا تتجاوز ساعة، وتعيين مواد الدراسة والشيخ المدرس لها في كل فصل (طريقة) مع بيان أوقات
الدرس لكل مادة، ولم يكن المشايخ المدرسون متعودين بمثل هذه الاصلاحات الجزئية فقد كان المدرس حرا في مدة حصة الدرس التي تستغرق وقتا حسب رغبته. سمعت من الشيخ محمد السلامي - وهو معاصر للشيخ الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الخضر حسين - أنه قرأ شرح التاودي للعاصمية على الشيخ عمر بن الشيخ فكان درسه يستمر ثلاث ساعات من التاسعة إلى الزوال، ويأتي الدرس ومعه عون حامل لمجلدات كثيرة يراجع منها بعض النصوص والنقول التي ذكرها التاودي.
وكان التلاميذ احرارا في انتخاب المدرس الذي يروق لهم، وساعات التعليم غير منضبطة بوقت محدد، بل تبتدئ أحيانا من صلاة الصبح وتستمر إلى صلاة العشاء، ومثل هذه الاصلاحات التنظيمية لم يقبلها كثيرون من خصوم الشيخ ابن عاشور بارتياح، وراحوا يكيدون له الدسائس، ويسودون المقالات في جريدة «الزهرة» وسمى الشيخ الطاهر بن عاشور المترجم قيما عاما، وأوصاه بأن ينبه عند اقتراب الساعة على انتهاء موعد الدرس، وأن ينبه عليه نفسه إذ كان يقرئ درسا في الموطأ عند الساعة الحادية عشرة فكان المترجم ينبه عليه فعلا عند اقتراب انقضاء الساعة بعبارته التقليدية:«سيدي وقت» فيجيبه الله يبارك ويقرأ فاتحة الكتاب وينتهي مجلس الدرس.
وفي ذات مرة كان الشيخ محمد الصالح بن مراد (المتوفى سنة 1399/ 1979) يقرئ درسا فنبه عليه المترجم «سيدي وقت» فحدجه بنظرة منكرة، واستمر في إلقاء الدرس، وبعد لحظة اخترق المترجم حلقة الدرس (وهذا من الكبائر عندهم) وخطف من أمامه سجل مناداة التلاميذ قائلا: أنا نبهت عليك باقتراب الوقت وأنت تنظر إلي كأنني لم أعجبك أو كأنني أتصرف حسب هواي، احترم القانون ولا تعد لمثل هذا. وانفض المجلس، وتحلق حول الشيخ ابن مراد الناقمون المتضايقون من هذا الاجراء يسألونه ماذا حدث؟ فقال: إنه انتهك حرمة درسه باختراقه
الحلقة، وحكى لهم ما قال فقال احدهم: انه وقح، وقال آخر: ملاّسي بوقلة هذا الذي عملهونا (1).
وفي هذه الفترة كان الناقمون على الشيخ ابن عاشور يكتبون المقالات الغثة الباردة في جريدة «الزهرة» ، ويرد عليهم أنصاره والمؤيدون له في جريدة «النهضة» ومنهم المترجم. والكاتبون في جريدة «الزهرة» لا يخلون من تمحل وضيق أفق، وذات مرة ضاق المترجم ذرعا بهذه المقالات فكتب بجريدة «النهضة» مقالا مثيرا صارخا عنوانه «جنازة عجوز الصحف التونسية فاللهم مشامة وسحقا» وكان للمقال دوي في أوساط المؤيدين والناقمين (2).
ثم تخلى عن خطة قيم عام لنجاحه في مناظرة التدريس سنة 1934 «بعد أن كبده الاستعمار الفرنسي من جانب والحزازات النفسية من جانب آخر ثلاث خيبات في المناظرات مع مقدرته العلمية والادبية ومهارته في صناعة التدريس التي كانت مثار الاعجاب في الأوساط الثقافية بتونس «وقفات ونبضات ص 96» «ارتمى في خضم السياسة منذ نعومة أظفاره، وبذل وسعه في سبيلها بخطابته وشعره، والتحق بزعماء الحركة السياسية، فكان ينطق بالسنتهم مسخرا أدبه ووقته لاعلاء كلمتهم التي هي كلمة الدين والوطن .. ولقد لقي في اندفاعه السياسي ما لقي من سجن واضطهاد وابعاد عن حياته الثقافية» (باختصار من المرجع السالف ص 97).
والمترجم طويل القامة قوى البنية، يضع نظارتين سميكتين على عينيه لشدة ضعف بصره، صوته أجش أصحل له رنة خاصة تعين على ابقاء الكلمات في الذاكرة. بقي عالقا بذاكرتي انه في يوم عيد العروبة الثاني (افريل 1947) ألقى قصيدة طالعها:
(1) سمعت هذه الحكاية من الصديق الشيخ محمد عبيد (من القلعة الكبرى).
(2)
سمعتها من الشيخ رمضان الطرابلسي الليبي الأصل من جبل ككلة، وقد بلغني أنه بعد إحالته على التقاعد انتقل إلى ليبيا.
يوم العروبة هذا عيدك الثاني
…
يفتر عن أمل بالشعر اغراني
نشرتها الصحف التونسية وجريدة «البصائر الجزائرية.
وهو في دروسه يميل إلى التنكيت، ويحسن تقليد الأصوات، مع إشارات وحركات تضفي مسحة تمثيلية على الدرس، وتطرد شبح السآمة، مع اطلاع حتى على الطبوع الموسيقية، وفصاحة لسان وحسن توجيه وارشاد مما جعل درسه محببا لا يمل، وكان بعض التلاميذ يتضايقون من تنكيته لكنهم سرعان ما يتراجعون لتبين سلامة القصد، وفي ذات مرة اتهمه أحدهم بالتحيز والمحاباة فقال له: يا ولدي لا تتهمني بهذه التهمة لأني أوذيت في سبيل مقاومتها، وأنا إلى الآن متمسك بمبدئي لا أتحول ولا ألين، فقد طلب مني ذات مرة أن يجلس بجانبي تلميذان (من عائلة ارستقراطية علمية بتونس) لئلا يختلطا ببقية التلاميذ فقلت للطالب: يجلسان حيث ينتهي بهما المجلس لا أقيم للفوارق الطبقية وزنا، فكان جزائي أن أوقفت عن التدريس ثلاثة أشهر بدون مرتب».
وكان له آراء أدبية سديدة، وذوق رفيع، واطلاع على الاتجاهات الادبية في مختلف العصور، ومعرفة واسعة بتراجم اعلام هذه الاتجاهات، وهو شاعر مجيد، على شعره مسحة من التشاؤم العلائي، وفيه روح تقدمية وثورة جامحة على أوضاع مجتمع عصره، ونشرت له جريدة «النهضة» في صفحتها الادبية قطعا شعرية من ديوانه تحت عنوان (الديوان المقبور) فانذرت من حكومة الحماية الا تتمادى على هذا النشر، وترجمت مجلة «الحياة» الفرنسية طائفة من قصائده «وأذكر أنه أكد لي في إحدى جلساتنا الادبية أن هذه العناية المذكورة لم تكن إلا إغراء وتحريشا (وقفات ونبضات ص 103).
أصيب بمرض السكر في السنوات الأخيرة من حياته، وسافر مرة إلى بلدة عين دراهم صحبة جماعة من زملائه ابناء بلدة القيروان منهم الامجد قدية، وعبد الرحمن خليف، وانقلبت السيارة لسقوطها من مكان مرتفع