الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
342 - العامري (1325 - 1398 هـ)(1903 - 1978 م)
محمد الهادي العامري من بلدة القلعة الصغرى بالساحل التونسي، كاتب أديب له عناية بالتاريخ. تخرج من جامع الزيتونة وسنه نحو العشرين عاما وباشر التعليم بالمدرسة القرآنية التابعة للجمعية الخيرية الاسلامية بتونس، وتعرف فيها بمديرها الاستاذ الطاهر صفر، وبزميله محمد الصالح العياري الذي أصبح طبيبا فيما بعد، واستمرت صلة الصداقة بينهما. وبعد سنوات انتقل إلى المنستير مديرا للمدرسة القرآنية بها، ولبث بها نحوا من عشرين عاما إلى أن جاء الاستقلال وهدمت المدرسة في نطاق الاصلاحات فالحق بالفرع الزيتوني بسوسة لمدة عام حوالى 1958 - 59 ثم عاد إلى التعليم الابتدائي في بعض مدارس سوسة إلى أن أحيل على التقاعد حوالى سنة 1970.
وفي مدة مباشرته للعمل بالفرع الزيتوني بسوسة تعرفت به إذ كان في أوقات الفراغ يجلس بالادارة وجرت بيننا مباحثات تاريخية، وأدبية متنوعة فاستنجبني واستضافني في منزله بالقلعة الصغرى، وأطلعني على مكتبته، ودارت بيننا أحاديث حول بعض الكتب وتراجم مؤلفيها كفتح الباري للحافظ ابن حجر، والبحر المحيط لابي حيان الأندلسي، وسمع مني معلومات استغربها لعدم اطلاعه عليها وسألني عن مصادري فذكرتها له فازداد إعجابا، واستضافني بمنزله مرات عديدة، وفي إحدى الزيارات أطلعني على كتابه المخطوط في تاريخ تونس «تونس في مواكب الحضارات والعصور» في جزءين ضخمين وطلب مني إبداء ملاحظاتي فقرأت كثيرا من فصول الكتاب وابديت له ملاحظات حول الاسماعيلية مذهب العبيديين فناقشني وأتاني
بجزء من تاريخ ابن خلدون ومقدمته وبينت له عدم صحة استنباطه وطلب مني تحريرا وجيزا في الموضوع عن أسس المذهب الاسماعيلي واساليبه الدعائية مدعما بالمصادر ففعلت وأحلت على المصادر من كتب الفرق والتاريخ، وعلى ضوئه حور الفصل المتعلق بالعبيديين، كما أبديت له ملاحظات حول العصر الحفصي، وأن البحث يتطلب الاطلاع على إنتاج ذلك العصر حتى كتب الفتاوى وكتب شرح الحديث وكتب الفقه وكتب الرحلات، واعلمته بأني جردت ما يتعلق بالتاريخ التونسي من شرح الآبي على مسلم «اكمال اكمال العلم» وهو في سبع مجلدات وأن لدي مختصرا من رحلة العبدري علقته في اخريات عهد الطلب، وحرصت فيه على نقل كل ما يتعلق بالتونسيين والنازلين بتونس من الاندلسيين فتلهف للاطلاع عليهما فاعرتهما له، وقد أعاد تحرير العصر الحفصي على ضوء ما أمددته به، وفي كتابه «تاريخ المغرب العربي الكبير في سبعة قرون بين الازدهار والذبول» المطبوع احالات كثيرة على كتاب «اكمال اكمال المعلم» وطلب مني امداده بما لدي من كتب تاريخية حديثة لها صلة بتاريخ تونس فلبيت طلبه، وكنت استصحب الكتب معي من صفاقس إلى القلعة الصغرى، ويرجعها إلي بعد قضاء حاجته منها بحالة غير جيدة ولم تنقطع صلة الزيارة والمراسلة بعد نقلي إلى مسقط رأسي صفاقس، وكان يطلب مني مشافهة ومكاتبة بأن اعلمه بكل فائدة لها صلة بالتاريخ التونسي اثناء مطالعاتي، ولم أبخل عليه بتلبية مرغوبه، وترجمت قليلا من الفرنسية عن اواخر الدولة الحفصية، وخير الدين بربروس، وأعرت له خلاصة ما اقتبسته من كنش تونسي في شذرات عن الادب في العصر الحسيني، هذا عدا ما كان يطلب مني مكاتبة من ترجمة فلان وعلان.
وبعد صدور كتابه «المغرب العربي في سبعة قرون» ضنّ باهداء نسخة إلي، ولو كان الأمر مجرد صداقة لا أعتب عليه في عدم الاهداء، ولكن بعد اتعابي وامدادي له بالكثير مما لا يعلم صعقت وذهلت وبعد انتظار نحو ثلاثة أشهر كاتبته معاتبا وعاذلا فاعتذر بأن الطبعة سيئة (وهل لم
يهد من هذه الطبعة شيئا) وذكر أن الكتاب بصدد إعادة الطبع وكذب وما صدق. وفاتني أن أذكر أني وضعت له فهرس المصادر والمراجع وقال لي بأنه خدمة جليلة للكتاب. وما سبق ذكره ليس تقولا لا أساس له بل عندي رسائل بخط يده تثبت كثيرا مما ذكرت. وكان موقفه الأخير معي باعثا على الامتعاض والمرارة، فقطعت صلاتي به من زيارة ومراسلة نحو ثلاث سنوات قبل وفاته، رحمه الله وغفر له، ذكرت ما ذكرت خدمة للحقيقة والتاريخ. وكان من المنتجين بالاذاعة منذ تأسيسها، ولم ينقطع عنها إلا في فترات وجيزة معينة، ونشر في جريدة لسان الشعب لصاحبها السيد البشير الخنقي فصولا تبلغ الاربعين بعنوان «سانحة» ، وذكر لي أن جريدة البلاغ المصرية تنشر مقتطفات وأحيانا تنشرها كاملة، وهذه السوانح تتناول السياسة والاجتماع والقضايا الادبية.
ونشر كثيرا من الدراسات الادبية في مجلة «المباحث» في سلسلتها الثانية الصادرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، نشر فيها دراسة عن المتنبي بعنوان «فتنة العصور» ودراسة عن الادب الاندلسي، ونشر في مجلة الفكر تراجم لكثير من أعلام التونسيين في مختلف العصور ممن كان لهم تأثير في الاتجاه الفكري والادبي.
وفي مجلة «الفكر» ساهم في المعركة التي دارت بين الدكتور ابراهيم السامرائي (الذي كان استاذا بكلية الآداب بالجامعة التونسية) وعبد المجيد بن جدو (من أسرة الاذاعة) ونور الدين صمود (أستاذ في العربية وشاعر) عن شعر الشاذلي خزنه دار وقيمته.
وكان من قلة ذوق ولياقة المترجم وابن جدو أن قالا ما معناه عن الدكتور السامرائي: «إنه اجنبي لا يفهمنا، ولماذا يقحم نفسه في شئوننا» أو نحو هذا وهذا محل تعجب ودهشة فابراهيم السامرائي عربي من العراق القطر العربي، وله اختصاصات لغوية، وثقافة أدبية متينة، فكيف لا يفهم
الشاذلي خزنه دار؟ وهل يحجر عليه دراسة أدب خزنه دار لأنه اجنبي عنا؟ إن تراث خزنه دار يحق لكل عالم بالعربية وآدابها دراسته سواء كان مشرقيا أو مغربيا، والعلم والأدب يتعاليان عن قيود السياسة في تحديد الاقطار لانهما لا وطن لهما، وحسب منطق هؤلاء هل يحجر على التونسي أو غيره من ابناء العربية دراسة شعر الرصافي أو الزهاوي العراقيين؟ بحجة أنهما اجنبيان، سبحان الله، إن الانسان في فورة الاندفاع والحماس يكتب أحيانا ما لا يقبل، وأتذكر أني زرته في منزله أثناء هذه المعركة، وسألني هل أنا متتبع لها؟ فأجبته بالايجاب، ودار نقاش بيننا حول شاعرية خزنه دار، وقلت له بأن شعر خزنه دار كسيح لا يحلق وقريب الغور، ولولا ما فيه من حسن سبك وموسيقى وخدمة للأغراض الوطنية لعد نظما مبتذلا، وأنت تدافع بحماس عن قضية غير مضمونة النجاح، فلم يهضم هذا الكلام، وأطلعني على أبيات لخزنه دار في تهنئته بميلاد ابنه عياض بعد تفتيش في مخبئاته، وقرأت الأبيات: هذا مما يؤكد عندي ضعف شعر خزنه دار، وكأنه يريد أن يدلل على أنه شخصية مرموقة بهذه التهنئة الصادرة من أمير الشعراء بتونس، وقد نشر هذه التهنئة بمجلة الفكر اثناء دفاعه عن خزنه دار، وكانت محل تفكه وتندر لدى كثير ممن سمعت.
وسمعت منه في مجالسه أنه كان على صلة بالشيخ محمود موسى مفتي المنستير وشاعرها يجلس معه في المقهى بعد الفراغ من العمل، ويسهر أحيانا في داره إلى أن تشيب ذوائب الليل، وحكى لي كثيرا من نوادره وطرائفه ووصفه بسلاطة اللسان والمجابهة بالمكروه وحكى لي أحداثا تثبت ذلك، وأثنى على علمه وأدبه واطلاعه، وكانت له صلة بالشيخ أحمد أديب المكي (من مكة المكرمة) نزيل سوسة الكاتب بإدارة عملها، وذكر لي طرفا من نوادره وطرائفه، وإنه كان سليط اللسان، محدثا فقيها راوية للأدب العربي لغويا شاعرا وإن الشيخ محمد موسى نعته بأن الشعر أقل خلاله. وهكذا كانت مجالسنا لا تخلو من أمثال هذه الاحاديث، ومن الخوض في السياسة والادب والتاريخ واللغة والتفسير والحديث، وكان جيد المشاركة في هذه